الغموض هو السمة الأبرز لكل ما حدث، وما يحدث في الأردن. هناك ما حدث في الأردن خلال عدة ساعات ساخنة، ويرتبط الأمر أيضًا بالأمير حمزة، الأخ غير الشقيق لملك الأردن وولي العهد السابق.

وسائل التواصل الاجتماعي كانت هي المصدر الأول للأخبار عن اعتقال 20 شخصية بارزة، كما نقلت فرض الإقامة الجبرية على ولي العهد السابق، الأمير حمزة بن الحسين. ساعات طويلة من التضارب والترقب عاشها الأردن حتى أتت وكالة الأنباء الرسمية الأردنية، بترا، بالخبر اليقين، لكنه كان مقتضبًا أيضًا.

الخبر تحدث عن اعتقال الشريف حسن بن زيد، ومعه رئيس الديوان الملكي السابق باسم إبراهيم عوض. باسم عوض كان قد أقاله الملك من قبل بعد تعيينه كمبعوث خاص من الملك إلى السعودية من عام 2016 حتى عام 2018. وكانت الإطاحة قد أثارت جدلًا في حينها أيضًا، لأنها جاءت بعد يومين فقط من عودة الملك عبد الله الثاني من الأردن.

 لكن لم يُغلق القوس على الاثنين فحسب، بل أضاف البيان أنه تم اعتقال آخرين معهم لأسباب لم يوضحها البيان، واكتفى بوصفها بأنها أسباب أمنية.

لم يخرج عن تلك الحالة الضبابية إلا جريدة واشنطن بوست التي نقلت خبرًا مؤكدًا عن وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية في قصره بعمان، وأن حملة الاعتقالات شملت أكثر من 20 شخصًا بارزًا. وأضافت الجريدة أن تبرير السلطات الرسمية لتلك التصرفات هو مواجهة تهديدات تستهدف استقرار البلاد.

سارعت السلطات الأردنية الرسمية لنفي ما جاء في تقرير الواشنطن بوست على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة في تصريحات له قال فيها إن الأمير حمزة لم يوضع تحت الإقامة الجبرية، وإنما طلبت منه السلطات التوقف عن تحركات ونشاطات تُوظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره، دون أي مزيد من التوضيحات.

حمزة يعلن اعتقال موظفيه وتهديده

الخبر اليقين إذن عند الأمير حمزة، هيئة الإذاعة البريطانية كانت الوسيلة التي أطل منها الأمير معلنًا أنه يخضع بالفعل للإقامة الجبرية. مقطع الفيديو جاء فيه على لسان حمزة أنه تلقى صباحًا زيارة من رئيس الأركان يخبره فيها أنه غير مسموح له بالخروج من المنزل أو بلقاء الآخرين أو التواصل معهم بأي شكل. والتفسير الذي نقله حمزة على لسان رئيس الأركان أن هناك انتقادات وجهت للحكومة والملك في اجتماعات كان حمزة حاضرًا فيها.

لم يبدُ حمزة راغبًا في المهادنة، بل استغل المقطع ليعلن أن أحدًا لم يخبره بالانتقادات المحددة التي قالها، وأضاف حمزة أنه ليس مسئولًا عن الفساد المستشري في هيكل الحكومة منذ 20 عامًا. وقال أيضًا إنه ليس مسئولًا عن قلة ثقة الناس بالمؤسسات الحاكمة، وأردف أن الوضع في الأردن وصل إلى درجة أنه لا يستطيع أحد التحدث أو إبداء رأي في أي شيء دون التعرض للاعتقال أو التنمر أو التهديد والمضايقة.

حمزة أكد أن جميع موظفيه اعتقلوا، وأنه هو وعائلته قيد الإقامة الجبرية في قصر السلام خارج عمان، وأن اتصالاته قد تم تقييدها.

الأردنيون غير معتادين على تلك الأحداث، خاصة أن حمزة هو أخ غير شقيق للملك الحالي وليس قائدًا عسكريًا منشقًا. عمره 41 عامًا وخدم كضابط في الجيش الأردني، وهو ابن الملك حسين من زوجته الرابعة الملكة نور الحسين، وكان وليًا للعهد في الفترة ما بين 7 فبراير/ شباط 1999 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.

