جرى بناء الدولة في مصر بينما كان المصريون يعملون بقوة واستمرار على تطوير أشكال رسمية وغير رسمية لتنظيم أنفسهم، ما وضع الدولة في كفاح مستمر من أجل السيطرة على مجتمع مضطرب مع تفاوت درجات هذا الكفاح. فقد حاول حكام مصر ضبط العديد من المحاولات المجتمعية وتقييدها وحتي محاربتها، حتى وصلت هذه المواجهة ذروتها حين اتخذت هيئة «نظام سياسي» شكلت فيه الدولة تنظيمات تابعة لها، مُستهدفةً تمثيل شرائح مختلفة من المجتمع، ثم تولت هي قيادة هذه التنظيمات والتنسيق فيما بينها، مُحققة -مُجددًا وكما ذكرنا- نجاحًا استمر لفترة من الزمن لكنه لم يصمد.

يرى الباحثان «عمرو عادلي» و«ناثان براون» في كتابهما «الدولة والمجتمع في مصر الحديثة: رد اعتبار وإعادة نظر»، أن الدولة في مصر تشكلت نتيجة مجموعات من التفاعلات بين عوامل عديدة سياسية واقتصادية وثقافية، حدثت بين طيف واسع من الفاعلين الاجتماعيين سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات. خلَّفت هذه السيرورة من التفاعلات والتغيرات جهاز دولة مترامي الأطراف، نشأ الصراع حوله وداخله ومرَّ بفترات تمدد وتقهقر بفعل الظروف السياسية والاقتصادية المتبدلة. يمكننا تعريف الدولة هنا على أنها مجموع المؤسسات التي تشكَّلت وتطورت بفعل ظروف تاريخية معينة متفاوتة زمنيًّا، بينما نعني بالنظام التحالف المكون من مجموعة من المؤسسات والكيانات والأفراد، تهدف للسيطرة على جهاز الدولة بغية إعادة توزيع الثروة والسلطة بما يخدم مصالحها ومصالح قواعدها.

نشأت الدولة الحديثة في السياق العالمي (الأوروبي بشكل خاص) بفعل مسارين؛ الأول كان نتيجة لعمليات التنافس التي دفعت حكام الإمارات الأوروبية لإنشاء جهاز بيروقراطي يساعدهم في عملية إدارة الموارد وتقوية قدرات الإمارة للتعامل مع التحديات المحيطة. تطور هذا النموذج مع الوقت واستحداث وسائل وأنظمة إدارية جديدة، حتى اتخذت الدولة شكلها الحديث. المسار الثاني ظهر عندما عمَّمت الدول الأوروبية هذا النموذج عن طريق الإكراه (الاستعمار)، أو عن طريق الترويج له كنموذج يُحتذى به.

يمكن فهم تشكل الدولة المصرية الحديثة كعملية تضافر للمسارين السابقين، فقد سعى الحكام المحليون بدافع أو طموح ذاتي لتقوية دولتهم وزيادة كفاءة أجهزتها، وبالتالي هي نتاج إرادة داخلية من حُكَّامها، لكن هذا لا ينفي أن العوامل الخارجية لعبت دورًا في إحداث تغييرات في شكل وبنية هذه الدولة، إمَّا عن طريق الاحتذاء بالنموذج الأوروبي مثل محمد علي، أو تغيرات مباشرة كالتي أجراها الاستعمار الإنجليزي. وبالتالي يمكننا اعتبار الدولة الحديثة في مصر هي حصيلة هذه الصيرورة التاريخية.

مثّل التغيير الذي حدث عام 1952 إعادة صياغة للنظام السياسي، نالت الهياكل السياسية والاقتصادية عن طريق الاستعانة بمجموعات من الإجراءات، كان في مقدمتها الإصلاح الزراعي والتأميم. تماهى النظام مع الدولة بشكل كبير خلال الستينيات، وأحكم سيطرته على مؤسساتها، سواء بتعيين منتمين له على رأس تلك المؤسسات أو دمجها في أحد هياكله السياسية، بدأت هذه السطوة تذوي منذ مطلع السبعينيات، واكتسبت بعض المؤسسات قدر من الاستقلالية والمكاسب الاقتصادية.

