إن أي حلول أو تسويات تتعارض مع حق الشعب في الحرية وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وعاصمتها القدس، لن يكتب لها النجاح، وسنقف سدًا منيعًا في وجه تلك التسويات، مهما كلفنا ذلك من ثمن.

إسماعيل هنية، في 5 يوليو/تموز 2017، محذرًا من التورط في مُشروع «السلام الإقليمي أو الاقتصادي» مع إسرائيل.

كشفت صحيفة «جيورزاليم بوست» مؤخرًا عن تفاصيل مبادرة السلام الإسرائيلية، التي تهدف بالأساس إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا وتفريغها من مضمونها واعتبارها قضية ثانوية لا قيمة لها.

حيث ذكر الكاتب «أوفر إسرائيلي»، الخبير في الشئون الجيوسياسية، أن هدف مبادرة السلام الإسرائيلية هو تحقيق حل شامل ومتعدد الأطراف للنزاع العربي-الإسرائيلي بدلًا من حل ثنائي للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الرغبة الإسرائيلية القوية، في ذلك التوقيت تحديدًا، لاستغلال حالة التشتت التي تشهدها المنطقة العربية واستغلال اصطفافها وراء الرئيس الأمريكي ترامب من أجل تعميق علاقاتها مع الدول العربية، وتحويل إسرائيل من دولة عدو إلى رمز للسلام، والتخلص من خلال تلك المبادرة من رصيد الكراهية الذي تراكم بينها وبين الدول العربية طيلة الأعوام الماضية.


كيف تستفيد إسرائيل من المبادرة؟

لم تكن مبادرة السلام الإسرائيلية والإعلان عن تفاصيلها مؤخرًا بأمر جديد ومفاجئ، بل سبق التمهيد له من خلال تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي «أفيجدور ليبرمان» في يوم الخميس الموافق 22 يونيو/حزيران، عندما ألقى خطابًا في مؤتمر هرتسيليا، أكد خلاله أن الطريق الوحيد من أجل التوصل إلى السلام هو أن تكون التسوية مع الفلسطينين «جزءًا من اتفاقية إقليمية متكاملة مع كافة الدول السنية المعتدلة، بما فيها الكويت والسعودية».

وبناءً على ذلك، فقد اعتبر أن التسوية مع الفلسطينين لن تكون إلا نتيجة ثانوية لهذا الاتفاق الاقليمي، وأن المنفعة التي ستعود على إسرائيل من خلال هذا الاتفاق تُقدر بـ 45 مليار دولار، ولكنه لم يوضح كيف ستجني إسرائيل هذا المبلغ من وراء التوافق الذي سيحققه التقارب مع الدول السنية.

ولكن فضلاً عن المال الذي بالطبع سيدعم الاقتصاد الإسرائيلي، فإن النفع الأكبر التي سيعود على إسرائيل من وراء هذه المبادرة، إذا تم الموافقة عليها، هو التخلص من الصورة التي انحصرت فيها إسرائيل طوال الأعوام الماضية على أنها دولة عدو غريبة محاطة بدول عربية كارهة لوجودها في المنطقة، فضلاً عن أن هذه المبادرة ستُحمّل العرب بدلاً من إسرائيل مسئولية تسوية النزاع، وستعفي إسرائيل من الذنب الناجم عن استمرار النزاع، وأنها كانت كالحمل الوديع الذي لا ذنب له حيال المساعي العربية الدؤوبة من أجل إفشال أي عملية سلام بينهم.


تفاصيل المبادرة

رغم المواقف الضعيفة التي تبنتها مبادرة السلام العربية – الصادرة في بيروت عام 2002 – وخصوصًا تجاه حق عودة اللاجئين الفلسطينين، إلا أنها قوبلت بالرفض التام من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي – آنذاك – أرييل شارون، وذلك لما كان في بنودها من تأكيد على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل، وإعلان تضامن الدول العربية للمقاومة اللبنانية، وعندما أُعيد اعتماد المبادرة العربية في 2007، أشاد إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي – في ذلك الوقت – بالمبادرة واعتبرها تغيرًا ثوريًا، إلا أنه عارض فكرة عودة اللاجئين الفلسطينين، وقال إنه لن يسمح بعودتهم إلى إسرائيل بأي عددٍ كان.

وتأتي مبادرة السلام الإسرائيلية بجرأة غير مشهودة لتضع بنودًا من تلقاء نفسها، راغبًة بذلك في تتويج نفسها راعيًا رسميًا على عرش مبادرتها، التي لم يطلب منها أحد التفضل بها.

