لسنا فقط من نولد ونموت. كل شيء تقريبًا معنا في الكون يدخل في نفس الدائرة. وإذا كان بإمكانك أن تنظر إلى الموت كعملية انتقال، من حالة إلى أخرى، فلن يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للنجوم: يولد النجم ليكون شابًا في كامل حيويته، مفعما بالطاقة، يحرق الهيدروجين ويحوله إلى عناصر أثقل في خلق كوني طويل المدى. وبعد حين، طال أو قصر، ينتقل إلى الحالة الثانية؛ يموت النجم لينهض كالعنقاء من رمادها كي يبدأ رحلة جديدة، حيث تتجمع المواد الباقية منه وتكوِّن سديمًا (Nebula) تتوالد منه سلسلة جديدة من النجوم في رحلة حياة قد لا تنتهي. أجيال تُسلِّم أجيالًا.


العملاق الأحمر يلتهم الكوكب الأزرق

فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
حجم الشمس مقارنة بحجم نجم من نوع العملاق الأحمر

تعيش النجوم طويلا في مرحلة النمط الأساسي (main sequence star) معتمدة على تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين في قلب النجم والتي تسبب ضغطا إلى الخارج حيث يكون هذا الضغط متوازنا مع قوة الجاذبية التي تعمل إلى الداخل – كما رأينا هنا.

يبدأ موت النجم بنفاذ الهيدروجين في مركزه متحولا إلى هيليوم، لكنه لا يستطيع الهروب من المركز، كذلك لا يستطيع الهيدروجين المتواجد في الطبقات الخارجية العودة إلى المركز، بسبب الطبقة الإشعاعية (radiative zone) المحيطة به، ولذلك، نسبة صغيرة من الهيدروجين هي الوقود الذي يستخدمه النجم طوال حياته في مرحلة النمط الأساسي.

فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
الطبقة الاشعاعية المحيطة بمركز الشمس، وهي التي تمنع تدفق الهيدروجين إلى الداخل، كما تمنع تدفق الهيليوم إلى الخارج

عندما ينفذ الهيدروجين يختفي الضغط الناتج عن اندماجه، وتصير قوة الجاذبية هي المتحكمة، فيبدأ القلب في الانكماش تحت تأثير جاذبيته الخاصة، رغم ذلك يزداد الحجم الكلي للنجم حيث يستمر الهيدروجين بالاندماج في الطبقات الخارجية، مطلقا كميات كبيرة من الطاقة، مما يتسبب في زيادة درجة الحرارة وبالتالي زيادة الحجم الكلي، ويتحول النجم إلى ما يسمى عملاقا أحمر (Red Giant). أحد هذه النجوم التي ستصير عملاقا أحمر قرب نهايتها هو الشمس، فبعد ما يقرب من 5 بلايين سنة ستشيخ الشمس وتتضخم حتى أنها ستبدأ في التهام الكواكب الداخلية، ويختلف العلماء فيما إذا سيكون كوكبنا الأزرق من ضمن الضحايا.

نتيجة تقلص حجم المركز، تزداد كثافته وبالتالي تزداد درجة حرارته لدرجة تجعله يبدأ في التصرف كسائل وليس غازا، وكما نعرف فإن السوائل غير قابلة للانضغاط، بالتالي يتوقف التقلص، لكن درجة الحرارة تكون قد زادت بشكل كاف لكي تسمح للهيليوم ببدء تفاعلات الاندماج الخاصة به، متحولا إلى عناصر أثقل حتى يصل إلى الكربون، والأكسجين، وعندما ينفذ الهيليوم تنخفض درجة حرارة قلب النجم متحولا إلى «قزم أبيض» (White Dwarf). بينما يزداد حجم الطبقات الخارجية بشكل كبير ويبدأ في قذف مادته مكونا «سديم كوكبي» (Planetary Nebula) حوله.

السديم الكوكبي لا علاقة له بالكواكب، لكنه يكون على شكل حلقة أو فقاعة دائرية تبدو ككوكب ضخم، وتكون ذات عمر قصير للغاية (حوالي 25000 سنة )، ثم تبدأ في الانزياح بعيد وتصبح جزءا من المواد البين نجمية ( interstellar medium (ISM)) التي تملأ مجرتنا.

