النسر الذهبي يحلق هنا منذ آلاف السنين، تلك السماء هي مملكته، وتلك السهول المنبسطة في الأسفل هي منطقة صيده … وتدعى منغوليا.

أرض أشرس الجيوش المقاتلة عبر التاريخ وعاصمة إمبراطورية امتدت من الجزر اليابانية في المحيط الهادي شرقاً إلى قلب القارة الأوروبية غرباً ومن سيبيريا وبحر البلطيق شمالاً إلى الشام وفلسطين وحدود شبه الجزيرة العربية.

سُمي أهل تلك البلاد بالمغول أما الاسم الأكثر انتشاراً فهو – التتر أو التتار – كما سماهم العرب المعاصرون لتلك الحقبة، ولكن الحقيقة أن التتر مغول وليس المغول تتارا كما هو معروف، ولكن سواء كانوا تتارا أو مغولا فهم من نفس السلالة فالتتار قبيلة من قبائل المغول وقد حكمت فترة لا بأس بها جميع القبائل، حتى جاء رجل غير مجرى التاريخ.


منغوليا عام 1165 ميلادية

تكدست جثث القتلى في ساحة القتال، حرب ضروس اشتعلت منذ سنوات عديدة بين التتار المسيطرين على كافة القبائل وبين القبيلة الأم – المغول – بقيادة يسو كاي الذي رفض هيمنة التتار المدعومين من إمبراطورية الصين الشمالية، كانت المعركة على وشك الانتهاء وهزيمة جيش يسو كاي إلا أنه استطاع قتل قائد التتار ويدعى تيموجين وانسحب بعد ذلك بمن نجا من رجاله من المهلكة.

عاد يسو كاي من معركته ليجد زوجته وقد وضعت طفله الجديد، حمل يسو كاي ابنه الرضيع والذي سماه تيموجين على اسم قائد التتار الصريع ليخلد ذكرى انتصاره المعنوي، اجتاح التتار صحراء جوبي بينما كان يسو كاي يزور أخوال أطفاله وفي طريق عودته مات ليترك خلفه زوجته وأطفاله وبعض القبائل كان قد جمعها تحت إمرته يوماً والآن تتناحر على الزعامة.


حياته وطفولته

عاش الفتى تيموجين حياة بؤس وشقاء مع والدته وإخوته الصغار، صاروا أذلاء يتعرضون لغارات القبائل التي كان يحكمها أبوهم يوماً، الصيد على نهر أوتون كان سبيل عيشهم، سنوات غيرت تيموجين الصغير أصبح شاباً يافعاً يقود إخوته وما تبقى من قبيلته فى المراعي ومما زاده قوة زواجه من ابنة زعيم القنقراد صديق والده وانتقل للعيش معهم هو أسرته عند منبع نهر كيرولين.

نجى تيموجين من عدة مؤامرات وارتفع شأنه وأضحى الرجل القوي بين زعماء المغول المتنازعين على السيطرة شرق منغوليا، وسرعان ما حظي برفقة ملك قبيلة الكرايت القوية، وهناك حيث كهنة المغول كان الأمر جلل فقد تنبأ بعضهم بأن ذلك الفتى تيموجين سيكون ذا شأن وانتشر الخبر بين القبائل والعشائر، وسرعان ما قدم إليه أمراء الدم النقي من المغول ليبايعوه خانا للمغول.

كان على الخان الجديد توحيد الصفوف وضم القبائل جميعها تحت رايته… قبائل منشوريا ومنغوليا وتركستان كلها عليها أن تخضع لخان واحد «تيموجين». أمام التحالفات الجديدة بين قبائل المغول تخلى إمبراطور الصين الشمالية عن حليفه من قبيلة التتار، ليكون لقمة سائغة بين فكي القائد الشرس، أباد التتار، سبى النساء وقتل الأطفال والرجال أذاقهم الويلات هم وكل من يقف فى طريق توحيده لقبائل المغول… لم يرق لحلفائه من قبيلة الكرايت تلك الشهرة والمجد اللذين نالهما تيموجين… حاولوا الفتك به فكان انقلابه أسرع ليفتك بهم ومن بعدهم حلفاؤهم النايمان.

