لن تصبح أستاذًا جديدًا للعالم ما دام الأستاذ القديم موجودًا. يمكنك البدء بمشاريع ضخمة، وبشركات عابرة للقارات. تستطيع أن تخوض صراعات معلنة أو مبطّنة في مناطق عديدة. كذلك يجب عليك أن تملك جيشًا قويًا تهدد به الضعفاء. كل هذه السبل تحتاج سنوات ومليارات من الدولارات.لكن النفس الإماراتي ليس طويلًا. وحياة ولي العهد «محمد بن زايد» لن تتسع لكل هذه السنوات. والصراعات العسكرية تستغرق وقتًا أطول، وغالبًا ما تؤدي إلى أوضاع معقدة يصعب تمييز الفائز فيها من الخاسر. والجيش القوي ليس نقطة تميز الإمارات. إذا كانت تمتلك الآليات المتطورة، فإنها تفتقد إلى الكفاءة البشرية والكثافة العددية. لذا اعتمدت الإمارات طريقًا أسرع وأسهل. إذا كان لا بد من الانتظار حتى يخفت مجد الأستاذ الحالي، فلا أقل من غسيل دماغ قاداته. تمامًا كما فعلت شركة «موانئ دبي». لماذا ننتظر النمو الطبيعي لشركتنا، بينما يمكننا ببساطة تدمير المنافسين. ووسيلة الإمارات في غسيل الدماغ الأمريكي هو «جورج نادر».


صديق إيران وحليف إسرائيل

كان الرجل نافذًا منذ ظهوره الأول. في 1987 جلس قرب « روح الله الخميني»، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. وبعد هذه الجلسة نشر عدة مقالات تمدح «الخميني»، رابط الجأش في وجه العالم، واثق الخطوات حين يمشي.ثم ولد الرجل سياسيًا في منتصف التسعينيات، بعد ميلاده الأول عام 1960، بتأسيسه لمجلة «ميديل إيست إنسايت»، بالتعاون مع جامعة «ويليام آند ماري». كانت المجلة نافذةً للولايات المتحدة على الشرق الأوسط. ومنبرًا لأبناء الشرق الأوسط لمخاطبة الولايات المتحدة. والحقيقة أن هدفها كان ا لدفع نحو سلام شامل مع إسرائيل.

لذا ليس من الغريب أن يكون شريكه فيها هو «جوناثان كيسلر»، يهودي أمريكي أصبح فيما بعد مديرًا لقسم التطوير في الـ«أيباك»، اللجنة الأمريكية للشئون العامة الإسرائيلية.لكن عام 1996 استضاف « بينامين نتنياهو» بعد أقل من شهر من تقلده منصب رئيس الوزراء. بجانبه جلس «إيهود أولمرت» عمدة القدس حينئذ. وكان ثالثهما «مارتن إنديك»، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، والرمز الأكبر لمجموعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة. في نفس العام ذُكر اسم «نادر» في الكونجرس الأمريكي متبوعًا بعبارات المديح والشكر، كونه صاحب المجلة التي تحتوى جميع الآراء.


الشبح يختفي

«محمد بن زايد» ولي عهد أبوظبي

توسط بين إسرائيل وسوريا لعقد عملية سلام بين البلدين برعاية أمريكية. ظهر كثيرًا في العراق بعد غزوها في 2003. تزامن هذا الظهور المتكرر بنفاذه إلى إدارة «جورج بوش الابن» الرئيس الأمريكي آنذاك. كان المعلن أنه يعمل في مجالات الاستشارات والعلاقات العامة. لكن بجمع ما سبق، يتكون لدينا شخص نافذ في البيت الأبيض، وفي الموساد، وفي العالم العربي. تلك شخصية رجل مخابرات لا رجل إعلام.وفي 2002 أقام احتفالًا في واشنطن بمناسبة تأسيس مجلته «ميدل إيست إنسايت». كان الحفل برعاية السفير السعودي، وممول من رجال أعمال سعوديين. لذا فالرجل يجمع في حقيبته العديد من العجائب. هو مستشار ولي عهد أبو ظبي، وصاحب علاقات قوية مع ولي عهد السعودية «محمد بن سلمان». لكن حدث أن اختفى «نادر» من الساحة تمامًا بعد هذا الاحتفال. كذلك توقفت مجلته عن الصدور.