اقرأ أيضا: رحلة نجم: من ظلام الفضاء إلى نور الاندماج النووي


أقزام السماء

فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
صورة ملتقطة بواسطة تليسكوب هابل ويظهر فيها الشعرى اليمانية “ب” –القزم الأبيض- كنقطة باهتة بجوار الشعرى اليمانية “أ”

القزم الأبيض هو المصير النهائي لمركز شمسنا كما هو مصير كل النجوم الصغيرة والمتوسطة الكتلة حتى 8 مرات كتلة الشمس، فقرب نهاية مرحلة الاحتراق النووي سوف تفقد معظم الكتلة الخارجية، ويتبقى فقط القلب بدرجة حرارة عالية تتجاوز 100.000 كيلفن، هذا القلب المتبقي هو ما نسميه قزما أبيض (White Dwarf)، ويكون مجرد كتلة هائلة من الأكسجين والكربون الناتجين من تفاعل الهيليوم داخل حجم صغير يصل لحجم الأرض، وبالتالي كثافته تكون عالية حيث قد يعادل وزن ملعقة منه ما يقرب من خمسة أطنان ،لكن كل هذا بدرجة حرارة لا تكفي لبدأ سلسلة تفاعلات اندماجية جديدة.

بشكل عام يمكن أن ينجو النجم من مصير القزم الأبيض إذا كان بقربه نجم آخر تسبح حوله كميات من الغاز والغبار، حيث يتلقى القزم الأبيض هذه المادة من النجم الآخر -والذي يسمى «مانح» ( Donor)- مكونة قرصا حول القزم الأبيض والتي تزيد درجة حرارتها بمرور الوقت وبالتالي يكونان معا «نظاما ثنائيا» (Binary System) والذي ينتهي أحيانا بانفجار هائل. فغاز الهيدروجين الذي يسحبه القزم الأبيض يبدأ في الدوران حوله ،وترتفع درجة حرارته إلى أن يسبب انفجار يسمى «مستعر قزم» (Dwarf nova).

فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
نظام ثنائي مكون من نجم مانح وقزم ابيض والذي يظهر حوله قرص من المادة المتجمعة من النجم المانح

لكن ليس كل الأقزام البيض تحظى بصحبة النجم المانح، فإن لم يوحد بالقرب منها نجوما حيث يمكنها أن تكون معها نظاما ثنائيا، فإنها تبقى وحيدة هائمة لوقت طويل جدا -يصل لـ 10 بلايين سنة – لكنها تكون لامعة ومشعة ضوءا يمكننا من ملاحظتها، لكن على الجانب الآخر فإنها لا تستطيع إنتاج أي طاقة، وبذلك تنتهي لمصير أسود – حرفيا – حيث تفقد لمعانها وضوءها رويدا حتى تنطفئ فتصبح كتلة مظلمة يسميها العلماء قزما أسود (Black Dwarf). ويقول العلماء إن الكون لم يشهد بعد ميلاد أي قزم أسود، حيث إن الوقت الذي يستغرقه تحول قزم أبيض إلى قزم أسود، هي أطول من عمر الكون المتوقعة حتى الآن.

اقرأ أيضا: نجوم النمط الأساسي من الولادة حتى الاحتضار


ليس فقط عملاق.. إنه سوبر عملاق

ألمع نجوم الصورة هو “رجل الجبار” العملاق الضخم الأزرق الشهير، وهو ألمع نجم في كوكبة الجبار وسادس ألمع نجم في السماء

هل تساءلت يوما عن أضخم النجوم في الكون؟ كيف تولد، وكيف تموت؟

أضخم النجوم في الكون هي فقط مرحلة في نهاية عمر النجوم كبيرة الحجم، تستمر في التضخم لتصبح الأكبر حجما على الإطلاق، لكن ليس بالضرورة – إن لم يكن مستحيلا- أن تكون الأكبر في الكتلة. وكما رأيناهنا، فإنه كلما زادت ضخامة النجم، كان عمره أقصر، لأنه يستهلك وقوده بشكل أسرع، بادئا رحلة موته. لكنه يعوض قِصر عمره بموت مثير، ولا يكتفي بهذا، بل يبدأ رحلة حياة من نوع آخر.

النجوم ذات الكتلة أكبر من 8 – 10 مرات كتلة الشمس تتحول إلى ما يسمى عملاقا ضخما (Supergiant). ويوجد منها أحجام ،ومراحل مختلفة، أشهرها العملاق الضخم الأحمر (Red Supergiant)، وتصل إضاءته أحيانا لمليون مرة إضاءة الشمس، فما الذي يحدث داخل هذا العملاق؟

يبدأ الهيليوم كالعادة بالتحول إلى العناصر الأثقل. لكن هذا المرة فإن التفاعلات تكمل طريقها بعد الكربون والأكسجين في القزم الأبيض، فكتلة المركز الكبيرة تعني درجة حرارة أعلى، وبالتالي تستمر التفاعلات في إنتاج العناصر الأثقل مثل السيليكون والنيون والماغنيسيوم وغيرها،حتى يبدأ ظهور الحديد وهو أثقل العناصر الممكن تواجدها داخل نجم، لكن درجة الحرارة لا تكفي لاندماجه، وبالتالي ظهور الحديد يعني مباشرة أن هذا النجم قد انتهى، وأن الوقت حان للاحتفال بموته بانفجار عظيم يسمى «المستعر الأعظم» (Supernova).


