قبل شهرين، أصدر القسم الرياضي بموقع صحيفة الجارديان البريطانية تقريره السنوي المنتظر عن أفضل 60 موهبة ناشئة في عالم كرة القدم خلال هذا العام. شمل ذلك التقرير أسماء وجنسيات مختلفة للاعبين يتألقون مع فرقهم في دوريات أوروبا وأمريكا اللاتينية، أو لهؤلاء الذين ظهروا بقوة مع منتخبات الشباب ولا يزالون ينتظرون فرصة للسطوع بدوريات الدرجة الأولى عوضًا عن منافسات فرق الناشئين.

لم يضم التقرير سوى اسم واحد للاعب يحمل جنسية عربية، كان ذلك هو المهاجم العراقي ابن الـ 17 ربيعًا «محمد داوود»، الذي تكوّن بفئات شباب نادي النفط العراقي وتألق بشدة خلال بطولة آسيا تحت 16 عامًا التي أقيمت السنة الماضية محرزًا ستة أهداف أنعشت آمال العراقيين في إحياء تجربة منتخبهم الذي فاز ببطولة أمم آسيا عام 2007 مستقبلًا على يد «داوود» ورفاقه.

لكن وجود المهاجم الذي يحمل الجنسية العراقية وحيدًا بتلك القائمة لا يعني بالضرورة ندرة النجوم الناشئة صاحبة الأصول العربية من ملاعب أوروبا، بل على العكس تشهد تلك الفترة تواجدًا ملحوظًا للمواهب ذات الملامح العربية التي لفتت انتباه أكبر أندية العالم وسعى بعضها بالفعل للتعاقد معهم، لكن الأمر كله يخضع لحسابات التجنيس واختيارات اللعب لهذا المنتخب أو ذاك.

كثير من هؤلاء اللاعبين الذين يظهرون فجأة بالدوريات الأوروبية هم من أبناء الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين العرب، وقد قضى كثير منهم أغلب فترات حياته في بلد أوروبي، لذا فيفضل بعضهم تمثيل المنتخب الأوروبي على العربي ويكتفي بجنسية الأول فقط وبالتالي لا يُدرج ضمن تلك القوائم التي تعدها الجارديان أو غيرها من الصحف كلاعب عربي.

لذلك فإن إدارات الكرة في العالم العربي، خصوصًا دول الشمال الإفريقي، تنبهت مؤخرًا لضرورة فتح قنوات تواصل مع النجوم الصاعدين الذين يحملون أصولًا عربية وينشطون بدوريات فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا من أجل استقطابهم لتمثيل منتخبات تونس والمغرب والجزائر قبل أن يتم استدعاؤهم من منتخبات أوروبية أخرى، وبالفعل فإن تلك المجهودات قد أتت ببعض النجاحات عندما أعلن أكثر من لاعب رغبته بتمثيل منتخبه العربي.

في هذا التقرير نسلط الضوء على عدد من أفضل المواهب الشابة التي ظهرت بقوة بالنصف الأول من هذا الموسم، ونستعرض أهم ما يميزهم من إمكانيات فنية وبدنية، كما نتناول اهتمام كبار الأندية بالحصول على خدماتهم بالإضافة لمواقفهم من اللعب لمنتخب عربي أو أوروبي.


حسام عوار: الشيء العظيم القادم

مثّل رحيل عدد من أهم نجوم نادي ليون الصيف الماضي أزمة لإدارة النادي الفرنسي، فمع مغادرة لاعبين أمثال: «رشيد غزال، أليكسندر لاكازيت، كورنتين توليسو» بالإضافة إلى «ماكسيم جونالونز» بات النادي بحاجة ماسة لتدعيم صفوفه قبل بدء الموسم، لذا لم تجد إدارة النادي بُدًا من الاستعانة بقواعد ليون الشبابية المميزة بالإضافة إلى إنجاز بعض الانتدابات بالميركاتو.

فإلى جانب التعاقد مع أسماء واعدة في الخط الهجومي كـ«مريانو دياز» و«برتراند تراوري»، تم تصعيد عدد من اللاعبين الناشئين لسد احتياج الفريق بمراكز وسط الملعب، من بين هؤلاء الذين ظهروا هذا الموسم كان «حسام عوار» الذي ولد عام 1998 ونشأ في أكاديميات ليون. ذاع صيت حسام في مسابقات الناشئين وبدا أن تصعيده للفريق الأول بصفة نهائية يرتبط فقط بفرصة رحيل أحد نجوم وسط الملعب؛ أتت الفرصة عندما غادر «توليسو» لبايرن ميونخ.

