لقد كُنت أُفضل أن أُطعن بسكين على أن يحدث هذا

تصريحات جينارو جاتوزو بعد تعادل بينفينيتو المُثير أمام الميلان في الثواني الأخيرة.

المصائب لا تأتي فُرادى. الكُل يعلم ذلك ولكن الطليان تعدوا مرحلة العلم إلى التجربة، فلا يوجد تعبير أفضل من المصائب عما يحدُث للكرة الإيطالية، فشل الأندية في الاختبارات الأوروبية عدا اليوفينتوس – على استحياء – ماهو إلا انعكاس لتردي المستوى العام والذي ظهر على أكمل وجه في تصفيات كأس العالم والتي انتهت بفضيحة فشل الأتزوري في الصعود إلى مونديال روسيا وهو ثاني أكثر من حملوا الكأس الأغلى.

الفزع الحقيقي لم ينتج فقط عن الفشل في التأهل بل وفي عدم وجود ضمانات للتحسن على المدى القريب أو البعيد، فلا مواهب حقيقية تستطيع حمل قميص عريق كهذا ولا خلافة نجوم بحجم توتي ودي روسي وبوفون. كذلك مثلت النُدرة غير المعتادة للمُدربين المُبدعين مشكلة كبيرة في الكرة الإيطالية، فقبل عشر سنوات كان يُدرب الميلان أنشيلوتي واليوفي كابيلو والمُنتخب ليبي الذي خلف تراباتوني، أما الآن فينتورا هو مُدرب إيطاليا. الجو العام كئيب في شوارع روما والمشهد جنائزي على حد وصف دي روسي، بوفون يبكي، وبيرلو ينتقد الأوضاع، باختصار جنة كُرة القدم مُحاطة بالنيران الآن.

وسط كُل هذا يُعاني أحد أكبر أندية العالم وليس إيطاليا فقط ولأنه عظيم فإنه يُعاني أكثر، رُبما. ولأن الجميع قد بدأوا في الصحوة فاستفزه هذا ليُصبح مثلهم ولكن النتيجة كانت مُغايرة تمامًا فسقط وحده، الميلان العظيم كما يُحب أن يطلق عليه مشجعوه في أزمة حقيقية قد تكون عواقبها وخيمة إلا إذا استطاع أحدهم النهوض بالفريق، ربما فكرت الإدارة بهذا الشكل ولهذا قرروا اللعب بآخر كارت لديهم وهو جينارو جاتوزو. لعبة قديمة جديدة تلعبها مُعظم إدارات الأندية وهي الدفع بإحدى أساطير الفريق ليُدربه عند الأزمات بدافع الحماية من غضب الجماهير.


العديد من سيدورف وإنزاجي

جاتوزو، إنزاجي، سيدورف
جينارو جاتوزو يتوسط فيليبو إنزاجي يمينًا و كلارنس سيدورف.

عندما تتم الاستعانة بمُدرب كان لاعبًا بالنادي من قبل فاعلم أن الأمور لا تُبشر بالخير في ميلانو. فتجارب سيدورف وإنزاجي لا تزال تطُارد كُل من يحاول أن يدعم موقف جاتوزو في مهمته الانتحارية في منع الميلان من الغرق. البعض يُبالغ ويرى أن لاعب الكُرة العظيم بشكل عام لن يصبح على الأغلب مُدربًا جيدًا حتى والأمثلة كثيرة وأشهرها مارادونا، ولكن عمليًا لا شيء يمنع اللاعب الكبير أن يُصبح مُدربًا على نفس القدر من العظمة.

يأمل الجميع في ميلانو ألا تتكرر المأساة مع أسطورتهم المحببة جاتوزو ولكن الواقع غير مُبشر على الإطلاق، فمُنذ الخطأ التاريخي لبيرلسكوني بإقالة ماسيميليانو أليجري في 2014 لم يفز الميلان سوى بكأس السوبر الإيطالية مع مونتيلا في العام 2017، ولم يعهد الميلان أيضًا مُدربًا جيدًا في تلك الفترة وبالطبع حمل قميصه لاعبون لا يصح أن يسيروا بجوار مركز تدريبه، الفترة كانت مُظلمة جدًا لدرجة أن التأهل للدوري الأوروبي مع مونتيلا كان نجاحًا.

بعد تولي الآسيويون مقاليد الحكم خلفًا لبيرلسكوني قرروا بشكل أو بآخر مُحاكاة النموذج الرأسمالي الجديد في كُرة القدم والذي مثلته أندية السيتي وباريس سان جيرمان والأندية الصينية وبشكل أقل أندية مثل تشيلسي، وبالفعل قاموا باستقدام فريق كامل من اللاعبين منهم أحد أفضل مُدافعي العالم بونوتشي وحافظوا على دوناروما رغم الأخبار القوية التي أكدت رحيله عن الفريق ومع تواجد مُدرب مشهور عنه اللعب الجميل وتكوين الفرق وبعد بداية شبه موفقة مع الميلان نفسه كان الجميع متأهبًا لموسم قد يعود فيه الميلان الذي نعرفه أو شيء منه وسط تخوفات طبيعية من قدرة هذا الكم من اللاعبين الجُدد على الانسجام وتكوين فريق كرة قدم وكذلك القلق على قدرة مونتيلا نفسه في السيطرة على هذا العدد من اللاعبين الجُدد وبالفعل حدث ما كان يخشاه الجميع ولم يُقدم ولو 50% مما توقعته جماهيره منه.

