للوهلة الأولى، بدا فوز المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» ببطاقة الدخول للبيت الأبيض قدرا محتوما غير قابل للإيقاف،نجح الرجل في تخطي كل عقبة واجهته في سلاسة وبساطة مثيرين للإعجاب، ومع نهاية يوليو/تموز الماضي كان قد تمكن من إجبار الحزب الجمهوري على اختياره مرشحا له لسباق الرئاسة، ضاربًا بعرض الحائط كل التحليلات التي تحدثت عن إمكانية عرقلة مؤسسات الحزب لترشحه، نظرا لما يمثله خطابه الحدّي من خطورة على استقرار المصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية، والتي من بينها -بالطبع- تلك المصالح المرتبطة بالجمهوريين وشبكات داعميهم.

أعطت استطلاعات الرأي نتائج متقاربة دوما، وهو ما أثبت نجاعة خطاب ترامب اليميني، الذي لم يجتهد بعد ذلك إلا في تلطيفه مبقيا علي جوهره الفاشي.

جاء فوز ترامب بترشيح الجمهوريين كاسحًا على نحو لافت، فقد حصل على أصوات 1725 مندوبًا في المجمع الانتخابي للحزب، فيما حصل كل منافسيه مجتمعين على 721 صوت، نجح ترامب إذن رغم خطابه «غير المألوف» في المجال السياسي الأمريكي، وإن شئنا الدقة فإننا سنقول إنه قد نجح تحديدا بسبب «لامألوفية» هذا الخطاب.

لقد قرأ ترامب الواقع جيدًا، ورأى أن خطاب الإسلاموفوبيا، ومعاداة الأجانب، والدعوة إلى المزيد من الانعزالية، والتقرب من الروس، والمناداة بالإبقاء على الحكام الطغاة، والتحرر من عبء الخطاب الحقوقي الذي صبغ السياسة الأمريكية لعقود، والتصريح بأن على الحلفاء التاريخيين، والذين تتعهد واشنطن بحمايتهم بموجب تلك الصداقة، أن يدفعوا ثمن ذلك التحالف وتلك الحماية، هذا الخطاب الانعزالي في جوهره، وذو الملمح الفاشي في كثير من جوانبه، وإن كان يجلب عليه لعنات الإعلاميين وسخرية بعض الساسة، فإنه يخاطب الغضب النفسي المكبوت عند ملايين الأمريكيين، الأمريكي المسيحي الأبيض، والذي يعتبر مجموعته هم «السكان الأصليين» للبلاد، سئم «سرقة» ثروات بلاده وتغيير ثقافتها على يد الغرباء، ولم يعد بإمكانه تحمل المزيد من انبطاح الساسة والإعلام مع كل هذا الهراء.

أعطت استطلاعات الرأي نتائج متقاربة في كثير من الأحيان، حتى تفوق كلينتون النسبي كان بالإمكان تعويضه، وهو ما أثبت نجاعة خطاب ترامب اليميني، الذي لم يجتهد بعد ذلك إلا في تلطيفه وتخفيف حدته مبقيا على جوهوه الفاشي، مراهنا أن هذا زمن اليمين، لكن التغير الدراماتيكي في الأحداث جاء قبل أسابيع عبر سلسلة من الفضائح والفضائح المضادة، جنسية المضمون غالبا، والتي جعلت الحملات الانتخابية برمتها أشبه بـ «حرب جنسية» دعائية، لا تنافسا بين برامج وأطروحات وأفكار.


بدأت سلسلة الفضائح بصور عرضتها صحيفة «واشنطن بوست» تظهر فيها ميلانيا ترامب زوجة دونالد ترامب وهي عارية، قالت الصحيفة أنها حصلت على الصور بشكل حصري، وإن ميلانيا التي -عملت كعارضة أزياء- قد صورتها لصالح مجلة جنسية للرجال في فرنسا، ونقلت الصحيفة عن المصور الفرنسي إن ميلانيا كانت عارضة ماهرة، وأدت جلسة التصوير بكفاءة، ولم تبد أي شعور بعدم الارتياح من ظهورها عارية، كانت تلك فرصة مناسبة لكي تسخر الصحيفة من تصريحات لترامب قال فيها إن ميلانيا ستكون «سيدة أولى نموذجية».

http://gty.im/483208412

بعدها بأسابيع تم تسريب فيديو لترامب يعود إلي العام 2000م، لصالح مجلة «بلاي بوي» الإباحية، ظهر خلاله وهو يلتقط صور لعارضات غير عاريات، ويحادث إحدى فتيات المجلة ملمحا إلى جمالها ومناسبتها للعمل كعارضة، كما أجاب على المذيع الذي سأله إن كان جرب مواعدة إحدى عارضات «بلاي بوي» من قبل، بأن هذا «أمر محتمل».

