اسمحوا لي أن أكون واضحًا مرة أخرى: لا نية لدينا للشروع في عملية عسكرية، لا في الشمال ولا في الجنوب.

أفيغدور ليبرمان أمام لجنة الدفاع والشئون الخارجية في الكنيست، 26 يونيو/حزيران

تحاول إسرائيل، حاليًا، استغلال كافة الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية على جميع الأصعدة، لترجيح كفتها وتعظيم مكاسبها، ولعل الأزمة السورية واحدة من أهم الأزمات التي تضعها إسرائيل نصب عينيها، ففي تلك الأزمة يتورط عدوها الأول «حزب الله»، وعلى تلك الأرض تحتل إسرائيل جزءًا ذا أهمية جيوسياسية لها. فإسرائيل منذ حرب يونيو/حزيران 1967 وحتى يومنا هذا تحتل شطرًا من هضبة الجولان يقدر بنحو 1200 كيلومترات مربعة، وقد سعت إسرائيل في أكثر من سياق للحصول على اعتراف دولي كي تضم الجولان المحتل إليها، ولكنها في كل مرة كانت فشلاً، ولعل الأزمة السورية – في مخطط إسرائيل – هي التي ستقدم لها الجولان المحتل على طبق من فضة.

الجولان لنا وسوف تبقى دائمًا لنا، لأنها كانت ملكًا لأجدادنا وتم استعادتها بعد طرد العدو السوري.

قالها نتنياهو أثناء زيارته لخط الجبهة العسكرية وإلقائه خطابًا أمام جيش الاحتلال

لعل الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع الأزمة السورية، وفق تحليل الكاتب السياسي «دميتري مينين» في مقال له نشرته صحيفة «جيوبوليتيكا»، تتأثر بشكل كبير برؤيتها للحل النهائي لقضية الجولان، إذ إن هناك اعتقادًا راسخًا لدى محللين كثيرين في إسرائيل أن انهيار سوريا من الناحية الموضوعية سيصب في مصلحة إسرائيل؛ لأنه سيُسهل الطريق نحو الاعتراف الدولي بأحقية إسرائيل في الجولان المحتل.

وقد أشار الكاتب إلى أن هذا الاعتقاد يمثل مصدرًا استرشاديًا للسلوك السياسي لإسرائيل تجاه الأزمة، وأن من أحد وسائلها للوصول إلى ذلك الهدف قيامها بإنشاء عدة كيانات مختلفة على الأراضي السورية مثل كيان درزي قابع على الحدود مع إسرائيل؛ إذ إ نها بإنشاء تلك الكيانات ستتمكن ليس فقط من تكريس شرعيتها للجولان بل أيضًا من توسيع رقعة الأراضي التي تحتلها.

ووفقًا لتحليل «دميتري »، فإن إسرائيل قد قررت «القفز إلى المقطورة الأخيرة في المسلسل السوري الدامي» مُحاولة بذلك التأثير في معادلة الصراع القائم، وذلك من خلال الشروع بتنفيذ «خطوات محددة» بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية لتصعيد النزاع السوري، ومن ثَمَّ التدخل للتأثير في مجريات الأحداث في سوريا و توظيفها للظفر باعتراف دولي يمكنها من ضم الجولان.


الانزلاق في معارك هضبة الجولان

إسرائيل تتمسك بسياسة عدم التورط في الحرب الأهلية السورية. رغم ذلك، لن نرضى بأي انتهاك لسيادة إسرائيل.
وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان

بعد انقضاء نحو 50 عامًا على حرب 1967، عادت النار تشتعل من جديد في ساحات الجولان المحتل، ولكن هذه المرة ليست بين الجيش الإسرائيلي والسوري، بل بين المعارضة السورية وقوات الأسد.فهضبة الجولان باتت تشهد سقوطًا للقذائف على هامش القتال الدائر بين الطرفين في محافظة القنيطرة بجوار الجزء المحتل من هضبة الجولان، مما يجعل تلك القذائف تصيب إسرائيل أحيانًا، وهو ما يدفع إسرائيل للانزلاق في تلك المعارك كرد فعل على غارات الجيش السوري.

وفي خلال الأشهر الماضية، شهدت الجولان العديد من الحوادث التي قام على إثرها الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع تابعة للجيش السوري، ولعل آخر تلك الحوادث، القصف الإسرائيلي لمدفعية الجيش السوري بعد سقوط قذيفتين على هضبة الجولان أصابت الشطر الذي تحتله إسرائيل في 1 يوليو/تموز.

وقد أشارت صحيفة «يديعوت أحرنوت» أن هذه هي المرة الـ 17 التي تسقط فيها قذائف أطلقت من الأراضي السورية في هضبة الجولان تحديدًا. ولهذا السبب، تقوم إسرائيل بتعزيز إجراءاتها الاحترازية والرفع من درجة التأهب على الحدود مع سوريا، كي تكون في مأمن من حالة الاقتتال الداخلية.


التأثير في اتفاق وقف إطلاق النار

في السابع من يوليو/تموز، أعلن وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» أن الولايات المتحدة وروسيا والأردن قد توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، وبالتحديد في مناطق ثلاث تمتد من القنيطرة في الجولان حتى السويداء ومرورًا بدرعا، بدءًا من يوم الأحد الموافق 9 يوليو/تموز، وذلك عقب اجتماعٍ ثنائي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتدى «مجموعة العشرين».

