نشرت الكاتبة والمترجمة «صوفي عبد الله» (1925-2002) عملها الشهير «مدرسة البنات» عام 1959، عن دار «روز اليوسف»، وهو مجموعة قصصية تتكون من 20 قصة قصيرة، يدور أغلبها في إطار اجتماعي رومانسي عن الأمومة والحب الأول والزواج.

حلم سندريلا

نرى في هذه المجموعة عدة محاور، تدور بشكل أساسي حول صورة المرأة ووظائفها الاجتماعية، أولها محور سندريلا؛ الفتاة المكافحة التي تعافر ظروف نشأتها حتى تقابل حب حياتها الذي دائمًا ما يكون أعلى منها في المرتبة، والذي دائمًا ما يقع في حبها لكونها مميزة عن البقية، فيعترف الحبيب بهيامه وبمدى تأثير هذا الهيام على رؤيته للحياة، فيتزوجان ويعيشان في سعادة دائمة.

نرى هذا في القصة الأولى «مدرسة البنات»، والتي تدور حول معلمة تربية رياضية تعمل في مدرسة كلها معلمات، ثم يأتي معلم ذكر للفنون، فتقع في حبه، ولكنها تخاف أن تفضح نفسها بهذا الحب، فتتصرف بلا مبالاة تجاهه، لتكتشف في النهاية حبه لها، فتستسلم للحب وترحل معه، تاركة عملها بالمدرسة في منتصف اليوم الدراسي سعيدة غير آسفة.

وفي قصة «مفعول أكيد» البنت التي تعول نفسها وتعمل في وظيفة صغيرة بمحل تجاري، وترى نفسها أقل من جميع البنات في جميع الصفات، يحبها زميل وسيم تعشقه كل الفتيات، ويختارها من ضمن العشرات.

أمَّا الفتاة الصامتة المنعزلة بسبب اليتم والإساءة الأسرية في قصة «المخذولة»، فيحبها فنان مشهور لجمالها الأخَّاذ وحساسيتها المرهفة، ويطلب منها ألَّا تخذله، وأن تقبل الزواج منه.

وفي قصة «الثوب المستعار» نجد الفتاة الفقيرة – بسبب ديون عائلتها – والتي تحرص على المظاهر التي تصاحب الطبقة الاجتماعية الرفيعة التي وُلدت فيها، قبل أن تقع في حب شاب غني وناجح، فتُقرِّر أن تكون صريحة معه، وتُخبره بوضعها، وبعد قليل من الألاعيب من طرفه لكي يتأكد أن حبها صافٍ من المادية، يتزوجان ويعيشان في سعادة دائمة.

المرأة والتضحية

المحور الثاني يتعامل مع فرضية مجتمعية تنظر إلى المرأة ككائن عاطفي بالفطرة، وكائن معطاء بلا حدود، في كل الظروف، حتى لو جاء هذا العطاء على حسابها الشخصي، فنرى في قصة «الغائبة» الأخت الكبرى التي تضحي بحبها في سبيل سعادة أختها الصغرى. وفي قصة «صاحبة العصمة» تتزوج ممثلة شهيرة ومديرة لمسرح شابًّا صغيرًا عاطلًا مُشرَّدًا، وتُلقِّنه مبادئ الصنعة وتجعله نجمًا لامعًا، ثم تكتشف خيانته لها مع ممثلة صاعدة، فتعطيه حريته، وتطلب منه أن يحسن إلى منْ هم أصغر منه.

