أخيرًا وبعد طول انتظار أعدت الدول المقاطعة/المحاصرة لقطر قائمة بمطالبها وشروطها، وقامت بتسليمها للوسيط الكويتي، وتم تسريب القائمة إلى وكالات الأنباء العالمية مثل رويترز و أسوشيتدس برس.

تتلخص لائحة المطالب التي قدمتها الدول المناوئة للدوحة في إغلاق قناة الجزيرة، وإيقاف الاتفاقيات العسكرية مع تركيا، ووقف تمويل قطر لمن تسميهم السعودية والإمارات إرهابيين، وعدم إيواء قطر لأي عناصر لا ترضى عنها السعودية والإمارات. أي قارئ ولو كان لا يعرف شيئًا في التحليل السياسي سيلاحظ بوضوح أن قائمة المطالبات لا تهدف إلا لأمرين اثنين:

الأمر الأول؛ هو الرغبة في كبح جماح الدور القطري الإقليمي بتجريده من القوة الناعمة، وهي القوة الإعلامية كقناة الجزيرة وأخواتها، ومختلف أنواع المنابر الإلكترونية القريبة من التوجه القطري، بالإضافة إلى فرض رقابة مشددة على أوجه الصرف المالي القطري لمنع قطر من استخدام أموالها في دعم أي مشاريع إعلامية من خلف ستار أو في تمويل جهات لا ترضي التحالف السعودي الإماراتي.

الأمر الثاني؛ هو استكمال مشروع تحطيم الربيع العربي والسعي لاجتثاث الحركات الإسلامية، المعتدلة منها والمتطرفة، ومحاصرة النفوذ التركي واعتباره مشروعًا معاديًا في المنطقة مثل المشروع الإيراني، وربط تركيا بالإرهاب بشكل واضح.


قائمة المطالب قُدمت لترفض

تغريدة لمستشار بالديوان الملكي السعودي، يتمنى ألا توافق قطر على مطالب الدول المحاصرة.

إن قائمة المطالب التي تم تقديمها لقطر قد قُدمت لترفض، فالسعوديون ومن خلفهم الإماراتيون يرغبون في تغيير النظام القطري سلمًا أو حربًا، ويؤكد هذا الأمر وضعهم لعشرة أيام فقط كمهلة زمنية للرد على هذه المطالب، وهذا الأمر سابقة خطيرة لأن إعطاء مهلة زمنية يعني أن هناك خطوات تصعيدية قادمة ضد قطر.

وبما أن السعودية والإمارات و توابعهما استنفدوا كل أساليب التصعيد السياسي السلمي مع الدوحة من يوم 5 يونيو/حزيران الحالي، بقطعهم للعلاقات التجارية والسياسية مع قطر وإغلاقهم المجال الجوي والبحري على القطريين وإغلاق الحدود البرية من جهة السعودية، فبالتأكيد كان هناك نية مبيتة لعمل عسكري، لكن ما أفشل هذه الخطة هو التدخل التركي الذي خلق شيئًا من التوازن وأبعد شبح العمل العسكري، الذي يبدو أنه كان مخططًا أن يتم بتنسيق كامل مع الجانب الأمريكي، فالرياض أعطت أمريكا 450 مليار دولار لتطلق يدها لتأديب كل الدول التي تعارضها في المنطقة، وكانت قطر الضحية الأولى وهناك قائمة بأسماء أخرى قد يكون من بينها تركيا وحماس وسلطنة عمان.


هل تستجيب قطر لمطالب الدول المحاصرة؟

الدولة القطرية حسب ما تسرب من مطالب دول الخليج ملزمة بتبليغ ردها للوسيط الكويتي خلال عشرة أيام، وبالتالي فالدوحة لن تكون متعجلة بإبلاغ الوسيط الكويتي قرارها، وهو رفض الجزء الأكبر من المطالب المقدمة.

القطريون لا يرفضون المفاوضات من حيث المبدأ، وهم على استعداد لتقديم تنازلات تحفظ اللحمة الخليجية على قاعدة عدم الاقتراب من الثوابت القطرية وهي سياسة خارجية مستقلة، وعدم الاقتراب من قناة الجزيرة باعتبارها خطًا أحمر لدى القطريين.

قطر بإمكانها التعاطي بإيجابية مع بعض المطالب التي قُدمت إليها وستعمل قطر مثلما فعلت في 2014م بتقسيم الصف المعارض لها بمحاولة استقطاب السعودية وترك البحرين والإمارات ومن خلفهم مصر. فقطر تدرك أولويات السياسة السعودية وهي متعلقة بأمن الخليج ومسألة إيران، وسوف تقوم بتقديم تنازلات للسعودية في هذه المسألة، كذلك يمكن أن تساير السعودية في مسألة أن حزب الله منظمة إرهابية مقابل أن تترك لها السعودية ورقة حماس.