يجيد «عوار» اللعب في أكثر من مركز، فقد لعب بفئات الناشئين كارتكاز دفاعي، وصانع ألعاب حر، وصانع لعب متأخر، ولعل مشاركاته بتلك المراكز منحته القدرة على أن يمتلك أكثر من ميزة تؤهله ليكون أحد أهم لاعبي وسط الملعب بأوروبا خلال السنوات القادمة إذا استمر على هذا النسق.

يتميز «حسام» بقدرة كبيرة على الانطلاق والتحكم بالكرة تحت ضغط، كما يجيد اختراق خطوط الخصوم بحركته الخفيفة ودقة تمريراته التي تخطت نسبة 85%، وهي نسبة قلما يحظى بها ناشئ وسط ملعب في عمره وخبرته عندما يتم تصعيده ويشارك بمنافسات أصعب، يضاف إلى تلك المميزات عاملان رئيسيان بارزان في أداء اللاعب صاحب الأصول الجزائرية، فـ«عوار» لاعب جريء، يبادر بطلب الكرة، ويميل لاتخاذ القرارات الإيجابية مهما بدت صعبة، أما العامل الآخر فهو أنه لاعب متحرك، لا يكل من الانتشار في شتى أرجاء الملعب وتقديم المساندة الهجومية والدفاعية لزملائه.

يفضل مدرب الفريق «برونو جينيسيو» الاعتماد على «حسام» في مركز الارتكاز المساعد أو صانع الألعاب المتأخر في أسلوب لعب 4/2/3/1 أو 4/3/3 حيث شارك الأخير في 8 مباريات هذا الموسم، واستطاع إحراز هدف وصناعة 7 فرص، قبل أن تخرج أنباء عن اهتمام أندية أرسنال، ليفربول، وبرشلونة بضمه مستقبلًا.

https://www.youtube.com/watch?v=l-wV60tghVc&t=144s

ما يعيب «حسام» فقط هو بعض القصور في الأدوار الدفاعية وبالأخص الالتحامات الهوائية والأرضية، فقد حقق نسبة نجاح لا تتخطى 38% في الأولى وأقل من 19% في الثانية، وهي أرقام تحتاج منه ومن مدربه مزيدًا من الجهد والتطوير خلال هذا الموسم، بالإضافة إلى نزوعه أحيانًا إلى الاحتفاظ بالكرة أكثر من اللازم؛ عمومًا هي عيوب مقبولة جدًا بالنظر لسنة وحجم خبرته ومن المتوقع أن يتغلب عليها بمرور الوقت.

على الصعيد الدولي، شارك بالفعل «عوار» مع منتخبات فرنسا للشباب سابقًا، لكن موقفه لم يتحدد بشكل نهائي من استمراره مع الديوك أو ربما الانضمام للمنتخب الجزائري الاول.


نبيل فقير: ميسي في ليون

مطلع الشهر الماضي، اكتسح نادي ليون غريمه سانت إيتيان بالنتيجة والأداء في المباراة التي انتهت لصالح الأول بخمسة أهداف نظيفة، سجّل قائد نادي ليون «نبيل فقير» هدفه الثاني في المباراة بالوقت بدل الضائع قبل أن يهم بخلع قميصه والاحتفال على الطريقة الشهيرة لـ«ميسي، ورونالدو»، أراد «فقير» من ذلك الاحتفال الإعلان بوضوح عن دوره مع الفريق الفرنسي، فصاحب الـ24 عامًا يقدم موسمًا كبيرًا على مستوى الأداء والفاعلية لدرجة أنه بات يمثل عامل الحسم في ليون الذي يحتل المركز الثالث بجدول ترتيب الدوري وبفارق هدف واحد فقط مع الثاني: موناكو.

الأرقام وحدها تكفي لوصف ما يقدمه «نبيل»، فقد سجل 10 أهداف وصنع 4 أخرى كما خلق 22 فرصة إضافية لزملائه لم تترجم لأهداف فقط في 12 مشاركة؛ بمعنى آخر فإن قائد ليون ساهم وحده بقرابة ثلث أهداف الفريق الذي سجل 46 هدفًا حتى الآن! أضِف إلى تلك المعلومة أن دقة تصويبات «فقير» قد وصلت لأعلى نسبة مسجلة له منذ تم تصعيده من ناشئي ليون قبل 5 مواسم، فقد جاوزت نسبة 70%، أعلى من أي لاعب آخر في خط هجوم ووسط ليون.

https://www.youtube.com/watch?v=9RnQrNFldag

يلعب «نبيل» كصانع ألعاب في المركز رقم 10 في أسلوب لعب: 4/2/3/1، ويتميز بقدرته على ربط خط الوسط بالثلث الهجومي الأخير عن طريق استلام الكرة والتوزيع في العمق أو على الأطراف، يتولى صاحب الأصول الجزائرية مهمة قيادة الهجمة وتوغل وسط ملعب الخصم، يساعده في ذلك كونه لاعبًا قويًا، سريعًا، مراوغًا جيدًا وعلى قدرة كبيرة من ضرب الخصم في نقاط ضعفه، ما أضيف لأدواره بقوة هذا الموسم هو زيادة محاولاته على المرمي، والتمركز في مناطق الخطورة أثناء العرضيات.