ستأتيك ورقة حريتك مني اليوم، كان لا بد أن يأتي هذا اليوم الذي ينتهي فيه دوري من حياتك، بعد أن لم يعد عندي ما أمنحك إياه! كنت عارفة من البداية أن شبابك الحلو مستحيل أن يبقى لي إلى الأبد، لهذا كنت أنهل منه وأبكي، واليوم أطلقك بعد أن استوفيت الثمن وأعطيتك المجد والخبرة والذكرى، فقد حلَّ دورك أن تعطي، عسى أن تعرف مثلي متى وأين يحسن بالدور الناجح أن ينتهي. [1]

في قصة «المقعد الشاغر» تجلس زوجة موظف صغير في البيت طوال اليوم، تقوم بالمهام المنزلية من طبخ وتنظيف، بينما تتذكر بحسرة حياتها السابقة كممثلة مسرح، فتلوم زوجها الغائب في عمله على وضعها الحالي في الحياة، فتُقرِّر أن تتمرن وتتخيل زوجها جالسًا على مقعد شاغر، فتؤنِّبه وتُحمِّله ذنب ضياع فرصها بالمجد، ولكن عندما يتأخر الزوج عن موعد رجوعه اليومي، توجه اللوم لنفسها، وتبدأ بفعل منعكس حاد في رؤية حياتها المنزلية البسيطة كجنة، فتبكي وتتمنى رجوع الزوج، وعند عودته ترتمي في حضنه.

«الفراش الخاوي» قصة أخرى تدور في هذا النسق، فالزوجة التي فقدت ابنها، والتي لا تستطيع أن تستطعم الحياة، أو حتى تباشر مهامها اليومية البسيطة مرة أخرى، تلومها عائلتها على اكتئابها وضعفها، فهناك زوج يجب عليها أن تهتم به، لذلك تتحايل أمها لكي تفيق ابنتها من توهانها واكتئابها، فتستيقظ المكلومة من سباتها الحزين، وتعود «رشيدة» إلى زوجها.

تبعات التضحية

تظهر نتيجة هذه الفرضيات المجتمعية في الحيوات التعسة للنساء اللاواتي لم يستطعن تطوير مهاراتهن الاجتماعية والنفسية اللازمة للحياة، وأصبحت السذاجة سمة متأصلة فيهن، خاصةً في هذه الفترة التي بدأت فيها المرأة بالخروج من حيزها الضيق الذي فُرض عليها لقرون، فنرى وقائع متكررة يحدث بها ضرر ومعاناة بسبب هذه السذاجة.

فمثلًا في قصة «اخترت زوجي» نرى فتاة وقعت في حب شاب وأصرَّت على الزواج منه، لتجد أنه فاسد؛ أخذ كل مالها وهرب، فلا تجد حلًّا غير أن تأخذ ابنتها الرضيعة وتذهب لتحيا فوق سطح أحد المباني. بالطبع تتنهي القصة نهاية سعيدة -كأغلب القصص- بزواجها من طبيب مشهور طيب القلب، بالإضافة إلى عودة مالها المسروق منها، ولكن بعد سنوات عذاب وتشرد.

في قصة «أنا القاتلة» تتعذب زوجة بسبب ارتباط زوجها بفتاة شابة، وتحاول أن تستعيده، وعندما تنجح في خطتها، تعود مجددًا إلى العذاب، اعتقادًا منها أنها تسببت في انتحار الزوجة الثانية التي خطفت الزوج من بيته وأولاده، ولكنها تكتشف أن هذه الزوجة لم تنتحر في الحقيقة، وإنما قتلها أهلها بسبب فسوقها وسوء أخلاقها، فتعود الأمور إلى نصابها الحقيقي.

قصة «البريئة» تتحدث عن امرأة متزوجة لا تستطيع أن تواجه ماضيها الصعب، فهي وقعت -وهي صغيرة- في غرام شاب، وكانت النتيجة طفلة، لم تستطع الفتاة أن تكون لها أمًّا، فهربت من الفضيحة، وعاشت حياتها، وكوَّنت أسرة أخرى، لتعود هذه الطفلة بعد فترة لتظهر في حياتها، فيلتهم الخوف والشعور بالذنب والندم نفسيتها، فلا تستطيع الاتزان أمام هذه التغييرات الصعبة.

