«العيد في النوبة أحلى» شعار التف حوله نشطاء النوبة الذين خرجوا في «مسيرة الدفوف» بأسوان، مساء ثالث أيام عيد الأضحى الماضي، لتنظيم وقفة في حديقة «درة النيل» أمام مبنى المحافظة؛ إحياءً لمطالبهم التاريخية المتعلقة بحق العودة.

ولدى وصول النشطاء إلى كورنيش النيل مرددين أغاني تراثية تستعيد أمجاد النوبيين وتصف حالهم بعد التهجير، وعلى حين غرة تعكرت أجواء الأنس وتحولت إلى ثكنة عسكرية موحشة محاطة بقوات الأمن من كل جانب.

ولم ترق لقوات الأمن مسيرة سلمية غنائية، وربما اعتقدوا أن الدفوف نوع من الشغب الذي يستدعي التدخل بالقوة، فأصروا على أن يغطي ضجيج هراواتهم طرب الأغاني، مؤذنة برحيل العيد وبقاء ذكرى أيام مظلمة حلت على 24 من المشاركين في المسيرة زُجّ بهم في السجون.


اعتقال مسيرة الدفوف بأسوان

خبر اعتقال النشطاء النوبيين أعاد جرح القضية النوبية النازف، ويواجه معتقلو مسيرة الدفوف بأسوان، ومن بينهم رئيس الاتحاد النوبي العام السابق والمدافع عن حقوق الإنسان محمد عزمي، عدة تهم، منها التحريض على التظاهر، والتظاهر بدون ترخيص، وإحراز منشورات، والإخلال بالأمن العام، وتعطيل حركة المرور، والتمويل من الخارج، وذلك للضغط على الدولة لتحقيق مطالبهم.

وجاءت مسيرة الدفوف بأسوان للاحتفال بذكرى اعتصام 4 سبتمبر/أيلول 2011 للنوبيين، لتكون تكرارًا لنفس السيناريو، حيث استمر الاعتصام منذ 6 سنوات خلت لعدة أيام أمام مبنى محافظة أسوان، وانتهى بمهاجمة الأمن مخيمات المعتصمين وإلقاء القبض على 3 شباب ثم الإفراج عنهم بعد ساعات.

و قررت المحكمة في 19 سبتمبر/أيلول إخلاء سبيل الشباب، قبل أن تستأنف النيابة العامة على القرار، ويتم قبول الاستئناف وتجديد حبس الشباب 15 يوما أخرى في نفس القضية.

والآن يقبع «معتقلو الدفوف» داخل معسكر قوات الأمن بالشلال، والذي يخضع لإدارة قطاع الأمن المركزي في أسوان سيئ السمعة.

احتجاج النشطاء النوبيون على استمرار حبس «معتقلي الدفوف»


النوبة: حلم العودة الضائع

من المفارقات أن يخرج نشاط من النوبة للمطالبة بحقهم في الأرض فيتم اعتقالهم بتهمة «التمويل الخارجي»، ولم يكن ذلك النضال الأول، بل خاض المصريون النوبيون نضالا ممتدا لعقود في سبيل حق العودة، وقد تُرجم هذا النضال في إقرار الدستور الحالي بالتعددية الثقافية وحق العودة للنوبيين المصريين، ولكن جاءت قرارات السلطات لتفرغ مضمون المادة 236 من الدستور، والتي أقرت حق النوبيين في العودة لمناطقهم الأصلية؛ حيث اعتبر النوبيون أن القرار الجمهوري رقم 444 لسنة 2014 بشأن تحديد المناطق المتاخمة للحدود، والذي فرض قيودا شديدة على حرية التنقل والإقامة ببعض المناطق بالجنوب، بمثابة تعدٍ على حقهم الدستوري بالعودة لأراضيهم.

وما كان من النوبيين رد على تهجيرهم بقرار جمهوري، إلا أن طعن عدد مـن النشطاء على القرار، بسبب وضع أكثر من 17 قرية من القرى النوبية القديمة من ضمن المناطق المحظورة التي لا يجوز التوطين فيها ولا الإقامة عليها.

