هل تعرف أن هناك 4 لاعبين فقط سجلوا أهدافًا خلال كل مباراة من الجولات الستَّة الأولى بتاريخ الدوري الإيطالي؟ إن لم تكن تعرف، فإليك أسماءهم: «جابرييل باتيستوتا»، وكان وقتئذ في الـ25 من عمره. «كريستيان فييري»، وقام بذلك في سن ال 29. «كرزيستوف بياتيك»، بعد أن أتم ال 23 بقليل. وأخيرًا «زلاتان إبراهيموفيتش»، وهو يتجه نحو عامه الأربعين!

تريد معلومة أكثر إثارة؟ لم يسجل 10 أهداف خلال المباريات الثمانية الأولى بالموسم سوى 3 لاعبين في تاريخ الكالتشيو كله. أنت غالبًا لا تعرف اللاعب الأول، لأنه ولد في العشرينيات، ومات في التسعينيات، واسمه «غونار نوردال». أما الثاني فلا بد أنك سمعت عنه، وهو «فان باستن». لكنك حتمًا تعرف الثالث، لأنه ليس سوى زلاتان إبراهيموفيتش، وقد فعلها فقط الشهر الماضي. 

الأسود تتعافى أسرع

إن كانت سنُّك تقترب من الأربعين، فيؤسفني أن أخبرك أنك ستصبح كهلًا عن قريب. طبعًا لا يخلو الأمر من بعض المزايا، فربما يضفي ذلك عليك صفة الحكمة، أو يعرض عليك أحدهم مقعده في المترو أو الأتوبيس. أما الخبر السيئ فهو أن لياقتك البدنية ستنخفض بشدة، ولن تتمكن من لعب الكرة نهاية كل أسبوع.

هذا ﻷنك لست إبراهيموفيتش. فهو مثلك يقترب من عمر الكهولة، لكنه حجز لنفسه مركزًا أساسيًّا في تشكيل ميلان، ثم سجل أهدافًا أكثر ممن يصغره سنًّا، لدرجة جعلته أحد هدافي الدوري الإيطالي حاليًّا، وهو يفعل ذلك كله بعدما تعرض قبل 4 سنوات للإصابة بقطع مزدوج في الرباط الصليبي! 

وإصابة الصليبي جديرة بتدمير مسيرة لاعب بأكملها، لكن المهاجم السويدي صمد أمامها، بل عاد منها قبل الموعد المتوقع، وفسر ذلك بكونه أسدًا وليس بشرًا، والأسود تتعافى أسرع. المهم أنه طار لأمريكا، وكان أمله هو استعادة مستواه مجددًا. أتم المهمة بنجاح، بعدما أحرز 52 هدفًا في 56 مباراة بالدوري الأمريكي.

دفعت تلك الأهداف إدارة ميلان للتعاقد معه، بدا ذلك محاولة للاستفادة من خبرات زلاتان، وفرض شخصيته القوية على غرفة الفريق الذي لم يتوَّج بالدوري منذ 9 سنوات خلت، لكن الأكيد هو أن ميلان حصل على ما هو أكثر من زلاتان. وقد ظهر هذا مبكرًا، في يناير/كانون الأول الماضي تحديدًا.

32 كم في الساعة

كان ذلك تاريخ ثاني مباريات إبراهيموفيتش مع الروسونيري، وقد استقبلت شباك كالياري أول أهدافه. لم ينتهِ الموسم، إلا وأحرز 9 أخرى في 18 ظهورًا. أما هذا الموسم، فسجل فيه 10 أهداف أيضًا، ولكن خلال 6 مباريات فقط. المدهش هو أن كل تلك الأهداف لم تأتِ نتيجة فرص سهلة، بل إنه يحرز أكثر من المتوقع.

وهذا هو ما تؤكده إحصائية xG، أو الأهداف المتوقعة، وهي تشير لجودة الفرص التي وصلت للمهاجم. في حالة السويدي، ستكتشف أنه حظي بـ9.7 هدفًا متوقعًا الموسم الماضي، و7.5 فقط هذا الموسم، لكنه أحرز أكثر سواء في هذا الموسم أو ذاك، وبالتالي ليس كل ما يسجله كان نتيجة فرصة محققة. تريد التأكد؟ احكم بنفسك بعد مشاهدة هذا الفيديو.

نسينا أن نخبرك بأمر آخر وقع خلال مباراة كالياري، وهو يتعلق بسرعة زلاتان، حين وصلت لـ32 كم/الساعة، ليصبح بذلك حينها ثالث أسرع لاعب في إيطاليا خلال الأسبوع، وقد ركض بتلك السرعة في ال 38 من عمره. ويبدو أن الأسود لا تتعافى أسرع من البشر وحسب، ولكنها تركض أسرع أيضًا.