المرأة الأخرى

بعض القصص تُظهِر جانبًا آخر من المرأة؛ فإذا كانت كريمة معطاءة حبيبة ودودة في بعض القصص، فهي شريرة خبيثة تتعمد الإيذاء والتدمير في قصص أخرى. فعلى سبيل المثال قصة «زلة رجل» تحكي معاناة رجل يريد أن يبدأ حياته الأسرية من جديد مع شابة لطيفة من عائلة محترمة، ولكنه لا يستطيع ذلك بسبب الدمار الذي أحدثته الزوجة السابقة؛ قضت على حياته العملية بعد أن لفَّقت له قضية اختلاس، ثم تركته هو وابنتهما، وهربت مع عشيقها. وفي قصة «صاعقة على الشاطئ» يتفاجأ زوج بحبيبة سابقة له تتقرب من زوجته وابنه، بهدف الوصول إليه، لتدمير حياته الأسرية الهادئة.

خارج الإطار الرومانسي

هناك عدة قصص خرجت عن الموضوعات التقليدية الرومانسية، لكي تقدم لنا صورًا مختلفة لطيفة، مثل قصة «مسألة ذمة وضمير»، والتي تظن فيها سيدة أن زوجة ابنها قد تعمدت الإساءة لوضعها الاجتماعي، بأن قدمت طعامًا فاسدًا لضيوفها، مات على أثره كلبها الحبيب، فتعترف بالحقيقة للضيوف الذين يسرعون إلى المشفى، خوفًا على حيواتهم، ثم تكتشف الحماة أن كلبها مات بعد أن صدمته سيارة مارة.

وفي قصة «ساحر القرية» نرى شابًّا عائدًا من أوروبا مع زوجته الأجنبية وابنته، بعد سنوات عدة لم يُفلِح خلالها في دراسة أي شيء، يستخدم بعض حيل التلاعب النفسي لكي يوهم أهل القرية أنه طبيب ساحر، ولكنه يقع ضحية لأوهامه، خاصةً بعد أن تمرض ابنته، ولا يستطيع علاجها، فتموت بين يديه.

وفي قصة «في عين العدو» تبكي فتاة حبها الضائع، فتُقرِّر النزول إلى الطريق، لترى نماذج مختلفة من حيوات الناس المحيطين بها، مثل بائعة الفل ذات الساق المقطوعة والابتسامة الواسعة، فيزول حزنها على هذا الحب الضائع. وفي قصة «السارق الصغير» تحاول عَمة طفل يتيم معرفة سبب سرقة الطفل صابونة وجدها في عيد ميلاد أحد أصدقائه، لتكتشف أنه يتذكر أمه من خلال رائحة هذه الصابونة.

التيار والأسلوب

تنتمي هذه القصص -التي تشبه بنيتها بنية الحكايات- إلى التيار الرومانسي الاجتماعي الذي كان سائدًا في النصف الأول من القرن العشرين. نرى في هذا التيار صورًا ثابتة وقيمًا مستقرة عن المرأة، فهي تتسم غالبًا بالعفة والطيبة والضعف وقلة الحيلة، أو بالخبث والمكر والدناءة المطلقة، ووظائفها الأساسية هي أن تكون زوجة وأمًّا، وغالبًا ما تنتهي القصص نهاية سعيدة.

اللغة التي كُتبِت بها القصص رومانسية شاعرية رقيقة تليق بالموضوعات المطروحة، والتعبيرات المُستخدمة تدل على حساسية بالغة في فهم المشاعر الإنسانية.

لم تعبأ كثيرًا بما يدور حولها، لأنها كانت تعتقد أن منْ حولها لا يمكن أن يعبئوا بها. [2]
ولكنها العقدة تنشأ من وهم، وتُولِّد أوهامًا، حتى تصبح السريرة كلها مسرحًا مُظلمًا حافلًا بالأشباح، التي تختنق الحقيقة في جوها الموبوء. [3]
المراجع
  1. صوفي عبد الله، «مدرسة البنات«، دار روز اليوسف، 1959، ص 78.
  2. المرجع السابق، ص 101.
  3. المرجع السابق، ص 103.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.