إن كلا من السعودية وإسرائيل لديهما مصالح مشتركة، ولديهما أعداء مشتركين، فالملك سلمان سيكون عراب التطبيع مع إسرائيل.

هكذا أفصح ضابط المخابرات السعودي السابق اللواء أنور عشقي، عما يجول داخل أروقة المملكة العربية السعودية، التي لم تدخر جهدًا لإخفاء طبيعة علاقتها الحميمة بالكيان الصهيوني المحتل على مدار العقود الماضية، ولكن تلك العلاقة الحميمة بين الطرفين استوحشت المكوث في الظلام، وأرادت أن تكشف الستار عن فصول ومشاهد كانت مستترة خلف أبوب مغلقة، وخلف أقنعة طالما ادعت أنها لن تصافح الأيادي الملطخة بالدماء، إلى أن سقطت تلك الأقنعة وكشفت عن سقوط هؤلاء في مستنقع «التطبيع» مع العدو.


خلف الأبواب المغلقة

تدور العلاقات السعودية الإسرائيلية في دائرة محددة منذ سنوات طويلة، فهي تتخذ من المسارات السرية نهجًا، وقد ظلت طيلة سنوات تدور تلك العلاقة خلف الأبواب المغلقة، فقد تركزت العلاقات بين الطرفين على دائرة تتمثل في عقد لقاءات مباشرة تضم شخصيات أمنية وسياسية كبيرة، وقد بدأت القناة السرية لإقامة العلاقة بين الطرفين بين عامي 1965 و1979، وقد عُهدت إلى الشيخ كمال أدهم عندما كان رئيسًا لـ «مديرية المخابرات العامة».وذكر الباحث ألكساندر بلاي من معهد ترومان في مقال كتبه في مجلة العلوم السياسية الفصلية، The Jerusalem Quarterly، تحت عنوان «نحو تعايش إسرائيلي-سعودي سلمي»: «إن المملكة السعودية وإسرائيل قامتا ببناء علاقة حميمة، وكانتا على اتصال مستمر في أعقاب حدوث ثورة اليمن عام 1962؛ بهدف منع عدوهما المشترك (أي جمال عبد الناصر) من تسجيل انتصار عسكري في الجزيرة العربية».

طلبت السعودية من إسرائيل في مطلع الستينيات، الحصول على مساعدات عسكرية لدعم قوات الإمام أحمد في اليمن ضد الجيش المصري هناك.

وهو ما أكده دوري جولد، المستشار السياسي لبنيامين نتنياهو، عندما أكد أن جذور العلاقة السعودية الإسرائيلية تمتد إلى ستينيات القرن الماضي، عندما وجد الطرفان نفسيهما في نفس الصف في مواجهة مصر الناصرية.وأشار أيضًا إلى أن السعودية طلبت في مطلع ستينيات القرن الماضي من إسرائيل الحصول على مساعدات عسكرية لدعم قوات الإمام أحمد التي كانت تقاتل النظام المدعوم من جمال عبد الناصر في اليمن، مع العلم أن 60 ألف جندي مصري كانوا يتواجدون على أرض اليمن لدعم قوات الإمام.ونقل غولد عن بروس رايدلي، الذي كان من كبار المختصين في وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (CIA) بشئون الشرق الأوسط، قوله إن مدير المخابرات السعودية كمال أدهم هو من أشرف على نقل السلاح الإسرائيلي لقوات الإمام أحمد، منوّهًا إلى أن طائرات نقل إسرائيلية نقلت كميات كبيرة من السلاح لقوات الإمام في الفترة بين عامي 1964 و1966.وقال الجنرال الأمريكي جورج كيفان، رئيس مخابرات سلاح الجو الأمريكي السابق أثناء مؤتمر عقد في واشنطن عام 1978 لدراسة التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط: «حدثت خلال الخمسة عشر عامًا المنصرمة ثلاث محاولات على الأقل للإطاحة بالعرش السعودي عن طريق اغتيال الملك، ونحن على دراية بأن المخابرات الإسرائيلية تدخلت وأحبطت محاولتين منها».وقد نقل راديو «إسرائيل» عن جريدة لوماتان الفرنسية قولها: «إن وزير الدفاع الإسرائيلي، عازر وايزمان، التقى سرًا بولي العهد السعودي الأمير فهد في إسبانيا أثناء رحلة سرية قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي لأوروبا في تلك الفترة، وقد حضر اللقاء زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر».


