يعتبر كتاب «سقوط الشاه» لـ «فريدون هويدا»، من الكتب التي تستمد أهميتها من كون مؤلفها هو شقيق «أمير عباس هويدا» رئيس الوزراء الإيراني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لفترة امتدت من يناير/كانون الثاني 1965، حتى أغسطس/آب 1977، حينما تمت إقالته من منصبه، وتصاعدت الأحداث بعدها إلى أن تمّ إعدامه في عام 1979 بعد نجاح الثورة وتحول إيران إلى جمهورية إسلامية، إلى جانب شغل المؤلف لمنصب سفير إيران في الأمم المتحدة منذ 1971، وحتى سقوط النظام 1979.

طُبع الكتاب عام 1979 بنسخة فرنسية في باريس، وأُعيدت طباعته في عام 1980 بترجمة إنجليزية في لندن ونيويورك، أمّا الإصدار الذي بين أيدينا فهو من منشورات «مكتبة مدبولي» بالقاهرة، بترجمة وتعليق وتقديم دكتور أحمد عبد القادر الشاذلي.

انقسم الكتاب إلى قسمين، القسم الأول هو دراسة منفصلة من المُترجم، ركّز فيها على العلل والأسباب الأساسية لسقوط الشاه، وأمّا القسم الثاني فهو ترجمة لكتاب «فريدون هويدا» ورؤيته عن قرب لتطورات الأوضاع في إيران وتصاعدها، وصولاً لمرحلة السقوط الكلي للإمبراطورية البهلوية عام 1979.

القسم الأول: علل وأسباب رئيسية أدت لسقوط الأسرة البهلوية

ذكر المُترجم في مطلع كتابه أنه رغم تعدد الأسباب والعلل التي أدت إلى اختمار الثورة في وجدان الشعوب الإيرانية، فإنه اكتفى بالتركيز على ثلاث علل رئيسية أودت بحكم محمد رضا شاه.

العلة الأولى: الفساد المالي والأخلاقي لأسرة الشاه

ركّز هذا الجزء على الفساد المالي والأخلاقي الذي انغمس فيه أفراد الأسرة البهلوية، واستعرض إخوة وأخوات الشاه الذين بلغوا عشرة، منهم ستة ذكور، ليسوا جميعهم أشقاء. تحدّث عن تآمر بعض إخوة محمد رضا عليه، ونتيجة لهذا، سعى محمد رضا للتخلص من بعض إخوته وأبناء إخوته بتدبير حوادث أودت بحياتهم، وبالنسبة لأخوات الشاه الأربع، وهن (همدم السلطنة، وأشرف، وشمس، وفاطمة)، فيذكر الشاذلي أنهن تفوقن في الفساد الخلقي والمالي على بعضهن البعض.

وفيما يخص الشاه ذاته، ذكرت المصادر فساد الشاه الأخلاقي وشذوذه، الذي كان من جملة أسباب دفعت الأميرة المصرية «فوزية» للطلاق منه، بعدما أنجبت منه بنتاً، ومن ثمّ تزوّج الشاه من «ثريا اسفندياري» التي لم تُنجب، وكانت آخر زوجات الشاه هي «فرح ديبا» التي حظيت بمكانة لم تصل لها أي من زوجات الشاه الأخريات، حيث كان لها تأثير بالغ الأهمية في حياة الشاه السياسية، حتى قيل إنه لولاها لسقط محمد رضا قبل 1979 بكثير.

العلة الثانية: القبضة التعسفية للسافاك

كانت مهمة السافاك الأساسية هي الحفاظ على النظام الشاهنشاهي بأي وسيلة ممكنة من ألوان التعذيب الجسدية والنفسية، وظن الشاه أنه بهذه الطريقة سيحمي مُلكه أكثر، ولكن العكس، كان إنشاء السافاك هو أول مسمار رسمي في نعش الأسرة البهلوية.

العلة الثالثة: دور «أمير عباس هويدا» في سقوط الأسرة البهلوية

يعتبر «أمير عباس هويدا» هو ثالثة الأثافي، وآخر مسمار في نعش محمد رضا بهلوي، وعُرف عنه الشذوذ والفساد الأخلاقي والخضوع التام للشاه، هذه الحقيقة التي لم يبح بها شقيقه فريدون في كتابه «سقوط الشاه».

