في ليلة الثاني من نوفمبر الماضي، قررت فتاة صينية تبلغ من العمر 35 عامًا، الذهاب إلى حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي المحلي «ويبو»، وكتابة منشور عن تجربة شخصية قاسية ضمن حملة «Me Too»، ضد جرائم الاعتداء والتحرش الجنسي حول العالم.

ووجهت تلك الفتاة اتهامات مباشرة ضد نائب رئيس الوزراء السابق «تشانج جاولي»، بالاعتداء وإجبارها على ممارسة الجنس معه، رغم انتهاء علاقتهما تمامًا منذ 10 سنوات، وذلك بعدما قرر السياسي البارز الابتعاد بسبب منصبه السياسي المرموق، والذي شغله في الفترة من 2013 وحتى 2018.

كنت خائفة جدًا. في البداية رفضت بعد ظهر ذلك اليوم، ولم أتوقف عن البكاء. بعد أن سيطر عليّ الخوف والارتباك، استسلمت وحصلت علاقة جنسية.
بينج شواي

قد يبدو الأمر طبيعيًا، فهي قصة من آلاف القصص التي نسمع عنها مؤخرًا، ولكن ما حدث لا يمت للطبيعة بصلة، فهذا المنشور حُذف بعد 30 دقيقة فقط، ومنعت عنه كل إشارات الوصول عبر الموقع، واختفت معه تلك الفتاة لعدة أيام.

ولكي تكتمل درامية القصة، فدعني أخبرك بأن تلك الفتاة هي لاعبة التنس الصينية «بينج شواي»، المصنفة الأولى سابقًا في زوجي السيدات، والرابعة عشر في الفردي، وصاحبة اللقبين في بطولات الجراند سلام.

أين شواي؟

تبعات القصة شهدت تطورًا مرعبًا في الأحداث، إذ اختفت «شواي»، تمامًا عن الظهور عبر منصات التواصل، أو في الحياة العامة لما يقرب من 3 أسابيع تقريبًا، وفي الوقت نفسه فشلت كل وسائل الإعلام العالمية بالتواصل المباشر معها.

ووفقًا لما أعلنت شبكة «سي إن إن»، فإنها حاولت التواصل مرارًا وتكرارًا مع مجلس الدولة الصيني الذي يتولى الرد على الاستفسارات للحكومة المركزية الصينية، ولكن دون الحصول على أي رد في هذا الشأن.

الخبر الجيد في تلك اللحظة، كان من رئيس رابطة لاعبات التنس «سيمون ستيف»، والذي قال إنه أجرى محادثة مع الاتحاد الصيني للعبة، والذين بدورهم أكدوا على وجودها في بكين دون أن تتعرض إلى أي أذى، ولكن ستيف أشار إلى صعوبة التواصل المباشر معها أيضًا.

وبالتزامن مع تلك التحركات، دشنت رابطة لاعبات التنس حملة تحت اسم «WhereIsPengShuai#»، والتي شارك فيها عدد كبير من لاعبي ولاعبات التنس، إلى جانب مجموعة أخرى من الرياضيين والمشاهير حول العالم، والذين طالبوا بضرورة الكشف عن مكان شواي.

ولم تكتفِ الرابطة بذلك فقط، بل بدأت على الفور في تصعيد خطواتها؛ لدرجة أن ستيف هدد بشكل واضح إمكانية سحب تنظيم جميع بطولات التنس التي تقام في الصين، والتي تقدر بملايين الدولارات سنويًا بسبب تلك القضية؛ مؤكدًا على أن حياة المرأة أهم من العمل.

أزمة دبلوماسية

تسبب اختفاء شواي في بوادر أزمة دبلوماسية مع الصين، إذ عبرت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها، عن قلقها بشأن نقص المعلومات المتوفرة حول لاعبة التنس، وهو الأمر الذي يقلق المجتمع الدولي في الوقت الحالي.

كما دعت السلطات الصينية إلى تنفيذ التزاماتها في مكافحة العنف ضد المرأة خصوصًا بموجب القانون الوطني لمكافحة العنف المنزلي الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2016.

