بعد أن عرفنا في المقال السابق أن الشرع قد يطلق لفظ الكفر على المعصية تهويلاً لشأنها، وبيانًا لعظيم خطرها، وأن للتكفير شروطًا وموانع، وأنه لا يقدم على التكفير، بل ولم يقدم عليه عالم راسخ، نتناول معًا الجريمة الثانية المترتبة عليه، وهي جريمة القتل.

وبادئ ذي بدء نلفت النظر إلى أن جريمة القتل العمد لا بد أن يسبقها كره وحقد، أو حسد أو تكفير، أو طيش وغضب مذموم، ونحو ذلك، فلا ترى جريمة قتل عمد إلا وسبقها شيء من ذلك، كما لا بد أن يسبقها جهل بآثارها الدنيوية والأخروية.

ونلفت النظر أيضًا إلى أن الإنسان بنيان الله المُكَرّم، إذ خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسكنه جنته، وأسجد له ملائكته، ووهبه نعمة العقل والتفكير، وجعله خليفة في أرضه ليعمرها، فكيف يتم الاعتداء عليه بإزهاق الروح التي هي سر الله في الحياة بلا ذنب ولا جريرة؟ ومن اعتدى على نفس إنسانية بالقتل فقد جلب على نفسه قلق الدنيا، وخسران الآخرة.

لذا جاء التحذير في الشريعة الإسلامية من القتل، وبينت خطورته، وحذرت من مقدماته التي يمكن أن تؤدي إليه، بل حذرت الشريعة من أقل من ذلك، إذ حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من مجرد الإشارة إلى أخيه المسلم بحديدة، أو أن يمر في مكان عام بشيء يجرح أهله.

وفي الحديث عن جابر بن عبد الله، قال: مر رجل بسهام في المسجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك بنصالها» قال: نعم. [البخاري كتاب الفتن حديث: ‏6679‏، ومسلم كتاب البر حديث: ‏4842‏]

فانظر كيف يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو أقل من القتل، وذلك من وسائل الوقاية العامة التي أمر الشرع بالأخذ بها للحفاظ على حياة الناس وأرواحهم.

وجاءت الأحاديث عن أبي بكرة، وعائشة، وجابر، وأبي هريرة بالوقاية أيضًا من جريمة القتل، فجاءت الأحاديث تحذر من مجرد الإشارة لأخيه المسلم بحديدة، وإنه إن فعل فإن الملائكة تلعنه، واللعن طرد من رحمة الله ففي الحديث عن أبي هريرة، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه». [مسلم كتاب البر: ‏4847‏]

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يشيرُ أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري، لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار». [البخاري كتاب الفتن: ‏6678‏، ومسلم كتاب البر: ‏4847‏]

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم خص المسلم بالذات لأنه أكثر معاشرة ومخالطة لأخيه، وإلا فالنهي عام، والحث على الوقاية من القتل عام أيضًا مع المسلم وغيره، فيحرم الإشارة بالسلاح على غير مسلم معصوم الدم، أما اللعن لأجل الإشارة بالسلاح على المسلم فهو أمر توقيفي، ولا نعممه على غيره، والله أعلم.

وجاءت الشريعة تحذر من حمل السلاح على المسلم، فقد جاءت الأحاديث عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وسلمة بن الأكوع، وأبي هريرة، وأبي موسى الأشعري وغيرهم رضي الله عنهم، كلهم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان حال من حمل السلاح على المسلمين فعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا». [البخاري كتاب الديات: ‏6493‏، ومسلم كتاب الإيمان 128]

أي ليس على طريقتنا، أو ليس متبعا لمنهجنا.

