خلال موسم 2015/2016، الأخير لبرندان رودجرز كمدير فني لليفربول الإنجليزي، انتشرت شائعة تشير إلى أنّ الأيرلندي الشمالي بدأ في الاستماع لبودكاست «Anfield Index» الذي أطلقته مجموعة من أنصار النادي.

وقتئذٍ كانت نتائج الريدز سيئة، ومع ارتفاع نغمة الانتقادات التي آلت بالنهاية لإقالته، قيل إنّ رودجرز كان حريصًا على معرفة ما تُفكِّر به الجماهير التي تتابع الفريق عن كثب.

حقيقةً، لم يتم تأكيد أو نفي هذه الشائعة. لكن ذلك بكُل تأكيد كان دليلًا واضحًا على تأثير البودكاست المُتزايد على مجتمع كرة القدم الإنجليزي. 

ثورة البودكاست 

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، نشرت شركة «نيلسين» الأمريكية للمعلومات والبيانات تقريرًا تستعرض فيه تراجع عدد مستخدمي البث التلفزيوني مقارنةً بمستخدمي خدمات البث على الإنترنت بالسوق الأمريكي. طبقًا للتقرير، 89% من المتابعين يستهلكون المحتوى الخاص بكرة القدم عن طريق شبكة الويب. 

وفي نفس السياق، تُخبرنا الإحصائيات، أنّ 10% تقريبًا من أصل 424 مليون مستمع للبودكاست حول العالم في 2022، إما مستمع منتظم أو متقطع لمحتوى كرة القدم المعروض على مختلف المنصات. هل يمكننا الربط بين الإحصائيتين أعلاه؟ 

تقول إحدى قواعد التسويق الذهبية: إذا أردت نجاح أي عرض، عليك أن تذهب للجماهير أينما كانوا. وبما أننا نتحدث عن غالبية عُظمى تستهلك المحتوى عبر الإنترنت، كان منطقيًا أن يشهد العالم ثورة على شبكات التلفاز التقليدية. 

الطريقة التقليدية التي تتبعها شبكات البث حول العالم هي دفع المليارات من أجل الحصول على حقوق بث البطولات الكُبرى، توظيف أفضل المُعلقين ثُم تجنيد أشهر اللاعبين السابقين كي يحلُّوا ضيوفًا على العروض التي تُقدمها الشبكات قبل وبعد المنافسات. هذه الاستراتيجية، التي يُمكن اعتبارها احتكارًا للمحتوى، يبدو أنَّها لم تَعُد تلقى رواجًا، لدى جماهير كرة القدم، التي وجدت في منصات مستقلة ما تريد. 

بدأت فكرة البودكاست الرياضي كأي مُحاولة للتمرُّد، حيث يجتمع مجموعة من الهواة المهووسين باللعبة داخل غُرفة مُغلقة، يبدؤون في التحدُّث عن الشيء الذي يعشقونه لجمهور يشاركهم نفس الاهتمامات، بأقل تكاليف مادية مُمكنة، دون عوائق زمنية أو فواصل إعلانية مُملة. 

هنا، التقط اللاعبون السابقون طرف الخيط؛ المؤسسات الإعلامية وإن كانت توفِّر للصفوة منهم أجورًا ضخمة، لا تزال تتحكَّم في المُنتج النهائي لأي عرض، القائم بالأساس على الحديث عن الرياضة، وهذا ما يجعل اللاعب مجرَّد أداة إعلامية، وليس لاعب كرة قدم سابق، لديه القُدرة على قول ما يشاء. 

من وإلى الجمهور 

في مارس/ أذار 2023، نشر «جاري لينيكر»، نجم منتخب إنجلترا الأسبق تغريدة ينتقد فيها تصريحات وزيرة داخلية إنجلترا السابقة «سويلا برافرمان»، بشأن تعديل الحكومة لقوانين اللجوء، حيث وصف التعديلات بالقاسية. وكانت النتيجة، إعلان هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إيقافه عن الظهور على شاشتها. 