على كل حال إبراهيموفيتش ليس أسدًا، إنما لاعب يبرع في صناعة هالة سحرية حول اسمه، تأسر الجماهير وتجتذب الحملات الإعلامية وترهب الخصوم. وخلف تلك الهالة هناك حزمة من الأسباب تجعله قادرًا على تقديم هذا الأداء في هذه السن، لكنها لا تحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به تصريحاته وأفعاله المثيرة.  

الأسود لا تأكل آيس كريم

وأول تلك الأسباب هو حقيقة أن زلاتان رياضي محترف للغاية، وشديد الصرامة في نمط حياته. يمكنك استنتاج ذلك بمجرد التعرف على النظام الغذائي الذي يتبعه. حيث نشرت صحيفة ديلي ميل تقريرًا أكدت فيه أنه يسعى لتثبيت وزنه بصورة دائمة بين 92 و 94 كيلوجرامًا، وهذا هو الوزن المثالي في حالته.

وحتى يقوم بذلك التزم بحمية قليلة الدهون، تقوم على تناول الدجاج والأسماك والقليل من اللحوم، مع كميات كبيرة من الخضروات والفاكهة، وذلك لمد جسمه بالفيتامينات والمعادن. طبعًا لا يأكل بكميات مفتوحة، بل يزن كل وجباته بالجرام، حتى يُخضع ما يتناوله لعدد معين من السعرات الحرارية، سواء كان ذلك خلال الموسم أو في إجازة.

في المقابل هناك مجموعة محظورة من الأطعمة. في مقدمتها تأتي الوجبات السريعة، بكل ما فيها من سعرات حرارية عالية وقيمة غذائية ضئيلة، كما النشويات الضارة التي تسبب السمنة، بالإضافة للحلوى الغنية بالسكر. ولذلك يعتمد إبراهيموفيتش على مصادر مختلفة للكربوهيدرات، كالحبوب واللوز. 

بالتأكيد زلاتان ليس الوحيد الذي يتبع نظام تغذية بهذا الحزم، بل إنه كان يأكل ما يحبه حين كان صغيرًا في أياكس امستردام، لكن مع تقدم عمره تضاعف اهتمامه بالوجبات، لأنه أدرك أنها تؤثر مباشرة على لياقته، ولهذا لا يسمح بالخروج عن تلك الحمية، حتى إنه اصطدم بأحد طهاة باريس سان جيرمان لتمسكه بها. 

أكثر من ذلك هو ما نشره موقع «RepublicWorld» عن استعانة السويدي بطبَّاخ محترف، يستشيره دومًا في كل ما يأكله ليحافظ على جسده في أفضل شكل ممكن. قد يكون ذلك هو «جويل روبوشون»، الطبَّاح الفرنسي الشهير، الذي ظهر رفقة زلاتان في صورة نشرها الأخير عبر انستجرام، وقال فيها: «سآخذه معي في وجهتي القادمة». لعله لم يكن يمزح.

لأن الأسود قد تحتاج لمعد بدني

عبر انستجرام أيضًا، وجه إبراهيموفيتش الشكر ذات مرة لعائلته، ولوكيله مينو رايولا، ولحفنة من أصدقائه على مساعدتهم له. أحد تلك الأسماء التي وردت في المنشور هو «داريو فورت»، وبجانب كونه صديقًا، فهو معد بدني إيطالي، يحظى بثقة زلاتان منذ حقبته الأولى في ميلان. 

هناك قابله السويدي وأعجب جدًّا بنمط عمله، بداية من جلسات الاستشفاء بعد نهاية كل مباراة، وحتى الإحماء البدني الذي يسبق المباراة التالية بسويعات. وبين هذا وذاك، كان داريو يقود حصص التدريب في صالة الألعاب الرياضية، ويضع برنامجًا تأهيليًّا للمصابين، ويسعى لرفع كفاءة اللاعبين في فترات التوقف. 

في تلك المدَّة، كان زلاتان يودع العشرينيات ويدخل الثلاثينيات، ويحتاج للحفاظ على نفس المستوى الذي قدمه عبر مسيرته. لذلك شرع في العمل بصورة يومية مع داريو، وذلك من خلال روتين يومي يخضع لنصائح وتوجيهات المعد الإيطالي، كانت نتيجته هي استمرار تألق إبراهيموفيتش وعودته السريعة من الإصابات. 

