شركة إماراتية تتولى مسئولية بناء سفن من طراز «ساعر 6» لسلاح البحرية الإسرائيلية ضمن صفقة أُبرمت عام 2015، وسلاح الجو الإسرائيلي يُجري مناورات جوية مشتركة مع عدة مقاتلات من جيوش أجنبية من بينها الإمارات في قاعدة سلاح الجو اليونانية في مارس/آذار 2017.

أصبحت معطيات السياسة الخارجية الإماراتية في العقد الأخير لا تتناسب مع ادعاءاتها حول رعاية القضية الفلسطينية، وصيانة مصالح الشعب الفلسطيني. بيد أن الأزمة الخليجية الأخيرة بدأت في كشف جوهر السياسات الإماراتية تجاه القضية الفلسطينية، وأبعادها الخفية التي صاغها محمد بن زايد.

وقد جرى الحديث عن التأثير السلبي الشديد الذي منيت به حركة المقاومة الفلسطينية حماس جراء الحصار الخليجي لقطر، وهو ما مثّل فرصة لإسرائيل سواء لتصفية المقاومة أو لتمرير المزيد من سياساتها التهويدية والاستيطانية.

وفي خضم الأزمة، تمت مهاجمة حركة حماس بشدة، ووصفها بالحركة «الإرهابية»، وهو ما حدا بالبعض لتفسير ذلك بأن الإمارات والسعودية ترغبان في تصفية واحدة من مكامن النفوذ القطري في المنطقة، والقضاء على دورها في القضية الفلسطينية، عن طريق التلويح بتهمة تمويل ودعم الحركات الإرهابية.

بينما ذهب البعض الآخر إلى أن هناك رغبة خليجية – إماراتية في المقام الأول – لتصفية المقاومة الفلسطينية، وأن أزمة قطر كانت الظرف الأنسب لتحقيق هذه الرغبة.

فما الذي ينوي محمد بن زايد فعله وهو على أبواب غزة؟


ابن زايد: شرطي المنطقة الجديد

يُقرّ الكاتب وأستاذ العلوم السياسية اللبناني «أسعد أبو خليل» أن هناك فروقًا جوهرية بين أجيال حكّام الخليج، فالجيل الأول، رغم فساد بعضه وسوء حكمه وارتهانه للمُستعمِر، عاش في خوف مستمر على عرشه وسلطته من سطوة عبد الناصر الجماهيرية، التي سيطرت على المنطقة العربية لعقدين من الزمن.

بينما وصل الجيل الثاني (الحالي) إلى السلطة دون أن يكون هناك منافس حقيقي للنفوذ الخليجي على الساحة العربية، وباتت المنافسة تنحصر بين الخليجيين أنفسهم، فأصبح هذا الجيل أقل مرونة في تقبل الآراء ووجهات النظر.

كان هذا هو حال محمد بن زايد منذ صعوده السياسي عام 2003، عندما تم تعيينه نائباً لولي عهد أبو ظبي، حينها شعر بأن الإمكانات الاقتصادية الخليجية تكفل لها مكانة أكبر وأكثر تأثيراً في المنطقة العربية، كما تضمن علاقات تحالف – تصل إلى مستوى الندية أحياناً في إدارة قضايا المنطقة – مع الدول الكبرى.

وبالطبع، فإن توطيد علاقته مع الولايات المتحدة كانت هي مفتاح الباب السري الذي يفتح المجال هذا الطموح الواسع. ولكنه أيقن في الوقت ذاته أن العلاقة النفطية لا تكفي من أجل بناء هذا التحالف. فسعى لتشكيل لوبي إماراتي اقتصادي قوي في واشنطن، يضمن استمرار هذ التحالف، وصيانة المصالح الإماراتية. كما راح يُنفق بسخاء على مراكز الأبحاث الأمريكية، مثل: Atlantic Council، Brookings، ومؤسسة Rand، American progress، Stimson Center، Washington Institute.