القسم الثاني: سقوط الشاه كما رآه فريدون هويدا

يدور هذا الكتاب بصورة أساسية حول تعجّب فريدون هويدا من مسألة انتصار الشاه عام 1963، وانتصار الخميني أيضاً 1979 في استفتاء شعبي بنسبة 95%، رغم وجود تناقض شديد بين رغبة الشاه وحكومته الملكية في تحديث الدولة، ورغبة الخميني وحكومته الإسلامية في تثبيت دعائم الجمهورية الإسلامية ومحاربة فكرة تحديث الدولة.

هذا التعجب بدوره ولّد سؤالاً شديد الأهمية وهو: لماذا أبدى الرأي العام الإيراني هذا التغيير المتطرف، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، خلال 15 سنة فقط؟ لذا جاء هذا الكتاب بحثاً عن أسباب هذا التغير.

بداية النهاية

يستعرض فريدون بداية تأثر إيران بالتغييرات الدولية، وبصفة خاصة وصول كارتر إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، واهتمامه بملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما اضطر الشاه تحت ضغط أمريكا إلى إعادة هيكلة الوسط السياسي، بفتح متنفس للمعارضين لتوجيه انتقادات للحكومة، كي يعطي صورة إيجابية عن التغييرات الديمقراطية الصورية التي تحدث في إيران.

كما خفّف السافاك تضييقه على النشر والحوزات العلمية، فكانت هذه النافذة التي تحولت من خلالها المساجد إلى دور معارضة صريحة، تتداول أقول الخميني المُحفِّزة للثوّار، لكن هذا الأمر أثار الشاه، فأعاز إلى وزير إعلامه بنشر مقال في صحيفة «إطلاعات» بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني 1978، يحط فيها من قدر الخميني، فكانت هذه المقالة شرارة لأحداث عنف متلاحقة لم تنطفئ إلا برحيل الشاه.

كما أشار فريدون إلى آخر لقاء جمعه بالشاه قبل احتدام الأحداث، ودلّل فريدون في هذا الجزء أكثر من مرة على انفصال الشاه عن واقع الشعب، وضحالة ثقافته، وتخبطه في اتخاذ القرارات التي باءت جميعها بالفشل وأدت إلى تصاعد المقاومة. وأشار إلى كتاب الشاه الجديد «نحو الحضارة العظمى»، الذي كُلّف بترجمته إلى الفرنسية، ووصفه بأنه لا يتعدى كونه «هذيانًا مجنونًا».

جذور الأزمة

أرجع جذوز الأزمة إلى عدة عوامل على رأسها السافاك، الذي فرض سكوناً سطحياً على المشهد، فيما كان المجتمع يغلي من الداخل، وقد حاول فريدون تبرئة شقيقه من جرائم السافاك وإلصاقها بالشاه وحده، لكن الوضع المتعارف عليه في إيران حينها من اعتبار رئيس السافاك نائباً لرئيس الوزراء، لم يترك أي ذريعة لتبرئة «أمير هويدا» من هذه التهمة.

وتناول عنصر طفرة العادئدات النفطية، التي لم يستغلها الشاه في تحسين أحوال الشعب الاقتصادية، بل على العكس خفّض النفقات العامة، مقابل زيادة أو ثبات نفقات التسليح التي كانت محصورة في يد الشاه.

وأشار إلى المبادرات العظيمة التي نقلها الشاه إلى بلاده في إطار برامج «تمدّن الدولة»، لكن لم تجد من يهضمها، منها تأسيس الهيئات الزراعية الصناعية، فبدلاً من اعتبار الفلاح مالكاً لأرضه، تم تسليمه سهماً «زراعياً صناعياً» ليصبح كأجير في برنامج الزراعة الواسعة، وهذا ما أثار الفلاحين، بعدما أعاد إلى أذهانهم عهود الإقطاع السوداء.

ووضّح البعد الخطير لفساد الأسرة المالكة من الداخل، حيث كان بعض إخوة وأخوات الشاه يتقاضون عمولات من شركات أجنبية لإتمام بعض الصفقات، إضافة إلى تورط البعض منهم في تجارة المخدرات، ناهيك عن الفساد الأخلاقي للأسرة والحاشية.

كذلك من الأمور السياسية التي دعّمت بشدة الثورة ضد الشاه، هي «نظام الحزب الواحد» (حزب رستاخيز)، الذي لم يُمكِّن الشعب من المشاركة الحقيقية في تخطيط أمور الدولة.

الاضطرابات المذهبية أيضاً وسّعت الفجوة بين الشاه والشعب، وساعد على هذا انفصال الدولة عن الحوزات العلمية وثيقة الارتباط برجال الدين، وقد أخذ هذا الجانب بُعداً تنظيرياً ثورياً مُهماً، بدايةً من الستينيات على يد «علي شريعتي»، الذي استطاع من خلال عمله كأستاذ الاجتماع بجامعة مشهد، أن يمنح الأفكار الشيعية بُعداً جديداً، نشره بين طلابه، ليشيع فيهم روح مكافحة الإمبريالية.