وبفضل تلك النتيجة، أصر السويدي على اصطحاب فورت معه إلى باريس. ويبدو أنها كانت خطوة موفقة للغاية، حيث بدا زلاتان أكثر قوة وحدَّة من باقي زملائه، لدرجة دفعت لاعب الوسط «ماركو فيراتي» طلب الاستعانة بخدمات فورت، بعد أن كان هذا الأخير عاملًا رئيسيًّا في 156 هدفًا سجلها زلاتان في 180 لقاءً بسبب جاهزيته وحضوره المتميزين.    

لم يتوقف الأمر هنا، وتكرر حين رحل السويدي لمانشستر، بل إنه تأكد أن النادي قد وفَّر لداريو كل المستلزمات، وقام بالتنسيق بينه وبين الإخصائيين في الفريق. وقد شهد الجميع كيف كانت الانطلاقة النارية لزلاتان في البريميرليج، قبل أن يتعرض لإصابة الصليبي نهاية عام 2017، لكن داريو فورت قام بعمل رائع، وأعاده للملعب سريعًا، فاستحق أن يشكره زلاتان كما فعل عبر انستجرام.

عقلية الأسود التي تلعب التايكوندو

ربما يكون المدرب الإيطالي السبب الأبرز في تمديد مسيرة إبراهيموفيتش بهذا المستوى، لكنه ليس السبب الأوحد. فهناك ميزة إضافية يتمتع بها السويدي، وهي تتعلق بالرياضات القتالية التي يمارسها، وتحديدًا التايكوندو الذي يحمل حزامه الأسود منذ كان في عامه الـ17. 

ولعلك تذكر الأهداف التي سجلها زلاتان بطريقة أكروباتية، رافعًا قدمه عاليًا ليركل الكرة، تمامًا كما يفعل أقرانه في ساحات التايكوندو. وقد استفزت تلك الأهداف الصحفي سيمون أوستين، فقابل عددًا من المحللين والمدربين، للاستفسار عن وجود علاقة بين هذه الرياضة وبين ما يفعله مهاجم ميلان في الملعب. 

كانت ردود من قابلهم بالإيجاب. لم يتناولوا الطريقة التي يحرز بها الأهداف، لكن كانت نظرتهم أبعد وأعمق. فأشار أحدهم لحركة قدم زلاتان التي تجعله يتحكم بالكرة، ويوجهها بعد ذلك كما أراد، وكذلك توازنه على الأرض وهو ما يمنحه قوة كبيرة خلال التدخلات، فيحسمها عادة لصالحه.

ليس هذا كل شيء، فقد لفت رأي آخر الانتباه لتفصيلة دقيقة جدًّا، وهي تعامل إبراهيموفيتش مع المساحة. فهو يعرف جيدًا متى يتقدم ومتى يتراجع، وكيف يكون في موقع أفضل من خصمه بحركة بسيطة بكتفه أو رأسه، لا تحتاج سوى جزء بسيط من الثانية، وهذا كله يساهم في ثبات مستوى السويدي رغم تقدم سنه. 

في الحقيقة لا تملك سوى الإعجاب بعقلية الرياضي الذي يدمج كل ما يتعلمه ليقدم أفضل ما لديه، خصوصًا حين تضيف ما استعرضناه سلفًا عن نظامه الغذائي، وعمله يوميًّا مع معد بدني. نحن نعرف أن كلمة «عقلية» مطاطة للغاية، ولا تحمل معنى واحدًا محددًا، ولذلك يتم استخدامها بشيوع حتى فقدت معناها، لكن «أشلي كول» يرى أنها أكثر ما يميز زلاتان. 

وقد زامله كول في أمريكا، حين كان إبراهيموفيتش يتعافى من الإصابة. وهناك اكتشف الظهير الإنجليزي أن الوافد الجديد لا يكف عن التدريب، ولا يدخر أي جهد سواء كان ذلك في الساحة التدريبية أو الملعب، لدرجة لا تجعله يصدق أنه أمام لاعب يقترب من الأربعين. لا يتوقف تأثيره هنا، بل يمتد لغرفة الملابس.

إذ يؤكد كول أن السويدي يبدي احترامه لزملائه حين يبذلون جهدًا أكبر، وقد يفقدون هذا الاحترام حين لا يفعلون، لدرجة تجعل مزاملة زلاتان، مثل مواجهته، ليست أمرًا سهلًا. فكر قليلًا في الأمر، وستجد أن مواجهة أسد تعني الموت، أما مزاملته فتطلب أن تكون أسدًا، وإلا فلن تسلم من لسانه قبل أنيابه.