جاء البرلمان المصري بما لا يشتهي جيب المواطن، منذ انعقاده في 10 يناير/كانون الثاني 2016. لتتبدل الأحوال المعيشية والاقتصادية في مصر في وقت قصير، عبر حزمة تشريعات نيابية، ومن ثم يجد المال طريقه من جيب المواطن للحكومة بـ «القانون». ومن المنتظر مزيد من التشريعات الشبيهة، على رأسها دخول الاقتصاد غير الرسمي ودمجه بالدولة لتحصد الحكومة مزيدًا من الضرائب.


القيمة المضافة والقرض «بداية المشوار»

كان البرلمان قد أصدر حزمة من التشريعات بدور الانعقاد الأول والثاني حصد فيها من ميزانية المواطن الخاصة ملايين الجنيهات لدعم الموازنة العامة للدولة، التي بلغ العجز بها 379.6 مليار جنيه، مقارنة بنحو 339.5 مليار خلال العام المالي 2015-2016، وبلغت نسبة العجز الكلى في الموازنة إلى الناتج المحلى 10.9%، مقابل 12.5% خلال العام المالي السابق عليه، وذلك بحسب تصريحات وزير المالية «عمرو الجاحري»، الاثنين الماضي.

جاء على رأس هذه القوانين مشروع قانون الضريبة على القمية المضافة المقدم من الحكومة، والذي أدخل عليه البرلمان عدد من التعديلات، فى مقدمتها خفض سعر الضريبة إلى 13% على أن يتم رفعها إلى 14% العام المقبل، والذي تضمن تغليظ عقوبة التهرب الضريبى بمشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة لتصل إلى السجن من 3 سنوات إلى 5 سنوات، والغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه.

ورغم وجود أخبار تتناثر بين الاقتصاديين على المستويين المصري والعالمي بشأن اقتراض مصر من صندوق النقد الدولي، فإن الحكومة لم تنطق بكلمة حياله للبرلمان لاتخاذ رأيه قبل الموافقة، ليفاجأ المصريون بخبر مصدره وكالات الأنباء العالمية تعلن فيه الدولة عن موافقة صندوق النقد على القرض لمصر، ومن ثم يحال للبرلمان الذي بدوره لم يعترض.

كانت موافقة البرلمان على اتفاقية القرض من صندوق النقد الدولي بداية لدوامة دخلها المواطن، كان جيبه الادخاري ضحيتها الأولى وفاءً بشروط الصندوق الدولي

وجاءت موافقة البرلمان بجلسته 27 مايو/آيار الماضي، على اتفاقية قرض صندوق النقد الدولى، ليدخل المواطن في دوامة جديدة من الزيادات التي اشترطها الصندوق لإيفاء مصر بسدادها للقرض. عدد من النواب اعترضوا عرض اتفاقية صندوق النقد على البرلمان بعد إقرارها، مشيرين إلى أن الحكومة لا تحترم مجلس النواب، منهم النائب «إيهاب الخولى»، عضو اللجنة التشريعية، قائلًا إن الحكومة خالفت المادة 127 من الدستور، منتقدًا تجاهل السلطة التنفيذية الدائم للسلطة التشريعية. وتنص المادة 127 من الدستور على أنه «لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب».

النائب هيثم الحريري، عضو «تكتل 25-30»، أوضح أن الاقتراض من الصندوق لن يوفر دخلًا جديدًا لمصر، مطالبًا الدولة ممثلة في حكومتها، بالتخلي عن السياسة الاقتصادية لدولة مبارك التي مازالت متحكمة فى الأمور، ووضع خارطة طريق اقتصادية جديدة تتماشى مع المرحلة الحالية، وتوفر حلولًا لا تعتمد على الاقتراض. كما دعا الحريري لإعادة هيكلة الدعم من أجل الوصول لمستحقيه، مع التوقف عن المشاريع القومية العقارية. وانتقد الحريري استمرار استجداء البرلمان للحكومة، وعدم استجوابها رغم مخالفتها الدستورية في قرار مصيري مثل القرض.

موافقة المجلس على القرض تعني موافقة ضمنية كذلك على القرارات الاقتصادية التي تليه، وهي رفع الدعم التدريجي عن المياه والكهرباء والبنزين، وهو ما يعني مزيدًا من ارتفاع لأسعار السلع المختلفة، مع النقص في قيمة الدخول.


الضرائب وتجاهل البدائل: سياسات الحكومة المستمرة

اعتماد الحكومة في تغطية عجز موازنتها على الضرائب في ظل أغلبية موافقة، دفع بعض النواب للتقدم باستجوابات، على رأسهم النائبان «محمد فؤاد» و«محمد بدراوي»، لمساءلة الحكومة في هذا الشأن، إلا أن المجلس لم يناقشها.

