منذ نهاية الخلافة الراشدة ونشوء الملك الأموي العضوض، تشوَّق الناس إلى العودة إلى الإسلام الأول المحمدي، واندلعت الثورات في الحجاز والعراق ثم أطفئت بقوة سيف الحجاج الثقفي وزياد بن أبيه، نشأت فكرة المهدية و الإمام القادم ليملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جورًا. ولما كان الحكم الأموي قويًّا جدًّا في المركز، تحركت المعارضة الهاشمية على الأطراف فاندلعت الثورة العباسية في خرسان واستطاع المسودة تحرير خرسان ثم الزحف إلى العراق وهزيمة جيش الخليفة الأموي في الزاب (قرب الحويجة العراقية)، ولم يكن من الممكن لهذا الجيش تحقيق كل هذه الانتصارات المذهلة لولا الروايات التي وضعوها على لسان الرسول والصحابة التي تبشر بقدوم الرايات السوداء من المشرق وفيها المهدي. وبعد هزائم الجيش الأموي أمام أبي مسلم الخرساني، ظن العوام فعلاً أن القادم هو الإمام المهدي، ولكن خاب ظنهم. فلم يكن الفارق بين حكم العباسيين والأمويين كبيرًا جدًا؛ فقد أقام العباسيون ملكًا عضوضًا مثل الأمويين بل و أضافوا على ذلك أن جُعل الحكم و السلطة في يد الموالي وحرموا منها العرب (باعتبارهم موالين للحكم الأموي)، و كانت صدمة الناس في حكم العباسيين كبيرة إلا أن العدد الأكبر قرر بأن المهدي ليس من سلالة العباسيين بل من السلالة العلوية، واستمر الحلم الشعبي بالسيد العلوي الذي يملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا.

وهذا الأمر دفع عالمًا جليلًا هو أحمد بن جعفر بن المنادي (259 – 336هـ)، وهو من علماء القراءات، لأن يقوم بوضع كتاب الملاحم وحشاه بعدد كبير من الروايات مقطوعة السند غريبة المتن. وقد كتب في مقدمة الكتاب أنه نقل الأسانيد عن جمهرة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ثم ذكر أيضًا أنه نقل من كتاب «سفر دانيال» التوراتي وهذا الاعتراف مهم جدًا؛ لأن الإنسان ليتعجب من تطابق سيرة المهدي المفترض مع سيرة المسيح اليهودي (المسيا).

لقد كان الإمام أحمد بن حنبل أول من تفطن لخطورة هذه المرويات التي تتنبأ بنهاية الزمان وتحكي عن الملاحم، فقال مقولته الشهيرة: «ثلاثة لا أصل لها: المغازي والسير، والملاحم، والتفسير».

لقد كان لهذه الأحاديث المزعومة عن الملاحم والمهدي دور كبير في نشأة الفرق الإسلامية المختلفة وفي الثورات في العصر العباسي حيث ادعى كثيرون المهدية، وكان أقوى من ادعى المهدية هو العالم المغربي محمد بن تومرت الذي قال في كتابه «أعز ما يُطلب»: «لا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة، ولا يكون الإمام إلا معصومًا ليهدم الباطل لأن الباطل لا يهدم الباطل، وأن الإيمان بالمهدي واجب، وأن من شك فيه كافر، وإنه معصوم فيما دعا إليه من الحق»، وكان هذا الاعتقاد دافعًا له ولأتباعه على ارتكاب جرائم مروعة مثل مذبحة مراكش عام 541هـ التي قرروا فيها إبادة كل من في هذه المدينة عاصمة المرابطين.

لقد ورثت داعش الفكرة المهدوية ممن سبقها، ولكنها أضافت إليها بعدًا خطيرًا هو أنها تسيطر فعلًا على المنطقة التي يفترض أن تحدث فيها الملحمة.

في مطلع عام 1400هـ قام عدد من المتطرفين باحتلال الحرم المكي بقيادة محمد بن عبدالله القحطاني وجهيمان العتيبي، ثم أجبروا الناس على مبايعة القحطاني أميرًا للمؤمنين وخليفة للمسلمين بين الركن والمقام كما تنقل روايات المهدي، واعتصموا بالحرم حتى تم إخراجهم منه والقضاء على تمردهم المسلح، وكانوا يعتقدون أنهم يطبقون شروط المهدية بالمبايعة بين الركن والمقام، وظلت أفكارهم وما نادوا به مصدر إلهام للراديكاليين الإسلاميين الجهاديين لدرجة أن الجهادي الدكتور هاني السباعي يحكي كيف كانت الحركة الجهادية المصرية تتابع أخبار جماعة جهيمان باهتمام بالغ. وبعد 11 سبتمبر 2011م، ارتفعت أسهم أسامة بن لادن وقام أتباعه كذلك بالترويج لكونه هو المقصود بحديث الرسول عن القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه، وكان بعض الجهاديين يعتقدون بذلك حتى تم قتله في مايو 2011م.

