في الفيلم الوثائقي «الرقصة الأخيرة» يحكي «مايكل جوردن» قصة الألقاب الستة التي حققها مع فريقه «شيكاغو بولز» في بطولة الرابطة الوطنية لكرة السلة NBA، بينما وفي خط درامي مواز يحكي الآخرون قصة جوردن نفسه.

ربما أول ما تلاحظه هو ظهور علامات الزمن على الجميع، وهو الأمر المنطقي فنحن في صدد قصة انتهت من ربع قرن بالتمام والكمال، إلا أن واحدًا من تلك الوجوه كان يظهر ليشع طاقة في كل مرة، كأنه أصغر من الجميع سنًا رغم أنه هذا ليس صحيحًا على الإطلاق.

إنه ماجيك جونسون؛ أفضل بوينت جارد في التاريخ وأحد عظماء اللعبة كما يؤمن الكثيرين، والرجل الذي كلما ظهر أمامك تجده مبتسمًا مليئًا بالطاقة والحديث الإيجابي والصوت الواضح والعيون اللامعة، ليس هذا فقط بل وأحدث الوجوه الرياضية المنضمين لنادي المليارديرات.

يبلغ جونسون من العمر 64 عامًا وقد أصبح الرياضي الرابع الذي حددته «فوربس» كملياردير إلى جانب«مايكل جوردان» و«تايجر وودز» و«ليبرون جيمس». وعلى عكس الآخرين، لم يتمتع جونسون بميزة الدخل الهائل خلال سنوات الرياضة، لكنه بنى محفظته الاستثمارية من خلال المشاريع المشتركة معتمدًا على قوة ابتسامته الرابحة.

كيف فعلها جونسون وكيف فعلها الآخرون؟ كيف يتحول رياضي محترف إلى ملياردير؟ دعنا نسرد بعض القصص التي ربما تجيب على سؤال مثير كهذا.

ماجيك جونسون: السحر ينتقل خارج الملعب

لن نبدأ مع جونسون كونه أحدث الوجوه لكن لأن حقيقة صناعته لثروة مليارية رغم أنه لم يتمتع بميزة الدخل الهائل تجعل قصته أكثر إثارة؛ فلم تتعد أرباح ماجيك المهنية مع فريق ليكرز أكثر من حوالي 40 مليون دولار وهو الرقم الذي يعادل حوالي 110 ملايين دولار بما يتناسب مع قيم التضخم. إذا كنت لا تعي المفارقة فدعني أقول لك أن جيمس ليبرون تحصل من عقود السلة على 479 مليون دولار وما زال الرقم قابل للزيادة في ازدياد.

لذا ما فعله جونسون أنه قرر أن ينثر سحره الخاص خارج ملعب كرة السلة لكن بنفس الطريقة، فقد عُرف عن جونسون أنه زميل رائع ورجل إيجابي دائم الابتسام وبنفس الطريقة بني جونسون إمبراطوريته الاستثمارية معتمدًا على علاقاته في المقام الأول.

كانت البداية عندما التقي جونسون بالسيد«بيتر جوبر»، الرئيس التنفيذي لشركة سوني بيكتشرز حينذاك وطلب منه مباشرة أن يدخل في عالم الاستثمار، رُفض جونسون في البداية لعدم ثقة أصحاب الشركات في الرياضيين كونهم لا يتمتعون بالجدية اللازمة، لكنه قرر الخضوع لمعسكر تدريبي للأعمال يتضمن المشاركة في محاكاة اجتماعات العمل، وهنا عرف الجميع أن جونسون يملك خدعة سحرية فيما يتعلق بكسب ود الجميع.

لقد نجحت هذه الخدعة السحرية عدة مرات على مر السنين. حتى إنه استطاع من خلال اجتماع وحيد مع المديرين التنفيذيين لشركة بيبسي أن يحصل في النهاية على حصة 33% من قيمة الاستحواذ على مصنع تعبئة بالقرب من واشنطن العاصمة، مقابل نفقات نقدية أقل من 60 مليون دولار فقط.

استغل جونسون شعبيته الجارفة واستطاع أن يحقق عدة مكاسب عن طريق إقامة مشاريع في أمريكا السوداء، حيث استطاع بناء دار سينما في حي بالدوين هيلز في لوس أنجلوس، الذي كان يعاني من عنف العصابات في ذلك الوقت. وبعد ثلاث سنوات دعا الرئيس التنفيذي لستاربكس لمشاهدة فيلم معه وبعد انتهاء الفيلم كانا قد اتفقا على إنشاء مشروع مشترك بنسبة 50/50 لفتح أكثر من 100 مقهى في أحياء السود في جميع أنحاء البلاد.

استمر جونسون في نشر سحره الخاص أينما ذهب حتى التحق بنادي المليارديرات، هذا النادي الذي يحتل قائمته مايكل جوردون دون شك.

مايكل جوردون: أن تستغل كونك الأعظم بعد التقاعد

تتمحور قصة جوردون حول سر بسيط؛ وهو القيام باستثمارات حكيمة منذ سن مبكرة وهو في أوج عطائه الرياضي، وفي عالم الرياضة بجميع أنواعها لم يتخذ أي رياضي قرارات تجارية ذكية كما فعل مايكل جوردان.

