63% من العينة ينوون المراهنة على نتائج مباريات كأس العالم في قطر.
تقرير شركة «TGM Research»

النسبة أعلاه كانت واحدة ضمن نتائج عدة كشف عنها استطلاع رأي مستقل، شاركت به عينة مكونة من 659 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 18 و64 سنة، خلال الفترة بين 1 و 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، حول سلوكيات المُهتمين بالمراهنات الرياضية داخل مصر. 

 لا تبدو هذه النسبة مفاجئة؛ دون شكٍّ، سبق لك أن سمعت أو قرأت عن اقتحام المراهنات الرياضية السوق المصرية بقوة مؤخرًا، بعد أن كان الحديث عنها مجرَّد قصص خيالية عن أشخاص كوَّنوا ثروات ضخمة، أو فقدوها، عن طريق توقُّع مباريات كرة القدم. 

باتت المراهنات الرياضية أمرًا واقعًا في مصر، لكن السؤال الذي يطفو على السطح الآن هو: هل وصلت عدوى المُراهنات لعناصر اللعبة نفسها؟ 

عصر السرعة 

قبل الإجابة على هذا السؤال يجب علينا التفرقة بين أمرين: المراهنات الرياضية والمراهنات الرياضية غير المشروعة. الأولى، حتى ولو كانت ممارسة غير أخلاقية، تظل قانونية على الأقل في بعض البلدان.

أما الثانية فهي ما تُعرف بالـ «تلاعب» أو «ضبط» نتائج المباريات، وهي الكارثة التي قد تُفسد الدافع لمشاهدة المباريات والبطولات من الأساس، حيث توضَع الرهانات على مباريات تحصَّل أحد المشاركين فيها على رشوى كي تنتهي وفقًا لنتيجة محددة سلفًا.  

كالعادة، يظهر الإنترنت في قصتنا كمتهم أول. منذ منتصف التسعينيات، تطورت مواقع المقامرة والمراهنات الرياضية، وأصبح المراهن في حِلٍّ عن الذهاب لمكتب المراهنات واضعًا أمواله على نتيجة مُعينة لمباراة، بل أصبحت القصة أكثر سلاسة، حيث يمكنه أن يراهن على أي حدث بالمباراة، من منزله باستخدام هاتفه المحمول فقط. 

هذا التطوُّر جعل قيمة أرباح سوق المراهنات الرياضية تُقدر في عام 2022 بنحو 81 بليون دولار أمريكي، ويُتوقَّع أن ترتفع هذه قيمة بالأرباح لما يصل إلى 167.5 بليون دولار أمريكي في عام 2030. لكنه فتَح في نفس الوقت مجالًا لعصابات دولية، تسعى لاقتطاع جزء من كعكة هذه الأرباح عبر التلاعب بنتائج المباريات. وبالطبع، لكرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية في العالم، حصة الأسد من «بيزنس» التلاعب بالمباريات. 

أبلغت شركة «Sports Radar» عن 700 مباراة كرة قدم مشبوهة خلال الفترة بين يناير ومنتصف نوفمبر 2022. 
موقع «فوربس»

حسب «أندرياس كرانيش»، مدير قسم نزاهة المراهنات بشركة «Sports radar»، لم يعُد ضبط نتائج المباريات بالطرق التقليدية رائجًا؛ نادرًا ما يتم العثور على حالات يُفسد من خلالها حكم أو لاعب مباراةً برُمتها، خاصةً في الدوريات المذاعة تلفزيونيًّا. بل يكون على أحداث بسيطة، مثل تلقي إنذار في وقت مُحددٍ، بحيث لا تُثار الكثير من الشكوك حول اللاعب أو الحكم. 

ولأن مصر ليست بمعزلٍ عن العالم، ربما حان الوقت لنسأل، ما موقع الكرة المصرية من هذه الشبكة المُتشعبة من الفساد؟ 

تلميحات 

«توقَّع واكسب مليون جنيه». كان هذا نص ما نشره الحساب الرسمي لاتحاد كرة القدم المصري على «فيسبوك» في 27 يوليو/ تموز 2022، كإعلان لتطبيق «اكسب»، حيث دعا المنشور الجماهير للتسجيل في التطبيق لدخول مسابقة توقعات يصل مجموع جوائزها لمليون جنيه مصري. 