ففي سياق مقال «أوفر إسرائيلي»، تعرّض الكاتب لأبرز بنود المبادرة، والتي تشتمل على:

  1. تشكيل كيان فلسطيني مستقر ومزدهر يتم تأمينه عبر التزامات دولية، وذلك من خلال تشكيل اتحاد كونفدرالي مع مصر والأردن.
  2. اعتراف العرب بإسرائيل كدولة والاعتراف بالقدس عاصمة لها.
  3. ضمان «الأغلبية اليهودية الثابتة» عن طريق «الانفصال الديموغرافي» عن الفلسطينيين، مع فرض السيادة الإسرائيلية على جزء كبير من أراضي الضفة الغربية.
  4. تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها تحت ظل دعم دولي شامل.
  5. حل حزب الله، واستعادة استقرار لبنان، ومحاربة نفوذ إيران في المنطقة، ووضع حد لمشروعها النووي.
  6. الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان كحل مستقبلي مع سوريا.

ويتضح من بنود تلك المبادرة أن إسرائيل باتت مطمئنة بشأن وضعها في العالم العربي، فالدول التي كانت تكن لها الكراهية وتستعد لمحاربتها وترفض التطبيع معها أصبحت منشغلة بمشاكلها الداخلية والخارجية، وبدلاً من أن تتحد الدول العربية لتواجه عدوها – الذي لا خلاف عليه – أصبحت تتقاتل فيما بينها، بينما العدو الحقيقي لا يدخر جهدًا لاستغلال حالة التشرذم العربي من أجل إنهاء القضية الفلسطينية، وتتويج نفسها زعيمًا للشرق الأوسط.


الحيلة الإسرائيلية لإقناع ترامب

إن هناك فرصة لبدء مفاوضات بهذا الشأن؛ لأن العرب ربما لن يرفضوا هذه الخطة مباشرةً، نظرًا لتأكيدات ترامب على دعمه القوي لإسرائيل والفوائد الكثيرة بالنسبة للعالم العربي وزعمائه التي تحملها المبادرة الإسرائيلية في طياتها.
كتبها أوفر إسرائيلي في مقاله.

أشار «إسرائيلي» خلال مقاله، أنه من الواجب على إسرائيل إذا أرادت أن تحظى بموافقة ودعم دونالد ترامب أن تتجنب أي صدامات معه في الوقت الحالي؛ لأن أي صدام مع ترامب قد يُفضي إلى تقديم إسرائيل تنازلات مؤلمة أو فرض عقوبات عليها. وأنه لا بد أن تتعامل إسرائيل بذكاء لأن هذا هو ما سيدفع ترامب وزعماء الدول العربية لقبول الحل الإسرائيلي المقترح، وذلك من خلال التهويل من حجم الخسائر التي قد تتلقاها الدول العربية وترامب إذا لم يقبلوا بهذه المبادرة.

فخسائر الولايات المتحدة كما أشار أوفر، تكمن في إضعاف إسرائيل أقوى وأقرب حلفاء واشنطن، وإظهار ترامب كزعيم فاشل تسبب في تأجيج النزاعات في الشرق الأوسط بدلاً من حلها.

علاوًة على ذلك، فإن رفض المبادرة سيهدد الأنظمة العربية السنية، إذ سيكون ذلك بمثابة الفرصة لتثبيت دعائم التيار السلفي المتشدد في المنطقة، وتوسيع نفوذ إيران وحلفائها في الشرق الأوسط والذي من شأنه أن يؤدي إلى إسقاط الأنظمة العربية بما فيها نظام الحكم الحاكم في السعودية، وستتمكن إيران حينها من إفشال صفقة الأسلحة السعودية الأمريكية التي وقع عليها ترامب في الرياض.

الخلاصة، مبادرة السلام الإسرائيلية هي جزء من مساعي إسرائيل للتطبيع مع الدول العربية دون أن تنهي احتلالها لفلسطين، وربما كشفت إسرائيل عن تفاصيل المبادرة في هذا التوقيت تحديدًا لأنها تعلم حجم التقارب الأمريكي العربي في الفترة الحالية، فضلاً عن الأزمة الخليجية-القطرية التي أثبتت أن إسرائيل وأمريكا وزعماء الدول العربية مجتمعين على هدف واحد ألا وهو التخلص من إيران وحلفائها في المنطقة، ومحاصرتهم اقتصاديًا وسياسيًا من أجل تقليص نفوذهم، وأن هذا التوافق في الهدف هو ما سيمهد لقبول الحل الإسرائيلي وتحقيق الزعامة الإسرائيلية للشرق الأوسط.