المتغيرات التي طرأت على الشاه

ساور الشاه بعد الانقلاب على «مصدق» بمساعدة الأمريكان، إحساس زائف بالقوة، لدرجة أنه أرجع سقوط حكومة مصدق إلى ثورة الشعب إلى جانب الشاه، وكان هذا إلى جانب أحداث أخرى دلّلت على انفصال الشاه عن الواقع.

أعلن الشاه أكثر من مرة أنه «مُؤيَّد من الله»، وأنه لطالما ظهر له «الإمام عليّ»، وابنه العباس، والإمام الغائب، ليؤكد بعدها أنه مُحاط بعناية السماء، ولا يمكن لأحد أن يُلحق به أي ضرر.

وساورت الشاه رغبة ملحة في الاحتفاء بأمجاد الأصل الآري، وخطوة إقدامه على الاحتفال بمرور 2500 عام على تأسيس الملكية الإيرانية وجنون العظمة الذي أعماه، لم يطبع في وجدان أغلب الشعوب الإيرانية سوى شعور بـ«العنصرية».

السقوط النهائي والكلمة الأخيرة

حاول الشاه في آخر عامين بذل محاولات عدة لتعديل الأوضاع، لكنها أتت بنتائج عكسية، وهذا يبدو منطقياً جداً عندما تأتي التغييرات في وقت متأخر. حيث فهمت الجماهير الغاضبة كل محاولة للشاه من أجل تهدئتها، على أنها ضعف، فأقدم الشاه لعدة مرات على تغيير الوزارة، ولكن دون جدوى. كان نجم الشاه يخفت شيئاً فشيئاً، بينما قمر آيات الله وعلى رأسهم الخميني، ينير أكثر فأكثر، ليرسم الطريق للثوّار، فبينما انشغل الشاه بتبادل الاتهامات بالتقصير مع معاونيه، أصبحت كل طوائف الشعب على الجهة الأخرى من اليمين واليسار متقاربون أكثر.

تبدّلت الأحوال حتى على المستوى الدولي، فالمراقبون الأجانب الذين كانوا كلما أشاروا إلى الأحداث وصفوها بـ«الأزمة» استبدلوها بلفظ «ثورة»، وأضحت أمريكا التي أكدت دعمها الشاه مراراً، على استعداد تام لإرسال ممثلين ولو بصفة غير رسمية إلى باريس للتباحث مع الخميني. كل هذه الأخبار عندما وصلت إلى الشعب كانت تزيده رسوخاً، وتزيد الشاه ضعفاً، فحتى أصدقاء الأمس تخلّوا عنه!

لعب عامل إضراب العمال وتعطل المصالح الذي أصاب البلاد بالشلل، وبصفة خاصة إضراب عمال النفط، دوراً مهماً في تداعي نظام الشاه، وكان العامل الأكثر خطورة بالنسبة للشاه هو حالة التمرد التي شهدتها وحدات الجيش، ورفض بعض الأفراد قرارات إطلاق النار على الأهالي.

باءت كل محاولات الشاه لتشكيل وزارة مدنية بالفشل، ورفض الوطنيون في الداخل، والخميني في الخارج، قبول أي وزارة إلا بعد خروج الشاه من إيران، وبالفعل خرج الشاه على أمل العودة بعد استقرار الأوضاع، ولكن الأمور لم تهدأ، فقد طالب الخميني الشعب بعدم الاعتراف بحكومة «بختيار» التي خلّفها الشاه.

وبالفعل بعد عودة الخميني لإيران لم تعد لحكومة بختيار أي قيمة، وبفراره سقط النظام رسمياً، وقام الخميني بتشكيل حكومة جديدة برئاسة «مهدي بازرجان»، وهكذا دخلت البلاد مرحلة جديدة، حوّلتها من «ملكية» إلى «جمهورية إسلامية».

القارئ للكتاب لن تخفى عنه حقيقة أن الكاتب يمارس انتقامات كلامية من نظام الجمهورية الإسلامية، كونه النظام الذي أُعدم على يده شقيقه، ولكن على صعيد آخر باعتبار فريدون كان مُقرّباً للأسرة الحاكمة، وبصفة خاصة من الشاه وأخته أشرف بفضل أخيه، فيمكن من هذا الجانب أخذ كلامه في ما يخص الحكومة والبلاط على محمل الحقيقة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.