كم تدفع من أجل الحصول علي استخبارات حقيقيَّة وتوقعات اقتصاديَّة وسياسيَّة ؟

100 دولار في العام سوف يكون مناسبا لشركة ستراتفور لتمنحك دخولاً غيرُ مشروطٍ علي المواد التي تقدمها، لن تسأل نفسك من أين تأتي هذه المواد بالطبع حيث اكتسبت شركة ستراتفور سمعةً كبيرةً علي أنَّها «شركة مخابرات» عالمية.

ولكن في 27 فبراير/شباط جعلت ويكيليكس ستراتفور شفَّافة كالماء بعد أن كشفت شبكة المعلومات التي تعتمد عليها ستراتفور وطرق تعاملها المالية وتعاقداتها الحكومية و الخاصة.

لم تكن الصَّدمة الأولي في الوسائل التي يستعملها محررو ستراتفور من شراء المعلومات بالمال و الجنس ولكن كانت الصَّدمة الحقيقيَّة في مدي رداءة هذه المعلومات والتحليلات،ولكن قبل الخوض في تفاصيل ماكينة ستراتفور يجب علينا أن نعرف أولا ما هي ستراتفور؟ ما الذي تقوم به؟ ومن يملكها؟


تنبؤات استراتيجية

ستراتفور Stratfor هي اختصار لكلمة strategic forecast أو تنبؤات استراتيجية،وهي شركة أمريكية خاصة مقرها هيوستن في تكساس تم تأسيسها عام 1996.

تعرف ستراتفور نفسها بأنها شركة استشارات ومخابرات خاصة،تُدرُّ عوائدها من الاشتراكات الباهظة علي موقعها أو من خلال عملائها من الشركات الكبرى.

تُدرُّ ستراتفور أرباحاً باهظة من الخدمات الاستشارية التي تُقدِّمها للشَّركات الكبري في مجالات الطاقة و التِّجارة، كما تقِّدم الشِّركة استشارات خاصَّة لوكالات أمن وأجهزة حكومية في أمريكا والدول الأخرى.

«جورج فريدمان» هو رئيس مجلس الإدارة السَّابق و المؤسِّس للشِّركة وهو مجَرِي يهودي هاجر إلى أمريكا هرباً من الهولوكوست و «فريد بريتون» هو نائب الرَّئيس ومسئول أمن أمريكي سابق.

تُدر ستراتفور أرباحاً باهظةً من الخدمات الاستشارية التي تُقدمها للشَّركات الكبري في مجالات الطَّاقة و التِّجارة حيث تقوم ستراتفور بجمع المعلومات و التَّحريات التي تساعد تلك الشَّركات في تحديد الفرص و المخاطر،كما تقدم الشَّركة استشارات خاصَّة لوكالات أمن وأجهزة حكومية في أمريكا وبعض الدول الأخري،أمَّا من خلال موقعها فتقدم ستراتفور خدمة تحليليَّة علي مدار السَّاعة للتطورات السِّياسيَّة والجيوبوليتيكيَّة في العالم.

والثَّاني وهو ما يُسمَّي «الاستخبارات مفتوحة المصدر» حيث يعكف عشرات من المحلِّلين السِّياسيِّين والعسكريِّين علي متابعة كل شاردة أو واردة في وسائل الإعلام و الصُّحف من الصِّين إلى أمريكا الجنوبيَّة ويقومون بتحليل هذه المعلومات والخروج باستنتاج وفقاً لخبراتهم; اعتمدت ستراتفور علي هذا الأسلوب في التنبؤ بالأزمة الإقتصادية التي ضربت آسيا عام 1997 وتصاعد التوتُّر النووي بين باكيستان والهند عام 1998. أما الحادثة التي قدَّمت ستراتفور للعالم كمؤسَّسة تحليل استخباراتي مُستقلَّة عن الأجهزة الأمريكيَّة كان تحليلها للهجوم الجوِّي الأمريكي علي مقرَّات صدَّام حسين في أواخر التسعينات، ادعت أمريكا أنَّ هذا الهجوم كان عقاباً لصدَّام حسين علي طرده المفتشين النوويين التابعين للأُمم المتَّحدة،لكن ستراتفور نشرت تقريرا تحدَّثت فيه عن محاولة انقلاب أمريكيَّة فاشلة علي صدَّام حسين كان نتيجتها إعادة هيكلة الجيش العراقي وإعدام قائد الفرقة الثالثة بالجيش، وأن الهجوم الأمريكي كان محاولة للتغطية علي هذا الانقلاب.تعتمد ستراتفور في عملها علي أسلوبين؛ الأول هو مصادرها علي الأرض من داخل الحكومات أو الأنظمة أو من خلال الصحفيين المنتشرين حول العالم والذين ينقلون المعلومات سرا إلي الشركة.


