اسم «التركمان» هو لقب أطلق على تُرك العثمانيين في العراق من قِبل الحكومة العراقية لأغراضٍ سياسية، وذلك لتمييزهم عن الأتراك في أناضول. قبل ذلك، فهم كانوا يشيرون إلى أنفسهم بالتُرك، وأشار إليهم العامة بتُرك العراق. لكنهم تقبلوا هذا اللقب بفخر وبرحابة صدر لما تحمله الكلمة من تاريخ ومنزلة.

أصل التسمية

اختلف المؤرخون على أصل كلمة «التركمان»، منهم من قال إن اللفظة آتية من (ترك مانند) الذي أطلقه الفارسيون على القبائل التركية الساكنة في أطراف إيران، وهي لفظة فارسية تعني «أشباه الترك». أما الآخرون يظنون بأن التُرك لقّبوا أنفسهم بذلك لتمييزهم عن الأقوام الأخرى، وهي باعتبارها تعني «أنا تُركي». [1]

وجماعة أخرى تعتقد بأن «التركمان» هو اسم أجنبي أطلق على أتراك العثمانيين الذين حاربوا الغرب المسيحيين، وهي كما تحسب تعني «Turkmen: رجال التُرك». وبعض العلماء يظن أيضًا أن التركمان مكون من (ترك + مان) ومان هو تشديد على سابقه، أي الكلمة تعني «ترك الأتراك» دلالة على أصلهم النقي. إلا أن الأصل الصحيح لها والمثبت المذكور في كتاب (البداية والنهاية) لابن الكثير يذكر بأن لفظة «التركمان» أُطلقت على قبائل الأوغوز التركية بعد دخولهم الإسلام (كان يطلق عليهم قبلها بالغز أو الخوارزمية)، وذلك لتمييزهم عن الأتراك غير المسلمين (الشامانيين والبوذيين من قبيلة أوغوز)، واللفظة مشتقة من كلمتين (ترك + إيمان = تركيمان، واختصارًا تركمان)، ولذلك لم يستنفر تركمان العراق من هذه اللفظة عندما أطلقت عليهم في عام 1958 من قبل الحكومة العراقية، لأن أجدادهم الأصليين (قبيلة الأوغوز) لقبوا بهذا اللقب. [2]

مصطلح «التركمان» يُطلق حاليًا على شعوب دولة تركمانستان (نظرًا لاستيطان قبائل الأوغوز التركية الأصلية لهذه المنطقة تاريخيًا)، بالإضافة إلى أتراك الأوغوز في شرق تركيا، والتركمان المتواجدين في شمال وشرق إيران، وكذلك أطلقت على تركمان العراق وسوريا. [3]

إلا أن أهل العراق التركمانيين ليسوا متصلين بدولة تركمانستان تاريخيًا، فهو لا يزال -للأسف- يُصنف معهم في كثير من الكتب التاريخية المُحرَّفة التي تتناول أصل التركمان. التركمان العراق لم يأتوا من تركمانستان ولا من أذربيجان ولا من كازخستان.

بداية الأتراك

ذُكرت أسماؤهم في عديد من مصادر الكتب الإسلامية القديمة، وكان يُطلق عليهم التركمان بدل الأوغوز. وهم يعتبرون أجداد التركمانيين في تركمانستان وأذريين في أذربيجان، وكذلك التركيين في شرقي تركيا، ولغتهم تشبه اللغة التركية مع وجود اختلاف في اللهجات وبعض الكلمات المستوردة حسب البيئة الاجتماعية التي أقاموا فيها. وبذلك يتصل تركمان العراق اتصالاً غير مباشر مع تركمانستان وأذربيجان، ولديهم القدرة على فهم لغة ولهجة بعضهم البعض بشكل لا بأس به. [5]

تبدأ بداية التركمان من قبيلة الأوغوز، وهي قبيلة تركية ظهرت في سهول وجبال وسط وشرق آسيا (خصوصًا في كازخستان)، وانتشروا مع مرور الزمن إلى شرق أوروبا وجنوب شرقي آسيا وأناضول. [4]

بعد هجرة قبائل الأوغوز نحو الغرب، وجدوا مسكنًا أعجبوا به وبأهله ولغته، وهو بلاد الفرس (إيران حاليًا). فاستقروا فيه لفترة من الزمن وأوجد آل سلجوق المنتمية إلى قبيلة أوغوز الإمبراطورية السلجوقية في فرس بعد هجرتهم إليه. وفي القرن الـ 11 الميلادي، دخل آل سلجوق الإسلام، فتحولت الإمبراطورية إلى دولة إسلامية مساندة للعباسيين. [6]

