قبل أيام قليلة من تنصيبه رئيسًا للنادي الأهلي، وقف محمود الخطيب داخل النادي وخلفه شاشة عملاقة تحمل صورة ثابت البطل. تحدث الخطيب عن أهمية «البطل» كونه كادرًا مهمًا تعلم من عظماء النادي ثم أصبح مديرًا للكرة يحبه الناس ويهابونه في آن واحد.

كان ذلك مشهدًا هامًا من مشاهد حملة «الخطيب» الدعائية التي تمحورت حول استدعاء مبادئ الأهلي المهدرة إبان فترة مجلس «طاهر». كانت أهمية المشهد تكمن في تجسيد كل ما يحاول الخطيب توضيحه من مبادئ في صورة «ثابت» الذي راهن على تلك المبادئ بالفعل وانتصر في النهاية.

مر عامين ونصف العام على هذا المشهد. أصبح الخطيب رئيس النادي الأهلي إلا أن صورة ثابت البطل لم تحضر خلال تلك الفترة كإثبات على حسن اختيار الأعضاء والجماهير للخطيب. بالعكس تمامًا ظهرت صورة ثابت مرات عدة كإثبات للغرض نفسه الذي استخدمه الخطيب من قبل، للترحم على أيام المبادئ.

وبمجرد ذكر ثابت البطل يتم المقارنة عادةً بينه وسيد عبد الحفيظ مدير الكرة الحالي في النادي الأهلي. يفوز ثابت دومًا في تلك المقارنات، إلا أنه من العدل أن نعترف بصعوبة المقارنة في الأساس. ولكي يصبح الأمر أكثر وضوحًا فتلك المقارنة تتم بين رجل استثنائي كان ممثلًا لطريقة إدارة النادي خلال وقت معين وبين رجل ناجح كوجه مناسب للإدارة الحالية تمامًا. أي أن المقارنة تتخطى شخصية سيد عبد الحفيظ في الأساس لما هو أعمق.

يبرر البعض هذا الفارق الشاسع بين الرجلين بتغير الزمن واختلاف المعطيات والفارق الشاسع في أخلاق اللاعبين أنفسهم، حسنًا هذا جزء من الحقيقة لكن الجزء الآخر هو أن ما جعل ثابت البطل رمزًا لم يكن يتغير بتغير الظروف.

هذا ما يحتم علينا أن نبدأ الحديث بتوضيح لماذا ثابت البطل تحديدًا.

ثابت البطل: ما وراء تلك المهابة الطاغية

لا يستطيع أي لاعب أن يرفع من صوته أثناء نوم كابتن ثابت البطل في غرفته الخاصة الملاصقة لغرفة اللاعبين. «بركات» بما يمتلك بشخصية طاغية دائمًا إلا أنه لم يكن يخاف إلا من اثنين، ثابت البطل ومانويل جوزيه. بمجرد سماعه لصوت ثابت البطل كان يغير من اتجاهه مباشرة لكي يتجنبه.
محمد أبو تريكة

حسنًا، ذلك هو أول الملامح الثابتة دومًا في ذهن الجميع عن ثابت البطل، المهابة الطاغية التي كان يتمتع بها في نفوس لاعبيه. قد يعزي البعض تلك المهابة لطبيعة تكوين الرجل وملامحه الحادة، إلا أن تلك المهابة لا يستطيع أحد أن يختلقها فهي ليست بالتكشير الدائم أو الملامح الغاضبة.

«بركات» نفسه تحدث عن هيبة البطل الاستثنائية مؤكدًا عليها بكثير من الاحترام، بينما في لقاء آخر تحدث بطرافته المعتادة أنه بعد محاضرة عنيفة من مدربه حسام البدري أجابه بركات ضاحكًا أنه لا يقبل منه هذا الحديث العنيف طالما أنه لا يرتدي في قدميه حذاء.

حسنًا الفارق هنا بين ثابت و «البدري» لم يكن تجهم الملامح، فالأخير يتمتع بملامح صارمة معروفة للجميع. كما أن تبرير موقف بركات والبدري بطول الفترة التي قضياها سويًا لا يبدو منطقيًا، لكن الفارق أن ثابت البطل كان يعي جيدًا المسافة المفترضة بين الوظائف المختلفة.

