أصدر تركي آل الشيخ،رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية، بيانًا أعلن فيه اعتذاره عن الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي بعد أن شهدت العلاقة مؤخرًا توترًا ملحوظًا بين جماهير الأهلي والرئيس الفعلي للنادي محمود الخطيب، الرجل الذي قدم تركي آل الشيخ كرئيس شرفي، والذي يتلقى كل النقد بسبب تصرفات آل الشيخ المتعاقبة.ربما كان الأمر مقبولًا عند هذا الحد في إطار أن الخطيب أخطأ منذ البداية في التقرب من هذا الرجل، وأن بانتهاء تلك الشراكة ربما يعود الأهلي تدريجيًا لصورته المميزة لدى جماهيره على أنه مؤسسة مختلفة تحكمها المبادئ المتوارثة.إلا أن السيد تركي قرر أن يعقب بيان اعتذاره عن الرئاسة ببيان آخر يوضح فيه للجميع ما حدث بينه وبين الخطيب ومجلسه منذ البداية. بيان يبدأ بـ «بدأت القصة» و ينتهي بـ «إذا اضطررت فسأكشف المزيد من الحقائق».بيان يلقي بمصداقية الخطيب إلى الهاوية ويضع فكرة مبادئ الأهلي والمجلس الذي جاء بروح الفانلة الحمراء على المحك، ويضع أخيرًا الخطيب ومجلسه إجباريًا في نفق ضيق للغاية الخروج منه يستلزم شجاعة، ومحاولة تجاهل الأمر تعني البقاء في النفق للأبد.


أهم ما جاء بالبيان

بعيدًا عن مدى صدق وصحة البيان والنقاط التي تم ذكرها من خلاله، إلا أننا سنستعرض أهم ما جاء فيه ومدى تأثيره على مجلس الخطيب، والذي من المرجح أنه لن يرد بصورة مباشرة على البيان لاعتبارات كثيرة. البيان تم إصداره على الصفحة الرسمية لتركي آل الشيخ على ثلاثة أجزاء، الجزء الأول الغرض منه توضيح الحقائق أخيرًا بعد أن احتمل السيد تركي مفضلًا الصمت الكثير من التجاوزات، والتي تعرض لها بسبب الدور السلبي لمجلس إدارة الأهلي.ثم البيان الأساسي، والذي أعقب سابقه بعد أربع ساعات ليشمل الكثير من النقاط:

1. تركي آل الشيخ هو من قرر دعم النادي الأهلي وتواصل مع مرشحي الرئاسة محمود الخطيب ومحمود طاهر، ثم قرر أن يكون الدعم من خلال محمود الخطيب بعد أن زاره في الرياض وطلب منه ذلك.

2. تم دعم محمود الخطيب ماديًا خلال الانتخابات بـ 5 ملايين جنيه، أعقبها المستشار السعودي بمليون آخر أثناء الحملة الانتخابية.

3. الاعتماد المادي الكامل خلال فترة رئاسة الخطيب على تركي آل الشيخ، سواء في جلب الصفقات أو التجديد أو إنهاء بعض المشاكل العالقة كأزمة قناة النادي مع شركة مسك، أو حتى في احتراف لاعبي الأهلي بأرقام مادية جيدة. وكأن توفير موارد مالية مستقلة للنادي ليست من اختصاصات مجلس الإدارة.

4. التردد الغريب من قبل إدارة الخطيب، سواء في تحديد صفقات اللاعبين أو المدرب القادم أو حتى في التجديد للاعبي الفريق.

5. تأثر مجلس إدارة الخطيب بالضغط الجماهيري من جهة والاحتياج المادي من جهة أخرى، فبدا متخبطًا لا يملك قراره.

6. افتقاد تركي آل الشيخ للدعم الإعلامي، والذي كان يعول عليه كثيرًا في توضيح أهمية دوره ومساعداته.

7. خروج حسام البدري من النادي الأهلي كان مرتبًا، فلا هو استقالة ولا إقالة بسبب سوء النتائج، بل إن البدري نفسه طلب فترة معايشة أوروبية بعد الرحيل.