استعان النظام خلال حقبة السادات ومن بعده مبارك ببعض الأدوات لتوجيه دفة الدولة؛ بدايةً من تحكم الرئيس أو رئيس الوزراء في التعيينات في المناصب العليا، ومرورًا باستمالة بعض الفاعلين المؤثرين في بعض القطاعات، ووصولًا لخلق حالة من التداخل والتنافس بين أجهزة الدولة، تسمح له بإبقائها تحت سطوته، بالإضافة إلى تقويض المؤسسات التشريعية وإخضاعها لرغباته، مع لجوء النظام للعنف بشكل مستمر في حالة عجز عن المناورة بأدواته.

في النهاية، فَقَدَ النظام سيطرته على الهياكل والبنى السياسية والبيروقراطية مع حالة التكلس والجمود التي أصابته، وضعفت قدرته على توجيه المؤسسات التي حظي بعضها باستقلال ونفوذ سياسي واقتصادي أكبر، مما دفعها للإحجام عن حمايته في يناير/كانون الثاني 2011.

المجتمع المصري ومتلازمة فقدان الوسط

في مستهل القرن العشرين ظهرت الأحزاب السياسية في مصر مرتبطة بقضايا وطنية كالاستقلال والعلاقة مع الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية. اعتمدت تلك الأحزاب على الهياكل التنظيمية الجديدة التي ظهرت في المدن، مثل النقابات المهنية والتنظيمات الطلابية وبعض النقابات العمالية، بالإضافة إلى بعض الجمعيات النسوية الناشئة.

أما في الريف، فقد اعتمدت على الهياكل التنظيمية القديمة المبنية على العلاقة مع فاعلين محليين يتمتعون بقدر من النفوذ والثروة، ولديهم القدرة على حشد قواعدهم الشعبية وفقًا للظروف السياسية، بجانب الأحزاب ظهرت أيضًا تنظيمات دينية مثل الإخوان المسلمين وجمعيات كالشبان المسلمين وأنصار السنة المحمدية أو تنظيمات ذات طابع قومي مثل مصر الفتاة.

لعبت التغيرات الدولية والإقليمية بعد الحرب العالمية الأولى دورًا كبيرًا في ظهور تلك التنظيمات التي استمرت في النمو حتى نازعت الوفد هيمنته في الثلاثينيات والأربعينيات. بجانب ذلك، ساهم التطور الملحوظ للمطبوعات في إعطاء زخم للحركة الفكرية في ذلك الوقت، ووُسعت النقاشات المتداولة في المجال العام.

لكن هذا التطور على مستوى الأفكار والتنظيم لم يكن واسعًا للحد الذي يستوعب قطاعات كبيرة من سكان الريف والحضر، والذين تم تغييبهم لاعتبارات طبقية، كما أن الأسئلة المرتبطة بتوزيع الثروة والسلطة لم تحظَ بالاهتمام. مما جعل تلك النقاشات ذات طابع نخبوي ومقصورة على شريحة معينة من البرجوازية المدنية وملاك الأراضي وشريحة من الرأسماليين الصناعيين الصاعدين.

في الخمسينيات أُعيد هيكلة النظام بشكل عام، مما دفع بتغيير شكل ومساحة تواجد تلك التنظيمات، سعت الدولة لإخضاع النقابات والتنظيمات المستقلة مستبدلة إياها بجسد هرمي صارم سمَّته «اتحاد نقابات مصر»، بالتوازي مع ذلك فرضت الدولة سيطرتها على الاتحادات والتنظيمات التجارية والصناعية لتقويض سلطة الفاعلين السابقين على المجال العام. التقت رغبة النظام في الخمسينيات والستينيات في السعي لخلق قواعد شعبية له في أوساط العمال والفلاحين، مع رغبة الأخيرين في دمج أنفسهم في بيروقراطية الدولة، سعيًا لتحقيق مكاسب اجتماعية واقتصادية.