«فقير» نشيط جدًا هذا الموسم، لا يتوقف عن الركض والالتحام وطلب الكرة، وينتظر أقل فرصة متاحة للتسديد على حرّاس الخصوم، عليه مواصلة هذا الأداء، والتفكير جديًا بخوض تجربة جديدة بالصيف القادم بعد انتهاء مونديال روسيا الذي سيتواجد فيه بصفته لاعبًا لمنتخب فرنسا، صحيح أن فرصه بالمشاركة الأساسية ضئيلة في ظل تشكيلة رفاق «بوجبا» إلا أنه قد يظهر كبديل قوي ببعض المباريات.


أمين حارث يصنع المجد

إذا كنت لا تتابع البوندزليجا فعليك أن تعلم أن نادي شالكة قد مر بفترة تخبط خلال السنوات الماضية بعد أن توافد على تدريب الفريق أكثر من مدرب دون تحقيق نتائج طيبة، لكن إدارة النادي اتخذت قرارًا قبل بدء هذا الموسم كان له أن يغير من حالة الفريق بتعيين المدرب الشاب الرائع «دومنيكو توديسكو» الذي يقود الفريق الآن الأزرق للمركز الثاني بجدول ترتيب الدوري بعد 17 جولة!

نجح «توديسكو» بصناعة فريق منظم، يدافع بقوة كوحدة واحدة، ويضرب الخصوم في الهجمات المرتدة، ويعتمد المدرب الشاب على كوكبة من اللاعبين الذين أظهروا كفاءة وندية وحماسًا لتعديل أوضاع الفريق، من بين هؤلاء كان اللاعب المغربي «أمين حارث» الذي شارك بـ16 مباراة في مركز صانع الألعاب والطرف الهجومي.

«أمين»، صاحب الـ20 عامًا، على قدرة جيدة من قراءة الملعب، وتوقع تحركات زملائه والخصوم، بالإضافة إلى السرعة بالارتداد الهجومي الذي يعتمد عليه شالكة، هو أيضًا لاعب جماعي يصنع الفرص لزملائه بسهولة مستغلًا إمكانياته بالمراوغة والتمرير الدقيق، يجيد أيضًا تنفيذ الكرات الثابتة والركنية التي صنع منها أهدافًا عديدة بمراحل الناشئين.

أرقام «أمين» تبشر أننا أمام لاعب يمتلك الكثير، فقد صنع هذا الموسم 18 فرصة للتسجيل، ويمتلك دقة تمرير لا تقل عن 83% بالإضافة إلى نسبة نجاح بالمراوغات تخطت الـ70%؛ أمين فقط بحاجة إلى أن يستمر بهذه القوة والجماعية ويخوض منافسات شرسة حتى يتحول بعد سنوات قليلة للاعب صاحب شأن كبير.

«حارث» هو مثال رائع عن التشتت الذي يصيب كثيرًا من اللاعبين أصحاب الأصول العربية الذين نشأوا في ضواحي ومدن أوروبا حول تمثيل المنتخب العربي أو الأوروبي، ففي البداية ومع بروزه في نادي نانت الفرنسي اختار أن يلعب في صفوف منتخبات الديوك، ولكن هذا العام أعلن عبر فيديو قام بتسجيله ونشره رغبته بتمثيل منتخب المغرب عن اقتناع ورغبة بعد استشارة ونقاش دار خلال الفترة الماضية مع والديه المغاربة، التقط «هيرفي رينارد» مدرب أسود أطلسي طرف الخيط وضمه سريعًا قبل أشهر بعد أن خاطب الاتحاد المغربي الفيفا للحصول على رخصة دولية؛ كل التوفيق لـ«أمين» ومنتخبه في مونديال روسيا.

كانت هذه ثلاثة نماذج لثلاثة من اللاعبين أصحاب الأصول العربية الذين يعيشون فترة تألق بملاعب أوروبا، وهناك أيضًا أسماء وأمثلة كثيرة مثل «أنور الغازي، ياسين عدلي، وسام بن يدر، سفيان بوفال» وآخرون ينشطون بمختلف الدوريات حول العالم، بعضهم بالفعل قد لفت انتباه أكبر الأندية الأوروبية ويستحقون منا كجمهور عربي المتابعة والتشجيع ومن اتحادات وإدارات الكرة العربية جهودًا أكبر من أجل استقطابهم لمنتخباتها.