العالم يدعم الملك

الإجراءات التي اتخذها الأردن تبدو كرد على محاولة انقلابية، رغم أن الإعلام الرسمي لم يذكر كلمة انقلاب. لكن صحيفة واشنطن بوست نقلت عن مصدر استخباراتي، لم تذكر اسمه، أن هناك تحقيقات مستمرة منذ فترة عن مؤامرة مزعومة للإطاحة بالملك عبد الله الثاني.

ويبدو أن الأجهزة الاستخباراتية العربية والغربية لديها علم بتلك التحقيقات لهذا جاءت بياناتهم سريعة وحاسمة في الوقوف جانب الملك في كل ما يتخذه من إجراءات. فالديوان الملكي السعودي أكد وقوف المملكة التام إلى جانب الأردن ومساندته الكاملة بكل إمكاناتها لكل ما يتخذه الملك عبد الله الثاني والأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد، من قرارات وإجراءات لحفظ الأمن والاستقرار ونزع فتيل كل محاولة للتأثير فيهما.

كذلك أعلنت الرئاسة المصرية عن تضامنها الكامل ودعمها للأردن بقيادة عبد الله الثاني للحفاظ على أمن واستقرار المملكة، وأكد الجانب المصري أن أمن واستقرار الأردن جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والعربي. لم تتأخر الكويت كثيرًا حتى لحق بالركب في بيان وزير الخارجية معلنًا وقوف بلاده إلى جانب الأردن وتأييدها لكافة الإجراءات التي اُتخذت.

ملك البحرين أكد وقوفه وتأييده التام ومساندته الكاملة لكل القرارات. ومعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قال إنه يقف إلى جانب الأردن ملكًا وحكومة وشعبًا، ويساند القرارات التي اتخذها الملك عبد الله الثاني. قطر لم تختلف أو تتخلف فأعربت الدوحة عن تضامنها التام ووقوفها مع الأردن ومساندتها الكاملة للقرارات والإجراءات التي تصدر عن الملك عبد الله الثاني لحفظ الأمن والاستقرار وتعزيز مسيرة التقدم والازدهار في الأردن.

لبنان ممثلًا في رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، واليمن عبر وزارة خارجيته، وبغداد عبر حكومتها، ومجلس التعاون الخليجي عبر أمينه العام نايف الحجرف، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ممثلةً في أمينها العام يوسف بن أحمد، هؤلاء جميعهم أعلنوا دعمهم الكامل للملك عبد الله وللإجراءات التي اتخذها، وسيتخذها في سبيل حفظ وحدة الأردن واستقراره.

لا دليل على الانقلاب

تتابعت الأحداث فنقلت وكالة رويترز عن مصادر رسمية أن وفدًا أمنيًا وصل إلى منزل الأمير حمزة وبدأ التحقيق معه. موضوع التحقيق كان أن العديد من الشخصيات المعارضة قد اجتمعت حول حمزة مما أثار استياء الملك عبد الله. كما لاحظت المملكة أن حمزة يحاول تشكيل علاقات مع الأشخاص والقبائل الساخطة على القبائل القوية في المملكة.

ومما حدث أيضًا أن مسئولين أردنيين تحدثوا إلى صحيفة يديعوت أحرنوت مصرّحين أن السعودية والإمارات قد وقفتا وراء الانقلاب المحتمل للأمير حمزة، لكن لم تعلق أي من الدولتين على هذه المقولة واكتفتا بدعم الملك عبد الله الثاني. أما الملكة نور الحسين، والدة حمزة، فقد خرجت عن صمتها بتغريدة تهاجم فيها الاتهامات الموجهة لابنها، ودعت له بالبراءة مما أسمته البهتان الآثم.

الشارع الأردني منقسم على نفسه بين مؤيد للحكومة ومؤيد للأمير حمزة، لكن حتى مؤيدي الحكومة بدؤوا يشكون في حقيقة ما يحدث بعد أن جاء البيان الرسمي مخيبًا لآمالهم ولم يقدم أي دليل ملموس على اشتراك حمزة في مؤامرة لزعزعة الحكم. ورفض العديدون من نواب البرلمان أنفسهم تهمة الانقلاب قائلين بأن الأمير حمزة لم يكن حوله سوى 14 شخصًا، والانقلاب يحتاج لدعم عسكري واستخباراتي، ولم يذكر البيان الرسمي عن ضلوع أي مسئول عسكري أو استخباراتي مع الأمير حمزة.