في السبعينيات، رأى السادات تهديدًا في بقاء التنظيمات والاتحادات التي أُنشئت خلال العقدين السابقين كامتداد لسلطة الدولة ورغبتها في السيطرة على المجال العام، لذا سعى لتفكيكها باعتبارها مراكز قوى تُهدِّد دعائم حكمه، بالطبع لم تكن تلك التغيرات سوى مناورة من النظام الذي لم يتخلَّ عن أدوات سيطرته، ولكنه سعى لتغيير الأطر السياسية والاقتصادية وإدخال فاعلين جُدد موالين له، مع تقويض سلطة الفاعلين السابقين تارة بدعم الإسلاميين ضد اليساريين لا سيما في النقابات والجامعات، وتارة أخرى باستخدام معوقات قانونية وتشريعية.

كان لدى النظام رغبة حقيقية لتغيير المعادلة السياسية، فما فعله النظام مع النقابات العمالية فعل نقيضه مع رجال الأعمال الذين بدأوا في إنشاء جمعياتهم واتحاداتهم الخاصة وتمكين أنفسهم كفاعلين مؤثرين. تنامى دورهم السياسي في الثمانينيات والتسعينيات حتى وصل ذروته في العقد الأخير من حكم مبارك.

تاريخيًّا، عجزت الهياكل التنظيمية التي ظهرت في المجتمع المصري منذ ظهور الدولة الحديثة في مصر على أن تكون إطارًا يستوعب رغبات ومصالح قواعدها الشعبية ويحظى بتمثيلها رسميًّا بغية تمكينها، وعجزت هذه التنظيمات أيضًا نتيجة قصور داخلي لديها أو نتيجة عوامل خارجية مثل قمع الدولة، عن امتلاك أدوات تسمح لها بالتفاوض والضغط على جهاز الدولة وانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية، أو طرح تصور بديل لطريقة إدارة السلطة والثروة في مصر.

السوق الحرة وفشل التنمية في مصر

لم تقم مصر بتحول نيوليبرالي جذري مقارنةً بدول أخرى في الجنوب العالمي مثل تشيلي والأرجنتين، واكب تطبيقها للنيوليبرالية صدمات اقتصادية واجتماعية قاسية، وحتى وتيرة الخصخصة ظلت متباطئة مقارنةً بدول أخرى كبولندا والمكسيك، وذلك حتى وصول حكومة نظيف عام 2004، بجانب أن عددًا من الدول مثل الصين والبرازيل استطاعت تحرير اقتصاداتها ودمج نفسها في الاقتصاد العالمي دون تطبيق الإملاءات النيوليبرالية بحذافيرها.

يقدم «عمرو عادلي» و«ناثان براون» نقدًا لوجهة النظر التي أرجعت الفشل في عدم التطبيق الأمثل للتوصيات النيولبيرالية بسبب ممانعة بيروقراطية الدولة لأي تغيير يؤثر على مصالحها، ويدفعان في اتجاه أن الاقتصاد المصري قد شهد تحريرًا اقتصاديًّا متزايدًا منذ السبعينيات يظهر في زيادة وزن القطاع الخاص في كافة قطاعات الاقتصاد واستحواذه علي 75% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009، وتراجع نصيب القطاع العام من الاستثمار والتشغيل.

رأى البعض أن المشكلة كانت في كيفية تطبيق النيوليبرالية وليس في حجم تطبيقها، مُحيلين الفشل إلى الفساد الذي أعاق تحرير السوق، وركز الثروة في يد قلة احتكارية، استفادت من علاقاتها السياسية للنفاذ لأصول مواردها، مقوضين بذلك مبادئ السوق الحرة مثل الملكية الخاصة وتطبيق القانون، لينتج ما سُمِّي اصطلاحًا بـ «رأسمالية المحاسيب». ولكن يقف هذا الطرح عاجزًا عن تفسير كيف استطاعت دول مثل إندونيسيا وفيتنام تحقيق معدلات استثمار مرتفعة في ظل ضعف مؤسسات الدولة فيما يتعلق بحفظ الملكية وتطبيق القانون، وذلك مع وجود معدلات فساد تقترب من مثيلاتها في مصر.