وقد بين الله تعالى حرمة القتل، وبين أن من قتل نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعًا، إذ من قتل مرة يستطيع أن يقتل ثانية، وثالثة، وهكذا فقال تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». [المائدة: 32]

وقد خص بعض العلماء «نفسًا» في الآية بنفس العالم أو الإمام العادل لعموم النفع بهما، وهو وإن كان رأيًا حسنًا، لكني لا أجد مسوغًا لتخصيص ما عممه القرآن، مع العلم بأن حرمة قتل العالم أو الإمام العادل أشد، ومثال ذلك كمن أتلف عامدًا جنيهًا مصريًا، وغيره أتلف جنيهًا ذهبيًا.

وإذا كان القرآن قد بين أن قتل نفس يساوي قتل الناس جميعًا فيُفهم من هذا ضمنًا أن القتل من أكبر الكبائر الموبقة، فقد جاءت السنة تبين ذلك صراحة بالمنطوق مع البيان بالمفهوم من نص القرآن، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق،……». [البخاري كتاب الوصايا: ‏2634‏، ومسلم كتاب الإيمان: ‏154‏]

وبينت السنة أن المؤمن يكون مقبلاً على الطاعة، مسرعًا إليها، مكثرًا منها، منوعًا فيها ما لم يصب دمًا حرامًا دمًا أي دم، فإذا أصاب دم مسلم أو غيره بغير وجه حق انقطع عن الطاعة، ووقع في الهلكة التي لا مخرج منها فعن عبد الله بن عمر، قال: «إن من ورطات الأمور، التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله». [البخاري كتاب الديات: ‏6483‏]

وعن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال المؤمن معنقًا صالحًا، ما لم يصب دمًا حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا بلّح». [أبو داود كتاب الفتن والملاحم: ‏3744‏]

و«المعنق» هو: المسرع في الطاعة المنبسط في العمل الصالح. ومعنى «بلّح».. تقول بلّح الرجل: إذا انقطع من الإعياء، فلم يقدر أن يتحرك – يريد وقوعه في الهلاك بإصابة الدم الحرام.

والقتل من الجرائم الكبرى التي يرضى إبليس بها وعنها وعن فاعلها فعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أضل اليوم مسلمًا ألبسته التاج. قال: فيخرج هذا، فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول: أوشك أن يتزوج، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: أوشك أن يبر، ويجيء هذا، فيقول: لم أزل به حتى أشرك فيقول: أنت أنت، ويجيء، فيقول: لم أزل به حتى زنى فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا، فيقول: لم أزل به حتى قتل فيقول: أنت أنت، ويلبسه التاج». [صحيح: ابن حبان في صحيحه كتاب التاريخ: ‏6280‏]

وكما حذر الإسلام من القتل واعتبره كبيرة من الكبائر الموبقات، حذر أيضًا من التقاتل لأنه إضعاف للأمة، وناشر للفتنة، وقد كثرت النصوص المحذرة من الاقتتال بين المسلمين وبينت أنه من أعمال الجاهلية، وأنه عمل كفر ففي الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» [البخاري كتاب الإيمان: ‏48‏، ومسلم كتاب الإيمان حديث 122]، وفي لفظ: «سباب المسلم أخاه فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه». [أحمد: 4101]

وعن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «استنصت الناس» فقال: «لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض» [البخاري كتاب العلم حديث: ‏120‏، ومسلم كتاب الإيمان حديث 123]

وعن الصنابح بن الأعسر الأحمسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي». [ابن حبان كتاب الحظر والإباحة 6070]

وكما عرفنا أن إبليس يفرح بالقتل وفاعله، فإنه يفرح كذلك بالتقاتل وفاعله، ويحث ويشجع عليه فعن جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:

إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم.
[مسلم كتاب صفة القيامة: ‏5136‏]

لذا خاف السلف من التقاتل فعن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين. فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تَقْتُل الناس جميعًا وإياي معهم؟ قلت: لا. قال فإنك إن قتلت رجلاً واحدًا فكأنما قتلت الناس جميعًا، فانْصَرِفْ مأذونًا لك، مأجورًا غير مأزور. قال: فانصرفت ولم أقاتل. [ابن كثير سورة المائدة]