قد تعتقد أن هذا التطبيق مجرد تطبيق «فانتازي» عادي، لكن بمجرَّد التسجيل تجد أنك داخل تطبيق مراهنات تقليدي، حيث يشتري المستخدم عملات رقمية مقابل مبلغ من المال كي يتسنى له توقُّع نتائج المباريات المحلية والعالمية، ومن ثَم حصد الجوائز المالية. 

 طبقًا للموقع الرسمي لهذا التطبيق، فكل المسابقات يتم الموافقة عليها وترخيصها من وزارة التضامن الاجتماعي، ويذهب جزء من المدفوعات إلى صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الأهلية. ما يعني موافقة ضمنية على مفهوم المراهنات بشكل عام. كانت هذه المفاجأة الأولى، لكن ليست الأخيرة. 

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قدَّم «مركز شباب طامية»، الذي ينشط بدوري القسم الثاني، شكوى ضد أحد لاعبيه، الذي اتفق مع وسيط على تسهيل خسارة الفريق بثلاثة أهداف ضد فريق «الألومنيوم» بجانب ثلاثة من زملائه مقابل مبلغ يصل إلى 50 ألف جنيه لكل منهم. 

في نفس الوقت، أكَّد «فؤاد سلامة»، المدير الفنِّي لمركز شباب طامية ولاعب المقاصة السابق، أنَّه حصل على تسجيل صوتي يوثِّق واقعة الاتفاق بين الطرفين. لكن القصة اختفت تمامًا بعد أن أعلن النادي تحرير محضر بالواقعة كاملةً. 

في حادثة أكثر إثارة للسخرية، بعد شهرين فقط من الواقعة أعلاه، نشر «أحمد مُحسن»، لاعب الإسماعيلي، منشورًا على حسابه الشخصي على «فيسبوك»، يروِّج من خلاله لأحد تطبيقات المراهنات الشهيرة. قبل أن يحذفه سريعًا، مؤكدًا أنه «نقر» على زر المشاركة على رابط أرسله إليه شخص ما دون قصدٍ. لتختفي هذه القصة أيضًا ككل القصص الماضية دون تحقيق جاد. 

بنفس السياق، يؤكد العديد من المحسوبين على المجال الرياضي تورُّط لاعبين مصريين في «بيزنس» المراهنات، غير الشرعية منها تحديدًا، لكن لا تتعدى هذه التأكيدات تلميحات من هنا ومن هناك دون دليل قاطع سوى الكلمات التي تخرج على لسان أصحابها. وطبقًا لقانون الاحتمالات، توجد احتمالية لضلوع عناصر كرة القدم المصرية في المراهنات القانونية أو غير القانونية.

وعند التدقيق يتضح لنا أن الأزمة ليست في انخراط أي من عناصر اللعبة في هذه الممارسات، بل في تاريخ اتحاد كرة القدم المصري، الذي ارتبط – للمفارقة – بالمراهنات القانونية وغير القانونية على حد سواء منذ زمن طويل. 

حقل «التلاعب» 

تبدأ القصة في حدود عام 2005. وقتئذٍ، كان «سمير زاهر»، رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، يسعى للبحث عن روافد جديدة للدخل. وكان الحل الأمثل بالنسبة له، هو تطبيق نظام المراهنات الرياضية في مصر «بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية»

بالفعل، طار زاهر إلى اليونان، التي كانت قد طبقت نظام المراهنات الرياضية لتمويل كرة القدم اقتصاديًّا. وسرعان ما أُعلن في نفس السنة عن اتفاق ثلاثي بين اتحاد الكرة وشركة «Intralot» اليونانية، وهيئة البريد المصرية، من أجل تسهيل المعاملات المالية. 

لم تكن تلك أزمة كبيرة، حتى وإن نالت هذه الخطوة انتقادات لاذعة؛ لأن ما تلاها كان أكثر إثارة. 

في 2014، صدر كتاب بعنوان: «Kelong Kings»، الذي يسرد قصة السنغافوري «ويلسون راج بيرومال»، الرجُل الذي قُبِض عليه عام 2011 بتهمة إدارته لعصابة دولية تخصصت في التلاعب بمباريات كرة القدم بهدف جني الأموال عبر المراهنات غير المشروعة، والتي وصل عددها لـ 100 مباراة حول العالم. 