يُحيل الكتاب فشل تجربة السوق الحرة في تحقيق التنمية المأمولة إلى غياب التنسيق بين مستويين أساسيين لنمو سوق رأسمالي متطور، أحدهما يتشكَّل على مستوى البنية التحتية للسوق، والمقصود به هو القواعد والممارسات السياسية والاجتماعية التي تنشأ بين الفاعلين المنخرطين في عمليات التبادل بالسوق، والتي تعمل على التنسيق بين المنتجين والمستهلكين، والثاني هو التنسيق على مستوى البنية الفوقية للسوق، أي على مستوى السياسات والآليات المصوغة لتنظيم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص أو لتحديد القطاعات الاقتصادية المستهدفة خلال عملية التنمية.

القصور التنموي: بحث في التفسيرات

يرى المؤلفان قصورًا في الأدبيات المعنية بتفسير العجز التنموي في مصر، فمثلًا رغم وجود مصر في سياق إقليمي ضاغط، إلا أنه لم يكن السبب الأساسي في الفشل التنموي خلال العقود الأخيرة، فمصر لم تنخرط في أي صراعات عسكرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 1973، باستثناء مشاركة شرفية في تحرير الكويت، بجانب ذلك فإن النظام المصري تلقى دعمًا إقليميًّا ودوليًّا منذ منتصف السبعينيات، وبالأخص بعد كامب ديفيد، تجلى في الدعم المالي وإعفاءات الديون والاتفاقيات الاقتصادية في الثمانينيات وعلى مدى الثلاثة العقود التالية.

تظهر قيمة المساعدات بشكل واضح عند مقارنة مصر بجيرانها، فعلى سبيل المثال كان متوسط تلك المساعدات يمثل 5.12% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 2.3 و 0.34 للمغرب وتركيا على التوالي، حتى الريعية، وهي أحد التفسيرات المتداولة تعاني من نفس القصور، فالاقتصاد المصري وإن كان يُظهِر بعض ملامح الريعية، خاصة فيما يتعلق بالمصادر التي يعتمد عليها لتوفير الموارد الدولارية (السياحة، وقناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج، وصادرات الغاز)، إلا أنها لا تمثل سوى 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن 80% من الناتج المحلي تم توليده من مصادر غير ريعية.

بجانب التفسيرين السابقين تشغل الزيادة السكانية حيزًا كبيرًا من النقاشات، فيتعلل به البعض باعتبارها عائقًا لتحقيق التنمية، بينما يرى البعض إمكانية استخدامها كمُحرِّك للتنمية، وحتى الأنظمة المتعاقبة خلال الخمسين عامًا الأخيرة استخدمتها لتبرير فشلها الاقتصادي والاجتماعي. يكمن قصر نظر هذا الرأي في ربطه للزيادة السكانية بالقيم الثقافية السائدة في المجتمع.

على العكس من هذا التصور، لا يمكن عزل الزيادة السكانية عن السياق الاقتصادي والاجتماعي الذي أوجدها، وفهمها كنتاج للفشل التنموي المستمر لعقود طويلة وليست سببًا له، هذا الفشل الذي ما يلبث أن ينعكس على الأوضاع المعيشية خالقًا دائرة مفرغة يكون فيها كل من الفشل التنموي والزيادة السكانية سببًا للآخر.

وحتى على الصعيد المحلي فمعدل النمو السكاني في مصر ليس مرتفعًا بالشكل الذي يُصوِّره البعض؛ 1.7% في 2021، بالإضافة إلى انخفاض متوسط معدل النمو السكاني في الفترة 2000-2020 إلى 1.98 مقارنة بـ 2.31% في الفترة 1972-1999، وهو يأخذ منحنًى انخفاضيًّا خلال الخمسين عامًا الأخيرة، باستثناء بعض التقلبات القصيرة، ومع ذلك لم تُحقِّق مصر معدلات التنمية المأمولة.

