ما بين الترحيب والتجاهل والرفض، جاء الموقف الفلسطيني الخافت تجاه زيارة وزير الخارجية المصري «سامح شكري» إلى «إسرائيل».

فرغم الدلالات الخطيرة التي حملتها تلك الزيارة على مستقبل الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، لم ترقَ ردود الفعل الفلسطينية لمستوى الحدث، وكأن تلك الخطوة التي أقدم عليها النظام المصري كانت متوقعة، أو أن تحركاته لم تعد تشغل الفلسطينيين.وإلى جانب خفوت ردود الفعل الفلسطينية، جاءت أيضًا متباينة، وهو ما يعزو بالأساس إلى رؤيتهم لطبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وعلاقة كل طرف بمصر.


السلطة تُرحب، ولكن

بعد أن أنهى وزير الخارجية المصري سامح شكري لقاءاته الثنائية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قام بإطلاع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على نتائج اللقاء، وذلك وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية.حيث أكد أنه جاء لدفع إسرائيل لاتخاذ مواقف إيجابية تجاه عملية السلام سواء فيما يتعلق بالأطر الشرعية أو حدود عام 1967 أو الاتفاقات السابقة ووقف الاستيطان.

رحبت السلطة الفلسطينية بالزيارة المصرية، ولكن أبدى بعض المسئولين تخوّفهم من استئناف المفاوضات مع إسرائيل بشروط مُجحِفة.

واتفق الجانبان على استمرار التواصل والتنسيق الفلسطيني المصري خلال الفترة المقبلة، بما يُحقق الأهداف المرجوة بتغيير واقع المنطقة العربية عبر تفعيل عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ومكافحة الإرهاب.بدوره أكد سفير السلطة الفلسطينية لدى القاهرة، جمال الشوبكي، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية أن الزيارة تمت بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية في رام الله في إطار دعم الجهود الرامية إلى الإسراع بعقد المؤتمر الدولي للسلام ووضع مرجعيات للتفاوض وفق القانون الدولي والشرعية الدولية وفي إطار جدول زمني محدد، لافتًا إلى الدور المحوري الذي تقوم به مصر في ذلك المؤتمر حيث ترأس اللجنة الوزارية العربية المعنية بالتحرك لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المُكلَّفة من قمة شرم الشيخ.ولكن على الرغم من الترحيب الفلسطيني على المستوى الرسمي بالدور المصري في دفع عملية السلام، إلا أن بعض المسئولين أبدوا تخوفهم من محاولة مصر إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، خاصة في ظل التقارب الكبير بين مصر وإسرائيل في عهد السيسي، الذي يرى لإسرائيل دورًا هامًا في التأثير على اللاعبين ذوي العلاقة بسد النهضة كأريتريا وإثيوبيا.الفلسطينيون يخشون أن تحاول مصر استثمار الدور الإسرائيلي لصالحها؛ ما يدفعها إلى الضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع الاحتلال، وهو ما لا يرغب به ويرفضه الشارع الفلسطيني خاصة بعد الخيبات المتكررة التي واجهها على مر سنوات المفاوضات التي لم تُحقق حلًا لأي من القضايا العالقة.


تآمر على القضية الفلسطينية

وعلى صعيدٍ آخر، تحفّظت القيادات الفلسطينية في حركة المقاومة الإسلامية حماس بقطاع غزة على الزيارة وما دار فيها، حيث قلّل القيادي في الحركة محمود الزهار من جدوى الزيارة مؤكدًا أنها لا تمت بصلة للقضية الفلسطينية، مستبعدًا أن تُحقق دفعًا لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وقال: «لا يوجد سلام مع الكيان الصهيوني»، والسبب – وفق تقديره – أن تحقيق السلام يتطلب التسوية والاعتراف بالكيان وهو ما ترفضه حركة المقاومة ولن تسمح بتكراره بعد أوسلو التي اعترفت ضمنيًا بإسرائيل وسمحت للفلسطينيين (أهل الأرض الأصليين) بإقامة دولتهم فقط على مساحة 18% فقط من أرض فلسطين التاريخية، ومن ثمَّ أغرقتهم في التطبيع عبر المبادرة العربية للسلام، وأضاف قائلًا: «لن نسمح بتكرار هذه الجريمة مجددًا».فرغم رفض حماس للزيارة، إلا أنها تجنبت انتقاد النظام المصري بشكل صريح وفج؛ تحسبًا للتفاهمات التي قد تجمع بين الطرفين في المستقبل المنظور، خاصة في ضوء تراجع دوائر الدعم الإقليمي للحركة في المنطقة.كما رفض حزب التحرير في فلسطين الزيارة واعتبرها تآمرًا ضد الإسلام وخيانة لفلسطين ومقدساتها. وقال الحزب في تعليق صحفي نُشر على موقعه الإلكتروني الرسمي يوم الأحد 10 يوليو 2016، أن الزيارة كشفت عمق العلاقة التي تربط حكومة الاحتلال بالنظام المصري «الانقلابي»، وأشارت إلى تحالفهما التام ضد الإسلام والمسلمين وسعيهما ضمن التحالفات والسياسات الأمريكية الرامية لإجهاض مشروع الأمة التحرري تحت ذريعة الإرهاب والعمل على مكافحته من أجل تحقيق الاستقرار لشعوب المنطقة بما فيها اليهود.وأوضح الحزب أن الزيارة لها أبعاد أخرى في تعميق العلاقات الأمنية والاستخبارية مع النظام المصري بزعامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، منوّهًا إلى سعي الأخير إلى ضم أطراف جديدة إلى التحالف القائم بين القاهرة وتل أبيب، واصفًا الزيارة بأنها وصمة عار جديدة على جبين النظام المصري، الذي طالما أكد أن سيناء لن تكون مصدرًا لتهديد أمن اليهود في الوقت الذي تصمت فيه عن الجرائم التي يُنفذها الاحتلال ضد الفلسطينيين.وأضاف البيان أن الموقف الرسمي المصري يُؤكد انفصاله التام عن القضية الفلسطينية، داعيًا إلى مراجعة المواقف وعدم الاكتفاء بالتباكي على أهل فلسطين والعمل على إنهاء معاناتهم بالمقاومة وتوحيد الصفوف وليس بالتفريط وإضفاء الشرعية على احتلال اليهود لأرضها.


