عند سور مستشفى للمجانين في ميدان مقفر في بوينس آيرس «عاصمة الأرجنتين»، كان بعض الفتيان الشقر يتقاذفون كرة بأقدامهم. سأل طفل: من هؤلاء؟ فأخبره أبوه: مجانين، إنجليز مجانين.

هكذا يتحدث الكاتب الأوروغواني إدواردو غاليانو في كتابه كرة القدم بين الشمس والظل، موضحًا كيف استقبلت الأوروغواي كرة القدم. فبوينس آيرس لم تكن تختلف كيرًا عن مونتفيديو «عاصمة الأوروغواي» آنذاك، فكلاهما كانا مينائين لبلاد الريو دي بلاتا أو بلاد نهر الفضة، تم بناؤهما على يد الإسبان ثم مع الوقت أصبحا أهم مينائين لتصدير المنتجات الإنجليزية لأمريكا الجنوبية، ولتصدير كرة القدم أيضًا بفضل أقدام البحارة الإنجليز.في النصف الآخر من الكرة الأرضية كان الوضع مشابهًا أيضًا، فالدول الأفريقية عرفت كرة القدم عن طريق المستعمرين البريطانيين والفرنسيين والبرتغاليين، وتحت شمس حارقة وأرض غير ممهدة كان لكرة القدم فعل السحر في القارة السمراء.ربما أكثر ما يشبه الأوروغواي والدول الأفريقية أن كرة القدم اكتسبت شعبية طاغية بفعل سهولة ممارستها، فكرة قدم مصنوعة من الجلد أو القماش أو أي من المواد المحلية ثم أربع صخور أو أعمدة وليبدأ المرح، لذا تتشابه كرة القدم في الأوروغواي والبلاد الأفريقية في أنها كرة قدم سريعة وذات إيقاع مجنون يفتقد للنظام ولكنه يمتلئ بالمهارات والتحكم في أضيق حيز متاح.ولكن ماذا لو تلاقت كرة القدم المهارية القادمة من الأوروغواي مع مثيلتها السريعة المتفجرة القادمة من أفريقيا؟ الإثارة مضمونة بلا شك.شهد كأس العالم الكثير من المواجهات الأفريقية اللاتينية والتي تتسم غالبًا بالإثارة، إلا أن في الفترة الأخيرة فمواجهات الأوروغواي تحديدًا مع الفرق الأفريقية ملتهبة تمامًا، وفي كأس العالم القادم نحن على موعد مع مواجهة جديدة بين أوروغواي ومصر. فهل تستمر الإثارة، أم أن المدير الفني للمنتخب المصري هيكتور كوبر له رأي آخر؟ لنستعرض أولاً كيف كانت تلك المواجهات المثيرة.


كأس العالم 2002: السنغال والأوروغواي وإثارة متبادلة

في نسخة كأس العالم 2002 كانت السنغال هي مفاجأة البطولة دون منازع، فالفريق الذي قبع في مؤخرة توقعات المتأهلين عن المجموعة الأولى خلف فرنسا وأوروغواي والدنمارك بالترتيب لم ينتظر الكثير ليقلب المجموعة وتوقعاتها رأسًا على عقب. الفرنسي «برونو ميتسو» وكتيبته السمراء استطاعوا أن ينثروا السحر السنغالي على أرض سيول.في مباراة الافتتاح أمام حامل اللقب المنتخب الفرنسي، حقق المنتخب السنغالي المفاجأة وانتصر بفضل هدف بوبا ديوب وسط إشادة وانبهار العالم ثم تعادل المنتخب السنغالي في مبارياته الثانية أمام الدنمارك المنظم ليحمل في جعبته 4 نقاط. أما على الجانب الآخر فالمنتخب الأوروغواني تعرض لخسارة مباراته الافتتاحية أمام الدنمارك بينما تعادل بدون أهداف أمام الديك الفرنسي الذي لا يصيح في غياب زيدان لتتبقى له نقطة يتيمة قبل مباراته الأخيرة أمام المنتخب السنغالي.هكذا كانت تبدو المجموعة المفاجئة قبل الجولة الأخيرة، كلٌ من السنغال والدنمارك يملكان 4 نقاط يواجهان الأوروغواي وفرنسا أصحاب النقطة الواحدة، الكل يملك الأمل ففوز الأوروغواي وفرنسا يعني 4 نقاط للجميع.كانت المباراة بين السنغال والأوروغواي مثيرة بحجم الحدث، فلم ينتظر ضيوف النجم السنغالي كثيرًا ليمارس ألاعيبه. بعد مراوغة الحارس في الدقيقة 20 يسقط السنغالي في كرة أوضحت الإعادة أنها لم تتضمن احتكاكًا من الحارس، ليسجل خاليلو فاديجا هدف السنغال الأول من علامة الجزاء. ست دقائق فقط تمر لينطلق هنري كامارا من الرواق الأيسر ويمرر لبوبا ديوب الذي لا يتوانى عن إحراز الهدف الثاني، وقبل نهاية الشوط الأول يحرز ديوب الهدف الثالث من عرضية حسمها حكم الراية بأنها صحيحة رغم اعتراض الجميع على أنها مخالفة تسلل.في الشوط الثاني يفرج المدرب فيكتور بوا أخيرًا عن مهاجميه موراليس ودييجو فورلان واللذين كانا ملازمين لمقاعد البدلاء للمباراة الثالثة. يحرز البديلان هدفين للأوروغواي في الدقائق 46 و 69 على الترتيب، ثم يحتسب حكم المباراة ضربة جزاء قبل نهاية المباراة بدقيقتين ينفذها الأرنب الأوروغواني الشهير الفارو ريكوبا. إلا أن الإثارة تمتد إلى الدقائق الإضافية حيث تُهيأ الكرة لموراليس أمام المرمى دون رقابة لينفذ رأسية ولكن خارج الشباك، لتنتهي المباراة بالتعادل بين الفريقين وخروج الأوروغواي من الدور الأول للبطولة.