اقرأ أيضًا:موانئ دبي: الاغتيال الإماراتي للأمم التغيير الطارئ في 2016 جدير بالملاحظة. في البدء كان «نادر» يتحدث بلسانه كشخص أمريكي لبناني يمتلك صلاحيات واسعة. ثم صار يتحدث بصفته «مستشارًا» لولي عهد أبو ظبي. وما وّثق هذه الصفة هو ترتيبه لقاء لـ «بن زايد» مع «إليوت برويدي»، مدير شركة «سيرسينس» الأمنية، وأحد الشخصيات النافذة في البيت الأبيض، و أحد كبار المانحين لحملة «ترامب».العودة المفاجئة مثيرة للريبة. أضف أنها مع «برويدي»، وهذا يدعو للشك أكثر. الأخير اعترف في 2009 بتقديمه هدايا لصندوق معاشات ولاية نيويورك بلغت مليون دولار. هذا المليون استعاده الرجل ثمانية عشر مليونًا كأرباح من استثمار الصندوق لمبلغ 250 مليون دولار في شركة إسرائيلية أسسها «برويدي».بعد فوز «ترامب» بدأ اجتماعات متتابعة داخل البيت الأبيض . التقى صهر ترامب «جاريد كوشنر»، وكبير مستشاريه «ستيف بانون». عُرّف «نادر» فترة بأنه أحد مساعدي «بانون» المقربين. كرر زياراته للبيت الأبيض أكثر من مرة قبيل زيارة «ترامب» للسعودية في مايو/آيار 2017. الزيارة التي تبعها الشقاق الخليجي القطري.


من حرّك الكشاف

الرجل أخذ من الموساد الإسرائيلي براعة الاختباء. واستطاع أن يلف نفسه بعباءة الإخفاء طوال سنوات. إلا أن «روبرت مولر» وضعه على مسرح الأحداث رغمًا عنه. ليس لـ«نادر» علاقةً مباشرة بما اُنتدب «مولر» من أجله. فالرجل ليس روسيًا ولا يدين بالولاء لهم، فلا داعي لأن يشمله التحقيق الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.لكن يبدو أن «مولر» تلميذ محب لما يصنع. لا يريد أداء واجبه فحسب، بل يريد الإبداع فيه. وسّع «مولر» تحقيقه ليشمل تأثير أموال المانحين في صناعة السياسة الأمريكية. جاء اسم «جورج نادر» في التحقيقات بالتتبع العكسي. وثائق مسربة من البريد الإلكتروني لـ «إليوت برويدي». وثيقة منها تم إرسالها إلى «جورج نادر»، تحوي تفاصيل أحد اجتماعات «برويدي» مع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».بدأت التحقيق الأول معه في يناير/كانون الثاني الماضي. كان الاهتمام في البداية حول شخص نادر، كونه صاحب علاقات نافذة في البيت الأبيض، مقربًا من «بانون» مدير حملة ترامب. لكن بتتبع علاقات «نادر» انتهى الأمر بالتحقيق في دور الإمارات بالكامل.

اقرأ أيضًا: كتف بن زايد: الانقلاب الخليجي على قطر المعضلة التي تواجهها الإمارات هنا أن الرجل يقدم نفسه بصفته مستشارًا لـ «بن زايد». هذا بجانب أن اسم الإمارات ذكر سابقًا في قضية التدخل الروسي بشكل مباشر. إذ ذكرت وثائق حصل عليها «مولر» أن الإمارات رتبت اجتماعًا سريًا لأحد رجال ترامب مدير شركة بلاك ووتر «إيريك برينس» مع موفد مباشر من الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».ما يثير مزيدًا من التساؤل حول الإمارات، أن موفد ترامب، مدير الشركة المذكورة أعلاه، عيّن «نادر» مستشارًا له. وتم تكليفه بالحصول للشركة على صفقة في العراق. لكن فشل «نادر» في الحصول على الصفقة أنهى وجوده في الشركة.

الإجابة دائمًا قطر

محمد بن زايد، الإمارات
محمد بن زايد، الإمارات
كل هذه الروابط والتساؤلات، والإمارات آثرت الصمت. سفيرها في واشنطن «يوسف العتيبة» أجاب بـ «لا تعليق» حين طُلب منه الرد على ما قاله «مولر». أما المتحدث باسم «برويدي» فألقى الكرة في ملعب قطر. وقال إن الوثيقة سُربت بوسائل قرصنة غير شرعية، وأن «برويدي» يعتقد أن قطر هى من فعلها. قطر بدورها قالت لا شأن لنا بما يحدث.

بدوره لم يعلق «نادر» حول كل ما قيل. ولم يصرح «مولر» بحقيقة ما اعترف به الرجل. لتغيب الحقائق حول التأثير القانوني لظهور «جورج نادر» في مسرح الأحداث. ويتبقى لنا الآثار الواقعية لتصريحات «مولر».

اقرأ أيضًا:السباحة ضد التيار: قطر التي لا يحبها الحكام العرب

خلاف جديد بين قطر والإمارات. مسمار جديد في نعش إدارة «ترامب». تساؤل في الداخل الأمريكي حول حقيقة أنه يُحكم ممن يختارهم بالانتخابات الحرة المباشرة. وتساؤل متجاوز للقصة الراهنة يُطرح بشدة، هل فعلًا تختار الشعوب بإرادتها من تراه الأصلح، أم أنها تُدفع دون أن تدري لاختيار دون الآخر؟ معضلات كثيرة، وتساؤلات أكثر تتكشف واحدًا تلو الآخر منذ وصول «ترامب» إلى السلطة. ولا تبدو الإجابة قريبةً أو سهلة.