اليوم أستطيع أن أقول لكم إنني سعيد للغاية بالقرار الذي اتخذناه.
ليونيل ميسي

هكذا عبر ميسي عن وجوده في الدوري الأمريكي. أخبر الصحفيين أنه لا يزال يتعود على أجواء فلوريدا الحارة والرطبة، لكن الأهم أنه سعيد بهذا الانتقال عكس ما حدث له في باريس قبل عامين.

هنا نسرد قصصًا وأسبابًا وأشخاصًا جعلت ميسي سعيدًا حتى لو كان يلعب أمام أشباه لاعبين وفي بلد لا يقدر كرة القدم بالشكل الكافي. هنا نسرد قصة ماس كانوسا الذي تغلب على أموال السعودية، وجعل من أمريكا خيارًا عائليًّا أفضل من باريس.

قصة السيد ماس كانوسا الأب

بعد أيام قليلة من استيلاء السيد كاسترو على السلطة في كوبا عاد إلى الوطن شاب يدعي خورخي ماس كانوسا بعد أن أتم دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية. لم ينقضِ سوى عام واحد حتى عاد خورخي مرة ثانية لأمريكا، لكنه هذه المرة عاد منفيًّا وللأبد.

عاد السيد ماس إلى ميامي كلاجئ مفلس، فشغل سلسلة من الوظائف البسيطة. عمل بائعًا للحليب وبائعًا للأحذية، بينما كان يكرس وقت فراغه للحركة المناهضة لكاسترو. وفقًا لرفاقه في ذلك الوقت، فقد ساعد في جمع الأموال والحصول على الأسلحة واستكشاف المواقع المحتملة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى التي يمكن من خلالها مهاجمة كوبا أو غزوها.

استطاع خورخي مع الوقت تأسيس إمبراطورية الاتصالات السلكية واللاسلكية Mastec التي حولت السيد ماس إلى واحد من أغنى رجال الأعمال في الولايات المتحدة. رغم هذا ظل السيد ماس نشطًا في السياسة المناهضة لكاسترو، بل كان ألد أعدائه وأشدهم خطورة.

ما علاقة هذا بكرة القدم؟ على الأغلب مرت أمامك صورة تجمع بين السيد كاسترو وواحد من عظماء اللعبة وهو دييجو مارادونا.

ففي العام 1986 زار مارادونا كوبا لأول مرة في أعقاب عروضه الملهمة التي أدت إلى فوز بلاده بكأس العالم. ارتبط مارادونا حينئذٍ بعلاقة صداقة مع فيدل كاسترو رئيس البلاد؛ لذا بعد تقاعد الأرجنتيني قرر كاسترو التدخل لإنقاذه حياته بعد أن بلغت مشاكله مع المخدرات أقصاها واحتاج إلى خدمة صحية تأهيلية، وهو ما وفره له كاسترو في كوبا.

ما علاقة السيد خورخي ماس بذلك إذن؟ تلك قصة أخرى..

قصة ماس كانوسا الابن

توفي خورخي وترك إرثًا ضخمًا في يد ماس الابن الذي رافقه في رحلة بناء تلك الثروة الضخمة، لكن الأهم أنه ترك في قلب نجله الأكبر شيئًا له علاقة بكرة القدم، شيئًا ربما له علاقة بكاسترو.

أدرك كاسترو أن كرة القدم وعلاقته بمارادونا تعطيه بريقًا يحمي كرسيه، أما ماس الابن فقرر أن يحمي نفوذه وأموال أبيه ويزيدها من خلال الرجل الوحيد الذي ربما يقارن بمارادونا. دعني أقدم لك ماس كانوسا الابن، المالك الأهم ضمن مالكي نادي إنتر ميامي، والرجل الذي ينسب له أكبر الفضل في جلب ميسي لأمريكا.

بدأ الأمر من خلال مقابلة مع والد ميسي عام 2019، أي قبل نهاية عقد ميسي مع برشلونة والانتقال لباريس. كان الهدف هو زرع الفكرة في رأس ميسي، ثم تلا ذلك عدد من الخطوات التي تتمحور حول كيفية جلب ميسي لأمريكا، لكن سيثبت الزمن بعد ذلك أن الخطوات الأهم التي اتخذها ماس لم تكن لها علاقة بالأموال فقط.

كيف تجعل ميسي سعيدًا

عرف ماس بعقلية رجال الأعمال أن العدو الأول الذي يواجهه هو حنين ميسي للعودة لبرشلونة لما يملك هناك من ذكريات عائلية وارتباط أسرته الصغيرة بالمكان. أما العدو الثاني فكان المال الذي سيضعه ممثلو الرياض فوق طاولة ميسي مثلما فعلوا مع رونالدو وآخرين.