8. تسريب تفاصيل المفاوضات مع المدرب الجديد للنادي الأهلي، وأن رحيل دياز لنادي الاتحاد السعودي جاء بسبب تردد الخطيب وتسريب حسام غالي للخبر عن طريق الإعلامي أحمد شوبير.

9. الرجل شعر بأن الخيار بينه كمورد مادي وبين الضغط الجماهيري سيميل نحو الجانب الجماهيري، فقرر التوقف عن الدعم المادي.

ثم قرر آل الشيخ أن يضيف جزءًا ثالثًا من البيان ليؤكد أن الرجل لا يريد فقط توضيح موقفه، ولكن أن يصدر المشاكل لمجلس الخطيب أيضًا معاقبةً على ما حدث عن طريق توضيح الصفقات التي كان من المقرر أن يجلبها ومن ضمنها مدافع الزمالك علي جبر، بل يختتم البيان بالتهديد بأنه يملك أكثر مما قيل!


لماذا يضرب البيان مصداقية الخطيب ومجلسه؟

بعيدًا عن طريقة الانفصال، والتي يشوبها الكثير من الاستعراض والمعايرة وتصدير المشاكل وذكر أسماء بعينها ليحتدم الصراع فيما بينها بعد ذلك، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر ما جاء بالبيان بالكامل، خاصة أن هناك أمورًا عند ربطها بما حدث على أرض الواقع نجد الكثير من الملاحظات، ولهذا شعر جمهور الأهلي وبقوة بخطورة هذا البيان على مجلس إدارة النادي الأهلي، بل على كيان النادي ذاته.أصبحت فكرة أن الخطيب جاء بمجلس بروح الفانلة الحمراء ليتحدى أموال طاهر هباءً منثورًا. فالانتخابات تحتاج لدعم مادي، وهو ما حدث من قبل السيد تركي، ثم الاعتماد المادي عليه لجلب صفقات أو تجديد عقود اللاعبين هو امتداد لتقويض الفكرة التي تبناها الخطيب نفسه أثناء تقديمه كمرشح للرئاسة، وهي أن الأهلي لا يدار بالأموال، ولكنه يدار بالهوية التي يتوارثها أبناؤه، وهي الفكرة التي وإن أضر بها الخطيب ومجلسه، ولكنها تحتاج إلى تعديل وملاءمة للواقع وليس التخلص منها نهائيًا.المستغرب في الأمر أن أعضاء النادي الأهلي أنفسهم قرروا أن ينتخبوا الخطيب ويتحملوا نقص الموارد المادية التي وفرها طاهر، إلا أن التخوف الذي سيطر على الخطيب ومجلسه هو التخوف من الضغط الجماهيري لمشجعي الكرة.إلا أن الجماهير أيضًا كانت تدعم الخطيب بصورة أكثر من أعضاء الجمعية العمومية للنادي الأهلي، كما أن الضغط الجماهيري الذي خاف منه الخطيب لم يظهر أبدًا بسبب لاعبين أو مدرب أو نتائج كما كان يتوقعه، راهنت الجماهير على الخطيب أنه سيأتي بمبادئ النادي الأهلي، إلا أن الخطيب نفسه راهن على أن الجماهير تهتم فقط بالنتائج واللاعبين والمدربين، فخسر الطرفان الرهان بشكل مزرٍ و غير مبرر.


لماذا لم يصدق الخطيب الجماهير كما صدقته وآمنت به؟

ويبقى السؤال هل كانت ستقبل الجماهير بأسماء لاعبين أقل، وبأن يذهب السعيد وفتحي للزمالك بسبب الأموال؟ من المؤكد كانت ستغضب الجماهير، وتتهم الرجل بالفشل، ولكن كيف تتعامل كمسئول مع غضب الجماهير المصاحب لتمرد لاعبيك؟ربما تكون الإجابة على هذا السؤال عند شخص ثابت البطل، الرجل الذي قرر وقت الخلاف مع طاهر أبوزيد أن يكون الخلاف داخل النادي ومن يذهب بالخلاف خارج أسوار الأهلي فهو ليس من أبنائه، وعندما قرر التوأمان الضغط بورقة الزمالك، فكان الرد أن من يحب حسام حسن فليرحل معه إلى الزمالك.مواقف كتلك رسخت فكرة هوية النادي الأهلي ومبادئه، ربما خسر بسببها الأهلي بعض البطولات، لكنه رسخ فكرة أن هذا النادي على الأقل مختلف. هل تغير الزمن فخاف الخطيب؟ ربما، ولكن هذا هو الرهان. لماذا لم تخف الجماهير مع الزمن، وقررت أن تؤيد محمود طاهر.وليكن الوضع أكثر إنصافًا فإن الزمن قد تغير بالفعل، وتلاشت قدرة النادي على التعاقد مع هذا اللاعب وتجديد عقد ذاك اللاعب بمكالمة تليفونية، ولكن هذا هو اختيار جماهير الأهلي، وكان عليها أن تتحمله.


