سارعت دول مجلس التعاون الخليجي لتأييد الضربة الأمريكية لأحد المطارات العسكرية السورية الجمعة الماضي، ورأت فيها أداة ردع فعالة لجرائم النظام، ويبدو أن نظرتها أكبر من ذلك، فهي ترى أن هذه الضربة رسالة لحلفاء بشار الأسد وخاصة إيران العدو الأكبر لهم، لكنهم قد يصبحون وقودًا لصراع جديد لم يبدأ بعد في الشرق الأوسط بين واشنطن وحلفائها وروسيا وشركائها لترتسم ملامح جديدة للمنطقة.


ضربة تعيد رسم التحالفات بالشرق الأوسط

شن الديكتاتور السوري بشار الأسد هجومًا مروعًا بأسلحة كيميائية على مدنيين أبرياء، والليلة أمرت بتنفيذ ضربة عسكرية محددة الهدف في سوريا على المطار الذي شن منه الهجوم الكيميائي

وجه الرئيس دونالد ترامب هذا الخطاب للشعب الأمريكي ليعلن فيه عن مسار جديد تجاه الأزمة السورية قد يغير الأوضاع برمتها في الشرق الأوسط وليس فقط في سوريا.

وتنفيذًا لأمر ترامب؛ استهدفت البحرية الأمريكية قاعدة الشعيرات العسكرية قرب محافظة حمص والتي توجد معلومات حول انطلاق الغارة منها على مدينة خان شيخون قرب إدلب والتي قصفتها قوات النظام بالأسلحة الكيماوية مما أدى إلى مقتل حوالي 100 فرد وإصابة أكثر من 400 آخرين.

اقرأ ايضًا:سؤال وجواب: كيف نفهم الضربة الأمريكية للنظام السوري؟

ومثلت هذه الضربة مفاجأة غير متوقعة من قبل الكثيرين، كرد فعل سريع من ترامب بعد ثلاثة أيام من الهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون، فقد سبق وأن استهدف النظام السوري أبرياء الغوطة في أغسطس/آب 2013 بالكيماوي، ولم يرد وقتها أوباما بشيء رادع على هذا التجاوز، ولهذا ستربك هذه الضربة حسابات الكثيرين وقد تقلب موازين القوى في المنطقة وليس سوريا فقط.


لماذا يؤيد الخليج التوجه الأمريكي؟

كانت دول الخليج من أول المؤيدين والداعمين للضربة الأمريكية في سوريا، فهي اعتبرتها ليس فقط دعمًا لرؤيتها في سوريا وإنما ردًا على إيران، ولهذا عبرت دول الخليج صراحة من قبل وخاصة السعودية عن مساعدة الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في سوريا، فهي تريد إنهاء الوجود الإيراني بشكل أساسي وليس من أجل إزاحة ديكتاتور يقتل شعبه.

وبشكل عام أيد الخليج الضربة الأمريكية في بيان جماعي صدر باسم دول مجلس التعاون الست، ومنها سلطنة عمان، فقد أعلن المجلس في بيان له على لسان الأمين العام عبد اللطيف الزياني عن ترحيبه بالضربة الأمريكية.

كانت دول الخليج من أول المؤيدين والداعمين للضربة الأمريكية في سوريا فهي اعتبرتها ليس فقط دعمًا لرؤيتها في سوريا وإنما ردًا على إيران

وقال الزياني: «تأمل دول المجلس أن تشكل هذه الضربة الصاروخية رادعًا للنظام السوري، لوقف اعتداءاته الهمجية على الشعب السوري وقتلهم وتهجيرهم»، وعبر عن «دعم دول التعاون للرؤية الأمريكية التي تهدف إلى إنهاء الفوضى والقتل والدمار في منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب»، مؤكدًا أن «الحزم الذي تظهره الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب سيسهم في التوصل إلى حلول سياسية لأزمات المنطقة».