إلى اللانهائية وما بعدها

فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
صورة من تليسكوب هابل توضح انفجار مستعر أعظم في مجرة NGC 4526

كلمة (Nova) في اللاتينية تعني «جديدا»، وبها سمي المستعر الأعظم بـ(Supernova)، ذلك أنه يسبب لمعانا شديدا في السماء، فيبدو للناظر كما لو أن هناك نجما «جديدا» قد ولد لتوه. وتصنفه ناسا كأضخم انفجار في الكون، حيث يحدث في الطبقة الخارجية إذا كانت كتلة النجم تزيد على 1.4 كتلة الشمس ويسمى هذا بـ« حد شاندراسيخار Chandrasekhar limit». داخل الانفجار ترتفع درجة الحرارة بدرجة كافية ليبدأ ميلاد العناصر الأثقل من الحديد.

ما يتبقى من الانفجار هو القلب ذو الكثافة العالية، حيث ينضغط انضغاطا شديدا، فتندمج الإلكترونات والبروتونات مكونة نيوترونات، ويصبح القلب عبارة عن كتلة هائلة كثيفة جدا من النيوترونات فقط تقريبا ومصيرها معتمدا على الكتلة. فإذا كانت كتلة النجم أقل من 3 مرات كتلة الشمس، فإن القلب يظل كتلة النيوترونات التي تسمى «نجم نيوتروني» (Neutron star) وهو أكثر النجوم كثافة في الكون بنصف قطر يقاس بالكيلومترات.

إذا كانت الكتلة أكبر من 3 مرات كتلة الشمس، فإن القلب يتحول إلى ثقب أسود، ويُعرف عن الثقوب السوداء أنه رغم حجمها الصغير جدا -والذي يصل إلى 0.1 ميلليمتر، فإن لها جاذبية يتم وصفها أحيانا بأنها لانهائية. لن نتحدث عن معنى كلمة لانهائية هنا، لكن يكفي القول إنها تجذب حتى الضوء ذاته. لكن هل هذا يعني أن الجاذبية زادت بشكل ما؟ إن كتلة الثقب الأسود لا تزيد بأي حال عن كتلة النجم الذي وُلد منه، والجاذبية تسببها الكتلة، لكن هل تسببها الكتلة وحدها؟ وإذا كانت الإجابة «لا»، فمن أين جاءت هذه الجاذبية «اللانهائية»؟

فلك، نجوم، مصير النجوم، الشمس، عملاق أحمر
العلاقة بين قوة الجاذبية بين جسمين وبين كتلتيهما ومربع المسافة بينهما

تتذكر قانون نيوتن للجاذبية؟ حسنا، تعرف أن قوة الجذب بين جسمين تزداد بازدياد كتلتيهما، لكنها تزداد أيضا بنقصان مربع المسافة بينهما، وهنا يظهر دور الحجم، لنأخذ الكرة الأرضية مثالا، فأنت عندما تكون على سطح الأرض، يتم حساب قوة الجاذبية باعتبار المسافة بينك وبين مركز الكتلة هو 6000 كيلومتر -وهي المسافة من سطح الأرض إلى مركزها، فلو تركزت كتلة الأرض كلها في المركز، بينما أنت لا تزال على بعد 6000 كيلومتر، فلن تشعر بفارق.

لكن ماذا لو تركزت الكتلة في كرة قطرها 10 كيلومتر وأنت تقف الآن على سطحها ؟ بالتأكيد ستشعر بقوة جذب هائلة، وإذن فإن دور الكتلة هنا يتراجع بينما يبدأ دور المسافة، فالفارق الذي نتخيله في قوة الجذب التي يسببها النجم قبل موته وبعد تحوله إلى ثقب أسود، تكمن في اختلاف الحجم الذي تقلص لدرجة تقترب من الصفر بمقاييس الأجرام السماوية، فهذه الجاذبية اللانهائية تظهر فقط على بٌعد معين يسمى «أفق الحدث» (event horizon)، وهو المسافة التي إذا تخطاها أي شيء مقتربا من الثقب الأسود، فإنه يتم ابتلاعه فورا، لا نعلم تحديدا ما الذي يحدث له بعد ذلك.