قرارات جوردون الذكية كثير ومعظمها بعد تقاعده إلا أنه هناك لحظة واحدة في مسيرته في الدوري الاميركي للمحترفين لعبت دورًا مهمًا في مدى ثرائه حتى النهاية. ففي بدايات بزوغ نجم جوردون، تسابقت عدد من الشركات الرياضية للتعاقد معه، كانت شركتي أديداس وكونفرس في صدارة السباق، لكن نايكي هي من تمكنت من إقناعه.

كيف فعلوا ذلك؟ عُرض على مايك علامته التجارية الخاصة بالأحذية كقسم منفصل يحمل شعاره الخاص، وهي لحظة تاريخية حولته إلى ظاهرة ثقافية. اليوم، تحقق العلامة التجارية جوردان مبيعات سنوية تبلغ 6.6 مليار دولار لشركة نايكي، وربما هذا هو أهم قرار تجاري اتخذه رياضي في التاريخ.

اتاحت عقود مايكل الضخمة إضافة إلى الربح الهائل الذي يجنيه جوردون من علامته المميزة أن يتفرغ مايكل لأعمال تجارية مختلفة، أصبح مالكًا لحصة في شركة المراهنات الرياضية DraftKings ومالك مشارك لعلامة Cincoro tequila التجارية وعدد من الإستثمارات الأخري. لكن الاستثمار الرئيسي الآخر كان شراء ثم بيع فريق شارلوت هورنتس في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين.

في عام 2010، اشترى جوردان حصته في النادي المسمى حينئذ بشارلوت بوبكاتس بمبلغ 275 مليون دولار، وفي عام 2023 باع حصته الأكبر مقابل 3 مليارات دولار. وهو نفس الرقم الذي تُقدر به ثروة مايكل جوردون وفقًا لمجلة فوربس.

تايجر وودز: الوجه الأشهر

يتمتع وودز بميزة تنافسية غريبة بعض الشيء في مجال الاستثمار وعلاقته بالرياضة، أنه يحمل وجه شهير للغاية رغم أن الكثير من محبيه لا علاقة لهم بالرياضة التي تفوق فيها وهي رياضة الجولف.

لكن رياضة الجولف ذاتها كونها رياضة الأغنياء أتاحت لوودز ما لم تفعل أي رياضة قط، حيث يحتل تايجر المرتبة الأولى في قائمة الأرباح المهنية على الإطلاق برقم يزيد على 1.7 مليار دولار من صفقات الرعاية على مدار حياته المهنية التي استمرت 27 عامًا.

المثير أن وودز كان في استطاعته مضاعفة هذا الرقم إذا أراد، فقد رفض عرضًا مذهلًا لجولة جولف مدعومة من السعودية، وهي الصفقة التي أوضح الرئيس التنفيذي لشركة LIV أنها كانت تقدر بمبلغ من تسعة أرقام!

ومع ذلك، فإن أقل من 10% من أرباح وودز وصافي ثروته تأتي من أرباح لعبة الجولف، ويأتي الجزء الأكبر من ثروته من صفقات الرعاية التي تضم اثنتي عشرة علامة تجارية، بما في ذلك جاتوريد، ومونستر إنيرجي، وتايلور ميد، ورولكس، ونايكي، التي وقع معها في عام 1996 والتي تظل أكبر داعم له.

ليبرون جيمس: عصر المال

مهما تحدثنا عن التوحش الذي طال الرياضة بكل أنواعها فيما يخص العقود والأموال، فيمكننا أن نختصر الأمر في الحديث عن ليبرون جيمس. دخل ليبرون التاريخ في عام 2022 عندما أصبح أول لاعب في الدوري الأميركي للمحترفين يتم إعلانه مليارديرًا.

بالمقارنة مع زملائه من نادي المليارديرات، حقق جيمس نسبة كبيرة إلى حد ما من ثروته في الملعب؛ أكثر من 400 مليون دولار أمريكي، وبافتراض تمديد عقده الحالي مع لوس أنجلوس ليكرز، فمن المقرر أن يتجاوز هذا 530 مليون دولار أمريكي في عام 2025.

ومع ذلك، لا تزال صفقات الرعاية الاستثمارات تمثل جزءًا كبيرًا من أرباحه، فهو يملك عقودًا مع نايكي وبيبسي كما يمتلك حصة 1% في مجموعة فينواي الرياضية، التي تمتلك عددًا من الفرق الرياضية بما في ذلك نادي ليفربول لكرة القدم وبوسطن ريد سوكس.

حسنًا لكل ملياردير قصة، لكن الأكيد أن جميعهم استغلوا الرياضة التي جعلتهم وجوه عالمية لا يستهان بها في صناعة ثروة هائلة. لكن هذا لا يمنع أبدًا أن ثروات كتلك لا يحققها سوي أشخاص أصحاب عقول استثمارية في الأساس.