وأظهر هذا البيان بداية جيدة في العلاقات بين إدارة ترامب ودول الخليج، التي اعتبرت أن هذا التحول سيصب في صالحها، فطالما طالبت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالتدخل العسكري في سوريا أو تنفيذ ضربات رادعة للنظام لكنه رفض هذه المطالب.

أما ترامب والذي كانت تتخوف منه دول الخليج بسبب تصريحاته ضدهم خلال حملته الانتخابية بدا أقرب إليهم من سلفه الضعيف، فقد وصف بيان المجلس إدارة ترامب بأنها «حازمة» ولديها رؤية لحل أزمات المنطقة.

اقرأ أيضًا:ترامب وبشار والكيماوي: كسر ذراع أم قرصة أذن؟

وبخلاف البيان الجماعي لمجلس التعاون عبرت كل دولة منفردة عن دعم الضربة باستثناء سلطنة عمان التي حافظت على سياستها الحيادية منذ بداية الأزمة السورية، مكتفية بالموافقة على ما يصدر من مجلس التعاون فقط.

وجاء الموقف السعودي داعما بقوة، إذ وصفت وزارة الخارجية قرار ترامب بـ«الشجاع والذي يمثل ردًا على جرائم هذا النظام تجاه شعبه في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن إيقافه عند حده»، وإلى جانب ذلك هنأ العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز بنفسه، الرئيس الأمريكي، «على القرار الشجاع الذي يصب في مصلحة المنطقة والعالم»، وتريد الرياض أن تنتهز هذا الخطوة لتدفع ترامب لتوسيع تدخله في سوريا إلى جانب الحصول على دعمه في ملفات أهم وخاصة إيران.

وبالنسبة إلى الإمارات، أعرب أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، عن تأييد الإمارات الكامل للعمليات الأمريكية على أهداف عسكرية في سوريا، مشيدًا بـ«القرار الشجاع والحكيم الذي يؤكد حكمة ترامب ويجسد تصميمه على الرد الحاسم على جرائم النظام السوري»، أما قطر فقد أكدت على تأييدها للموقف الأمريكي محملة النظام السوري مسؤولية تعرض سوريا لهذه العمليات العسكرية.

كذلك جاءت البحرين كسابقيها معتبرة أن هذه الضربة «كانت ضرورية لحقن دماء الشعب السوري»، مؤكدة وقوف المملكة إلى جانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب «أينما وجد وبكل حزم»، وأخيرًا الكويت، وكان موقفها مؤيدًا فقط دون عرض المساعدة للسياسة الأمريكية مستقبلًا في المنطقة.

وجاءت ضربة ترامب في سوريا كرسالة طمأنينة لدول الخليج بأن الولايات المتحدة ستظل موجودة بالمنطقة ولن ترجع للصفوف الخلفية، وبالتالي ستسطيع دول التعاون الاحتفاظ بالمظلة الأمنية الأمريكية التي تخوفت من زوالها، بعد تغير سياسة أوباما تجاه الخليج، إلى جانب تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية التي كانت توحي بتوجهات أكثر قسوة من الإدارة السابقة، ولكن تغلبت لغة المصلحة ورجال الأعمال على التصريحات الدعائية لتخط بداية واضحة بين الخليج وأمريكا.


دول الخليج وتصفية النفوذ الإيراني بالمنطقة

استبشرت دول الخليج خيرًا بموقف الإدارة الجديدة، فهو أثبت ولو مرحليًا أن الولايات المتحدة لن تترك الشرق الأوسط لروسيا وحليفتها إيران، كما فعلت الإدارة السابقة التي كانت تركز على سياسة «التوجه شرقًا».

فهذا الموقف لا يعبر عن مجرد استعراض عسكري من ترامب أو تحول نحو الأزمة السورية وإنما رؤية جديدة تجاه الشرق الأوسط، وتسعى دول الخليج إلى أن تظل محتفظة بمقعد الحليف والمقرب لواشنطن كما كانت عبر الإدارات الأمريكية السابقة.