كان الحل هو مزيج مما يملك الأعداء؛ المال والمشاعر. بدأ الأمر من خلال التقرب من خلال العائلة نفسها، والهدف هو إقناعهم بأن مشروع أمريكا هو مشروع يتعدى فكرة كرة القدم. اقترب بالفعل من السيد خورخي ميسي وصولًا إلى وجوده في الجناح الخاص بالعائلة في نهائي كأس العالم قطر 2022.

لعب الرجل في البداية على فكرة القرب من الأرجنتين، والذي كان عنصرًا مهمًّا؛ تستغرق رحلة ميامي تسع ساعات إلى بوينس آيرس مقارنة بأكثر من 20 ساعة من الرياض. أما المبرر الذي ساقه إلى ميسي والعائلة حول تواضع الفريق الشديد هو أن ميسي سيكون بمثابة الأيقونة لكرة القدم نفسها في أمريكا وليس إنتر ميامي، تمامًا مثلما فعل بيليه وبيكهام في أمريكا، بل إنه عنون الصفقة بأن كرة القدم في أمريكا سيتم تأريخها قبل ميسي وبعد ميسي.

بدأ الجميع يقتنع بالأمر على ما يبدو، لكن ماذا سيفعل ميسي بعد كرة القدم؟ هنا كان لا بد من وجود مال يضاهي مال الرياض، لكن على طريقة رجل أعمال أمريكي وُلد للاجئ كوبي.

صفقات رجال الأعمال

إذا كنت من محبي الكاتب الشهير روبرت تي كيوساكي، فأنت على الأغلب تعرف كتابه الشهير النموذج الرباعي للتدفقات النقدية. وإذا لم تكن من المهتمين فالرجل ببساطة يقول إن أكثر الناس ثراءً لا يمتلكون ثروات نقدية، بل يمتلكون استثمارات تجلب النقد الذي يجعلهم مرفهين للأبد.

هكذا استطاع ماس أن يتغلب على أموال الرياض، لقد جعل ميسي مستثمرًا. تضمن العرض لميسي امتلاك الأسهم في نادي إنتر ميامي، وهو الأمر الذي خطط له ماس قبل أشهر. لكن ذلك لم يكن كافيًا.

تفهم ماس أن شركة آبل ستكون أكثر المهتمين بوصول ميسي إلى الدوري الأمريكي، لأن صفقة مثل تلك سيكون لها تأثير كبير على الجمهور والاشتراكات في تطبيق MLS Season Pass على Apple TV. هنا تحديدًا انخرطت شركة آبل في فكرة الشراكة مع ميسي كجزء من صفقة لإحضاره إلى الولايات المتحدة.

ساعد ماس في ذلك أن نائب الرئيس الأول للخدمات في آبل السيد إيدي كي هو أمريكي كوبي من ميامي أيضًا. لم يشارك ماس في المفاوضات المباشرة بين ميسي وشركة آبل، لكنه مهد الطريق لذلك. لا تزال تفاصيل الاتفاقية غير معروفة، لكن المفاوضات تضمنت مشاركة الأرباح مع ميسي للمشتركين الدوليين الجدد.

سعادة بلا مجهود

ربما لاحظت منذ اليوم الأول للأرجنتيني أن الأمر غير ممتع، لأن الفكرة ليست في تسجيل الأهداف أو نثر ميسي سحره في أراضي أمريكا. لكن الأزمة أنه لا يوجد أي ندية في هذا الدوري، ربما هنا تحديدًا شعر البعض أن خيار الدوري السعودي كان أفضل، وربما بهذا تحديدًا خرج ميسي بتصريح مفاده أنني انتهيت من الكرة وجئت هنا للمتعة.

هناك أسباب هيكلية أكبر، لماذا لا يبدو الدوري الأمريكي تنافسيًّا؟ فمنذ انضمام ديفيد بيكهام إلى الدوري في عام 2007، تم التوقيع على سلسلة من القواعد المعقدة بشكل متزايد، والتي تسمح للمالكين الطموحين في هذا الدوري المحدد الرواتب بالاستثمار أكثر في فريقهم، ولكن ليس بالطريقة التي قد يرغبون فيها. لذا من السهل إنفاق الكثير من الأموال لكن على عدد قليل من اللاعبين الرائعين بمعايير محددة، وهو أمر مفيد تسويقيًّا، لكن لا يمكن أبدًا أن يجعل شكل الدوري الأمريكي أفضل.

هل سيتغير ذلك مع قدوم ميسي، ربما تتغير اللوائح حتى تكتمل سعادة الأرجنتيني، وحينئذٍ سنشاهد ميسي ينثر سحره أيضًا ويسجل الأهداف السهلة؛ لأن سببًا كبيرًا من ذلك أنه ببساطة ميسي.