في العصرين الأموي والعباسي تعرف العرب على حضارات مختلفة بفضل التوسعات والفتوحات الإسلامية، فتأثروا بها في عدة صور، كان منها اتجاه بعض الخلفاء إلى حياة الدعة وممارسة الرياضات المختلفة، فعبر كل منهم عن ولعه بهوايته المفضلة على طريقته الخاصة.

أبرز الرياضات التي مارسها الخلفاء المسلمون كانت الصيد، فرغم أنه كان معروفًا في الجاهلية، لكنه كان قاصرًا على الغزلان أو الطيور بالنبل أو إعداد الفخاخ، فلما تمدن العرب بعد الإسلام وخالطوا الفرس والروم توسعوا في طرائق الصيد والقنص، فأخذوا يعلمون الجوارح من الطير مثل الباز والشاهين والعقاب والصقر صيد الطيور، وغالوا في اقتناء الكلاب والفهود ونحوها، واستعانوا بها على صيد الخنازير والغزلان والحمر الوحشية.

كلاب صيد مغطاة بالحرير والذهب

يذكر جرجي زيدان في كتابه «تاريخ التمدن عند العرب»، أن أول من اشتغل بالصيد من الخلفاء يزيد بن معاوية (647- 683)، وكان صاحب طرب وجوارح وقرود وفهود، واتخذ الصيد للهو وليس للرياضة، وكان يلبس كلابه الأساور من الذهب والأغطية المنسوجة بالذهب، ويهب لكل كلب عبدًا خادمًا يخدمه. واشتغل بالصيد غيره من خلفاء بني أمية على تفاوت في ذلك.

وبعدما أفضى الأمر إلى بني العباس ورسخت أقدام دولتهم، اهتموا بالصيد وتفننوا في تربية الجوارح والكلاب والفهود، وغالوا في انتقائها وبذلوا الأموال في اقتنائها وتربيتها، وأقاموا عليها أناسًا ينظرون في شؤونها، وأطلقوا لهم الأرزاق الجليلة وأقطعوهم الإقطاعات السنية، وتسابق الشعراء إلى وصف تلك الجوارح وحركتها وسرعتها وخصالها، وكتبوا في فنون الصيد وأساليبه كتبًا عديدة، مثل «البزاة والصيد» لأبي دلف العجلي، و«المصائد والمطارد» لمحمود بن الحسين كشاجم.

وأول من أحب الصيد من سلاطين بني العباس الخليفة أبو عبد الله محمد المهدي (744- 785) ثم هارون الرشيد (766- 809)، وكان ابنه صالح يحب صيد الخنازير، وابنه الأمين يهوى صيد السباع ويصطادها له جماعة يعرفون بـ«أصحاب اللبابيد»، أي الرعاة الذين يلبسون الصوف.

أما أبو إسحاق محمد المعتصم بالله (796- 842)، فكان أكثر السلاطين العباسيين ولعًا بالصيد، حتى أنه بنى في أرض دجيل قرب بغداد حائطًا طوله فراسخ كثيرة يحيطون بالصيد عنده، حيث يطارد رجاله الحيوانات من الجهة المقابلة للحائط فتفر نحوه، فيضربون حولها حلقة، ولا يزالون يطاردونها بخيولهم وكلابهم وفهودهم وهي تجري بين الأعشاب والأدغال، فلا يبقى لها مجال للنجاة فيقبل المعتصم وأولاده وأقاربه وخواص حاشيته، فيقتلون ويصطادون.

ويقاس على ذلك سائر الخلفاء من بني العباس والفاطميين والمروانيين وغيرهم من ملوك المسلمين السلاجقة والأتابكة والأيوبية والمماليك. ويكفي الإشارة إلى أن ما اصطاده السلطان ملك شاه السلجوقي (1055- 1092) من الحيوانات بلغ 10 آلاف رأس، حتى يقال إنه بنى من حوافر الحمر الوحشية وقرون الظباء التي صادها منارة، حسبما يروي زيدان.

وكان السلطان مسعود السلجوقي (1108- 1152) يبالغ في ترفيه الكلاب، حتى ألبسها الجلال الأطلس (الحرير العظيمة) الموشاة وسوّرها بالأساور الذهب.

قرد الخليفة يسبق الخيل

كان العرب في الجاهلية يتسابقون بخيولهم ويتفاخرون بذلك، ولما تحضروا بعد الإسلام بالغوا في اتخاذ الميادين، واستكثروا من الخيول وتفننوا في الاهتمام بها. وكان لمعاوية بن أبي سفيان (602 – 608) حلبة يخرج إليها في أيام معينة للسباق.