فهم النسق الاقتصادي في مصر

إن القواعد والممارسات غير الرسمية -قانونية كانت أو غير قانونية أو بين بين- هي نمط تفاعل مع سلطة الدولة لا نمط تفاعل في غياب الدولة. هكذا يجب أن يُفهَم النسق الاقتصادي بشكل تفاعلي مركب، يأخذ فيه الاقتصادي شكله وأبعاده من العوامل الاجتماعية والسياسية المحيطة.

يدفع عادلي وبروان أن نسقًا اقتصاديًّا قد نشأ في مصر يمكن فهمه من خلال فهم التفاعلات بين «البنية التحتية للنسق»، متمثلة في العلاقات الاجتماعية بين القاعدة العريضة من الفاعلين بشكلها الرسمي وغير الرسمي، مثل علاقات المصاهرة والصداقة، وبين «البنية الفوقية للنسق» التي تشمل القوانين والسياسات التي تقرها الدولة بمفردها أو بالتنسيق مع جهات أخرى مثل صندوق النقد والبنك الدولي.

إن التفاعلات والتجاذبات بين هذه البنى هي ما شكَّلت النسق الاقتصادي في مصر خلال العقود الأخيرة. ويعتبر هذا التصور العلاقات الاجتماعية مُضمَّنة في الاقتصاد بشكل جوهري، وهي حقيقة لا يمكن إهمالها لصالح يوتوبيات مُتخيلة عن السوق ونفعية وتجرد عمليات التبادل فيه من أي صلات اجتماعية.

تكتسب تلك الروابط والصلات الاجتماعية أهمية أكبر في المراحل الأولى لنشأة السوق، باعتبارها تعمل محل المؤسسات العامة كضامن للملكية الخاصة وإنفاذ التعاقدات أو لجمع المعلومات اللازمة بالسوق والتي ينبني عليها قرارات الاستثمار. تأخذ تلك العلاقات أشكالًا متداخلة ومتشابكة رسمية وغير رسمية مستهدفة النفاذ للفرص المتوفرة.

بناءً على هذا التصور يمكننا فهم السوق باعتباره حقلًا يتبادل فيه المنتجون والمستهلكون السلع والخدمات، بقصد الربح، مُتكئين على علاقاتهم الاجتماعية والسياسية لتسيير معاملاتهم الاقتصادية المتنوعة.

شكلت العديد من العوامل على المستويين المحلي والعالمي هذا النسق في مصر، وصاغت أنماطًا مختلفة من التراكم الخاص، اعتمد بعضها على علاقاته السياسية والاجتماعية للتنسيق أو التكيف مع بيروقراطية الدولة وأجهزتها، وخلقت وصولًا غير متكافئ للفرص والموارد.

تكمن المشكلة الأساسية في النمو غير المتوازن للسوق في مصر خلال العقود الأخيرة، في غياب التنسيق بين البنى المختلفة، فظهرت قاعدة عريضة من المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر تمثل 94% من حجم القطاع الخاص في مصر، جلها تعمل بشكل غير رسمي، مما يعوق فرص نموها بسبب عدم قدرتها على النفاذ للتمويل والأراضي، مما دفعها للاعتماد بشكل أساسي على شبكة علاقاتها الاجتماعية لتوفير رأس المال اللازم لمزاولة أعمالها، بجانب عجز الدولة عن التفاعل مع تلك القاعدة العريضة وتقديم الخدمات والدعم اللازم لمساعدتها على النمو. ولم تقتصر المشكلة على دخول إلى السوق، بل امتدت للنمو داخله. يضاف إلى ذلك تركز السوق في مصر في قطاعات ذات قيمة مضافة منخفضة مثل المقاولات، أو قطاعات كثيفة رأس المال مثل الاتصالات.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.