كذلك قطر قد تغري السعودية أن تسلم مفاتيح العمل في سوريا لصالح السعودية تمامًا وتنقلب ضد جبهة النصرة وتعطي السعودية هيئة المفاوضات السورية لتشكلها كما تشاء، مقابل أن تترك قطر وشأنها وتلغي مطلب تسليم المعارضين المصريين إلى السيسي. وبإمكان قطر إغراء السعودية بأن تجعل قطر الجزيرة في صالح السعودية وليست ضدها، وكذلك إغراء السعودية بأن تتعهد لها بألا تقوم بتجنيس أي مواطن سعودي.

هذه كلها مغريات يمكن للقطريين أن يقدموها للسعوديين وغالبًا السعودية لن ترفضها أبدًا، لكن هناك مسألة واحدة سوف تكون شائكة وهي مسألة القاعدة العسكرية التركية، وهذه المسألة ربما تكون العقدة التي ستفشل المفاوضات السعودية مع قطر.

قطر ليست عندها أي إغراءات لتقدمها للإمارات فهي منافستها الإقليمية وعدوتها اللدود، وبالتالي سيعمل المفاوض القطري على تقسيم المطالب إلى مطالب سعودية وأخرى إماراتية، والقطريون مستعدون لتنفيذ مطالب السعودية ورافضون تمامًا لمطالب أبوظبي.


استمرار الأزمة وتفادي التصعيد

إن مجرد تقديم دول الخليج مطالب لقطر هو تنازل عن السقف الذي وضعوه سابقًا وسربوه لبعض الإعلاميين المقربين منهم وهو سيناريو غزو قطر عسكريًا وتنصيب حاكم موالٍ للسعودية من أسرة آل ثاني.

الولايات المتحدة أوقفت التصعيد السعودي الإماراتي وضغطت عليهما لتقديم تنازلات وتقديم قائمة مطالب ليحصل توافق وتنتهي هذه الأزمة بشكل فوري. وبالفعل تم الانتهاء من القائمة وتسليمها للوسيط الكويتي، والسعودية تدرك أنها لن تحصل على 100% من مطالبها من قطر ولا حتى 50% منها، وهي مستعدة فيما يبدو لعقد الصفقة وتهدئة الأمور خصوصًا وأن الأمير الشاب أصبح وليًا للعهد وكان له ما أراد.

المشكلة الحقيقية تتمثل في الإمارات وهي الطرف الأكثر تشددًا في الأزمة الخليجية، فهي وإعلامها يعمل على نعت قطر بأبشع الأوصاف، ولا يزال المقربون من الحكومة الإماراتية يلوحون بالعمل العسكري وإسقاط النظام القطري، وآخرهم رجل الأعمال خلف الحبتور الذي صرح على بلومبرغ أن على الأسرة القطرية الحاكمة أن تترك قطر وتقيم في أي مكان في العالم.


تركيا كطرف أصيل في الأزمة الخليجية

قائمة الطلبات التي قدمتها الدول المقاطعة /المحاصرة لقطر مست بشكل واضح الحكومة التركية بالحديث عن إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وإنهاء التعاون العسكري التركي القطري، والذين وضعوا هذا الشرط من غير شرط فتحوا الباب للتدخل التركي بشكل حازم في المسألة الخليجية، فهذه القائمة عندما يتصدرها غلق القاعدة العسكرية التركية فإن الانطباع الذي يتولد أن السبب الحقيقي للخلاف الخليجي هو الانفتاح القطري على الأتراك.

دائمًا ما كان الإماراتيون يتسمون بالبرغماتية الشديدة والبحث عن المصالح والبعد عن السياسات المتشددة، ولكن في الفترة الأخيرة ومنذ عام 2013م يبدو أن الإماراتيين تخلوا عن برغماتيتهم ودخلوا في صراع مع تركيا أو بشكل أكثر دقة مع الإسلام السياسي وما يمثله في البلدان المختلفة، وأصبح أي نفوذ تركي مستهدفًا إماراتيًا ليبيا أبرز مثال حيث تتقاتل الأطراف بدون أي قناع.

شرط إغلاق القاعدة العسكرية التركية يبدو كشرط إماراتي أكثر منه شرطًا سعوديًا، فالإماراتيون متخوفون من هذه القاعدة بشكل كبير ويشعرون أنهم المستهدفون بها، وخصوصًا بعد تصريحات الرئيس التركي التي قال فيها إن تركيا تعرف من كانوا سعداء في الخليج عندما حصل في تركيا انقلاب في الصيف الماضي، في إشارة لا تخفى إلى الإمارات.

السعودية ربما ترى في القاعدة العسكرية بداية لدخول تركي في الخليج، ويمكن اعتبار هذا الأمر مشكلة للسعودية على المدى البعيد، ولكن على المدى القريب والمتوسط هذه القاعدة العسكرية فيها مصلحة إستراتيجية سعودية؛ لأنها ستجبر تركيا على اتخاذ سياسات مختلفة مع إيران، ولأن الأتراك دخلوا في منافسة جدية مع الإيرانيين في مياه الخليج. الدولة التركية ستقف خلف قطر بكل قوة لأن ثبات قطر وحكومتها يعني تثبيت النفوذ التركي في منطقة الخليج، أحد أهم المناطق الحيوية في العالم.