في ربيع 1206 ميلادية عقد تيموجين مجلساً عاماً لقبائل المغول الخاضعة له حيث تم تنصيبه كـ – خان أعظم – على جميع ساكني الخيام فى منغوليا وما جاورها من البلدان… وفى الاجتماع وقف أمام الجميع ليعلن عن خطة فتوحاته خارج منغوليا وبدأ إنشاء إمبراطوريته العظمى، تيموجين اليتيم الشريد أصبح يطلق عليه الآن اسم … قاهر العالم.


الاستسلام أو الموت

مضمون الرسالة التي أرسلها جنكيز خان للصينيين، ولكن جيشه يقف عاجزاً أمام تحصينات سور الصين العظيم … يمتلك الرجال والعتاد ولا يملك مهندسين وعمالا لصنع آلات تهدم الأبواب وأجزاء من الجدار … الحصار والإغارة على المدن خارج السور كل ما فعله خلال عامين، وفى العام الثالث استطاعت قواته اختراق السور بعد استخدامها الأسرى كدروع بشرية فى الاقتحام وقد استغلهم فى صنع مدقات للأبواب.

بعد أربع سنوات من الحصار والإغارة سقطت المدينة تلي الأخرى حتى هوت تشانج دو وأصبحت بكين في قبضة جنكيز خان، أعمل القتل والاغتصاب وذبح الأطفال لم يُرحم أحد، الأرض شقتها أنهار الدماء وارتفعت أبراج من جثث القتلى في كل مكان… وحشية لا مثيل لها….آلاف النسوة فضلن الانتحار على الاغتصاب من المغول .. وفي أقل من 25 عاما استطاع أن يسيطر على أربعة ملايين ميل… الخيل السريعة أقوى أسلحة جيشه… السهام أمطار الموت على من يقف فى طريقه.

بنكت – تشانج دو – بكين – بخارى – سمرقند تشهد على وحشية المغول، لم ينج أحد من براثنهم حتى الأسرى أصبحوا دروعا بشرية تحمل رايات المغول وتتلقى السهام والزيت المغلي بدلاً عنهم، وطأت قدم جنكيز خان دماء الأبرياء قائلاً:

إنني نقمة الله على الأرض ، فإذا لم تكونوا مجرمين فإن الله ما كان يسمح لي بأن أعاقبكم.

بعد خراب سمرقند وحرقها وبعد هروب شاه خوارزم أصبحت الأرض منبسطة أمام جنكيز خان لتسقط دولة الخوازميين وينهار خط الدفاع فى بلاد ما وراء النهر … لتصبح الدولة العباسية وجهاً لوجه أمام قوات المغول السريعة والتي لم يتحرك أحد بمثل سرعتها من قبل … فقد سيطروا على كل بقاع الدولة الخوارزمية ( كازاخستان – قيرغيزستان – طاجيكستان – أفغانستان ) كما سيطروا على أذربيجان وأرمينيا وجورجيا والجنوب الغربي لروسيا…. في ظل حملة تأديبية ظاهرها تأديب الخوارزميين لقتلهم التجار المغول وباطنها امتداد نفوذ إمبراطوريته القوية.


الدين في حياة جنكيز خان

لم يكن متحمساً لعقيدة معينة حتى إن أولاده مالوا إلى رغباتهم، فمنهم من أسلم ومنهم من تنصر ومنهم من عبد الأصنام.