من المهم الذكر بأن الأتراك كانوا يتميزون بفروسية وشجاعة لم تضاهيها أي من القبائل والجنود الآخرين، ويُقال إنهم أول من ربّوا الخيول وروّضوهم على القتال. فالحصان كان يعتبر بمثابة منزل بالنسبة للأتراك المتنقلين، ويعود تدربهم عليه ومناورتهم للخيول إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وهم كذلك كانوا بارعين في رمي السهام على ظهر الخيل. فلذلك كان الأتراك من أفضل الفرسان آنذاك، واستعانت بهم تقريبًا جميع الإمبراطوريات والدول الموجودة في آسيا، حتى أصبحوا يقاتلون أنفسهم في أرض المعارك من الجانبين. فقد استعان بهم الأمويون لفتح الشرق، والعباسيون لتأمين الخلافة، والمماليك لحفظ مصر، وكذلك الصفويون لمحاربة العثمانيين الأتراك. [7]

تواجدهم في العراق

يعود تاريخ وجود التركمان في العراق إلى القرن الـ 7 الميلادي في عصر الأمويين في خلافة عبيد الله بن زياد الذي جنّد فرسان الترك المسلمين لفتح البصرة في العراق. وبعد فتحها، استقر هناك بعض جنود الأتراك وتزاوجوا مع العامة، وكذلك هاجروا إلى بغداد لأهميته التجارية في ذلك الزمن. [8]

وبعد صعود العباسيين إلى الخلافة في قرن الـ 8 الميلادي، جُنِّد كثير من فرسان أوغوز التركية في صفوف جيش المسلمين بالعراق، مما أدى إلى استقرار الأتراك أكثر في مناطق شتى بعد الفتوحات الذي ساهموا بشكل كبير فيه. ثم نرى هجرة كبيرة للأتراك إلى العراق عام 1055، عندما كُلِّف السلجوقيون من قبل الخليفة العباسي (القائم بأمر الله) لفتح بغداد. استطاع توغرل بيك –فارس السلجوق وقائدهم–تحرير بغداد باستخدام جنود الأتراك الذين سكنوا مناطق عراقية شتى على طول طريقهم نحو بغداد، وخصوصًا تلعفر، ومندلي، وأربيل، وكركوك. [9]

وأخيرًا يمكن لأغلب المؤرخين أن يأكدوا بأن أغلبية التركمان في العراق يعود أصلهم إلى الدولة العثمانية. بروز العثمانيين في القرن الـ 14 الميلادي كدولة إسلامية كان له تأثير عظيم على العراق. ويرجع اسم العثمانيين إلى سلطان العثمان الأول (عثمان الغازي أو عثمان بيك، الاسم كامل عثمان بن أرطغول. 1258-1326م) مؤسس الدولة العثمانية وليس له أي علاقة بخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه).

حدثت معارك إسلامية عديدة بين العثمانيين والصفويين في العراق (وهذه المعارك هي التي رسمت حدود العراق مع إيران اليوم). حيث كان العراق تارة بيد سلاطين العثمانية وتارة أخرى بيد شياه الصفويين (ويفسر هذا بشكل جزئي بسبب وجود السنّة والشيعة معًا في العراق). في عام 1534، اتخذ العثمانيون الأتراك تحت قيادة سليمان العظيم مدينة موصل ولاية الرئيسية لهم في العراق، مما أدى إلى هجرة الأتراك العثمانيين إلى شمال العراق والاستقرار فيه. تلاه فتح مدينة كركوك التي كانت تُسمى آنذاك بـ «كوكيورت» ومجيء الأتراك أيضًا لاستيطانه، وهذه الهجرات تفسر وجود التركمان في كركوك وموصل. [10]

وفي عام 1638، فتح سلطان مراد الرابع مدينة بغداد واتجه إلى كربلاء لمقاتلة الصفويين الذين كانوا تحت إمرة شاه عباس العظيم. استطاع العثمانيون السيطرة على تلك المدن بعد عام 1639، وهو العام الذي عُقدت فيه معاهدة زهاب بينهم وبين الصفويين، وأدى هذا إلى هجرة الأتراك بشكل كبيرة إلى بغداد وكوفة للعيش فيه. كان هناك العديد من القضاة والإداريين والجنود والتجار ورجال الدين الأتراك الذين عُينوا على محافظات العراق، فاتخذ الأتراك منزلاً لهم هناك، وعملوا فيه، وتزاوجوا مع عامة الناس. امتزج عندها التركمانيون مع أهالي العراق في اجتماعياتهم وفي سياستهم ودينهم، وشاركوهم في أفراحهم وأحزانهم على مدى سنوات، وحاربوا كل من عادى العراق والإسلام، فأصبح المستقر فيه جزءًا لا يتجزأ من العراق وسيادته. [11]