لكن الضربة الأشد قسوة جاءت مع تسريب لمحادثة صريحة أجراها المذيع بيلي بوش مع ترامب في العام 2005م وفيه يتحدث ترامب عن «إغواء جرئ» للنساء..

ترامب: تعرف أنني أنجذب تلقائياً للنساء وأبدأ بتقبيلهم وكأنهن مغناطيس، أقبّل فقط دون أن أنتظر. وعندما تكون نجماً يسمحون لك بفعل ذلك، يمكنك فعل أي شيء. style=”font-weight: 400″> بيلي: كل ما يحلو لك؟!! ترامب: حتي إمساكها من …….، يمكنك فعل أي شيء.

جاء التسريب عشية المناظرة الثانية بين المرشحين، واضطر ترامب إلى تقديم اعتذار علني، اعتذار سيكرره ترامب لاحقا أكثر من مرة على وقع التسريبات المتتالية.

حتى عائلة ترامب نفسها لم تسلم من لسانه السليط، ففي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول نشرت شبكة CNN تسجيلات فاضحة للمرشح الجمهوري، تضمنت إساءة لابنته «إيفانكا»، وتغزلا في جسدها، ووصفها وصفا فاضحا يتعذر ذكره، كما انطلق ترامب يصف مغامرته النسائية، قائلا إنه يتجنب النساء اللاتي يبلغن من العمر 35 عاما. واعترف بأنه كان يتسلل إلى وراء الكواليس في مسابقة ملكة جمال الكون التي كان يملكها ليشاهد النساء أثناء ارتداء الملابس،

وحين يدور الحديث عن المرأة والشيخوخة، وينتقد ترامب النساء اللاتي بلغن من العمر 35 عاما، ويصف هذا العمر بأنه «وقت المغادرة»، ويؤكد أنه يفضل المرأة في سن الـ24 عاما.

وانطلاقا من مبدأ « خير وسيلة للدفاع الهجوم» حاول ترامب مواجهة الفضيحة بالمثل، فبجانب التركيز علي قضية تسريبات البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون إبان عملها كوزيرة للخارجية، عمد الرجل الذي تعرضت حملته لانتكاسة شديدة إلى إعادة التذكير بخيانة زوجها بيل كلينتون مع «مونيكا لوينسكي» حين كان الأول رئيسًا عام 1998م، وقبل ساعات من مناظرته الثانية مع هيلاري كلينتون، ظهر ترامب في مؤتمر صحفي مع مجموعة من النساء قلن أنهن تعرضن للتحرش والاغتصاب من قبل بيل كلينتون، أراد المرشح الجمهوري التأكيد على أن لعائلة كلينتون مصائبها كما لترامب مصائبه، بل إنه ظل يكرر أن فضائحه كانت وستظل في سياق الأقوال، فيما كانت الأفعال دوما من نصيب كلينتون.

ومع نهاية أكتوبر/تشرين الأول، كان

href=”http://m.arabi21.com/story/956050/فضائح-جنسية-جديدة-من-العيار-الثقيل-لترامب-ومخدرات-أيضا”>موقع

«ديلي بيست»، قد كشف فضائح مخدرات، وفضائح جنسية جديدة تتحدث عن استضافة ترامب حفلات في سنوات التسعينيات تم فيها تعاطي الكوكايين، ومارس فيها رجال بالغون وأثرياء الجنس مع عارضات أزياء شابات، بعضهن قاصرات.

وطبقا للموقع، فقد أقيمت تلك الحفلات في فندق «بلازا» في نيويورك، الذي كان ملكا لترامب من عام 1988م حتى 1992م، كما نقل الموقع عن مصور شارك في بعض الحفلات وطلب عدم نشر هويته، قوله إنه تم تشجيع العارضات على حضور الحفلات بإعطائهن وعودا بأنهن «ستلتقين مع رجال أثرياء سيساعدوكن». متابعا أنه تم إغراء الرجال بوجود «فتيات صغيرات يعتقدن بأنهن سيصلن إلى مكان ما».

