منذ أسابيع قليلة انفجرت السخرية في كل وسائل التواصل الاجتماعي من بعض «المصادر الموثوقة» التي تحدثت عن إنهاء الأهلي صفقة السنغالي كيتا بالدي من كالياري الإيطالي.

اشتمل الأمر على تذاكر سفر تحمل اسم اللاعب بالكامل وبيانات رحلة حقيقية آتية إلى مصر، وتصريحات ممن قالوا إنهم وكلاء أعمال للسنغالي، والأهم كمية لا حصر لها من «أول من أخبركم» تتحدث عن الصفقة كما لو كانت أمرًا واقعًا.

وفي ظل ارتفاع مستوى كيتا بالدي وشهرته عالميًا واستحالة وصوله بعمر 27 عامًا إلى الدوري المصري، وهو الذي كان منذ سنوات قليلة لاعبًا لإنتر ميلان ولاتسيو وموناكو، وقبلها كان ناشئًا برشلونة وخريج أكاديمية «لا ماسيا»، فإن الصفقة اكتسبت زخمًا كبيرًا وصلت إلى صحفيين مرموقين ممن يطلقون على أنفسهم «مقربين إلى النادي الأهلي».

بالدي لم ينتقل؟ إذًا فهو رمضان!

حين أعلن نادي سبارتاك موسكو الروسي انضمام كيتا بالدي إلى صفوفه، وقف كل أولئك بين سهام النقد وأبواق السخرية التي وصلت إلى الصحافة الروسية نفسها، التي سخرت من شلال الأخبار الكاذبة التي وجدوها على محركات البحث عن انتقال كيتا بالدي إلى الأهلي، بينما كان الأمر برمته على غير أي أساس صحفي، حتى من غير حديث وكلاء أو من «جس نبض» أو أي شيء.

المريع في الموضوع أن الصحفي الذي أخرج تذكرة السفر وادعى الانفراد بالموضوع هو رئيس تحرير أكثر من برنامج تلفزيوني مهتم بالشأن الرياضي، هو ممن يعرفون أنفسهم دائمًا بأصحاب الكواليس، وأنه الذاهب عكس التيار وأول من أخبرنا بكل شيء، وحين سقط تلك السقطة خرج في اليوم التالي مباشرة على الهواء ليدلي بانفرادات من ذات النوع مثل أنه «أول من أخبرنا بأن رمضان صبحي يريد العودة للأهلي» وما إلى ذلك!

رونالدينيو في الزمالك: بجد يا سيادة المستشار؟

يمكننا أن نشرح كيف يكون خبر ما دون أساس من الصحة. انظر إلى واحدة من أبشع الشائعات وأكثرها إثارة للضحك عبر التاريخ، رونالدينيو في الزمالك… هل تذكرون؟

في مداخلة لرئيس الزمالك مرتضى منصور مع خالد الغندور عام 2015، تحدث بمنتهى الثقة حول إمكانية ضم الزمالك للبرازيلي رونالدينيو الذي كان يقضي أيامه الأخيرة في الملاعب آنذاك، لتنفجر موجة من السخرية.

ولكن حتى تلك الشائعة لها بعض الأساس من الصحة إن تم تناولها صحفيًا، أولها أن المصدر المعني نفسه «نادي الزمالك ممثلًا في رئيسه» قد تحدث عن الأمر، لذا فإن افتعال قصة عن عرض رسمي من الزمالك لضم رونالدينيو حتى ولو لم يتم تقديمه، ليس أمرًا بعيدًا عن الأساس الصحفي.

رونالدينيو آنذاك وقت مداخلة مرتضى كان في دبي، مدينة عربية يسهل فيها اللقاء بمصريين ممثلين عن الزمالك. وكيل أعماله هو أخوه وكان معه في نفس الرحلة فمن الوارد أن يكون أي منتمٍ للزمالك قد تحدث ولو على سبيل الدردشة معه، إذن هناك أساس ما للقصة، حتى ولو كان قطًا بريًّا في غابات بنسلفانيا غير مستعد لتصديقها من شدة استحالتها!

قصة بالدي مختلفة، أي من هذه المقومات حتى لم تحدث، ليس للرجل وكيل مقرب لمصريين، ليس اللاعب في مرحلة عمرية يترك فيها أوروبا لصالح الدوري المصري، لا يوجد عرض لا يوجد تصريح من الأهلي، لا حديث، لا أساس، لا شيء!

الأمر مختلف أيضًا عن خبر كاذب انتشر عن توقيع أشرف بن شرقي رسميًا للأهلي بعد دخوله فترة السماح مع ناديه السابق الزمالك، الأهلي لمح للأمر عبر أمير توفيق، اللاعب لم ينفِ وهو في القطر المصري ووكلاء الأعمال مقربون من الأهلي والزمالك، فأيًا كانت النتيجة وهي أن بن شرقي لم يوقع للأهلي وأن الصفقة لم تحدث، فإن هذا الأمر لا يندرج تحت هذا المستوى السخيف من الشائعات الذي بات يحدث بشكل غير مسبوق في التناول الصحفي المصري.

الصحفي «الأكاونت»

منذ مونديال 2014 على وجه التحديد، الذي فرض بعد المسافة بين البرازيل المضيفة له والصحفيين الأوروبيين أن يستخدموا حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي كأداة توثيق سريعة تنقل كل شيء، باتت ظاهرة حسابات الصحفيين على مواقع التواصل واعتبارها منصات صحفية معتمدة ومصادر لا غبار عليها من أسس التناول الإعلامي.

