أغبياء أولئك الذين لا يحبون كرة القدم، إنها لا تقل أهمية عن القصة والرواية.
توماس ستيرنز إليوت

لم يكن تي إس إليوت وحده من قرن كرة القدم بالقصص والحكي، فكل من تذوق كرة القدم بعيدًا عن التطرف وجد فيها قصصًا أعمق من ممارسة اللعبة، بل إن كل مباراة تحمل في طياتها قصص عن الفوز والهزيمة والانكسار والشجاعة والرهانات المستحيلة.

ولأن كرة القدم أصبحت تُلعب دون توقف خلال العام فكان منطقيًا أن يحمل لنا عام 2023 عشرات من قصص كرة القدم، إلا أننا قررنا أن نتناول ثلاث قصص ربما لم يلتفت لها الجميع لكننا هنا لنوثق تلك القصص لأنها تقدم لنا زاوية تناول جديدة لكرة القدم.

نحن هنا لنودع عام 2023 رفقة ثلاث قصص عن قميص وردي وفتى من جورجيا وعجوز سويسري.

ميسي: سر القميص الوردي

لا يستحق لاعب أن يوصف بأنه هدية الله إلى هؤلاء المتيمين بكرة القدم إلا ليونيل ميسي، هذا المتفرد الذي أحيا فينا ليالي لا تنسى من المتعة، لكن لكل قصة نهاية ولا أحد يمكنه تحدي الزمن.

حمل عام 2023 نهاية ميسي مع كرة القدم كما يليق بمشهد النهاية السعيدة للبطل في نهاية القصة، حيث يستلقي فوق شاطئ جزيرة هادئة وحوله كل شيء بلون السعادة، وفي قصة ميسي لون السعادة كان اللون الوردي.

قرر الأرجنتيني الانتقال إلى إنتر ميامي الأمريكي، الذي يلبس قميصًا بلون وردي، وفي غضون يومين فقط تلقت شركة أديداس المسئولة عن تصنيع القميص ما يقرب من 500 ألف طلب من المتاجر والموردين لشراء قمصان باللون الوردي، الفكرة أن أديداس نفسها كانت بحاجة لكميات أكبر من القماش باللون الوردي.

لمحاولة اللحاق بالطلب المجنون، قامت أديداس بتوفير نسيج البوليستر الوردي المعاد تدويره لصناعة القمصان في أقرب مكان ممكن من المصانع في جنوب شرقي آسيا حيث تتم عملية التصنيع، مما أدى في بعض الأحيان إلى إهمال عملية إنتاج الملابس لفرق أديداس الأخرى.

لتقليل وقت الشحن، تم إرسال الدفعات الأولى من قمصان ميسي في شُحنات صغيرة، بمجرد خروجها من خط الإنتاج. إلا أن هذا الإنتاج كان يتبخر بمجرد وصوله والمثير أن البيع لم يكن حكرًا على محال شركة أديداس حيث انتشرت قمصان مُقلدة تباع من خلال أكشاك وباعة جائلين لبيع قميص ميسي.

في بوينس آيرس، أصبح ميسي أيقونة الشعب الخالدة بعد الفوز بكأس العالم في قطر، لذا انتشرت القمصان الوردية للبيع في متاجر وأكشاك بطول شارع كالي المزدحم أما في أوروبا فقد انتشر قميص ميسى حيث ارتداه الجميع بعيدًا عن الانتماءات.

يوضح السيد «تور ساوثارد» مدير شركة أديداس في أمريكا الشمالية أن المبيعات الرسمية تجاوزت كل المعايير التي كان من الممكن أن تتخيلها الشركة أديداس، أصبح القميص الوردي الأكثر مبيعًا متفوقًا على جميع الأندية الأوروبية الخمسة المشهورة التي تعتبرها العلامة التجارية جواهر التاج في صناعتها وهي أندية مانشستر والريال ويوفنتوس وبايرن ميونيخ وأرسنال.

تبدو تلك القصة مُلهمة لأنها تحمل نهاية تليق بميسي وتأثيره، رجل اعتزل كرة القدم إكلينيكيًا يجعل قميص فريق مغمور أهم قطعة من البضائع الرياضية على هذا الكوكب!

ربما حمل عام 2023 لقطة النهاية السعيدة لميسي لكنه في المقابل كتب الفصل الأول في حياة فتى بسيط من جورجيا في لحظة ما امتلك العالم بأسره وكأنه نبي بعث إلى مدينة نابولي التي انتظرته لسنوات.

خفيتشا كفاراتسخيليا: النبي من صربيا

منذ وصولي، شعرت وكأنني في حلم.

يكمن سحر كرة القدم وقصصها دومًا في فكرة عدم اليقين، تطورت كرة القدم وتعقدت كثيرًا لكنها تحتفظ بهذا العامل السحري حيث لا يضمن أحد شيئًا، لا نتيجة محسومة ولا انتقالًا بمائة مليون يضمن التألق.

