على مدى عام ونصف، تتبع الصحفي المصري محمد أبو الغيط رحلة العديد من الأسلحة الأجنبية المنتشرة في أيدي أطراف الصراع في اليمن، ليخرج لنا بتحقيق استقصائي متميز بعنوان «المستخدم الأخير»، في إشارة إلى المبدأ الدولي الذي يقضي بمنع نقل الأسلحة من الطرف المستورد إلى طرف آخر دون موافقة مكتوبة من دولة المصدر.

الفيلم الذي أنتجته شبكة أريج للصحافة الاستقصائية، لصالح فضائية دويتش فيله العربية، يأتي في نحو 33 دقيقة، كشف فيها أبو الغيط وزملاؤه الكثير من التفاصيل المهمة عما يحدث في اليمن، وعن الدور السعودي والإماراتي في تسريب أسلحة حديثة إلى أطراف الصراع في اليمن.


من هو محمد أبو الغيط؟

طبيب وصحفي مصري من محافظة أسيوط، يبلغ من العمر 30 عامًا. سُلط عليه الضوء عام 2011 بعدما كتب تدوينة شهيرة بعنوان «الفقراء أولًا يا أولاد الكلب». بدأ عمله الصحفي في جريدة الشروق عام 2012، ونشر العديد من التحقيقات الصحفية المهمة، من أبرزها تحقيق كشف فيه عن حقيقة اللواء إبراهيم عبد العاطي، المعروف بـ«عبد العاطي كفتة»، والذي ادعى أنه اخترع علاج لفيروس سي. كما عمل أبو الغيط أيضًا كمعد برامج تلفزيونية في قناتي «أون تي في» و«الحرة».

حصل محمد عام 2014 على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عن مقال له بعنوان «موسم الموتى الأحياء». له عشرات المقالات في صحف ومواقع مصرية وعربية مثل الشروق والمصري اليوم والعربي الجديد والمدن.


أريج: إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية

تعتبر «أريج» أول شبكة صحفية في المنطقة مكرّسة لترسيخ صحافة الاستقصاء لدى وسائط الإعلام العربية؛ وفق منهجية متطورة حديثة العهد على غرف الأخبار. تأسست الشبكة في الأردن نهاية 2005 للمساهمة في دعم صحافة احترافية مستقلة ذات جودة عالية، من خلال تمويل مشاريع تقصّي في العمق، وتنظيم ورشات تدريب نوعية متقدمة وتوفير خبرات إشراف على يد إعلاميين محترفين.

مولت أريج ماليًا في بدايتها بمنحة من البرلمان الدنماركي، من خلال برنامج دعم الإعلام الدولي (IMS). بينما وفرّت الجمعية الدنماركية لصحافة الاستقصاء (FUJ) الدعم التقني والاحترافي. منذ ذلك الحين، انضم مانحون جدد إلى مشروع الشبكة، بمن فيهم مؤسسة المجتمع المفتوح (OSF)، منظمة اليونيسكو، المركز الدولي للصحافيين (ICFJ)، الوكالة السويدية للتنمية الدولية (SIDA)، وزارة الخارجية النرويجية، سفارة هولندا في عمان، والوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي (CFI) والسفارة النرويجية في عمان.

مولت أريج عشرات التحقيقات الاستقصائية المهمة في مختلف الدول العربية، وتنظم مؤتمرًا سنويًا (تجري وقائعه هذه الأيام) لاستعراض أوضاع المجال وأبرز التقنيات الجديدة فيه.


من هو «المستخدم الأخير» فعلًا؟

يبدأ التحقيق من النقطة التي يعلمها أغلب المتابعين للشأن اليمني، وهي أن المقاتلين الموالين لقوات التحالف الدولي، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حصلوا على أسلحة ومعدات عسكرية غربية حديثة. وينفرد التحقيق بتتبع هذه الأسلحة لمعرفة مصادرها والاتفاقيات التي تحكمها، وهنا ظهرت المفاجأة؛ بعض هذه الأسلحة تحكمها التزامات دولية، تمنع نقلها إلى طرف ثالث دون موافقة مكتوبة من دولة المصدّر.

على مدى عام ونصف العام تتبع أبو الغيط رحلة أسلحة وصلت إلى أياد يمنية لم يكن يفترض أن تصل إليها. هذه الأيادي لا تقتصر على المقاتلين الموالين لقوات التحالف الدولي فقط، لكنها تضم أيضًا أيادي الدولة الإسلامية «داعش» وتنظيم القاعدة وتنظيمات مصنفة كجماعات إرهابية، بل وحتى أيادي الحوثيين – أعداء التحالف – أنفسهم.

التحقيق ذاخر بأدلة على تورط السعودية والإمارات في تسريب أسلحة محظورة إلى أطراف ثالثة، وبالتالي خرق الالتزامات الدولية بخصوص المستخدم الأخير للسلاح. من هذه الأسلحة بنادق G3 وG36 التي تصنعها السعودية بموجب رخصة خاصة من شركة «هكلر آند كوخ» الألمانية، ومطلق القذائف RPg -32 الذي يصنع في الأردن بالتعاون مع شركة روسية ولم يُصدّر سوى إلى الإمارات، والبندقية الآلية FN MINIMI البلجيكية التي تستوردها السعودية، والقنابل اليدوية السويسرية HG 85 التي قالت الشركة المصنعة لها إنها باعتها إلى دولة الإمارات، ومدرعات أمريكية لم تحصل عليها أي دولة سوى الإمارات، وقذائف صاروخية صربية اشترت منها السعودية 50 ألف قطعة.

كما يحمل التحقيق المهم أدلة على تواطؤ شركات ودول غربية، كالولايات المتحدة الأمريكية والنمسا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا، في التغطية على عديد من المخالفات التي حدثت. إذ رفضت شركة «هكلر آند كوخ» الرد على استفسارات القائمين على الفيلم، بينما قالت وزارة الاقتصاد الألمانية إنه ليس لديها معلومات مؤكدة عن استخدام أسلحتها في اليمن.

واعتذر مكتب رئيس الوزراء البلجيكي عن إجراء مقابلة بخصوص الموضوع بحجة أنه لا يملك وقتًا، ولم ترد الحكومة الإسبانية على تساؤلات بخصوص وجود أسلحة لها في اليمن. فيما قال المتحدث باسم البنتاجون إنهم يسعون للحصول على معلومات إضافية حول تسرب أسلحتهم إلى اليمن.

ويبرز التحقيق أيضًا كيفية استعانة السعودية والإمارات بدول البلقان، مثل صربيا وبلغاريا، للحصول على مئات آلاف الأسلحة منها من أجل إرسالها إلى اليمن، وذلك بسبب تخوف الدول الغربية من افتضاح المخالفات وإحراجها أمام شعوبها.