داخل هذا الكتاب، يستعرض بيرومال سلسلة طويلة من قصص خيالية حول شراء ذمم لاعبين وحكام ومسئولين. والمفاجأة، كانت حين تطرَّق إلى مغامراته في القاهرة. نعم ما قرأته صحيح. 

 لم يدَّعِ بيرومال تقديم أي رشوة لأي مسئول مصري، أو هكذا نعتقد. لكنه استخدم مصر كحقل تجارب للمباريات التي يريد التلاعب بها. وإليك باختصار كيف تمكَّن من ذلك. 

تحظى كرة القدم في مصر بتغطية تلفزيونية، بالتالي، احتمالية إدراج مواقع المراهنات للمباريات الودية المقامة بالقاهرة عالية جدًّا، وبما أنها مباريات ودية، فلن يهتم الاتحاد الدولي إلا بنتيجتها النهائية، لا يتم تعيين مراقب لهذه المباريات، سواء من الاتحاد الدولي أو القاري. 

في البداية، عرض السنغافوري خدمات شركته الوهمية على اتحاد كرة القدم المصري. وتتلخَّص هذه الخدمات في إقامة بطولات ودية على أرض مصر، مع تحمُّل الشركة لكل التكاليف المتمثلة في تذاكر طيران الضيوف، نفقات إقامتهم داخل مصر، وغيرها من الإجراءات الروتينية، دون أن يتحمَّل الاتحاد المصري جنيهًا واحدًا. صفقة ممتازة، وافق عليها الاتحاد المصري بلا تردد. 

اعترف بيرومال أنه استخدم مصر كحقل للمراهنات في مناسبتين. الأولى حين نظَّم بطولة ودية للشباب تحت 23 عامًا، اشتركت بها منتخبات مصر، غانا، غواتيمالا، نيجيريا وكينيا. وهذا الأخير، كان الفريق الذي يقع تحت سيطرته، ومهمته كانت الخسارة بأكبر عدد ممكن من الأهداف. وهو ما حدث، حين خسر منتخب كينيا ضد مصر بسباعية، وأمام نيجيريا بأحد عشر هدفًا. 

يقول الرجُل إنه نال ثقة الاتحاد المصري لكرة القدم، حيث قال إن «أي حمار» ينتمي لشركته يستطيع إبرام اتفاق مع الاتحاد المصري. وهو ما حدث تحديدًا في يوليو/تموز 2010، حين أقنع أحد مندوبي الشركة اتحاد الكرة المصري بتنظيم الشركة لمباراة المنتخب الأول المصري ضد أستراليا. لكن الاتفاق شمل إدارة حكم بعينه للمباراة. 

شاهد الدقيقة 8:40.

بالطبع توقعت ما حدث. لم يكن الحكم سوى فرد آخر اشتراه بيرومال بالمال، وكانت مهمته أن يتم تسجيل ثلاثة أهداف في المباراة، وهو ما حدث، بعد أن احتسب الرجُل بالصدفة ركلة جزاء كوميدية قبل انتهاء المباراة بدقائق، لتنتهي بثلاثية نظيفة لصالح الفراعنة. لتفرح مصر، ويحصل بيرومال على أرباح وصلت لـ 200 ألف دولار. 

قد تعتقد أن الاتحاد المصري مظلوم في هذه القصة، ويبدو ذلك الطرح منطقيًّا بالفعل. لكن المشكلة هي أن الاتحاد المصري لم يبذل أي عناء في البحث عن تاريخ الرجل الذي يتفاوض معه، لأنه إن فعَل، كان ليُفاجأ بأن هذا الوسيط كان قد سبق وسُجن أكثر من مرة في بلاده بتهمة التلاعب في نتائج المباريات المحلية

بالعودة إلى سؤالنا الأصلي حول حقيقة تورُّط أي من عناصر اللعبة في مصر حاليًّا في نشاطات الرهانات الرياضية غير المشروعة، لا يُمكننا سوى أن ننظُر للتاريخ، وبالتأكيد سنجد الإجابة، التي ربما لا تحتاج لخبير لاكتشافها.