يمكن القول بثقة إن الدولة العثمانية كانت من أعظم الدول الإسلامية وأكثرها صمودًا بوجه المحن وبوجه التغيرات والتطورات التي فُرضت على الخلافات الإسلامية. حيث بقيت صامدة لأكثر من 700 عام، حتى عام 1923، بدأت فيه الدولة العثمانية بالسقوط والتدهور من داخله. تغيّر النظام التركي في هذا العام من السلطنة إلى الجمهورية وتحددت فيه خارطته الخاصة. ترك هذا التغيير العراقيين التركمانيين الذين استقروا لقرون في العراق وحيدين في أراضي شمال ووسط العراق. فانتشر التركمان في مناطق عديدة من العراق، وامتزجوا بشكل أكثر مع عرب وأكراد في تلك المدن المستقرة. [12]

وضع التركمان في العراق حاليًا

يتواجد التركمان اليوم في شمال وشرقي العراق في محافظة أربيل، وكركوك، وديالى، وكوت، وصلاح الدين، وموصل، وبغداد، وبأعداد متناثرة في باقي محافظات العراقية. ومن أشهر قبائل التركمانية في العراق هي قبيلة البيات التي ما زالت تقطن في شمال وشرق بغداد، وكانت من أولى القبائل التركية التي زحفت نحو بغداد أثناء المد المغولي نحو مركز الحضارة الإسلامية. [13]

وكذلك يستقرون في عديد من الأقضية، منها طوز خورماتو، وتلعفر، وامرلي، وداقوق، وخانقين، وبدرة، وسنجار، وفي قرية جلولاء، والسعدية، وكفري، وسليمان بيك، وينكجة، وحمرين، والتون كوبري، وتازة خورماتو، وبشير. تُعرف هذه المناطق اليوم بتركمان إيلي (أرض التركمان). ويشكل التركمان حاليًا 9% من أعداد سكان العراق حسب إحصائية 2013 الصادرة من وزارة التخطيط (3 مليون من 34.7 مليون مواطن). [14]

توجد عدة قبائل تركمانية في العراق منتشرة في مختلف مناطق المذكورة آنفًا، منهم: قبيلة البيات (وهم يعدون من قبائل الأوغوز الأصلية)، والصالحي، والياغجي، والعسكري، وبيراقدار، وصاريللي، وياغجي.

وللأسف تُطبع العديد من الكتب بشكل مبالغ من طرف وباطل من طرف آخر عن تاريخ التركمان في العراق. أصل التركمان في العراق لا يرجع إلى السومريين ولا إلى أي من حضارات القديمة التي وُجدت في العراق كما يزعمه البعض. ولا يرجع أصلهم في العراق إلى تركمانستان ولا إلى أذربيجان ولا إلى أي دولة أخرى غير السلاجقة والعثمانيين الذين تواجدوا غالبًا في أناضول. [15]

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. Clark، Larry. (1996). Turkmen Reference Grammar. Harrassowitz. p. 4.،Annanepesov، M. (1999). “The Turkmens”.
  2. Ali Kocak. The Reality of the Turkmen Population in Iraq. The journal of Turkish weekly. 2007.
  3. Ahmed Al-Hurmezi . The human rights Situation of the Turkmen Community in Iraq. Middle east online. 2010.
  4. Scott Taylor. Encounters with the forgotten Turkmen of Iraq. Espirt de Corps. 2004. Chapter two: Deep roots. p. 27.
  5. Tarik H. Oguzlu. Endangered community: the Turkoman Identity in Iraq. Journal of Muslium Minority Affairs. 2006.
  6. أسامة أحمد تركماني. جولة سريعة في تاريخ الأتراك والتركمان. دار الإرشاد. 2007م. الجزء الثالث. الدولة العثمانية. ص 148.
  7. Liora Lukitz. Iraq: The search for National Identity. Frank CASS & CO. 2005. 2-The Northern Provinces in the 1920s and 1930s. Kurds and Turkmen: Politices and culture. P. 31.
  8. جاسم محمد جعفر. تاريخ التركمان في العراق وأصولهم. كتابات. 2014م.
  9. Wassim Bassem. Iraq’s Turkmens call for independent province. Al-monitor. 2016.
  10. Majid Khadduri، Jhon E.woods، Richard L. Chambers، Gerald Henry Blake، Hugh Kennedy. Iraq. Britannica. Last Udated، 2020.
  11. جاسم محمد جعفر. تاريخ التركمان في العراق وأصولهم. كتابات. 2014م.
  12. علي ثويني. التركمان واللغة التركمانية في الثقافة العراقية. مؤسسة النور للثقافة والإعلام. 2011م.
  13. عزيز قادر الصمانجي. التاريخ السياسي لتركمان العراق. دار الساقي. 1999م. الباب الأول. مدلول كلمة التركمان. ص23.
  14. Unrepresented Nations and Peoples Organization. The Turkmen of Iraq: Underestimated، Marginalized and exposed to assimilation Terminology. 2005.
  15. وجدي أنور مردان. تركمان العراق، من هم وما هي مطالبهم؟. كفاية. 2004م.