حمزة من جهته صعدّ الأمور لدرجة أكبر عبر تسجيل صوتي يعلن فيه أنه تلقى تهديدات من رئاسة الأركان بسبب عدم التزامه بالإقامة الجبرية وعدم التغريد على تويتر. يقول حمزة إنه سجل كلام رئيس الأركان ووزعه على أقاربه في الداخل والخارج حال حدث له شيء.

ضابط إسرائيلي يعرض المساعدة

تردد اسم روي شابوشنيك في الأخبار الأردنية باعتباره الوسيط الذي تحدث عنه البيان الرسمي باعتباره جهة خارجية تواصلت مع زوجة حمزة لترتيب خروجها وزوجها من الأردن.

وصفه الإعلام الأردني بأنه ضابط موساد سابق، لكن المواقع الأمريكية لم توافق الأردن على اعتباره ضابطًا في الموساد، بل وصفته برجل الأعمال، وأنه عرض بالفعل مساعدة حمزة لكن من منطلق الصداقة لا الانقلاب.

لكن شابوشنيك قد عمل بالفعل مستشارًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، كما كان ناشطًا في حزب كاديما الإسرائيلي. وعمل لاحقًا في شركة أمنية يملكها رجل الأعمال الأمريكي إيرك برينس. ثم أسس شركته الخاصة آر إس للحلول اللوجيستية والتي تقدم خدماتها لوزارة الخارجية الأمريكية وحكومات عديدة حول العالم.

وبعيدًا عن حقيقة وضع شابوشنيك فإن عشائر كفرخل، وعشائر بني أحمد، تحدثوا بلهجة حادة رافضين الزج باسم الأميرة بسمة بني أحمد في الخلاف السياسي. وقالوا في بيان شديد اللهجة إنهم يرفضون رفضًا قاطعًا أي ادعاءات أو تلميحات لتواصل الأميرة مع أي جهات داخلية كانت أم خارجية لا من قريب ولا من بعيد، على حد قولهم، كما قالوا إن سموها لم تخرج يومًا عن دورها كزوجة لسمو الأمير الهاشمي الأصيل حمزة بن الحسين.

الملكة الأم تروّج لابنها

ليست زوجة حمزة هي الوحيدة التي دخلت في الأزمة بل والدته أيضًا، فالجانب الأردني يرى أن الملكة استغلت إقامتها في العاصمة الأمريكية واشنطن للترويج لابنها كبديل للملك. وينقل الإعلام الأردني أن الملكة تواصلت مع جهات داخلية وخارجية لإقناعهم بتغيير نهج العاهل الأردني الحالي واستبداله بابنها.

كما نقلت الصحف الأجنبية عن مصادر مُجهلة أن الملكة تسعى حاليًا لتخفيف الضغط من على ابنها، وتوفير مخرج آمن له ولعائلته في إطار برنامج لجوء سياسي لإحدى الدول الغربية.

ربما لن يحدث شيء لحمزة، خصوصًا والأضواء جميعها باتت تراقبه، كما تدور التكهنات حول احتواء قريب للأزمة، ليست الأزمة المؤقتة الراهنة لكن الأزمة المزمنة عن الشقاق بين حمزة والملك، خصوصًا بعد رسالة حمزة التي جاء فيها:

يجب أن تبقى مصالح الوطن فوق كل اعتبار، وأن نقف جميعًا خلف جلالة الملك، في جهوده لحماية الأردن ومصالحه الوطنية، وتحقيق الأفضل للشعب الأردني، التزامًا بإرث الهاشميين الذين نذروا أنفسهم لخدمة الأمة، والالتفاف حول عميد الأسرة، وقائد الوطن حفظه الله.
وفي ضوء تطورات اليومين الماضيين، فإنني أضع نفسي بين يدي جلالة الملك، مؤكدًا أنني سأبقى على عهد الآباء والأجداد، وفيًا لإرثهم، سائرًا على دربهم، مخلصًا لمسيرتهم ورسالتهم ولجلالة الملك، وملتزمًا بدستور المملكة الأردنية الهاشمية العزيزة، وسأكون دومًا لجلالة الملك وولي عهده عونًا وسندًا.

لكن من المحتمل للغاية أنه لن يتغير شيء بالنسبة للملك عبد الله الثاني وسوف يستمر في حكمه، لأنه لا الجيش ولا الأمن العام يساند حمزة، وكلاهما ركيزة الحكم في الأردن. لكن على الملك أن يدرك حالة السخط الشعبي المتأجج، وأنه عليه أن يكبح جماح المسئولين الذين يضج بهم المواطن الأردني إذا أراد الملك النجاة بشخصه.