الالتفاف على المبادرة الفرنسية

ومن جانبه، أوضح المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، «أحمد رفيق عوض» أن الزيارة لن تُحقق تقدمًا إيجابيًا في العملية السياسية الفلسطينية، وأكد أنه لا يُمكن الاعتماد جيدًا على الجهود المصرية، لافتًا إلى أنها تحاول الالتفاف على المبادرة الفرنسية والخروج من بوتقتها باتجاه استحقاقات والتزامات المبادرة العربية، وأن إسرائيل مع السلام ولكنها تختار وتنتقي ما يُحقق أهدافها. وأضاف أن الزيارة تخدم إسرائيل بفك الحصار عنها في إطار دبلوماسي وذلك عبر الاعتماد على معاهدة السلام المصرية–الإسرائيلية.

وعلى ذلك، يمكن القول أن وئام السلطة الفلسطينية مع النظام المصري، ورغبتها في استئناف عملية السلام مجددًا – لتحقيق إنجاز يُنسب لعباس قبل خروجه من السلطة – قد دفعها إلى الترحيب بالزيارة المصرية إلى «إسرائيل»، ولكنه كان ترحيبًا مشوبًا بالحذر؛ مخافة أن تجد السلطة نفسها مضطرة أن تبدأ في مفاوضات بشروط مُجحفة، أو أن تُحرج القيادة المصرية.

أما حركة حماس، والتي كان من المتوقع أن ترفض الزيارة، فقد صبّت كامل موقفها ومعارضتها الباهتة على فكرة اسئناف عملية السلام مُجددًا، دون انتقاد النظام المصري، أو تشويه الزيارة. فرغم العلاقات غير المستقرة لحماس مع النظام المصري، فإنها – في ظل عدم ضمانة استمرار دعم بعض الأطراف الإقليمية لها – قد تجد نفسها مضطرة للتقرب من النظام المصري.


سخرية الرأي العام الفلسطيني

رغم رفض حماس للزيارة، إلا أنها تجنبت انتقاد النظام المصري بشكل صريح؛ تحسبًا للتفاهمات التي قد تجمع بين الطرفين.

لم يمتلك الرأي العام الفلسطيني سوى سلاح السخرية للتعبير عما آل إليه وضع القضية في ظل التحركات المصرية، حيث أشار الدكتور عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة الفلسطينية، في منشور له على موقع فيسبوك، إلى أن هناك أهدافًا خفية لزيارة وزير الخارجية المصري، تتخطى الملف الفلسطيني.

1

أمّا المحلل السياسي الفلسطيني، ساري عرابي، فقد رفض تشبيه وضع مصر حاليًا تحت قيادة السيسي بوضعها سابقًا تحت قيادة مبارك، فيما يتعلق بالتبعية لإسرائيل، مستنكرًا التحركات المصرية التي ألغت وجودها على الساحة.

واستنكر الباحث في الشأن الإسرائيلي، الدكتور صالح النعامي، زيارة شكري لإسرائيل في الوقت الذي وقّع 550 دبلوماسيًا صهيونيًا سابقًا على عريضة تدعو العالم لمعاقبة حكومة نتنياهو بسبب تطرفها.

أخيرًا، سخر الناشط السياسي، مراد أبو حلاوة، من الصور التي أظهرت وزير الخارجية المصري وهو يتابع نهائي بطولة اليورو 2016 مع نتنياهو، مُذكّرًا القيادة المصرية بجرائم الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني.

المراجع
  1. علي واكد، "لن نعود إلى المفاوضات إلا بضمانات"، موقع المصدر، 11 يوليو 2016.
  2. "الشوبكي: شكري نسق لزيارة (إسرائيل) مع السلطة"، موقع صحيفة فلسطين أونلاين، 11 يوليو 2016.
  3. المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين، "تعليق صحفي زيارة شكري لكيان يهود تآمر ضد الإسلام وخيانة لفلسطين ومقدساتها"، الموقع الإلكتروني للحزب، 11 يوليو 2016.
  4. "نتنياهو يرحب بزيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل"، موقع الجزيرة نت، 10 يوليو 2016.