وقد كانت العقيدة الرسمية للمغول تسمى بالشامانزم وتتمثل بعبادة مظاهر الطبيعة وخاصة الشمس، إلا أن ضعف تلك العقيدة جعلهم يتجهون لعقائد أخرى مع فتوحاتهم في روسيا وبلاد المسلمين، وقد قال ابن كثير عن عقيدتهم: «يسجدون للشمس إذا طلعت ولا يحرمون شيئاً. يأكلون ما وجدوه من الحيوانات والميتات»، ونقل ابن كثير أيضاً عن الجوينى بعض مبادئهم، أن من زنى قُتل، ومن تعمد الكذب قُتل، ومن سحر قُتل.

وقد قال منكو خان أحد ملوكهم: «نحن المغول نعتقد بأن هناك إلهاً واحداً له نحيا وله نموت، وعندنا قلب يخفق بحبه، لكن الله أعطى اليد أصابع مختلفة فكذلك أعطى الناس طرقاً مختلفة لعبادته».


وفاة جنكيز خان

أثناء معاقبته لمملكة الطانعوط التي تخلفت عن إرسال قواتها للمشاركة معه الحرب ضد الخوارزميين ، مات مريضاً إثر سقطته الأخيرة عن ظهر الجواد أثناء رحلة صيد ولكنه قبل أن يموت بأيام ولما اشتد عليه المرض جمع أولاده وأوصاهم أن يخلفه ابنه أوكتاي فجعله ولي عهده ووافقوا على اختياره.


جزء من نص وصيته

توفى بعيداً قرب إقليم سو الصيني وحمل جسمانه إلى منغوليا ودفن فى منطقة يخرج منها نهر أونون وكورلين وبقي موضع الدفن سراً كما كانت مجمل حياتهم سراً.


تقسيم مملكة جنكيز خان

اعلموا يا أولادي الجياد أنه قد قرب سفري إلى الدار الآخرة ودنا أجلي، وأنا بقوة الآلهة وتأييد سماوي، استخلصت مملكة عريضة بسيطة، بحيث يسلك من وسطها إلى طرف منها مسيرة سنة من أجلكم يا أولادي فهيأتها لكم، فوصيتي لكم أنكم تشتغلون بعدي بدفع الأعداء ورفع الأصدقاء وتكونوا على رأي واحد، حتى تعيشوا في نعمة ودلال وتتمتعوا بالمملكة.

كان لجنكيز خان زوجات ومحظيات كثيرات، ولكنه كان يفضل عليهن زوجته الأولى، كان يحبها ويقدم أبناءها على الآخرين، وقد أنجبت له أربعة أولاد من تسعة هم كل أولاده، كان يعهد إليهم بجلائل الأعمال، واعتمد عليهم في إدارة إمبراطوريته وبعد موته تقاسم الأربعة مملكة أبيهم.

جوجي حصل على البلاد الواقعة بين نهر أرتش والسواحل الجنوبية لبحر قزوين وتسمى بلاد القبجاق وأطلق عليهم القبيلة الذهبية لألوان خيامهم وكان معظم أهل تلك البلاد من الأتراك والتركمان.. ولكن جوجي لم يحكمها لأنه مات وجنكيز على قيد الحياة فأوكل الأمر لحفيده باتو بن جوجي.

أما جغتاي فكانت من نصيبه بلاد الإيجور وأقاليم ما وراء النهر، ونال أوكتاي ولاية العهد ونال قسما صغيرا من نصيب إخوته حيث يصبح هو الخان الأكبر ويسيطر على المنطقة الواقعة غرب منغوليا وما بين جبال تارباجاي، أما منغوليا المنطقة الأصلية حيث يوجد أجداد جنكيز خان وآباؤه كانت من نصيب تولوي أصغر الأبناء والذي كان وصياً على العرش حتى تم تنصيب أخيه الأكبر أوكتاي والذي ما إن جلس على العرش حتى أمر بالزحف غرباً باتجاه أرض الخلافة الإسلامية وشمالاً لمطاردة فلول الخوارزميين في قلب روسيا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. تاريخ المغول والمماليك، د . أحمد عودات
  2. كيف أسلم المغول، د . محمد علي البار