باتت هناك فقرات كاملة في القنوات التلفزيونية تستعرض وسائل التواصل الاجتماعي وما يدور فيها من قيل وقال حول العديد من الملفات، وأصبحت حسابات تلك الصحفيين مصدرًا للصحف والمواقع الإخبارية وليس العكس.

حساب مثل حساب الصحفي فابريزيو رومانو على «تويتر» بات مسؤولًا عن نصف أخبار الانتقالات في كبرى الصحف، ورغم أنه في بعض الأحيان يلجأ لتجميع ما يحدث في الميركاتو ثم يبادرك به دون انفراد، فإن له صفقات كان فيها صاحب الانفراد الأول.

وصحيح أن صفقة انتقال كريستيانو رونالدو إلى مانشستر يونايتد على سبيل المثال كانت من الملفات السوداء في مشوار رومانو وهو الذي قال بوضوح ليلتها، إن صفقة انتقاله إلى مانشستر سيتي قد تمت وبدأ في مناقشة البنود الشخصية لها واستعراضها عبر حسابه، إلا أن رومانو لا يجرؤ على اختلاق قصة من الفراغ كتلك التي حاكها «المقربون من الأهلي» حول كيتا بالدي.

جيرارد روميرو الصحفي الكتالوني أيضًا حالة فريدة في ما يتعلق بأخبار برشلونة، وُفق خلال الميركاتو الصيفي المنصرم لبرشلونة في أكثر من مناسبة، لكن اليوم الأخير كان كارثيًا وتحديدًا في ملفات ادعاها مثل رحيل ممفيس ديباي وجوردي ألبا وجلب بيرناردو سيلفا، تظل النسبة بشرية، مرة يخطئ ومرة يصيب، ولكل أساسه الصحفي الذي يمكن أن تشير إليه أيًا كانت نتيجة الانفراد.

ولكن هذه الظاهرة تستغل في مصر استغلالًا بشعًا، لا يحتاج الأمر لأكثر من حساب على مواقع التواصل الاجتماعي الآن حتى يخرج الصحفي –أو حتى غير الصحفي- ليتحدث عن انفرادات ومعلومات خاصة بشكل مثير للتقيؤ، ولكنه أيضًا محفز للإعجابات والمتابعات، وهذا هو السر.

حساب أحد الصحفيين «المقربين للأهلي» على سبيل المثال بعد رحيل بيتسو موسيماني وسعي الأهلي لإيجاد بديل له، كتب بوضوح أن «روي فيتوريا مدرب الأهلي القادم على مسؤوليتي الشخصية وبعد استئذان المصادر».

لا يوجد جملة أكثر موثوقية من تلك الجملة للتعبير عن حدث حقيقي، كل التفاصيل واضحة والرجل استأذن المصادر، أي استأذن الأهلي وروي فيتوريا، لا سبيل إذا لنقض هذه المعلومة!

ما رأيك أن فيتوريا لم يدرب الأهلي؟ ما رأيك أن كل هذا كذب؟!

ما رأيك أن هذا الشخص نفسه خرج على ذات المنصة بعد التوقيع مع ريكاردو سواريش ليكتب: «نشكركم على حسن تعاونكم» مستدعيًا ذلك المشهد من مسلسل «دموع في عيون وقحة» عن خداع المخابرات المصرية لنظيرتها الإسرائيلية، كما لو كان هذا الصحفي قد استخدم طعمًا كي يمرر توقيع الأهلي لريكاردو سواريش الذي كان برشلونة وباريس سان جيرمان يتصارعان عليه آنذاك مثلًا.

المصدر لا ينفي!

من الأشياء غير المفهومة أيضًا هي معضلة: لماذا لم يعد المصدر الأصلي مهتمًا بالنفي؟ حتى وقت قريب، كان استدعاء اسم الاهلي على سبيل المثال لادعاء القرب من لاعب بعينه بينما الأمر كله لا أساس له، مدعاة لخروج أحد مسؤوليه لنفي الخبر وإحراج المصادر الكاذبة.

اختفى هذا السلوك مؤخرًا، من الأهلي وغيره، زخم السوشيال ميديا بات من الأهداف المرجوة في كل ميركاتو، وكأن حركة كل فريق في موسم الانتقالات تحتاج كل هذا الكذب كي تظهر، حتى يبدو المسؤول كما لو كان يفتح الأبواب في كل الاتجاهات ويعمل بجد من أجل الكيان وما إلى ذلك.

لا اعتذارات

الأكثر سخفًا هو أن أيًا من أولئك الكاذبين لم يعد يكلف الخاطر أن يعتذر مرة واحدة عن «خبر مضروب» أو يشرح للمتلقين ما الثغرة التي جعلت القصة تختلق برمتها على هذا المنوال.

للأسف، كل ما تعلمناه في الصحافة عن قواعد الاعتذار الصحفي، كيف تكون بذات المصطلحات وفي ذات المساحة وذات التوقيت، وكيف أنه من الضروري أن تفسح المجال للأطراف المذكورة كي تمارس حق الرد، كل هذا بات من الماضي إلا من رحم ربي، لأننا بصدد «صحفيين» لا يحترمون أنفسهم ولا متابعيهم، ومتابعين مستعدين لتصديق أي شيء، مقابل أن تظل راية «الكيان» خافقة وهاجة!