أما إذا كان الاقتتال فرديًا بين شخص وآخر من المسلمين، فقد بينت السنة أن القاتل والمقتول في النار لحديث أبي بكرة عن الأحنف بن قيس، قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه». [البخاري في الإيمان 31]

وإذا كان الله تعالى حرم القتل عمومًا، وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر الموبقات، فإن التحريم أشد إذا كان المقتول مؤمنًا، وكلما ازدادت سمات المؤمن التي تقربه من ربه كان جرم القتل أشد ككونه إمامًا عادلاً، أو كونه عالمًا، أو كونه عالمًا عابدًا تقيًا.

وجاءت نصوص السنة تنص على حرمة قتل المؤمن ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة». [البخاري كتاب الديات: ‏6497‏، ومسلم كتاب القسامة: ‏3261‏]

يقول ابن كثير: «ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث، فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله، وإنما ذلك إلى الإمام أو نائبه». [ابن كثير سورة النساء]

وفي حجته صلى الله عليه وسلم، ومع استقرار التشريع، وتوديعه الدنيا وأهلها، يوصي الأمة أن تحافظ على الدماء لحرمتها، فهي وصية مودع للدنيا، وقد روى ذلك ابن عمر، وابن عباس، وأبو بكرة، وفي حديثه: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه». [البخاري كتاب العلم: ‏67‏، ومسلم كتاب القسامة 3265]

ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن زوال الدنيا جميعها أهون عند الله تعالى من إزهاق نفس مؤمنة، ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم». [الترمذي في الديات: ‏1352‏، والنسائي في كتاب تحريم الدم: ‏3943‏]

وعلى هذا المنهج سار الصحب الكرام فعلموا أن حرمة الكعبة مع عظمتها أقل من حرمة المؤمن فعن سعيد بن ميناء، قال: إني لأطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو بعد حريق البيت، إذ قال: «أعظمتم ما صنع البيت؟» قال: قلت: وما أعظم منه؟ قال: «دم المسلم يسفك بغير حقه». [عبد الرزاق في مصنفه كتاب المناسك: ‏8916‏]

ونظر ابن عمر يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك». [الترمذي في البر: ‏2005‏، وحسنه، وابن حبان كتاب الحظر والإباحة: ‏5842‏]

وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من أن يقتل المسلم رجلاً شهد الشهادتين حتى وإن كان في صفوف المشركين، ولما ينتقل بعد إلى معسكر المؤمنين ففي الحديث عن المقداد بن عمرو: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله» فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال». [البخاري كتاب المغازي: ‏3813‏، ومسلم كتاب الإيمان 164]

وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا شديدًا على من قتل رجلاً يقاتل المسلمين، وهو في صفوف المشركين، لكنه عندما أحس أن السيف سينزل عليه شهد الشهادتين، وقد وجه هذا الإنكار لغير واحد من الصحابة.

وفي الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله». قلت: كان متعوذًا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. [البخاري كتاب المغازي: ‏4033‏، ومسلم كتاب الإيمان 165]

وفي حرمة وجزاء قتل المؤمن يقول تعالى:

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا.
[النساء: 93]

ولما لم يكن لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه، كان الجزاء شديدًا في الآية، ولا شك أن هذه الأنواع من العقاب كل واحد منها شديد بمفرده فكيف إذا اجتمع عذاب جهنم مع الخلود فيه، مع غضب الله، مع اللعنة، وفوق ذلك «وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا».

ومما جاء في تشديد التنفير من قتل المؤمن حديث أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا من مات مشركًا، أو من قتل مؤمنًا متعمدًا». [أبو داود كتاب الفتن والملاحم حديث 3742، وابن حبان كتاب الحظر والإباحة: ‏6065‏]

وعن عبادة بن الصامت، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من قتل مؤمنًا فاعتبط بقتله، لم يقبل الله منه صرفًا، ولا عدلاً». [أبو داود كتاب الفتن والملاحم حديث: ‏3743‏] «فاعتبط بقتله»: فرح أو قتله ظلمًا بلا جناية توجب قتله ولا عن قصاص، «صرفًا» الصرف التوبة، وقيل النافلة «عدلاً» العدل الفدية، وقيل الفريضة.