بعد هذا الصيف المزدحم بالصفقات كان لابد من الإدارة أن تجد مُبررًا للاخفاق، وبالطبع لم يجدوا أسهل من رأس مونتيلا للنيل منها. ولتفادي الغضب العارم من الجمهور كان لابُد من استبداله بمُدرب لا يستطيع الجمهور انتقاده مُبكرًا لامتلاكه رصيدًا كافياً في قلوبهم، كذلك ليُصبح درعًا للإدارة أمام الصحافة. هذه الصفات لا تتواجد سوى في أنشيلوتي أو أحد اللاعبين القُدامى ممن يرغبون في التدريب وبالفعل وقع الاختيار على جاتوزو.


جاتوزو أم زيدان؟

جاتوزو يتوسط الأرجنتيني باولو ديبالا يمينًا وأندريا بيلوتي.

يكون زين الدين زيدان البطل دائمًا عندما يتم ذكر أن أحد اللاعبين الكبار اختار أن يسلك مجال التدريب فمن أي كوكب أتى زيزو في منتصف موسم على فريق مُنشق على مُدرب أُقيل لخلافاته مع اللاعبين لا لسوء نتائجه ليُحقق لقبي دوري الأبطال في أول موسم ونصف يُصبح مُدربًا فيهما يلحقهما بلقب الدوري ولقب السوبر. زيدان أصبح المثال الجيد ليطمح اللاعبون الوصول إليه لاعبًا ومدربًا، وبالتالي فإن جاتوزو الآن لا يمتلك سوى خيارين وهو طريق سيدورف وإنزاجي أو طريق زيزو أو يُفاجئنا جينارو نفسه بروحه وإخلاصه وخلق مثل آخر ليُصبح جاتوزو مثل زيزو ولم لا؟

يتشابه جاتوزو وزيدان في أن كليهما عمل بفئة عمرية أقل من الفريق الأول وكذلك بنظرتهما الثاقبة للاعبين، حيث يتذكر الجميع كيف جلب زيزو فاران لريال مدريد وهو في الثامنة عشرة من عُمره ويلعب فى دوري الدرجة الثانية الفرنسي. كذلك يروي أندريا دي كارلو مُذيع الميديا سيت أن جاتوزو إذا قال إن أحد هؤلاء الشباب سيُصبح أسطورة فإنه سيُصبح، وإن أخبرك أنه متوسط فإنه كذلك أيضًا، ودلل على ذلك بأن جاتوزو كان غير معجب بباستوري رغم انبهار الجيمع به إبان تدريب جاتوزو لباليرمو واتضح الآن صحة موقف جاتوزو فباستوري لا يُفارق دكة البُدلاء الآن.

لم يكن زامباريني رئيس النادي يحبه، لكن جاتوزو كان يرى فيه أندريا شيفشينكو الجديد.

تصريحات جورجينو بيرنتي المُدير الرياضي لنادي باليرمو عن بيلوتي مُهاجم تورينو الحالي.

وأضاف أن أكبر خطأ كان الاستغناء عن بيلوتي إلى تورينو بسعر قليل، لم يظهر جاتوزو مع باليرمو كمُدرب بشكل فذ ولكنه صنع من بيلوتي وديبالا نجوما، خاصة ديبالا الذي قال إنه استفاد كثيرًا من جاتوزو داخل الملعب في كيفية التمركز والتحرك وتفادي ضربات الخصم لدرجة أن جاتوزو كان يضربه في التمرين ليُعلمه كيفية الدفاع عن نفسه. أما النجاح كان الصعود بنادي بيزا للدرجة الثانية من المُحاولة الأولى. كُل هذ يدل على أن جاتوزو ليس مُجرد لاعب كبير قادم لأخذ دوره في الفشل كمُدرب للميلان، هذا إن توافرت لديه شروط النجاح من الإدارة بالطبع.


سخرية الجرينتا

جاتوزو، بيلوتي، ديبالا
جاتوزو، بيلوتي، ديبالا
هناك وظيفتان مختلفتان كليًا، أن تكون لاعبًا جيدًا في مسيرتك هذا يساعدك كمدرب، لكن وظيفة المدرب ذاتها أكثر تعقيدًا، لم أعد طالبًا الآن، دوري قد حان لكي أُعلم.

جاتوزو عن اختياره أن يُصبح مُدربًا.

يبدو أن حال الكُرة الإيطالية جعل السخرية تزداد على إحدى ميزات الكُرة في إيطالية وهي الجرينتا أو الروح القتالية والتي أُسيئ استخدامها من مُشجعي الكرة الإيطالية نفسهم مما جعلتها مصدراً للسخُرية من الآخرين، ولكن حقًا الروح والرغبة في الفوز هي أحد أهم عناصر اللعبة والتي تتوفر في كل الأبطال وهذا هو ملعب جاتوزو الذي كان مشهورًا برجولته وحميته وعصبيته الشديدة في الملعب وتحفيزه لزملائه وبالتالي كانت هذه الصفة هي الأكثر ذكرًا عند تولي جاتوزو قيادة الميلان.

الكثيرون يعتقدون أن الجرينتا وحدها لن تجعلك تفوز، ولكن تاريخ جاتوزو التدريبي رغم قصره ولكنه يمتلئ بومضات تُنبئ بمُدرب كبير مثل مشواره مع فريق ميلان تحت 19 عامًا والذي لعب معهم 12 مباراة فاز في 8 منها بنسبة فوز تصل إلى 66% تقريبًا. الأهم هنا أن الميلان يحتاج بالفعل إلى شحن معنوي وروح الفوز حتى يستطيع النهوض من تلك الهاوية، وجاتوز حسب ما يظن الكثيرون هو الرجل المُناسب لهذه المهمة وقد لا يكون، ولكن لابد أن ينجح الميلان مع جاتوزو حتى لا يأتي يوم ننسى تلك الأسماء التي تلألأت في سماء مدينة ميلانو يومًا ما.