ستراتفور عين علي الجميع

في ديسمبر/كانون الأول من عام 2011 قامت مجموعة «أنونيمس» باختراق أنظمة ستراتفور وسرقة بيانات كروت الإئتمان و الملايين من رسائل البريد الإلكتروني وقائمة بأسماء زبائن الشركة. كان هذا الاختراق محرجا للغاية بالنسبة لشركة متخصصة في أمن المعلومات حيث قالت مجموعة أنونيمس بأن معظم كلمات السِّر كانت تحتوي علي اسم الشركة وبعضها كان مكررا بالنسبة لحسابات كثيرة.

وفي 27 من فبراير 2012 نشرت ويكيليكس ما يربو عن 5 ملايين رسالة إليكترونية منها رسائل داخلية خاصة بالشَّركة ورسائل بين الشَّركة وعملائها،كشف الرسائل عن شبكة مخبري ستراتفور وهيكل دفع المكافآت المالية وطرق الدَّفع وغسيل الأموال والأساليب النفسيَّة والرَّشاوي الجنسيَّة التي تعتمدها ستراتفور.

كما تضمنت هذه الإيميلات معلومات خطيرة عن السِّياسة الدَّولية. على سبيل المثال تضمَّنت هذه الرَّسائل الإلكترونية تحليلا لأحد محللي ستراتفور يتحدث فيه عن معرفة المخابرات الباكستانية بمكان اختباء أسامة بن لادن، كما أشارت رسالة أخري إلى أن نائب رئيس شركة ستراتفور كانت لديه إمكانية الوصول إلى الملفات الخاصة بمقتل أسامة بن لادن وأنه لا يصدق قصة إلقائه في البحر كما ادعت الإدارة الأمريكية ويعتقد أنه تم إرساله إلي قاعدة دوفر الجوية في الولايات المتحدة.

أيضا تضمَّنت الرسائل اتِّفاقية بين إسرائيل و روسيا بخصوص تبادل المعلومات الاستخباراتية، كما ذكرت إحدي الرسائل أن نتنياهو كان يُقدم بعض المعلومات لستراتفور عن موقعه داخل حزب الليكود وتطورات السِّياسة الدَّاخلية بالحزب وفي إحدي الحوارات بين نتنياهو وفريد برتون هدَّد نتنياهو بإغتيال حسن نصر الله و القيام بضربات جوية تستهدف المفاعلات النووية الإيرانية. كما ذكرت الرَّسائل أنَّ المدير التنفيذي لشركة «Blackwater» كان يبيع المعلومات لستراتفور مقابل الأموال.

هذا بالإضافة إلي الكشف عن 40 ألف وثيقة تحتوي علي معلومات عن فنزويلا وحكومة هوجو تشافيز وتصف العديد من محاولات الإنقلاب الفاشلة بالبلاد تحت رعاية أمريكيَّة.


ستراتفور .. خيبات الأمل

في فبراير 2012 نشرت ويكيليكس ما يربو عن 5 ملايين رسالة إليكترونية خاصة بستراتفور على إثر اختراق «أنونيمس» لأنظمة الشركة الأمنية والاستخباراتية.