ويعتبر هذا الاتفاق اتفاقًا أحادي الجانب، الهدف منه التوصل إلى مصلحة مشتركة، ضاربة بباقي الأطراف الدولية التي تسعى في الحل السوري عرض الحائط.

وفي إشارة للكاتب الإسرائيلي «أليكس فيشمان» في مقال له على صحيفة «يديعوت أحرونوت» لأهمية الدور الذي لعبته إسرائيل في الاتفاقية، أكد أنه لولا الدور الإسرائيلي في تلك الاتفاقية لما كان لها أن تظهر على السطح، إذ نجحت إسرائيل في استغلال علاقاتها «المزعومة» بالعناصر المسلحة في الجولان المحتل من أجل ممارسة الضغط السياسي على الجانب الروسي.

ولعل النشاط الجوي الإسرائيلي في منطقة القنيطرة في الأسابيع الماضية، كإجراءات احترازية لضمان سلامتها، هو ما يُثبت – على حد زعمه – أن إسرائيل عنصر لا يمكن تجاهله في أي اتفاق حالي أو مستقبلي يخص الجولان المحتل. وأضاف الكاتب إلى أنه إذا سار الاتفاق على النحو المخطط له ستتمكن إسرائيل من التخلص من أي تهديد تمثله إيران وحزب الله في الجولان وهو ما سيعتبر حينها إنجازًا إسرائيليًا دبلوماسيًا.

وبموجب الاتفاق، تعهدت أمريكا بالحفاظ على وقف إطلاق النار، وذلك من خلال التأثير على حلفائها «إسرائيل والأردن»، وبما أن إسرائيل هي الوحيدة التي تزعم قدرتها على التأثير على فصائل المعارضة في الجولان، فهذا ما يرشحها بقوة لأن تكون طرفًا لا يستهان به في المعادلة. أما على الجانب الآخر، فقد تعهدت روسيا بوضع آلية لوقف إطلاق النار تحت إشراف القوات الروسية الموجودة في سوريا.


مخطط لإقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا

بنيامين نتنياهو في كلمةٍ له أمام مجلس الوزراء، 9 يوليو/تموز

رغم مشاركة إسرائيل في اتفاقية وقف إطلاق النار والدور الذي لعبته فيها، إلا أنها دائمًا ما تضع في حسبانها كافة الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تعيق سير الأمور على النحو الذي تريده.

فهناك ثمة مخاوف إسرائيلية تنبع من إمكانية انسحاب الأمريكيين في أي وقت تاركين بذلك القوات المدعومة من إيران لتُعزّز مواقعها في جنوب سوريا، وهو بالطبع سيشكل تهديدًا لأمن إسرائيل.

لذلك تحاول إسرائيل أن تتبع نهج «الحيطة والحذر»، فقد كشفت صحيفة التايمز الأمريكية عن مخطط إسرائيلي لإنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا تمتد على بعد 30 ميلاً إلى الشرق من الجولان المحتل متجاوزة بذلك مدينة درعا، لإعاقة تواجد حزب الله هناك، وأشارت الصحيفة أن إسرائيل تضغط على أمريكا وروسيا من أجل ضمان إنشاء تلك المنطقة، إذ قام بنيامين نتنياهو بإثارة هذه المسألة في محادثات مع الرئيسين الأمريكي والروسي، كلٍّ على حدة.


انتخابات المجالس المحلية في الجولان

يجب ألا يسمح وقف إطلاق النار هذا بخلق وجودٍ عسكري لإيران ووكلائها في سوريا عمومًا وفي جنوب سوريا على وجه الخصوص.

في إطار مساعي إسرائيل لتوظيف الأزمة السورية من أجل جعل الجولان السوري جزءًا من مستحقاتها الصهيونية، وتزامنًا مع الكشف عن مخطط إنشاء المنطقة العازلة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن نيتها إجراء انتخابات للمجالس المحلية في قرى الجولان، وفق القانون الإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع الانتخابات القادمة للسلطات المحلية في أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاي. وقد أحاط رئيس حزب شاس الإسرائيلي «أرييه درعي» بعلم رؤساء المجالس المحلية المعنية أن وزارة الداخلية تبحث كافة الخطوات اللازمة لإدارة المجالس المحلية في الفترة الانتقالية حتى موعد الانتخابات القادمة.

وقد جاءت هذه الخطوة في محالة للالتفاف على امتناع أهالي الجولان عن منح الشرعية للمجالس المحلية في قرى الجولان التي تم إنشائها عقب الاحتلال الصهيوني للجولان في عام 1967. ولكن الرد السوري جاء بالرفض لهذا القرار رفضًا قاطعًا جملة وتفصيلاً، حيث أكدت وزارة الخارجية السورية في بيان لها أن الجولان المحتل جزءً لا يتجزء من الأراضي السورية وأنها ستعود إلى الوطن لا محالة عاجلاً لا آجل.

لعل ما سبق يوضح كيف توظف إسرائيل كافة المعطيات أمامها، محاولة بذلك استغلال الأزمة السورية في رسم حل نهائي لمستقبل الجولان، بما يصب في صالحها ويمهد للحصول على اعتراف دولي بأحقيتها في الجولان المحتل.