وذكر أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجواهر»، أن يزيد بن معاوية كان له قرد يكنى «أبا قيس»، يُحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ، وكان نبيهًا خبيثًا، يحمله على حمار وحشي عليها سرج ولجام، وكان يسابق بها الخيل يوم الحلبة، وكثيرًا ما كان يسبق «أبو قيس» الخيل الأخرى، وكان عليه غطاء من الحرير الأحمر والأصفر، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان متعددة، وعلى الحمار الوحشي سرج من الحرير الأحمر المنقوش.

وكان لهشام بن عبد الملك بن مروان أربعة آلاف فرس، ولم يسبقه أحد من العرب في ذلك، وكان له فرس سابق اسمه «الزائد» اشتهر في ذلك العصر.

أما الوليد بن يزيد فأُغرم بخيل السباق، وجمع منها ألف فرس، أسبقها فرس اسمه «السندي» كان يسابق به في أيام هشام. وكان يأتي ثانيًا لـ«الزائد»، وكان ميدان السباق يومئذ في منطقة الرصافة بالشام.

أما العباسيون فلم يكونوا أقل رغبة في السباق، وكانت لهم ميادين كبيرة في الرقة (شمال سوريا) والشماسية (تقع الآن في منطقة القصيم السعودية)، وكان يحضرها الرشيد، ونظم الشعراء القصائد في مدح السوابق، وقس على ذلك ميادين الحلبة في سائر دول الإسلام، ومن أشهرها ميدان ابن طولون وميدان بيبرس بمصر، وميادين الحكم في الأندلس.

ولع «المعتصم» بالكرة والصولجان

لعب الخلفاء المسلمون أيضًا الكرة والصولجان، وهي لعبة فارسية، وأول من لعبها بنو العباس وأسبقهم إليها كان الرشيد. وهي عبارة عن كرة تصنع من مادة خفيفة مرنة كالفلين ونحوه، وتُلقى في أرض الميدان، فيتسابق الفرسان إلى التقافها بعصا حديد في طرفها التواء يسمونها «الصولجان» أو «الجوكان»، ويرسلون الكرة بها في الهواء وهم على خيولهم.

وكان الخليفة العباسي المعتصم شديد الولع بهذه اللعبة، ومن لطيف ما يُحكى عنه أنه قسم أصحابه يومًا للعب بها، فجعل قائد جيوشه حيدر بن كاوس والملقب بـ«الأفشين» في جهة وهو في جهة، فقال الأفشين «يعفيني أمير المؤمنين من هذا»، فقال «ولم؟»، قال «لأني ما أرى أن أكون على أمير المؤمنين في جد ولا هزل»، فاستحسن المعتصم ذلك منه وجعله في حزبه، حسبما روى زيدان.

فرقة «النمل» ترمي «البندق»

وُلع الخلفاء السلاطين أيضًا بلعبة «البُندقِ» الفارسية، وهي عبارة عن كرات تصنع من الطين أو الحجارة أو الرصاص وغيرها، وكانت تُرمى من الأقواس كما تُرمى النبال، واقتبس العرب هذه اللعبة من جيرانهم الفرس في أواخر أيام عثمان بن عفان، واعتبروا ظهورها في المدينة المنورة منكرًا، ثم شكلوا فيما بعد فرقًا من الجند ترمي بها.

وكان للرشيد فرقة يقال لها «النمل» تسير بين يديه ترمي البُندق على كل من يقف في طريق الموكب.

ويروي أبو فرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني»، أن رماة البندق في العصر العباسي كانوا يخرجون إلى ضواحي المدينة يتسابقون في رميه على الطير خاصة الحمام ونحوه، ويعدون ذلك من سبيل الفتوة، وكان لهم زي خاص يمتاز بسراويل يسمونها سراويل الفتوة.

ولما أفضت الخلافة إلى الناصر لدين الله العباسي (1158- 1225)، جعل لرمي البندق شأنًا، لأنه كان مولعًا به وباللعب بالحمام ذي الأصل المعروف، وكان يلبس سراويل الفتوة.

وبلغ من حبه الشديد لهذه اللعبة أن جعل رمي البندق فنًا لا يمارسه إلا الذين ينتمون إلى الفتوة ويلبسون سراويلها، على أن يكون بينهم روابط وثيقة نحو ما عند بعض الجمعيات السرية. وجعل نفسه رئيس هذه الطائفة يدخل فيها من يشاء ويحرم من يشاء، وكان من أراد الانتساب إلى هذه الطائفة أن يأتي إلى بغداد فيلبسه الخليفة السراويل بنفسه.