ووصل الأمر إلى أن محمد بن زايد بات أحد المسئولين عن إقامة خطوط اتصال بين إدارة ترامب وإدارة بوتين، إذ كشفت واشنطن بوست أن ابن زايد رتب اجتماعاً سرياً في يناير/كانون الثاني الماضي 2017، بين مؤسس شركة بلاك ووتر «إيريك برنس» – الذي يعرف ترامب منذ عقود وأحد المتبرعين الرئيسيين لحملته الانتخابية وله معه روابط مالية وتجارية متشعبة – وبين مسئولين روس مقربين من فلاديمير بوتين في جزيرة سيشيل، وقد تسربت هذه المقابلة حينما حاول بن زايد التسلل سراً إلى نيويورك ليلتقي في برج ترامب مع ثلاثة من مستشارى ترامب هم مايكل فلين وجاريد كوشنر وستيفن بانون للاتفاق على تفاصيل الاجتماع.

وعلى ذلك، فإن محمد بن زايد لم يتطلع لعلاقة تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة فقط، لكنه كان يتصور دائماً أن الإمارات هي الدولة الأجدر بريادة المنطقة العربية، والتحكم في بوصلتها السياسية.


فلسطين: حبة عقد النفوذ الإماراتي

كانت فلسطين، منذ تفجر القضية، هي مدخل الأنظمة العربية لتوسيع نفوذها الإقليمي وتصدر المشهد السياسي، هكذا حاول الملك فاروق إبان حرب 1948. كما أن فلسطين كانت في القلب من مشروع عبد الناصر القومي، الذي جعله الفاعل الأهم في المنطقة في خمسينات وستينات القرن المنصرم.

وبعد تنازل مصر عن هذا الدور – نسبياً – بتوقيعها لاتفاقية السلام مع إسرائيل، تنافست أطراف إقليمية عدة على شغل هذه المساحة، بدايةً من سوريا، ومروراً بالعراق، وإيران، ثم السعودية، وأخيراً قطر.

واليوم، ورغم تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، والتوقف عن المناداة بحقوق الشعب الفلسطيني، والاتجاه نحو التطبيع السري والعلني مع إسرائيل. مازالت تحمل القضية أهمية خاصة لأي طرف عربي أو إقليمي يرغب في لعب دور ريادي وتوسيع نفوذه في المنطقة.

والمقصود هنا، ليس القيام بدعم الفلسطينيين أو طرح مبادرات «فارغة» للسلام بينهم وبين الإسرائيليين. إنما المقصود أن يكون هذا الطرف العربي أو ذاك قادراً على الإمساك بتلابيب القضية، نافذاً إلى صفوف المقاومة – التي تتصاعد قوتها يوماً بعد يوم – قادراً على التحكم في موازين قوتها العسكرية وسلوكها السياسي، ومُمسكاً بزمام تحالفاتها الإقليمية. وأن يكون لديه القدرة على التحكم في مسارات عمل السلطة الفلسطينية، والتأكد من تجنب شطحاتها – التي تعبر أحياناً عن يأسها من الحل السياسي.

وكذلك، أن يكون قادراً على التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما يضمن المصالح الإسرائيلية، ويقترب من الرؤية الأمريكية.

هذا الدور يضمن لصاحبه، قنوات اتصال دائمة مع واشنطن وتل أبيب، والتي قد تتطور لتصبح علاقات تحالف، أو جعل هذا التحالف «استراتيجيًا» إن كان قائماً بالفعل.

هذا ما أدركته دولة الإمارات، وسعى إليه محمد بن زايد، ليس فقط لتوسيع نفوذه الإقليمي، وتثبيت علاقته مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن لرغبته في أن يتقاسم مع تل أبيب مهمات «الذراع الأمنية والاستخبارية للحكومة الأمريكية». وكذلك، لكي يقطع الطريق على أي دولة ترغب في لعب ذات الدور عبر بوابة فلسطين.

وقد بدأت ملامح هذا الطموح، والرغبة في سحب قطر من الملف الفلسطيني، تتضح مع العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، حينما دعت الدوحة إلى قمة عربية طارئة لبحث العدوان الإسرائيلي، ولكن قام الملك عبد الله بن عبد العزيز بالتنسيق مع مصر والإمارات – لسحب البساط من الدوحة – بعقد قمة خليجية قبل قمة غزة بيوم واحد.

وقد عُقدت قمة غزة في الدوحة دون أن يكتمل النصاب، حيث غابت عنها السعودية والإمارات ومصر، وكذلك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بعد تعرضه لضغوط خليجية، حيث قال حينها إن حضوره القمة كان يعني أنه سيُذبح من الوريد إلى الوريد.


