كان يبدو من حديثكم في صلاة الجمعة، ويظهر أنكم لا تؤمنون أن الحكومة تعني الولاية المخوَّلة من قبل الله للنبي الأكرم (ص) مُقدَّمة على جميع الأحكام الفرعية الإلهية. لا بدّ أن أوضِّح أن الحكومة شعبةٌ من ولاية رسول الله (ص) المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية، حتى الصلاة والصوم والحج

المهديّ الذي غاب

فإنك ميتٌ ما بينك وبين ستة أيام فأجمِع أمرك ولا توصي إليّ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورًا

الشاه طهماسب ونوَّاب الإمام الغائب

لكنّ المذهب الشيعي كان على موعدٍ مع تغيُّر كبير سيغيِّر من شكل التاريخ الشيعي. كان الشاه طهماسب، نجل الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية قد استلم الحكم وهو في العاشرة من عمره، وما إن وصل لسن التاسعة عشر حتَّى بدأ محاولاته للسيطرة على الدولة، بدلًا من مراكز القوى المتركزة تحديدًا في قوى القزلباشية، لجأ الشاه لحيلة بارعة، فقد راسل أحد فقهاء الشيعة الكبار «عليّ الكركي»، باعتبارهِ نائبًا عن الإمام المهديّ الغائب، وأخرج أمرًا بوجوب إطاعة الكركي من جميع أركان ورجال دولته. بالطبع لم يكن هذا لغرضٍ دينيّ من قبل الشاه، وإنما كان غرضًا سياسيًّا محضًا ليستطيع القضاء على القزلباشية، أو تحجيم سلطاتهم وقوتهم عليه.أثار الكركيّ بفعلته –التي عُدَّت منافية لجميع الأصول والقواعد الفقهية الاثنى عشرية – حفيظة العديد من الفقهاء الكبار في عصره ومن بعده. وقد تساجل الشيخ إبراهيم القطيفي مع المحقق الكركي في ما بدأه الكركي من الولاية العامة للفقهاء، فقد رأى القطيفي أن لا ولاية لأيّ أحدٍ في غيبة الإمام المعصوم. كما منع صلاة الجمعة وأخْذ الخراج بينما أجازهما الكركي. بالجملة لم يدُم الكركي في منصبه أكثر من سنةٍ واحدة؛ فقد وافته المنيَّة عام 940هـ.وهكذا، بموقف الكركي من السلطة، أتاح في المذهب الشيعي الاثني عشري، ما لم يُتحهُ فقيهٌ قبله، وظلَّت الدولة الصفوية تعتمد في شرعيتها على شرعية «نوَّاب الإمام». لكنّ الملاحظ أنّ نظرية «ولاية الفقيه» – والتي نشأت بسبب الكركيّ كانت محلّ نظر ومنازعات وجدالات بين فقهاء الشيعة الكبار، حتَّى انتهى العصر الصفوي. وبدخول العصر القاجاري أيضًا ظلَّت المداولات بين الفقهاء قائمة، ورغم أنّ الحكم القاجاري لم يقم بسبب تزاوج بين الفقهاء والشاه بنفس الشكل الصفوي، إلا أنَّهُ كان ينظر دومًا للفقهاء باعتبارهم أساس الشرعية والقادة الروحيين، والذين يعلن الشاه ولاءه لهم.نضرب على ذلك مثالًا تاريخيًّا مشهورًا. وقَّع الشاه ناصر الدين القاجاري اتفاقية حصر بيع وشراء التنباك مع شركة بريطانية، أدت الاتفاقية إلى سيطرة بريطانيا على 20% من الاقتصاد الإيراني، طالب الشعب الإيراني بإيقاف الاتفاقية تمامًا، لكنّ الشاه لم يوقفها، وهنا استنجد الناس بالمرجع الميرزا محمد حسن الشيرازي، الذي كان يعيش بالعراق. أفتى الميرزا الشيرازي بتحريم التدخين واستعمال التنباك بأية صورة، بل وصل إلى أن قال: «إن من يخالف هذا الحكم فكأنما يحارب الإمام المهدي المنتظر». لم يستطع الشاه أن يُمضي الاتفاقية وقام بإلغائها، فقد أطاع الشعب الإيراني – بما فيه زوجة الشاه والعاملون في القصر الملكي – الميرزا الشيرازي. ألغى الشاه الاتفاقية ودعا العلماء لإيران وتعهد باستشارتهم دومًا في المستقبل في جميع الأمور!.


الخميني، الرجل الذي سبق الجميع!

«للفقيه العادل جميع ما للرسول والأئمة، مما يرجع إلى الحكومة والسياسة، ولا يُعقل الفرق» الإمام الخميني من كتاب البيع.اتخذت نظرية ولاية الفقيه شكلًا آخر مع صعود الإمام آية الله، روحُ الله الخميني، الذي اعتبر أنّ للوليّ الفقيه الولاية المطلقة الكاملة على المسلمين، الولاية التي كانت لرسول الله نفسه، وللإمام عليّ بن أبي طالب وبقية الأئمة من نسله!.استطاع الخميني بهذه النظرية أن يُحدِثَ الفارق بين النظرية القديمة لولاية الفقيه، والتي تجعلهُ نائبًا للمهديّ، ولكنه لا يحكم، واستطاع الصفويون والقاجاريون أن يستفيدوا من هذه النيابة، وبين النظرية الحديثة التي تجعل الوليّ الفقيه نفسهُ حاكمًا باسم الإله. قام الخميني بانتفاضة على الشاه رضا بهلوي عام 1963م، طرد على إثرها إلى العراق. استطاع الإمام الخميني أن يحشد الأتباع، وأن يبلور نظريته بقوَّةٍ وتماسك، وحين حانت الساعة حُكمت إيران بقبضة المعممين تمامًا.كان الإمام الخميني زاهدًا، وفقًا للروايات التي تروى عن مسكنه، توفي الإمام عام 1989 واجتمع سدنة السلطة في إيران لاختيار المرشد الأعلى الجديد، كان الرئيس علي خامنئي حينها قد قاربت ولايته الثانية في الرئاسة على الانتهاء. خرج هاشمي رفسنجاني – رئيس مجلس الخبراء حينها – والذي يُناط به اختيار المرشد حال شغور المنصب، وتحدث رفسنجاني عن لقاء خاص بينه وبين الخميني، قال الخميني خلاله أن خامنئي هو الأجدر بالقيادة. وتمّ اختيار خامنئي، والذي يتحكم في إمبراطورية مالية ضخمة تقدَّر قيمة أصولها الآن بـ 95 مليار دولار، وفقًا لـ تحقيق استقصائي قامت به وكالة رويترز. كما أنّ عائلته تسيطر على العديد من مفاصل السلطة والاقتصاد في إيران، تحديدًا ابنه الأصغر مجتبى خامنئي، والذي يُنظر إليه كثيرًا باعتبارهِ عرَّاب مكتب والده، ومن تحت يده تخرج العديد من القرارات، عبر نظرية «ولاية الفقيه» التي تجعل من خامنئي ظلّ الله على الأرض، حرفيًّا.

المراجع
  1. الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني
  2. تطور الفكر السياسي الشيعي: من الشورى إلى ولاية الفقيه
  3. نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها في الفكر السياسي الإيراني المعاصر