تنافس البطل رفقة حارسي الأهلي السابقين «إكرامي وشوبير» على حراسة عرين الأهلي منافسة عنيفة للغاية لفترة ليست بالقليلة. اعتزل« إكرامي» الأصغر سنًا من البطل بعامين وأصبح على الفور مدربًا لحراس المرمى. لم يعترض ثابت أبدًا على أي فعل لمدربه الجديد سواء اختياره للعب أساسيًا أو خوض تمرين معين أو نصيحة من مدربه الجديد.

أقسم بالله، كل كلمة كنت أتحدث بها مع ثابت كان يستمع إليها حتى لو كانت خطأ من وجهة نظره. لم يرفض تمرينًا قط ولم يسأل حتى عن سبب استبعاده عن اللعب أساسيًا.
إكرامي الشحات متحدثًا عن ثابت البطل

اعتزل ثابت البطل وأصبح مديرًا للكرة هو الآخر ومسئولًا عن منافسه السابق أحمد شوبير. شعر شوبير بالقلق حيث كان متخوفًا من مدى تأثير منافسة الماضي على علاقته بمدربه الجديد في المستقبل. جمعهم إكرامي سويًا فما كان من البطل سوى التأكيد أنه حتى لو كان هناك خلاف فعلى شوبير أن يطمئن لأن ثابت وعلى حد قوله على استعداد أن يتحالف مع الشيطان من أجل مصلحة النادي الأهلي.

ربما لا يعرف بركات كل تلك القصص، لكنه من المؤكد أنه فرض عليه احترام المسافة التي جعلها ثابت بينه وبين اللاعبين. كما أنه شعر بتلك الهالة التي تحيط بثابت البطل، هالة تكونت بفضل تاريخ من المواقف التي جعلته كادرًا مميزًا في الإدارة ثم رمزًا هامًا للنادي.

كيفية صناعة الكادر

في البداية تم اختيار ثابت البطل كمدير للكرة لأنه يمتلك المواصفات الطبيعية التي تجعله أهلًا لقيادة الدفة أو بشكل أدق أن ينوب عن مجلس الإدارة أمام اللاعبين والمدرب والإعلام أيضًا. تستطيع ببساطة بعد مشاهدة كل أحاديث البطل المتبقية لنا أن تلاحظ شيئًا ثابتًا، الرجل يتحدث دومًا كممثل للنادي الأهلي. هو لا يوضح وجهة نظره، هو لا يرجئ بعض الأمور للإدارة، حتى في أحلك الظروف يبقى واضحًا ودقيقًا لأنه لا يمثل نفسه أبدًا.

اشتهر النادي الأهلي إبان فترة رئاسة صالح سليم وحسن حمدي بما يسمى بالمجازر الكروية، لكن بتحليل بسيط لتلك المجازر المفترضة تجد أن الأمر يتلخص في الاستغناء عن لاعبين مخضرمين من أجل مصلحة الفريق وهو حق أصيل لكل أندية العالم. لكن يبقى ثابت هو الرجل الذي شهد مرحلة المواجهة الأهم، الاستغناء عن التوأم، لكنه كان يعي ما يحدث حوله وما يراهن عليه.

الأهلي هو صاحب الفضل على الجميع بداية من رئيس النادي حتى أصغر شخص داخل النادي. كل من لعب بقميص الأهلي لعب بمقابل مادي.
ثابت البطل

هكذا علق ثابت على رحيل التوأم. لم يتحدث ثابت البطل موضحًا أن هذا قرار مجلس الإدارة بل أوضح إن مجلس الإدارة نفسه لا يملك أن يتخذ أي قرار آخر. الرجل يتحدث عن وعي كامل بأن الأمر برمته لا يتعلق بالتوأم بل بمبادئ بسيطة تجعل النادي الأهلي فريقًا قادرًا على حصد الألقاب. تلك المبادئ تسري على اللاعب وعلى المدرب وعلى رئيس النادي.