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القاتل والآمر، قال: «قسمت النار سبعين جزءًا، فللآمر تسع وستون، وللقاتل جزء وحسبه». [حسن بشواهده: أحمد: ‏22453‏]

ومن أعان على قتل مسلم لقي نفس المصير من العقاب فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله». [حسن: ابن ماجه كتاب الديات: ‏2616‏]

وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة يذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار». [صحيح لغيره: الترمذي في الديات 1355]

ولخطورة الدماء كانت أول شيء يقضى فيه بين الناس يوم القيامة لحديث ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس في الدماء». [البخاري كتاب الديات: ‏6484‏، ومسلم في القسامة 3264]

عن سالم بن أبي الجعد، أن ابن عباس سئل عمن قتل مؤمنًا متعمدًا، ثم تاب وآمن، وعمل صالحًا، ثم اهتدى، فقال ابن عباس: وأنى له التوبة، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «يجيء متعلقًا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا، فيقول: أي رب، سل هذا فيم قتلني، ثم قال: والله لقد أنزلها الله، ثم ما نسخها». [صحيح: النسائي كتاب تحريم الدم: ‏3955‏]

ومن أنواع العقاب الذي يعاقب به القاتل يوم القيامة أن قطعة من النار تخرج، والناس في موقف الحساب فتأخذ من قتل نفسًا بغير حق قبل أن يقضى بين الناس بخمس مائة عام، يدل على ذلك حديث أبي سعيد، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار، وبمن جعل مع الله إلهًا آخر، وبمن قتل نفسًا بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم». [صحيح: أحمد: ‏11119‏]

وفي لفظ للطبراني: «يخرج عنق من النار لها لسان تتكلم به، وعينان تبصر بهما، فيقول: إني أمرت بكل جبار عنيد، وبمن دعا مع الله إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير حق». [الطبراني في الأوسط: ‏318‏]

وفي لفظ للحارث: «بينا الناس ينتظرون الحساب إذ بعث الله عنقًا من النار يكلمهم يقول: أمرت بثلاثة: أمرت بمن ادعى مع الله إلهًا آخر، وأمرت بمن قتل نفسًا بغير نفس، وأمرت بكل جبار عنيد»، قال: «فيلقطهم من بين الناس كما يلقط الطير الحب ثم يسير بهم في نار جهنم». [الحارث في مسنده كتاب الفتن نعوذ بالله منها: ‏763‏]

وفي لفظ لحنبل: «تخرج عنق من النار يوم القيامة لها لسان تنطق به تقول: إني أمرت بثلاثة: بمن جعل مع الله إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير نفس، وبالجبارين»، قال: «فتنطوي عليهم فتلقيهم في النار قبل الحساب بخمس مائة عام». [حنبل بن إسحاق في جزئه: ‏67‏]

والقاتل من أبغض الناس إلى الله تعالى لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطّلِب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه.
[البخاري كتاب الديات: ‏6501‏]

وإن أعجب فعجب لمن يغفل كل هذه النصوص وأمثالها ثم يقدم على قتل المؤمنين المصلين، فليستعد القاتل إذن لما أعده الله له من عقاب.

ولا يفوتنا أن نبين أن المقتول ظلما شهيد إن شاء الله، وهو من أهل الجنة لحديث ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله، فليقل: هكذا، فالقاتل في النار، والمقتول في الجنة». [صحيح: أبو داود كتاب الفتن والملاحم: ‏3734‏، وأحمد 5530]

ونسأل الله أن يحفظ بلادنا ودماءنا وشبابنا، إنه على كل شيء قدير.