تيران وصنافير والوصول لقمة جبل الجليد

ولكن على الرغم من حرص السعودية طيلة السنوات الأولى من العلاقة وإلى وقت قريب عن عدم الإفصاح عن تلك العلاقة وظهورها إلى العلن، إلا أن الأمر أخذ يميل نحو العلن تدريجيًا.ففي تقرير نشرته جريدة «معاريف»، أنه في فبراير/شباط عام 2010، صافح الأمير تركي الفيصل، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية. وفي يوليو/تموز 2014، كتب مقالاً بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، دعا من خلاله الإسرائيليين إلى زيارة السعودية قائلا: «أهلاً بكم في منزلي».ولاسترضاء الإسرائيليين، قال الفيصل في مقاله الذي نُشر في الطبعة الإنجليزية للصحيفة الإسرائيلية، إنه يرغب في زيارة المتحف الإسرائيلي «ياد فاشيم» وحائط المبكى، كاشفًا أنه زار متحف المحرقة في واشنطن.وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، التقى تركي الفيصل مع زعيم حزب «هناك مستقبل» الإسرائيلي يائير لبيد في نيويورك، بعد دعوة أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لـ«توسيع السلام» مع إسرائيل من جانب دول عربية أخرى.وقد سبق للفيصل أن أجرى لقاءات سابقة مع مسئولين إسرائيليين، ففي السنوات الأخيرة التقى الفيصل مسئولين إسرائيليين كبارًا بينهم الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» اللواء احتياط «عاموس يدلين»، الذي يترأس الآن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب.كما التقى «دوري جولد» المسئول الحالي بالخارجية الإسرائيلية، مع الدكتور أنور عشقي المقرب من الأسرة الحاكمة السعودية والسفير السابق للمملكة في الولايات المتحدة سرًا، ولكن في يونيو/حزيران 2015 أصبحت اللقاءات علنية، عندما تصافح جولد وعشقي في فعالية بمعهد أبحاث بواشنطن، وقال عشقي أمام الكاميرات إن التعاون بات ممكنًا، وأن «هناك العديد من المصالح المشتركة».والواضح أن الاتفاق على جزيرتي تيران وصنافير هو تتويج لاستمرار هذه الاتصالات والمصالح المشتركة ما بين البلدين، فكما أوضحت صحيفة جيورازليم بوست الإسرائيلية أن الموافقة الإسرائيلية على التحرك المصري لتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ليست سوى قمة جبل الجليد فيما يتعلق بالعمليات السرية التي تجري خلف الكواليس.


البوابة السعودية لعبور إسرائيل إلى ساحة التطبيعالعربي

منذ انتهاء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ومع توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وما تلاها، بدأ التطبيع يأخذ أشكالاً علنية. وقد كانت النقطة المثيرة للانتباه في هذا الصدد هي المبادرة التي اقترحتها السعودية من أجل وضع حد للنزاع العربي الإسرائيلي عبر مجموعة مطالب تقوم بتحقيقها الدولة العبرية، يتم على إثرها مكافأة العدو بتطبيع عربي شامل معها.ولا تكمن نقطة الإثارة الأساسية في الموضوع في طرح احتمالية انتهاء النزاع على هذه الشاكلة، بل في أن السعودية بمكانتها في العالم الإسلامي تحدثت ولأول مرة عن فكرة التطبيع مع الدولة العبرية، وليس أي تطبيع بل ذلك التطبيع الشامل غير الجزئي.وقد عُرفت هذه المبادرة بـ«مبادرة السلام العربية» التي طُرحت، للمرة الأولى، في القمة العربية التي انعقدت في مدينة فاس المغربية عام 1982، حيث طرح المبادرة وقتذاك الملك فهد (ولي العهد آنذاك) وتبنتها الدول الأعضاء، وهي المبادرة نفسها التي أعاد طرحها الملك عبد الله (ولي العهد حينها) في القمة العربية في بيروت عام 2002، وتبنتها الدول الأعضاء أيضًا، وصارت هذه المبادرة ركيزة أساسية في السياسة العربية الرسمية تجاه القضية الفلسطينية.وقد نصّت المبادرة على التزام إسرائيل بالمطلوب منها في قرارات الأمم المتحدة فقط؛ أي (الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 وعودة اللاجئين)، مقابل علاقات رسمية كاملة بينها وبين كل الدول العربية. وينبغي الإشارة هنا إلى أن التصريحات العربية الرسمية تتضارب بشكل كبير بخصوص ما هو مطلوب من إسرائيل، فكثير من التصريحات حول الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 يستثني غزة والجولان السوري المحتل تمامًا، ويقتصر على الضفة الغربية. كما أن مسألة اللاجئين يتم إغفالها بشكل علني من معظم النقاشات الرسمية حول المبادرة.وقد صرح الرئيس اللبناني السابق إيميل لحود أن المبادرة في صيغتها الأصلية عام 2002، لم تأت على ذكر حق العودة أصلاً، وإنما تم إيراده بطلب من لحود خلال قمة بيروت؛ كونه رئيس البلد المستضيف للقمة، في ظل رفض السعودية ودول عربية أخرى حسب تعبيره. وبالرغم من إصرار إسرائيل على الرفض العلني لكلا الشرطين، فإن جهود التطبيع لم تتوقف، لا في السر ولا العلانية.