ماذا ينتظر مجلس إدارة النادي الأهلي؟

قرر تركي آل الشيخ أن يصدر المشاكل تباعًا للمجلس الذي لم يستفد منه كما كان يخيل إليه. الفجوة الأولى هنا كما أوضحنا أصبحت بين الإدارة والجماهير ثم ستأتي المشاكل تباعًا:1. ذكر أسماء لاعبي النادي المنافس، والذي يستغل رئيسه مثل هذه الظروف جيدًا مستخدمًا لسانه الذي يجيد به أكثر مما فعل تركي نفسه.2. ثم ستبدأ مشكلة أخرى في الأفق بين الخطيب ونائبه بعد التلميح أن الخطيب يغير من نائبه العامري فاروق الرجل صاحب النفوذ والجماهيرية المعروفة بين أعضاء النادي.3. مشكلة أخرى وهي التسريب الإعلامي لصالح برنامج شوبير، وهو ما كان يعيبه الأهلاوية على مجلس طاهر، ثم ينتهي الأمر بهدم الكادر الذي كان يعده الخطيب قبل أن يبدأ وهو حسام غالي بعد الزج باسمه أيضاً بأنه السبب في التسريب.

4. هدم جسر الثقة بين لاعبي الفريق المقبلين على التجديد ومجلس الإدارة. فبعد أن أعطى مجلس الإدارة اللاعب عبدالله السعيد الثقة وطلب منه التوقيع بضمان من تركي آل الشيخ، تغير رأي محمود الخطيب في ساعات قليلة وقرر بيع اللاعب الذي عاد للمستشار السعودي باكيًا وفق تعبيره. كذلك أحمد فتحي الذي اشتكى الخطيب لآل الشيخ مستنكرًا ما طُلب منه بالتوقيع على بياض.

كل تلك المشاكل لا مفر لمجلس إدارة الأهلي من أن يواجهها وسريعًا، إما بالتكذيب وإما بالاعتذار وإما بالاثنين معًا، طبقًا لكل نقطة أثارها البيان، ويبقى الحل الذي لا يختفي هو اللجوء للجماهير وتوضيح الحقائق وتجديد الرهان وتحمل فكرة أن الجماهير قد لا تقبل بذلك. اللجوء للجماهير التي قررت مساندة الخطيب الذي سيحقق الأموال لإيمانه باسم النادي الأهلي، وأنه قادر على جلب الدعم المادي وعلى الانتصار لأنه منظم لا يتحكم فيه أحد.أما على مستوى الجماهير فلتنتهِ أسطورة النادي صاحب الكيان المتفرد، الأهلي نادٍ له هوية تاريخية تعطيه الكثير من البريق في تعامله مع الأشخاص والمؤسسات، إلا أن الأهلي مؤسسة مصرية يترأسها أشخاص مصريون، ويعاب عليها ما يعاب على باقي المؤسسات المصرية من تقديس الرئيس ومن الفشل في تحقيق الاكتفاء المادي أو التعايش من خلال الموارد المتاحة وتنميتها، إلى آخره من المشاكل المصرية العتيقة.ربما هذا هو الوقت المثالي لأن يفيق الجميع على حقيقة الأمر، وأن يبدأ مجلس إدارة الأهلي في محاولة التعامل بصدق مع الجماهير والحفاظ على ما تبقى من هوية النادي الأهلي، وعلى ضرورة أن يكون المجلس بروح الفانلة الحمراء التي يؤمن بها الجماهير، وهي محاولة الانتصار حتى آخر نفس دون مساعدة من أحد.