وبدأت قضية أبناء النوبة منذ أكثر من قرن وتوارثتها الأجيال منذ ﺗﻬﺠﻴﺮ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺑﺄﺳﻮﺍﻥ لبناء ﺧﺰﺍﻥ ﺃﺳﻮﺍﻥ ﻋﺎﻡ 1898، ﺛﻢ ﺣﺪﺛﺖ تعليمات متتالية ﻟﻠﺨﺰﺍﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻮﺍﻡ 1902 ﻭ 1912 ﻭ 1933، والذي نتج عنه غرق قرى نوبية ﺩﻭﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱ ﺗﻌﻮﻳﻀﺎﺕ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻬﻢ، ﻟﻴﺘﻢ ﺗﻬﺠﻴﺮﻫﻢ ﻧﻬﺎﺋﻴًﺎ ﻭﻳﺼﺒﺢ 350 ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮا ﺑﻤﺤﻴﻂ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﻧﺎﺻﺮ ﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻋﺎﻡ 1964 ﻋﻨﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ.

اقرأ أيضًا:النوبة غارقة بقرار جمهوري

وتم نقل الأسر المُهجرة عام 1964 إلى هضبة نصر النوبة بمحافظة أسوان؛ والتي لم تكن ملائمة لنمط الحياة النوبي؛ بالإضافة إلى كون العديد من المنازل تفتقر لتجهيزات الحياة الأساسية؛ الأمر الذي ساهم في ازدياد معاناة العديد من الأسر النوبية التي تركت أراضيها ومساكنها.

وكان آخر اعتصام النوبيين المستقرين في جنوب مصر الذين فقدوا كامل مدنهم وقراهم بعد طرح الأراضي النوبية في مزاد مشروع المليون ونصف المليون فدان عن طريق الريف المصري، فاعترضوا خلال مسيرة قافلة العودة النوبية بطريق أبو سمبل أسوان في نوفمبر 2016، وتم تعليقها بوعد من الحكومة ومجلس النواب بتحقيق مطالبهم، ولكنها لا زالت وعودا لا تنفذ.


ردود الفعل على «مسيرة الدفوف» بأسوان

نوبة، معتقلي الدفوف، مسيرة الدفوف، أسوان
نوبة، معتقلي الدفوف، مسيرة الدفوف، أسوان

أصبح النشطاء النوبيون في مواجهة مباشرة مع السلطات المصرية، التي أصرت بالقانون على سد الطريق أمام وسائل النضال السلمي والتعبير عن الرأي، حتى وإن كان مطالبة بعض الشباب بتفعيل عدد من مواد الدستور المعطلة.

وتزامنت الاعتقالات الجماعية لمسيرة الدفوف بأسوان مع إطلاق تقريرين يوثقان التعذيب داخل السجون المصرية، ففي الخامس من سبتمبر/أيلول، أطلقت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريراً يشير إلى أن وباء التعذيب في مصر قد يرقى إلى مرتبة «الجرائم ضد الإنسانية»، بينما أكدت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة أن التعذيب هو ممارسة ممنهجة في مصر.

ومن جانبها، أدانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إلقاء القبض على المشاركين في مسيرة الدفوف بأسوان، مؤكدةً تضامنها الكامل مع المواطنين المصريين من أهالي النوبة في مطالبهم العادلة بالعودة إلى أراضيهم على ضفاف النيل.

كما غرد الناشطون تضامنا مع المعتقلين على وسوم عدة، منها #قافلة_العودة_النوبية، و#الحرية_لشباب_النوبة، و#الحرية_لمعتقلي_الدفوف، و#النوبة_ضد_444.

https://twitter.com/hoora_111/status/917186397395738624

وأضرب الناشطون النوبيون المحتجزون على خلفية مسيرة الدفوف بأسوان المطالبة بحق النوبيين في أراضيهم، عن الطعام والشراب بدءا من يوم الأربعاء 6 سبتمبر/أيلول الماضي، اعتراضًا على عدم عرضهم على الدائرة التي تنظر في العرض والتجديد في حبسهم، على ذمة الاتهامات الموجهة إليهم في المحضر رقم 5653 لسنة 2017 إداري قسم أول أسوان.

يُذكر أن الأجهزة الأمنية بأسوان ألقت القبض على 7 نوبيين خلال تجمعهم أمام محكمة أسوان، احتجاجًا على القرار الصادر من النيابة العامة بتجديد حبس 24 شابًا من نشطاء النوبيين أثناء المشاركة في مسيرة على كورنيش النيل بأسوان، ليصل عدد المقبوض عليهم من أبناء النوبة حتى الآن لـ 31 متهمًا.