تأثيري على نجاحهم؟ صفر، صفر، صفر. 
بيب جوارديولا، المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي. 

لطالما تحدَّث المقربون من الإسباني عن دوره في تغيير نظرتهم للعبة؛ الأمر الذي ألهم البعض منهم ليسلك مسار التدريب الشاق. أسماء مثل: «ميكيل أرتيتا»، «تشافي هيرنانديز»، «فينسنت كومباني»، «تشابي ألونسو»، «خافيير ماسكيرانو» و«رافا ماركيز» يحققون نجاحات متفاوتة في تجاربهم كمدربين. والسبب البديهي الذي يتبادر إلى الأذهان عند سماع ذلك هو مدى تأثير العبقري الإسباني على مسيرتهم التدريبية. 

بكل تواضع، ينفي جوارديولا أي علاقة بينه وبين نجاحاتهم، بل يذهب لما هو أبعد من ذلك، ليسرد تأثير من يمكن وصفهم بتلاميذه عليه. 

وفجأة، تحولت القصة من مدحٍ متبادل بين أستاذٍ وتلاميذه، لمحاولة هؤلاء المدربين الشباب نفض غبار التهمة التي تلاحقهم منذ قرروا بدء رحلتهم التدريبية؛ وهي اعتبارهم مجرد نسخ غير مكتملة من بيب جوارديولا، أو «جوارديولا لايت» بالتعبير العصري. 

هل يحاول هؤلاء استنساخ أسلوب مدرب برشلونة الأسبق؟ أم أن هذا الربط محض هراء إعلامي وجماهيري؟ 

إرث جوارديولا

كان الأمر أشبه بالحصول على درجة الماجستير في التدريب. لقد تعلمت الكثير من بيب: طريقته في إدارة الفريق، الطموح، الرغبة والعاطفة التي يضعها في كل شيء. إنه مهووس بكرة القدم والتكتيكات.
تشافي هيرنانديز، المدير الفني لبرشلونة الإسباني

بمجرَّد التفكير في خليفة شرعي لبيب، يقفز تشافي للأذهان؛ لأنه الرجل الذي شرب فلسفة الإسباني حين كان لاعبًا في برشلونة، بل إنه أحد أهم تروس ماكينة «تيكي تاكا» كاتالونيا. ومع ذلك، يبدو هيرنانديز أكثر براجماتية، ربما مُضطرًّا؛ أملًا في تحقيق انتصارات تمنحه بعض الوقت. 

في إنجلترا، يوصف فريقي أرسنال وبيرنلي الإنجليزيين بـ «مانشستر سيتي لايت»، وهو الوصف الذي يحاول «ميكيل أرتيتا»، مساعد بيب السابق، و«فينسنت كومباني»، لاعب السيتي السابق، تجنبه قدر المُستطاع. 

يرى دانييل تايلور، محرر ذي أثليتيك، أنه حتى إن كان هؤلاء المدربون الشباب قد استقوا خبراتهم من جوارديولا، فمن المهين جدًّا وصفهم بأنهم مجرد استنساخ له

لم أحاول أبدًا نسخ ولصق ما يقوم به بيب. أرسنال يستحق أفضل بكثير من ذلك. كل شخص لديه طريقته في إدارة الفريق. أنا وبيب مختلفان جدًّا. 
ميكيل أرتيتا تعليقًا على نسخه لأفكار بيب جوارديولا. 

في الواقع، يبدو رأي أرتيتا منطقيًّا؛ لأنه يشرف على تدريب نادٍ عريق مثل أرسنال، كذلك كومباني وتشافي. لذا يبدو الاعتراف بمحاكاة طريقة مانشستر سيتي في اللعب محرجًا جدًّا. 

في مايو/أيار 2022، نقلت ذي أثليتيك مجددًا ما يمكن وصفه بتأثير جوارديولا، لكن هذه المرة على الدرجات الأدنى من كرة القدم الإنجليزية. 

سرد «إيان إيفات»، المدير الفني لفريق «بولتون واندررز» الذي ينشط بدوري الدرجة الثانية الإنجليزي، ما قد يخجل البعض منه: وهو أنه مع وصول المدربين المتمرسين بكرة القدم الإنجليزية لسن التقاعد، كان جوارديولا هو النموذج الناجح الأبرز الذي يسعى الجميع لتقليده.

«يخلق من الشبه 40» 

أنا لست متعجرفًا بما يكفي للاعتقاد بأنني أستطيع التحكم في أي شيء خارج فريقي. الأمر برمته يتوقَّف على المدرب. إذا كان هذا المدرب يحب أسلوب لعب معينًا، فإن فريقه سيلعب بهذه الطريقة.
بيب جوارديولا. 