وفي نفس الصدد، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض «جين ساكي»، إن بلادها قلقة للغاية بشأن مصير بينغ، مؤكدة أن إدارة الرئيس جو بايدن تدعو بكين إلى تقديم دليل فيما يتعلق بسلامة اللاعبة.

نحن نعلم أن (الحكومة الصينية) لا تتسامح مع من يعبرون عن آرائهم، ولديها سوابق فيما يتعلق بإسكات أولئك الذين يتكلمون.
جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض

الأمر ذاته تكرر مع المتحدثة باسم الأمم المتحدة، ليز ثيروسيل، والتي طلبت دليلًا على أن شواي بخير، ولم تتعرض لأي أذى، مؤكدة في الوقت نفسه على ضرورة إجراء تحقيق بشفافية كاملة في مزاعم الاعتداء الجنسي عليها.

إنكار صيني

أما في الجانب الثاني من القضية، فعكفت الدولة الصينية على استخدام كل أدواتها الإعلامية لدحض كل الروايات التي تُنشر عن اختفاء شواي، حيث نُشرت صورة من رسالة بريدية قيل إنها للاعبة المختفية، والتي وجهتها إلى رئيس رابطة المحترفات، وأكدت خلالها على أن الأخبار المتداولة عارية تمامًا عن الصحة، وأنها تتمتع بحياة طبيعية في الوقت الحالي.

ونشر صحفيون صينيون مقاطع فيديو أظهرت «بينج شواي» وهي تتناول العشاء في أحد مطاعم بكين رفقة مدربها وأصدقائها، حيث بدا عليها الارتياح الشديد، كما ظهرت أيضًا في بطولة تنس محلية، رفقة عدد من الناشئين والناشئات الذين حرصوا على الحصول على توقيعها الخاص.

إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل في إقناع رابطة المحترفات بأن اللاعبة بخير ولم تتعرض لأي أذى، إذا قال ستيف سيمون، تعليقًا على تلك الخطوات، إنها ليست دليلًا كافيًا ولم تعالج المخاوف بشأن السيدة بينج.

وأضاف قائلًا: «رغم أنه من الإيجابي رؤيتها، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت حرة وقادرة على اتخاذ القرارات واتخاذ الإجراءات بمفردها، دون إكراه أو تدخل خارجي».

حرة أم سجينة؟

على الرغم من أن السؤال حول ما إذا كانت شواي «حرة أم سجينة؟» لم يجد إجابة واضحة حتى الآن، فإن التواصل المباشر الوحيد طوال تلك الفترة مع اللاعبة الصينية كان في مكالمة فيديو استمرت 30 دقيقة فقط، مع رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، الألماني توماس باخ.

وخلال المكالمة وجهت شواي الشكر للجنة الأولمبية على اهتمامها الكبير بأمانها الشخصي، مشيرة إلى أنها تعيش بشكل طبيعي وتتمتع بصحة جيدة في منزلها ببكين، لكنها ترغب في احترام خصوصيتها في ذلك الوقت.

لقد شعرت بالارتياح لرؤية أن بينج شواي كانت تظهر بشكل جيد، وكان ذلك همنا الرئيسي. بدت مرتاحة للغاية، لقد عرضت عليها الدعم والبقاء على اتصال في أي وقت يناسبها، وهو أمر من الواضح أنها تقدره.
إيما تيرهو، مسؤولة لجنة الرياضيين باللجنة الأولمبية الدولية

ورغم ظهور شواي في تلك المكالمة، فإن السلطات الصينية لم تعلن بشكل واضح عن تقديم رئيس الوزراء السابق للتحقيق، وهو الأمر الذي دفع رابطة محترفات التنس للتشكيك مرة أخرى في حقيقة الحرية التي تتمتع بها اللاعبة، مُرجحة أن تقول ما يُملى عليها، بعد تعرضها لضغوط قوية.

اللغز يبدو معقدًا للغاية، لا سيما ونحن نتحدث عن بلد منغلقة على نفسها مثل الصين، إلا أن الحل قد يكون قريبًا، إذ التقى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، باللاعبة الصينية لتناول العشاء في بكين، يناير المقبل، حسب ما اتفقا في المكالمة الوحيدة التي أجرتها شواي منذ كتابة المنشور.