مواكب الفيلة

كان الخلفاء والملوك يهوون تربية الأسود والفيلة والنمور لإثبات الهيبة في قلوب الرعية، وأول من اهتم بذلك بنو العباس، فكان أبو جعفر المنصور (714 – 755) كثير العناية بجمع الفيلة لتعظيم ملكه ونفسه، وكان للرشيد أقفاص فيها أسود ونمور وغيرها، وغالى الذين جاءوا بعده في اقتنائها بجانب الكلاب والقردة ونحوها.

وروى أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد» أن أم جعفر زوجة الرشيد كان لديها قرد يخدمه ثلاثون رجلًا، وكانوا يلبسونه لباس الناس ويقلدونه السيف، وإذا ركب ركبوا في خدمته، وإذا دخلوا عليه قبلوا يده. فجاء الفقيه يزيد بن مرثد يومًا إلى أم جعفر ليودعها قبل سفره فأتوا إليه بالقرد وأمروه أن يقبل يده، فشق عليه ذلك وجرد السيف وقطعه نصفين وانصرف، فبعث إليه الرشيد وعاتبه، فقال «يا أمير المؤمنين أبعد أن أخدم الخلفاء أخدم القرود؟.. لا والله أبدًا»، فعفا عنه.

سار الخلفاء بعد الرشيد وأهلهم على ذلك النهج حتى تولى أبو إسحاق المهتدي بالله (825 – 870)، وكان يتشبه بعمر بن عبد العزيز في التقوى والزهد، فأمر بقتل السباع التي كانت في القصور وطرد الكلاب، ولكن ذلك المنع لم يدم طويلًا.

فلما مات المهتدي عاد العباسيون إلى المغالاة في اقتناء السباع حتى لازمت بعضهم في مجلسه. فقد كان عضد الدولة بن بويه (936 – 983) إذا جلس على سريره أُحضرت الأسود والفيلة والنمور في السلاسل، وجعلت في حواشي مجلسه تهويلًا بذلك على الناس وترويعًا لهم، حسبما روى محمد بن علي بن طباطبا في كتابه «الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية».

اقتناء العقارب والحيات

والغريب أن خلفاء آخرين تطرفوا في اقتناء الهوام والحشرات، فالوزير جعفر بن خنزابه أحد وزراء المقتدر بالله العباسي (895 – 932)  كان يهوى النظر إلى الحشرات من الأفاعي والحيات والعقارب وأم أربعة وأربعين وغيرها، وكان في داره بمصر قاعة لطيفة مرخمة فيها تلك الحيات بالسلال، ولها قيم وفراش وحاو ينقلونها ويتعاملون معها.

وكان كل حاوٍ بمصر يصيد له ما يقدر من الحيات ويتسابقون في نيل الكبير والغريب منها، وهو يثيبهم على ذلك ويبذل لهم المال الجزيل. وكان له وقت يجلس فيه على دكة فيدخل الحواة فيخرجون ما في تلك السلال ويطرحونه على الرخام، ويحركون الهوام وهو يستعجب من ذلك ويستحسنه.

وهناك ألعاب أخرى تتعلق بالحيوانات، منها ما ارتبط بالسمك، فقد كانت للخليفة أبو عبد الله محمد الأمين (787 – 813) سمكة مقرطة صيدت له وهي صغيرة، فقرطها بحلقتين من ذهب فيهما حبتا در.

ولع الخلفاء بالمصارعة

شاع أيضًا الرمي بالسهام، وكان الرشيد من أمهر الرماة، وله في ذلك ألعاب خاصة منها لعبة الحمام، حيث كانوا يشدون في أرجل الحمام خيوطًا ذهبية، ثم يرمون الخيوط بالسهام فتنقطع وينطلق الحمام، حسبما ذكر إسماعيل خليل إبراهيم في دراسته «الترابط بين التقدم الحضاري في زمن الدولة العباسية وتطور الحركة الرياضية».

كما شجع الخلفاء العباسيون الشباب على المصارعة، فانتشرت في كل مكان، ومارسوها بجد وشوق، وكان معز الدولة البويهي (915 – 967) ينظم حلقة في ميدانه، ويقيم شجرة يابسة، ويجعل عليها الثياب والديباج، وتحتها أكياس فيها دراهم، ويؤذن للعامة في دخول الميدان، فمن غلب أخذ الثياب والشجرة والدراهم.

ويذكر إبراهيم في دراسته، أن الشطرنج كان من وسائل التسلية داخل البيوت، وكان الرشيد أول من لعب الشطرنج من خلفاء بني العباس، وقدم لاعبيه وأجرى عليهم الرزق فشاع اللعب بالشطرنج بفضل اهتمامه.

ولشدة اهتمام الرشيد بالشطرنج، أرسل من بين الهدايا التي بعث بها إلى شارلمان ملك الفرنجة رقعة جميلة وأحجارًا ثمينة كاملة لهذه اللعبة.