أوهام التحذيرات والتخلي

كتب تركي الفيصل مقالاً بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، دعا من خلاله الإسرائيليين إلى زيارة السعودية قائلا: «أهلاً بكم في منزلي».

على الرغم من التحولات التي حدثت بعد حرب غزة الأولى التي شنّها الكيان الصهيوني في ديسمبر/كانون الأول 2008، تكررت التحذيرات حول موت مبادرة السلام العربية، وأنها لن تبقى على الطاولة طويلاً، وتكررت التصريحات بموت حل الدولتين وانتهاء فرص السلام، وذلك على لسان أكثر من مسئول عربي، من بينهم عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية آنذاك والملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيسان عمر البشير وبشار الأسد وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات.وقد عُقدت قمتان عربيتان بعد حرب غزة 2008 في الدوحة والكويت. شهدت قمة الدوحة إعلان وقف التطبيع بين إسرائيل وكل من قطر وموريتانيا، وتضمنت المطالبة بتعليق مبادرة السلام.

ستُقدم الرياض على إنشاء سفارة لها في «إسرائيل» إذا قبلت مبادرة السلام العربية المطروحة عام 2002.

ولكن سرعان ما تغيرت تلك اللهجة التحذيرية، ففي القمة الأخرى التي استضافتها الكويت، والتي عُقدت في غضون ساعات بعد نهاية الحرب، خرجت بنتائج معاكسة. فقد صرح أمير الكويت بأن «المبادرة تمثل أساس الموقف العربي»، وبعدها بأيام نشر رئيس المخابرات السعودية السابق تركي الفيصل مقالاً في صحيفة الفاينانشال تايمز، حثّ فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تأييد المبادرة.ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى صرّح جورج ميتشيل، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، بأن السعودية ودولاً عربية أخرى قد ترفض التطبيع في العلن، لكنها تقول شيئًا آخر في السر حسب تعبيره.السعودية لن تتخلى عن تلك المبادرة، فهي تحتاج لتعزيز العلاقات بينها وبين إسرائيل، لمواجهة المخاطر والتحديات التي لن تقتصر على الخطر الإيراني، وإنما تمتد لمواجهة الخطر المباشر من الإرهاب، وتنظيماته. ودعم السعودية في مواجهة الاتهامات الموجهة لها، والتي يرددها الجانب الأمريكي، بأنها أكبر داعم لتنظيمات الإرهاب، وأن داعش والقاعدة خرجت من رحم الجزيرة ومن قلب السعودية، وأن الخطر على دول الخليج ليس من إيران وإنما من النمط السعودي الراهن.حيث تُخطط إسرائيل، كما ترى مصادر سياسية وأكاديمية، بأن تدافع عن بقاء واستمرار الأسرة السعودية الحاكمة في ظل أي تقلبات محتملة في نمط العلاقات السعودية-الأمريكية.وتحقيقيًا لتفعيل مزيد من العلاقات بين الطرفين، قال أنور عشقي، الجنرال المتقاعد في الجيش السعودي، إن الرياض ستُقدم على إنشاء سفارة لها في «إسرائيل» إذا قبلت تل أبيب مبادرة السلام العربية المطروحة عام 2002.

وفي ظل رغبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الجامحة في تحقيق نقلة نوعية في علاقته مع إسرائيل، هل يترك السعودية تظفر بلقب عراب التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، أم سينافسها بشراسة على هذه المكانة؟.

المراجع
  1. أمنية سيد، "السعودية تغري إسرائيل بتقوية علاقاتها بالدول العربية.. عشقي: سنبادر بالتطبيع.. (صحف عبرية): توجد مصالح مشتركة"، موقع السهم، 6 يونيو 2016.
  2. زهير أندراوس، "تل أبيب: محور السعودية مصر دول الخليج.. تطبيع بدون دفع أثمان للفلسطينيين"، موقع شبكة نوى، 14 يوليو 2016.
  3. محمد الشبراوي، "لقاء الفيصل–عميدرور.. شرق أوسط جديد تتطابق فيه مصالح تل أبيب والعرب"، موقع إيوان 24، 6 مايو 2016.
  4. أحمد صبري وإسراء المفتاح وصالح العامر، "رصد لحالات التطبيع في دول مجلس التعاون وفرص المقاطعة وسحب الاستثمارات"، موقع حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان، بدون تاريخ.
  5. عبد الله العمادي، "المبادرة السعودية ومحاولات التطبيع في الخليج العربي"، موقع الجزيرة نت، 3 أكتوبر 2004.
  6. "العلاقة الحميمية بين السعودية واسرائيل في طريقها الى تطبيع شامل"، موقع ذمار نيوز، 24 أغسطس 2015.
  7. طارق فهمي، "بين ما يجري وما يحدث: مسار ومستقبل العلاقات السعودية الإسرائيلية"، مجلة الملف المصري، العدد 24، أغسطس 2016.