رسمت الرسائل إذاً صورة لستراتفور جعلتها أشبه بالمخابرات المركزية الأمريكيَّة،لكن ليست هذه الصُّورة الكاملة فقد رسمت بعض التَّسريبات صورة شديدة السَّذاجة للشَّركة جعلتها أشبه بباحث سياسي مبتدئ.

وفقاً لأحد الصحفيين من جريدة الأخبار اللبنانية والتي اطلعت علي الرسائل كاملة،فإن عملاء ستراتفور في الشرق الأوسط كانوا في غاية الجهل بمحيطهم العربي حيث استعانوا ببرنامج الترجمة google translate لقراءة عناوين الصحف.

كل صحيفة كبرى حول العالم تملك جيشا من الصحفيين المتمركزين في النقاط الساخنة في العالم يجمعون المعلومات ويحللونها؛ يُسمى هؤلاء «مراسلين»، إلا أن ستراتفور تسميهم «جواسيس».

فقد كتبت إحدي العاملات في منظمات المجتمع المدني علي تويتر أنها قابلت (رجل) ستراتفور في مصر. لم يكن يتكلم العربية ولم يعرف الطريق إلي ميدان التحرير فهذه أول زيارة له إلي البلاد.

وفي أحد التسريبات نقرأ رسالة للشركة بخصوص جمع معلومات عن مجموعة داعمة للبيئة بطلب من شركة داو للكيماويات،قامت الشركة بجمع المعلومات من خلال Google و ويكيبيديا وقدمت معلومات رديئة للغاية.

أما الحديث عن شبكة الجواسيس و المعلومات المنتشرين حول العالم فيبدو مبالغا فيه أو نوعا من الدعاية فكل صحيفة كبري حول العالم تملك جيشا من الصحفيين المتمركزين في النقاط الساخنة في العالم يجمعون المعلومات ويحلِّلونها؛ يُسمَّى هؤلاء «مراسلين»، وتسميهم ستراتفور «جواسيس».

تبيع إذاً ستراتفور معلومات رديئة أم معلومات قيمة،يبدو أنَّ الحقيقة خليط من الاثنين ولكن المؤكد أنَّ ستراتفور لم تنشر علي موقعها منذ زمن بعيد تحقيقاً أو تحليلاً قيما لا يمكن لباحث متفرِّغ أو موهوب القيام به، ولكنها ببنيتها القائمة علي رجال الأمن والعسكريين السَّابقين تستطيع في بعض الأحيان الوصول إلي معلومات محدَّثة خصوصاً من الدَّاخل الأمريكي.في النِّهاية تبيع ستراتفور معلومات غير مؤكدة أو موثقة ولا يمكن الاعتماد عليها أو التأكد من طبيعة مصدرها سوى بالوثوق في شركة ستراتفور وهذا ما جعلته فضيحة التسريبات أمرا صعبا.

وكما يقول أحد الصحفيين المتابعين لستراتفور منذ 12 عاما «تقدِّم ستراتفور رؤية جيِّدة للسِّياسة في أروِقة البيت الأبيض والكونجرس،عدا ذلك لم أقرأ عليها شيئا لا يمكن أن تقرأه علي الإيكونوميست البريطانية».

تحب ستراتفور إذاً التسميَّات العريضة و العناوين البرَّاقة فبين «شبكة المخابرات الخاصَّة» و«جواسيسها» علي الأرض،تضيع الحقيقة التي قرأنا عنها في ويكيليكس. لم تنشر ستراتفور الكثير من التنبؤات الصَّادقة، تابع كاتب المقال بنفسه تغطية ستراتفور قبيل حرب اليمن، حيث جزمت الشركة بأن السعودية لن تهاجم الأراضي اليمنية، وبعد يوم واحد فقط بدأت «عاصفة الحزم». معلومات ردئية إذاً تلك التي تقدِّمها ستراتفور؛ ولكن مع بعض الدَّعاية الجيِّدة، وبعض التحليلات لمعلومات عامة ومتاحة للجمهور، أنشأت ستراتفور «شبكة مخابراتها الخاصة».