لذا تبدو قصة كفارا مثال حي أننا في عام 2023 وما زلنا نشهد معجزات كرة القدم، فبينما تبحث الأندية الضخمة عن اللاعبين وتلتقطهم قبل سن المراهقة، وبينما لاعبو كرة القدم يمتلكون وكلاء وهم في سن العاشرة ويوقعون صفقات الرعاية وهم لم يبرحوا بلادهم الفقيرة بعد، كان هناك على الجانب الآخر تمامًا من هذا الجنون فتي صربي يدعي كفارا.

يظهر بطل القصة هادئًا خجولًا وقد وصل إلى نابولي مقابل ما يزيد قليلاً على 10 ملايين دولار في الصيف الماضي. وفي غضون بضعة أشهر، اكتشفت جماهير نابولي أن عودة السكوديتو ممكنة لأنهم يملكون لاعب كرة قدم استثنائيًا تمامًا حتى إنهم أعطوه لقب «كفارادونا».

بدأت إحدى الشركات في جورجيا ترتيب رحلات طيران إلي نابولي تتزامن مع مباريات الفريق على أرضه، مما يضمن أنه في كل مرة يدخل كفارا فيها ملعب دييغو مارادونا، تظهر زاوية صغيرة من الملعب بالأعلام الجورجية وتضم بضع مئات من مواطنيه هناك أتوا خصيصًا لرؤيته.

بحلول بداية العام الحالي كان وكيل أعماله مضطرًا إلى إخماد الحديث عن انتقاله خارج نابولي بالإشارة إلى أن قيمته التسويقية تساوي 100 مليون دولار وليس أقل من ذلك. إلا أن كفارا خلال بقية العام لم يتغير أبدًا، يركض بشعره الأشعث وكأنه شارد الذهن على الدوام، ويظهر بلحيته الكثيفة غير المكتملة لدرجة أن يمتلك لقبًا آخر؛ «تشي كفارا».

استطاع هذا الفتى من جورجيا أن يهدي نابولي لقبه الإيطالي الأول منذ 33 عامًا، قصة تبدو خيالية لكن هذا ما حدث وقد عبر كفارا نفسه عن تألقه هذا بأن أعظم أصوله هو الخيال الجامح والحرية التي يلعب بها كرة القدم.

لذا سيبقى عام 2023 هو العام الذي أتي فيه شابًا لا يشبه كرة القدم الحديثة ليحقق حلم طالما آمنت به مدينة تتنفس كرة القدم. والعجيب أن النصف الثاني من العام خفت نجمه كثيرًا، وكأنه أدى رسالته وفي انتظار بعث جديد.

أما محليًا فقد قدم لنا عام 2023 قصة كولر السويسري الذي اختبر كل المشاعر في عام واحد فقط.

مارسيل كولر: فلسفة الفوز الأحمق

لم نقصد هنا أن قصة كولر مع الأهلي نفسه هي أبرز قصص عام 2023، لكن قصة حصوله على كل البطولات المتاحة محليًا أو قاريًا، ثم ينتهي به العام بقدر هائل من التشكيك بسبب مباريات انتهت بالتعادل في الدوري قتلك قصة تستحق أن تروى.

تخيل للحظات أنك السيد كولر، وأنك اجتحت كرة القدم محليًا وأفريقيًا بشكل كامل لأنك مدرب جيد مجتهد، وهو الأمر الذي نتج عنه دعم هائل من الجماهير وإلحاح من الإدارة للتجديد. ثم وفي بدايات الموسم التالي وكعادة كرة القدم نفسها اهتز مستوى الفريق بتلاحم المباريات ونقص الدوافع وخسرت بطولات شرفية ليتهمك الجميع أنك غير جدير بوظيفتك من الأساس!

ربما حينئذ سيرتسم على وجهك نفس نظرة الدهشة التي علت وجه كولر ردًا على صراخ مشجع حزين بعد تعادل الفريق في مباراة في الدوري المحلي، ما قدمه عام 2023 لكولر هو آفة الكرة المصرية؛ المغالاة والتطرف.

تؤمن بعض جماهير الأهلي أن فلسفة الفوز تعني أنها يجب عليها الفوز على الدوام، وهو الأمر الساذج المخالف لجمال كرة القدم بل ويتم الدعوة لتلك الفلسفة بعنف ويتم انتقاد الرجل في الإعلام بشكل عجيب لأن مستوى الفريق اهتز ولأنه أخطأ في بعض التغييرات، وفي بداية هذا العام كان هذا الرجل هو النموذج والأيقونة والخبير الذي يجب أن نقتدي به إذا ما أردنا للكرة المصرية النجاة.

الآن إذا كان عليك تذكر عام 2023 على أنه العام الذي تلا كأس العالم فقط، أرجوك تذكر قميص ميسي الوردي وكفارا الذي أتى من بعيد ليسعد مدينة الجنوب ونظرة كولر التي تفسر لك أننا نشجع كرة قدم أخرى غير تلك التي يعرفها العالم.