تحول الكادر إلى رمز

رحل التوأم إلى الزمالك وحققا الدوري برفقته وغضبت الجماهير من ثابت ووجهت له السباب المباشر لدرجة أنه بكى داخل الملعب تأثرًا بما حدث، لكنه كان يعرف أنه على صواب لأنه ببساطة راهن على المبدأ والزمن فقط هو القادر على توضيح المسالة.

أثبتت الأيام أن ثابت على صواب، عادت الألقاب للأهلي وحتمًا كانت ستعود وعرفت جماهير الأهلي أن رحيل التوأم كان ضروريًا في المقابل. آمنت الجماهير أن المبدأ أقوى وأن الأهلي أبقيدى وأن ثابت كان على حق. هنا تحول ثابت البطل إلى رمز عن استحقاق، رمز يشير إلى ثبات المبدأ في مواجهة المتغيرات.

يبدو الآن السؤال الأكثر منطقية: هل قدم الخطيب ومجلسه أي كادر يستحق أن يتم تصدير صورته بعد سنوات من وفاته كأيقونة ورمز لمبادئ النادي؟ الحقيقة أن الفرصة حانت لذلك لكن ليس الجميع مثل ثابت البطل.

الرهان الجديد

دعنا نوضح في البداية أن سيد عبد الحفيظ لا يبدو ممثلُا لمجلس الإدارة. يستخدم مجلس إدارة الأهلي سيد ولا يدعمه، بالعكس يظهر سيد في صورة قاصف الجبهات الذي لا يفوت فرصة الرد على رئيس الزمالك بينما يظهر مجلس الإدارة نفسة في صورة المترفع عن الانزلاق لمثل هذا المستوى.

هذا التباين الواضح بين مجلس الإدارة ومدير الكرة لا ينتج عنه كادر إداري أبدًا، بل إن أقرب وظيفة لسيد عبد الحفيظ في حالة تركه لمنصب مدير الكرة سيكون منصبًا إعلاميًا. هذا الإعلام الذي كان ثابت يعامله معاملة حذرة للغاية مثلما يحاول أن يفعل مجلس الإدارة الحالي.

بمجرد تولي مجلس الخطيب رئاسة النادي، انطفأ بريق الرهان على المبادئ بظهور تركي آل الشيخ ليظهر رهان جديد وهو رهان الأموال التي تجلب رضا الجماهير. وقبل أن ينطفئ بريق رهان الأموال هو الآخر بالعديد من المشاكل مع تركى نفسه كان هناك موقف مشابه للغاية لمحاولة استعادة بريق المبادئ الضائع وهو رحيل عبد الله السعيد عن الأهلي.

مثلما حدث مع التوأم حدث مع عبد الله السعيد، قرر السعيد الرحيل إلى الزمالك بعد أن فضل الأهلي عدم التجديد له لمغالاته في المطالب المالية. وبدلًا من أن يراهن الأهلي كعادته على ثبات مبادئه كحق أصيل للفريق ألا يتم لي ذراعه بعرض أكبر لجأ الأهلي إلى الأموال محل وسط.

خاف مجلس إدارة الأهلي من رحيل السعيد للزمالك وتحقيق البطولات، هناك فقرر أن يلجأ لأموال تركي آل الشيخ لتدارك الأمر. لم يتذكر الخطيب صورة ثابت التي راهن عليها في أشد المواقف شبهًا بل قرر معاقبة عبد الله السعيد مستغلًا أموال تركي آل الشيخ.

كان الحل المجرب والذي أثبت نجاحه من قبل هو ترك اللاعب الذي وقع بالفعل عقود انضمام للغريم، ثم الرهان أن الأهلي سيصنع سعيد آخر مهما حدث. لكن تلك الرهانات التي تصنع رموزًا ليست بالبسيطة كما يظن البعض.

بدأ موقف السعيد وانتهى دون أدنى ظهور لسيد عبد الحفيظ. لم يكن المبدأ هو السائد في هذا الموقف بل اتجاهات وآراء المسئولين، وكما نعلم أن سيد أداة في يد المسئولين وليس ممثلًا لهم.