تتضح الإشكالية هنا، تلاميذ بيب يؤكدون أنهم كوَّنوا شخصياتهم الفنية عبر سنوات من التعامل مع مختلف المدربين، ليس جوارديولا وحده. لكن الواقع هو أن الفرق التي يشرفون عليها تلعب تقريبًا بنفس الطريقة التي يلعب بها فريق بيب، بل تطبق نفس الأفكار. 

 ليس من المستغرب أن نتعلم من شخص مثل بيب؛ لأنه من بين كل هؤلاء المدربين الذين عملنا معهم في مكانة خاصة. 
فينسنت كومباني، المدير الفني لبيرنلي الإنجليزي. 

على سبيل المثال لا الحصر، في ثالث مواسمه مع أرسنال استخدم أرتيتا فكرة «الظهير المعكوس»، ودفع بحارس مرمى يجيد اللعب بقدميه بامتياز، وغيرها من الأفكار التي يبدو أنها اقتبست بحذافيرها من «سيتي بيب». 

في حين كان أول ما قاله تشافي هيرنانديز حين تولَّى منصب المدير الفني لبرشلونة هو أن الاستحواذ شيء مُقدَّس، وأن الكرة كنز وليست قنبلة. بينما نقل مصدر لـ «ديلي ميل» البريطانية أن مشاهدة تدريبات بيرنلي أشبه بمشاهدة تدريبات مانشستر سيتي، وأن كومباني نسخة مُصغرة من جوارديولا. 

«إعادة اختراع العجلة»

مفاجأة سارة، ربما أثَّر جوارديولا بالفعل على عشرات المدربين الشباب، الذين ارتأوا أن أسلوبه هو الأسلوب المثالي للعب كرة القدم، لكن اقتباس أفكاره، حتى إن حدث، لا يعد سرقة. لماذا؟ لأنَّ هذه الأفكار ليست ملكًا لجوارديولا من الأساس. 

في أغسطس/ آب 2019، نشرت «دويتش فيله» الألمانية تقريرًا مصورًا بعنوان: «لماذا انتهى التطور التكتيكي لكرة القدم؟». في هذا التقرير تم استعراض أبرز الأفكار التكتيكية الرائجة في فترات مختلفة، واتضح أن كل هذه الأفكار قد استخدمت بالفعل، وأن كل ما يحدُث منذ التسعينيات ما هو إلا محاولات لإعادة تدوير هذه الأفكار.  

وبما أن الجميع عادة ما يحاول محاكاة أسلوب الفريق البطل، يبدو بديهيًّا أن تُلهم تجربة جوارديولا مدربي الفترة الحالية. 

لكن الحقيقة المجردة هي أن السؤال عن اقتباس الأفكار، سؤال غير مهم إطلاقًا؛ لأنه لا يعكس مدى تأثيره الحقيقي على هؤلاء المدربين. كيف ذلك؟

عند عودته لبرشلونة مدربًا قام تشافي بوضع مجموعة من القواعد الصارمة لفرض الانضباط على المجموعة، كما قام أرتيتا بالدخول في صدام حامٍ مع نجم فريقه «أوباميانغ» لإخلاله بالنظام، فيما يحافظ كومباني على علاقة قريبة من لاعبي الفريق الخمس الكبار. ديجافو! هذا بالضبط ما قام به جوارديولا بالسابق في عدة تجارب مختلفة. 

هذا هو التأثير التي يتحدَّث عنه الجميع، ليس محاكاة طريقة اللعب والأفكار التكتيكية، بل التصرفات الفردية التي يقوم بها الإنسان دون وعي حقيقي منه، أو بالأحرى القرارات التي يتخذها الإنسان كما شاهد مثله الأعلى يتخذها. 

بالفعل، بيب مدرب عبقري، له أيديولوجية واضحة حين يتعلق الأمر بلعب كرة القدم، لكنه لم يختبر ما اختبره هذا الجيل الشاب؛ لم يطالبه أحد بإنقاذ برشلونة المتهالك مثل تشافي، ولم يعمل على تغيير هوية نادٍ عاش أفضل فتراته تحت قيادة «شون دايتش» بميزانية محدودة مثل كومباني، ولم يختبر يومًا منافسة فريق خارق كمانشستر سيتي مثل أرتيتا.  

لهذا يبدو منطقيًّا أن يخجل تلاميذ بيب حين يوصف أحدهم بـ «جوارديولا لايت»، ومع ذلك لا يمكن إنكار تأثيره على نجاحهم.