حماس تحت الحصار الإماراتي

المشهد الأول: 6 يونيو/حزيران 2017: أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على هامش زيارته لباريس، أن الكيل قد طفح، وعلى الحكومة القطرية التوقف عن دعمها للجماعات الإرهابية مثل حماس وجماعة الإخوان.
المشهد الثاني: 7 يونيو/حزيران 2017: خلال مؤتمر صحفي، شن المتحدث باسم قوات حفتر في ليبيا، أحمد المسماري، هجوماً على الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام. وزعم أن قيادات حماس العسكريين هم الذين دربوا العناصر المتطرفة بليبيا على وسائل التفخيخ والتفجير. وكذلك ادعى أن «لواء خان يونس» قدّم مساعدات فنية للإرهابيين على الأراضي الليبية.
المشهد الثالث: 8 يونيو/حزيران 2017: هاجم وزير الدولة للشئون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش، حركة حماس، وذلك في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، وأكد أن وجودها في قطر يشكل خطرا على المنطقة.

كان من المستغرب أن تأتي هذه المشاهد الثلاث – غير العشوائية والمتفق عليها مُسبقاً – في خضم استعار الأزمة الخليجية-القطرية، والمثير للدهشة أيضاً أن هذه المشاهد تزامنت مع زيارة وفد حماس الأولى بقيادة يحيى السنوار إلى القاهرة، والتي بدأت مساء 4 يونيو/حزيران 2017، واستمرت لما يقارب الـ9 أيام. فهذه التصريحات والاتهامات، كان من المنطقي أن تُحرِج القيادة المصرية (الحليف الخليجي) أمام وفد حماس، وكان من المحتمل أن تؤدي إلى مغادرة الوفد الحمساوي للقاهرة.

ولكن، جاءت تسريبات صحفية تفيد بأن القاهرة خلال هذه الزيارة كانت ترعى لقاءات جمعت بين وفد حماس وقيادات فتحاوية من بينها محمد دحلان (مستشار محمد بن زايد). وهو الأمر الذي كشف – نسبياً – عن تفسيرات قد تكون منطقية لعلامات الاستفهام السابق إثارتها:

  1. اختارت الإمارات هذه التوقيت للهجوم على حماس، وترتيب لقاءات دحلان، ليكون ضربة موجعة جديدة لنفوذ قطر في فلسطين، حيث إن محمد بن زايد أراد أن يدفع بكافة أوراقه الهجومية في مواجهة قطر، ظناً أنها ستكون في أضعف حالاتها.
  2. مزامنة الهجوم الخليجي على حماس مع مباحثات القاهرة ولقاءات دحلان، كانت تهدف إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الحركة، وإيحائها بأن الإمارات صارت ملجأها الأخير، بعد تراجع قطري مُتوقع.
  3. محمد دحلان (رجل الإمارات)، والذي يتم تحضيره ليكون الرجل الأول في فلسطين، يمارس جهودا حثيثة منذ شهور للتقرب لحركة حماس، بعد أن انقطعت كل سبل المصالحة مع عباس، والذي صار بالنسبة للإمارات – وكذلك الولايات المتحدة وإسرائيل – رجلا مريضا، تجاوزه الزمن، فهو لا يمتلك شعبية حقيقية حالياً في فلسطين، وعلاقته بالمقاومة تمر بأسوأ مراحلها، فهو ليس قادر على التفاهم معها ولا الحد من سلوكياتها.
  4. وصول محمد دحلان إلى رأس السلطة الفلسطينية، متحصناً بعلاقات ودية مع حماس، وضوابط لسلوك المقاومة المستقبلي، قد يجعله رجل المرحلة في فلسطين، ويمنح الإمارات مساحة التأثير الأكبر والأهم على مسارات القضية الفلسطينية.

وعلى ذلك، يبدو أن الحصار الإماراتي على غزة هذه المرة ليس من أجل تصفية المقاومة، أو إخضاعها لشروط الاحتلال على طول الخط، ولكنه يهدف إلى تأميم المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، لصالح السياسة الإماراتية.

فالإمارات لا ترغب في تصفية المقاومة الفلسطينية، لأنها تعي أن تصفية المقاومة، تضمن سيادة إسرائيل سياسياً وعسكرياً على كامل تراب فلسطين، دون الحاجة لوسيط عربي. لذا، فمحمد بن زايد يرغب في مقاومة فلسطينية قادرة على خلق حالة من القلق للإسرائيليين، ولكن تحت سطوته ووفق قواعده.