ويظهر التأييد السعودي للضربة أن المملكة تنوي الدخول في علاقة تحالف مع الإدارة الجديدة فقد كانت متوجسة منها بدءًا من اتهامه لها بدعم التطرف ودعمه لقانون«جاستا» الذي قد يدين المملكة ويثبت دعمها للإرهاب.

لكن لقاء ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منتصف مارس/ آذار الماضي بالرئيس الأمريكي في واشنطن وضع أسس التحالف الجديد بين الجانبين ووفقًا لقاعدة ترامب «الدفع مقابل الحماية».

فقد اتفق البلدان على استثمارات تقدر بـ200 مليار دولار أمريكي، في رضوخ لمطالب ترامب الذي أكد مرارًا على ضرورة دفع الخليج لأمريكا مقابل حمايتهم، فقد أعلن البيت الأبيض أن «الرئيس ترامب والأمير محمد بن سلمان ناقشا دور إيران في زعزعة استقرار المنطقة, وأهمية التصدي للأنشطة الإيرانية، إلى الجانب التعاون معا في مكافحة الإرهاب»، أما ابن سلمان وصف هذا اللقاء بـ«تحول تاريخي» في علاقات البلدين.

ورغم أن ترامب لم يلتق إلا مسؤولي السعودية إلا أن موقف باقي دول الخليج عبرت عنه السعودية، باستثناء السلطنة التي لا تريد أن تتورط في الثنائيات والقطبية المنتشرة في المنطقة، واتضح ذلك في بيانات الدعم للضربة الأمريكية وإبداء التعاون معها، وفي حال تحقق ذلك فإنه سيوظف بالطبع في القضايا الأخرى ومنها اليمن ومواجهة إيران.


دول الخليج وقود لصراع جديد بالمنطقة

قد تكون دول الخليج ساحة الحرب المقبلة لتسويات المصالح بين القوى الكبرى فروسيا وإيران أكدا استعدادهما للرد بقوة على أي عدوان وتجاوز من قبل أي كان

تعلم دول الخليج أن ترامب سيحافظ على حمايته لهم مقابل الدفع وهم قبلوا بذلك، وهذا ما تمثل في زيارة ابن سلمان لواشنطن وما تمخض عنها من اتفاقات تصب في صالح الخزانة الأمريكية، فما زالت دول الخليج تستثمر بشكل كبير في أمريكا إلى جانب استيرادها صفقات الأسلحة الضخمة.

وعبرت دول الخليج في أوقات سابقة عن استعدادها لتمويل إقامة منطقة آمنة في سوريا، كما طلب ترامب، من قبل، بل ذهبت بعض دول التعاون مثل السعودية إلى عرضها المشاركة عسكريًا في أي عمل عسكري تقوم به إدارة ترامب في سوريا، فهي تريد إنهاء الوجود الإيراني الذي عرّض أمنها للخطر حتى وصل لحدودها المباشرة في اليمن.

وقد تكون دول الخليج ساحة الحرب المقبلة في إطار تسويات المصالح بين القوى الكبرى، فروسيا وإيران أكدا أنهما «مستعدان للرد بقوة على أي عدوان وأي تجاوز للخطوط الحمراء من قبل أي كان، وأن أمريكا تعلم القدرات على الرد جيدًا»، وذلك ردًا على قصف واشنطن لمطار الشعيرات السوري، متهمة بعض الدول أخذ هجوم شيخون لتدمير سوريا.

وبالطبع ستكون دول الخليج من ضمن المستهدفين في حال تطور الصراع في المنطقة، فسوريا أصبحت قضية وجود بالنسبة لطهران وموسكو ولن يتنازلا عنها، وبالتالي ليس من مصلحة الخليج التورط في إذكاء الصراع أكثر من ذلك في سوريا، فالأفضل الحل السياسي لهم ولغيرهم.