لقد ورثت داعش الفكرة المهدوية ممن سبقها، ولكنها أضافت إليها بعدًا خطيرًا هو أنها تسيطر فعلًا على المنطقة التي يفترض أن تحدث فيها الملحمة، وكذلك يتم قتالها بتحالف دولي يضم عددًا من الدول «الصليبية»؛ ولذلك تسعى داعش لجر الولايات المتحدة إلى معركة برية في سهل دابق لكي يتحقق مدلول النبوءة التي تتحدث عن معركة بين المسلمين والروم في سهل دابق يكون فيها جيش الروم مكونًا من 80 راية.

تتفق داعش والقاعدة في نفس الرؤى تقريبًا من موضوع الفكرة المهدوية التي تملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا، لكن تتميز القاعدة بأنها لا تعتبر أنها تقاتل من أجل المعركة الأخيرة مثل داعش فلا تكثر من ذكر دابق والملاحم ولكنها تتعامل مع فكرة ملاحم آخر الزمان باحترام. لا أدلّ على ذلك من تسمية جبهة النصرة مؤسستها الإعلامية باسم المنارة البيضاء؛ في إشارة إلى المنارة الشرقية للجامع الأموي والتي يعتقد أن عيسى بن مريم ينزل منها.

ولقد أنكر علماء مسلمون فكرة المهدي أشهرهم: ابن حزم الظاهري، وابن خلدون، ومحمد عبده، ولمَّح إلى هذا القول محمد علي الصابوني.

في الحقيقة لقد تسببت فكرة المهدوية في سفك دماء الناس بغير حق وصارت خصمًا للمسلمين وأذى لهم. ولقد أنكر علماء مسلمون فكرة المهدي أشهرهم ابن حزم الظاهري وابن خلدون ومحمد عبده، ولمَّح إلى هذا القول محمد علي الصابوني في رسالته تعليق على أحداث الحرم المكي. وفي الحقيقة سيتبين لكل عالم بعلم مصطلح الحديث أن أحاديث المهدي بمجملها باطلة لا يصحّ منها إلا قليل القليل، أشهرها حديث في صحيح مسلم ليس ذا دلالة واضحة يتحدث عن خليفة يكون من نسل الرسول يحثّ المال حثًّا ولا يعدّه عدًّا، ويتبين أن الرسول لم يذكر لفظ المهدي في أي حديث صحيح مطلقًا، والملاحظ أن جميع من ادعى المهدية أو تسمى بها ارتكب من الجرائم ما يفوق جرائم النظام الذي يسبقه منذ عهد أول مُدّعٍ للمهدية وهو المهدي العباسي الذي كان أول من استخدم حد الردة لتصفية المعارضة السياسية والفكرية بحجة مكافحة الزندقة، مرورًا بالمهدي العبيدي (الفاطمي) الذي كان أول ما قام به إعدام الداعية أبي عبد الله الحسين بن زكريا الممهد الأول للدولة الفاطمية ثم قام بمذبحة ضد قبيلة كتامة أول من قبل بالدعوة الفاطمية!، وكذلك فعل المهدي المغربي ابن تومرت في أهل مراكش عند أخذها من المرابطين وقتل الآلاف من المسلمين بحجة أنهم كفرة لا يؤمنون بالمهدي.

وكذلك كان فعل محمد أحمد المهدي السوداني الذي زعم أن رسول الله جاءه في المنام وقال له أن مُنكِر مهديتك كافر.

هذا ناهيك عن مدعي التبعية للمهدي من الرافضة كميليشيات مقتدى الصدر التي قام بإعدادها ليقودها المهدي الشيعي، وهي التي قامت بارتكاب أبشع الانتهاكات بحق العراقيين السنة والسوريين أول أيام الثورة السورية قبل أن تنشق عن مقتدى الصدر وتتحول لاسم عصائب أهل الحق. وهذه الميليشيا المهدوية يحتوي فكرها على أمر عجيب؛ هو اعتقادها أنه من الواجب نشر الظلم في كل مكان لعل وعسى أن يخرج صاحب الزمان الإمام المهدي الشيعي (عجل الله فرجه)!.