في الواقع، عاد لينيكر سريعًا بعد هذه الحادثة للظهور على شاشة «بي بي سي». لكنّ يبدو أنّه استوعب الدرس جيدًا؛ فبعد فترة وجيزة، أطلق لينيكر بودكاست «The Rest Is Football» على نفقة شركة الإنتاج الخاصة به، الذي أصبح العرض الرياضي الأكثر أهمية في بريطانيا في ظرف أشهر معدودة. 

في الواقع، نجاح مثل هذه النوعية من العروض منطقي جدًا، لأنّه على عكس المقابلات التلفزيونية، يكون هناك اتفاق ضمني بين مُقدِّم العرض وضيوفه على تقديم حلقة جيّدة، بدلًا من إبقاء الضيف حبيسًا لاستجواب يهدُف في النهاية للخروج بعنوان صحفي مُتفق عليه. 

لكن الأهم، هو أن الجماهير تجد في هذه النوعية من العروض كل ما تريده؛ مشاهدة مجموعة من نخبة لاعبي الكرة، يجلسون لوقت طويل بأريحية كاملة دون تكلُّف أو حياكة مُسبقة للكلمات التي تخرج على ألسنتهم، وهم يقومون بأفضل ما يُميزهم عن العامة، لا ليس الحديث عن التكتيك وأخطاء اللاعبين والمدربين، بل الكشف عن كواليس عالم كرة القدم الخفي، حيث قصص ما وراء الكواليس التي لم يمر بها غيرهم. 

سر الطبخة  

في حين أن الحواجز التي تحول دون تسجيل وإصدار بودكاست تكاد تكون غير موجودة، فإن العوائق التي تحول دون إنتاج محتوى قابل للاستماع واكتشافه من قبل الجمهور كبيرة. في ظل سوق مُزدحم لا يكفي أن تضع مجموعة من الرؤوس داخل غُرفة مُغلقة وتركهم يتحدثون عن كرة القدم. 
جون تيج، المنتج التنفيذي لبودكاست «Football Ramble». 

كأي منافسة داخل سوق صاعد مثل سوق صناعة البودكاست، لم يعُد حديث مجموعة من اللاعبين المُحترفين عن مسيرتهم المهنية، أو الإدلاء بآرائهم حول القضايا كافيًا لإحداث فارق ضخم من حيث المشاهدات. لذا لا بُد من وضع بعض البهارات على العرض. فكيف يحدُث ذلك؟ 

في 2012، أصدرت دار «جارديان» الطبعة الأولى من كتاب «The Secret Footballer»، الكتاب الذي يحكي خلاله لاعب كرة قدم إنجليزي سابق في البريمييرليج للقُرَّاء كواليس حياة اللاعب المحترف التي لا يرغب المسؤولون في أن تظهر للعلن، مثل معاناة اللاعبين مع  الإدمان، العنصرية، قسوة المدربين وغيرها من الأشياء التي تحدث داخل الغرف المغلقة. 

وعلى الرغم من نجاح السلسلة، التي وصلت لخمس كتب، لا تزال هناك حلقة مفقودة تؤرِّق الجماهير، وهي أنّ هوية اللاعب محجوبة؛ لأنّه يخشى أن تتم مقاضاته بسبب ما بداخل هذه الكتب من أسرار. 

في الواقع، يعلم كُل عناصر اللعبة، بخاصة في العصر الحالي، رغبةً الجماهير في فضح الأسرار. وعلى عكس ما تعتقد، لا تتوانى الأندية على سبيل المثال عن عرض بعض فضائحها عن طريق وثائقيات من إنتاج شركات ضخمة، لكن بما لا يُخل بصورة النادي بشكل عام. 

هنا تحديدًا يمكننا أن نفهم سر الثورة التي شهدها سوق البودكاست الرياضي؛ الجماهير تبحث كل يوم عن قصة مثيرة لإعادة نشرها، والرياضي، سواءً كان مُقدمًا أو ضيفًا، يسعى للانتشار على نطاق واسع، بخاصة إذا كان أحد هؤلاء الذين لا يمتلكون إرثًا كرويًا يجعل شبكات البث تتهافت لاستضافته على شاشاتهم.