وتنقل الصحيفة عن مصادرها التي شهدت الحفل:

كان ترامب يتجول بين الحفلات ويتسكع مع عدد من الفتيات. لقد رأيته. كان يمارس الجنس كالمجنون.. ترامب كان في قلب ذلك. لقد أحب أن يكون مركز الاهتمام وفي السر، كان وحشًا
لقد كان هناك كوكايين. لم أر أبدا ترامب يتعاطاه. إنه لا يتعاطى الكوكايين. لديه سيطرة على نفسه

لا يكاد يمر يوم تقريبا دون أن يطالع المرء خبرا فضائحيا من نوع ما،ممثلة أفلام إباحية تقول إن ترامب حاول استدراجها إلي غرفته بالفندق عام 2006م، والنجمة المكسيكية ذات الأصل اللبناني «سلمي حايك»

تقول إن ترامب حاول مواعدتها لكنها رفضت،وحتي لحظة كتابة هذه السطور، كان عدد النساء اللاتي اتهمن ترامب بالتحرش بهن قد وصل إلى 11، والحبل على الجرار.

الحق أن تلك الفضائح قد أثرت على حملة ترامب بشكل كبير، تراجع أداؤه في استطلاعات الرأي،واضطر هو وعائلته إلي تقديم الاعتذارات مرارا وتكرارا، واضطر قادة في الحزب الجمهوري إلى سحب تأييدهم له، وكذلك فعل بعض ممولي الحزب، حتى إن مدير حملته نفسها قد أعلن عن استقالته.


تؤشر الطبيعة الفضائحية التي صبغت تلك الانتخابات إلى جوانب عدة، بشكل عام ، تمثل الفضائح بلا شك وسيلة فعالة للدعاية السلبية ضد المرشحين في أي انتخابات تجري على هذا الكوكب، سيما إذا كانت ذات مضمون فج وصريح كما في حالة ترامب، لا ننوي التقليل من ذلك إطلاقا، لكن ما نجادل عنه هنا أن ثمة ما يمكن استقراؤه، في الحالة الأمريكية الراهنة تحديدا، والاستثمار الضخم لهذا الرصيد الهائل من الفضائح من جانب وسائل الإعلام المحسوبة علي الديمقراطيين.

بالقدر الذي تعرت فيه الصور والألفاظ في تلك التسريبات، كانت فكرة السياسة نفسها نفسها تتعرى بقدر مماثل، وتكشف عن صورتها الحقيقية.

فمع صعود اليمين المتطرف في أكثر من مكان، وتتويج ذلك بتصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بدا أن المد اليميني غير قابل للإيقاف بواسطة الخطاب الليبرالي التقليدي، إذ جاء صعوده أساسا تعبيرا عن ردة جماهيرية عن المفاهيم التي صبغت الخطاب السياسي لفترة طويلة، ومن ثم فقد جاءت تلك التسريبات كفرصة مواتية لمواجهة الشعبوية السياسية بالشعبوية الأخلاقية، بدلا من الاعتماد المطلق على مفردات خطاب بات مشكوكا في فعاليته تماما، من دون التفريط في الأسس الخطابية لبرنامج الديمقراطيين بما يؤثر على مصداقية مرشحته.

ثمة كذلك ما يمكن استقراؤه ، في مواقف بعض المحسوبين على ترامب، من الأصوات التي خرجت لتقلل من أهمية تصريحاته، هو نفسه دعا إلى عدم إعطاء الأمور أكبر من حجمها،

href=”http://www.youm7.com/story/2016/10/12/ابن-دونالد-ترامب-تصريحات-والدى-عن-النساء-مجرد-ثرثرة/2919199″>واعتبر

نجله تلك التصريحات بأنها مجرد «ثرثرة» بين الذكور، إحدى الضيوف من النساء قالت في مقابلة على CNN عشية المناظرة، حينما سئلت عن تلك التصريحات المهينة للنساء قالت إن «كل الرجال عندما يكونون وحيدين، فإنهم يقولون أشياء مماثلة، لا داعي لتضخيم الأمور إذن».

نعم، ربما لا تكون حجة المرأة بعيدة عن الحقيقة تماما، ولو خرجت تلك الكلمات من أي شخصية عامة من غير كبار السياسيين لمرت دون ضجيج كبير، لكن المجتمع دوما تعود ألا يقبل من السياسيين ما يقبله من غيرهم، تؤشر تلك المواقف، وما يصاحبها من احتفاظ ترامب بقدر مقبول من الشعبية -لا تزال احتمالية فوز الرجل قائمة على كل حال، رغم التقارير التي تتحدث عن انخفاض شعبيته- إلى أن اعتبارات اللياقة السياسية لم تعد ذات أهمية كبيرة بالنسبة لقطاع معتبر من الجمهور،صار الكثيرون إذا يفضلون الوجه المكشوف، المتحرر من المكياج السياسي والتجمل المفتعل.

باختصار، فإنه بالقدر الذي تعرت فيه الصور والألفاظ في تلك التسريبات، كانت فكرة السياسة نفسها تتعري بقدر مماثل، وتكشف عن صورتها الحقيقية.