بدراوي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، قال لـ«إضاءات»: إن سد عجز وتحصيل موازنة الدولة الحالية اعتمدت بشكل كبير على الضرائب التى تمثل 72% من قيمتها، في ظل تجاهل الكثير من البدائل. بدراوي تقدم تحت القبة بملف يحتوي العديد من البدائل لتقليل عجز الموازنة بعيدًا عن الضرائب، إلا أنها لم تطرح للمناقشة تحت القبة، أو بأي لجنة بلجان البرلمان، وهو ما يعني أن الحكومة والبرلمان لم يأخذا بها، سواء في تشريع من قبل الجهة النيابية، أو بحث وسائل للتنفيذ من قبل السلطة التنفيذية.

وكشف لـ «إضاءات» عن البدائل المطروحة خلافًا لجيوب المواطنين؛ منها فتح ملف التصالح في مخالفات البناء على الأراضي الزراعية، من خلال تشريع ينظم هذه العملية، موضحًا أن هذا الأمر سيدر للموازنة العامة للدولة ما لا يقل عن 140 مليار جنيه، علمًا بأن حجم التعديات وصل إلى 70 ألف فدان، ولو تم فرض غرامة تتراوح من 200 إلى 300 جنيه على المتر الواحد فسيتم تحصيل هذه القيمة.

كما أدرج ملف الأصول غير المستغلة بمقترحاته، موضحًا أنه سيدر للدولة أكثر من 80 مليار جنيه سنويًا، لاسيما وأن أصول الدولة غير المستغلة لا تقتصر على العاصمة فقط، بل تنتشر في ربوع المحافظات. وأوضح أن أراضي الأوقاف غير المستغلة على مستوى الجمهورية حال استغلالها لصالح الخزانة ستدر قرابة الـ 100 مليار جنيه سنويًا لخزينة الدولة.

في ظل التقشف: إعفاء الدخول العليا من الضرائب!

في الوقت الذي تضمنت مقترحات رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «الحركة الوطنية»، مطالبة بفرض ضرائب رفاهية على أصحاب الفيلات والقصور بقيمة تتراوح بين 200 و300 جنيه شهريًا، وكذلك ضريبة على أرباح البنوك، وتطبيق نظام الضرائب التصاعدية، كشف النائب «محمد فؤاد»، عضو لجنة الخطة الموازنة، في حديثه لـ«إضاءات»، عن إلغاء الدولة للضريبة المفروضة على ذوي الدخول العليا، والتي كانت تطبق وقت حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بنسبة 5% على من بلغ دخله مليون جنيه سنويا.

«فؤاد» أوضح أنه في النظام الضريبي الحالي الفقير يتكبد أكثر؛ لأن الضرائب على السلع الاستهلاكية، مضيفا: «نحن في حاجة لتطبيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي في حاجة للنظر للدخول العالية». ورأى ضرورة وجود تنوع ضريبي ما بين ضريبة استهلاك ودخل، داعيًا لخضوع الاقتصاد غير الرسمي للضرائب، ليصل الدخل من خلال الضرائب لصالح الموازنة العامة تريليون جنيه، حيث يضيف هذا النوع من الاقتصاد 400 مليار جنيه لموازنة الدولة لتصل لتلريليون جنيه.

حماية المواطن من الاستهلاك المالي الذي بدأ ينهكه، ودور البرلمان لحمايته من المزيد من الاستهلاك قال عنه فؤاد: «علاقة البرلمان بالتحسن الاقتصادي ليست مباشرة، فهي مهمة السلطة التنفيذية»، موضحا أن للبرلمان التشريعات والمراقبة على الحكومة من خلال الأدوات الرقابية تحت القبة وحسب.


ما صبّ بالفعل في «مصلحة المواطن»

لم يحصل المواطن على تشريع منصف طيلة دور الانعقاد سوى علاوة غلاء استثنائية للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، بنسبة 10% من الأجر الأساسي وبحد أدنى 65 جنيها وحد أقصى 130 جنيها.

زيادات بنزين منتظرة

يصل حجم التعديات على الأراضي الزراعية 70 ألف فدان، فإذا ما تم فرض غرامة تتراوح بين 200 و 300 جنيه على المتر الواحد، يدخل في ميزانية الدولة ما لا يقل عن 140 مليار جنيه

وبحسب مصادر نيابية تحدثت مع «إضاءات»، فإن المواطن ينتظر زيادة بأسعار المواد البترولية لم يحدد موعدها، لكنها قبل نهاية العام كحد أدنى، أو العام الجديد كحد أقصى.

المصادر أوضحت أن الحكومة تعجز عن جذب استثمارت أو عوائد للخزانة العامة لاستكمال القرض، وبحسب تقرير لصندوق النقد فإنها في حاجة للمزيد من رفع الدعم. رفع الدعم المجدد عن أسعار المواد البترولية سيشهد خلفه حالة من ارتفاع الأسعار مجددًا لتتم بموافقة برلمانية، في ظل غياب الاستجوابات، لتسحب الحكومة المزيد من أموال المواطن.