كأس العالم 2010: يد سواريز تعيق غانا عن تحقيق إنجاز تاريخي

في تلك النسخة استطاع منتخب الأوروغواي أن يتأهل على رأس المجموعة الأولى ليواجه منتخب كوريا الجنوبية ويقصيه في طريقه للوصول لمباراة ربع النهائي، كان الطرف الآخر من تلك المباراة هو الفريق الغاني الذي استطاع أن يتأهل رفقة المنتخب الألماني إلى المجموعة الرابعة، ثم يفوز على المنتخب الأمريكي ويتأهل وسط أحلام قارة أفريقيا بكاملها نظرًا للأداء الجيد الذي لعب به المنتخب الغاني.كانت المباراة متكافئة بين الفريقين حتى استطاع الغاني سولي مونتاري أن يهز شباك الأوروغواي من تسديدة أرسلها من على بعد ما يقرب من 40 ياردة قبل نهاية الشوط الأول، ثم استطاع مهاجم الأوروغواي فورلان أن يسجل التعادل من ركلة حرة مباشرة لتنتهي المباراة بالتعادل ويلجأ الفريقان إلى وقت إضافي لتستمر الإثارة حتى الدقيقة الأخيرة من الوقت الإضافي.فمن خلال مخالفة على الجانب الأيمن أرسلت كرة عرضية غانية داخل منطقة جزاء الأوروغواي، تحرك خاطئ من موسليرا حارس أوروغواي جعل أبياه في مواجهة المرمى الخالي ليسدد وينقذ سواريز المهاجم الأوروغواني الشهير من على خط المرمى ثم ترتد للغاني الآخر أدياه ليسدد برأسه فلا يجد سواريز حلاً سوى أن يتصدى للكرة مستخدمًا يده. تم طرد سواريز واحتساب ركلة جزاء لغانا أهدرها جيان لتذهب المباراة إلى ضربات الترجيح وتطيح الأوروغواي بغانا التي كانت على بعد دقيقة من تحقيق إنجاز تاريخي كأول منتخب أفريقي يصل لنصف نهائي كأس العالم.


مواجهة الأوروغواي ومصر: هل تستمر الإثارة أم لكوبر رأي آخر؟

مواجهة أفريقية أوروغوانية جديدة في نسخة كأس العالم المنطلقة بعد أقل من شهر، بطلها هذه المرة هو المنتخب المصري. ربما يتحدث البعض أن الطابع المصري مختلف عن الطابع الأفريقي، ولكن هذه النسخة تحديدًا من المنتخب المصري تميل للشكل الأفريقي كثيرًا. فبفضل الاحتراف الخارجي الذي يسيطر على أغلب عناصر المنتخب أصبح منتخب مصر أهم ما يميزه هو القوة البدنية والسرعة والحلول الفردية.إلا أن المدير الفني للمنتخب المصري، الأرجنتيني هيكتور كوبر، يلجأ دومًا لشكل دفاعي أمام الفرق التي يواجهها، وهو ما يتضح أنه لن يتغير كثيرًا خلال المباريات الودية أو خلال مباراته الرسمية الأولى خلال كأس العالم أمام الأوروغواي.فهل تستفز المهارات اللاتينية المنتخب السماوي – والمحببة للمصريين أيضًا- القدرات المهارية للاعبي المنتخب المصري لنشاهد مباراة ممتعة ومثيرة أخرى كسابقاتها، أم يصر الأرجنتيني كوبر على خوض مباراة تتسم بالتحفظ الدفاعي والاعتماد على المرتدات والتي سيصعب استغلالها؟ خاصة أن من الأقرب غياب النجم المصري محمد صلاح عن تلك المباراة بعد إصابته في الكتف خلال المباراة النهائية لبطولة دوري أبطال أوروبا.المنتخب المصري صعد لنهائيات كأس العالم بعد غياب 28 عامًا. فهل يقدم للعالم تجربة تلفت الأنظار وتستحق الإشادة كتجارب غانا والسنغال، أم سيتمنى العالم أن يغيب المنتخب المصري لـ28 عامًا أخرى؟ مواجهة الأوروغواي ستحمل الكثير ومفتاح الإجابة على هذا السؤال.