كان تولي أرسين فينجر للقيادة الفنية لنادي أرسنال أشبه بالثورة في كرة القدم الإنجليزية. بينما كانت كرة القدم في إنجلترا تبقى معظم الوقت في الهواء في صورة تمريرات طويلة، قرر فينجر أن يمتلك الكرة بتمريرات قصيرة ممتعة. صفقات بها من المخاطرة ما كان يربحه الفرنسي دائمًا، ناشئون يتحملون ثقل فريق بحجم الأرسنال فيلمعون وتُصقل موهبتهم تحت قيادة الفرنسي، نتائج مبهرة توجت بلقب ذهبي للدوري الإنجليزي دون هزيمة.

ثورة داخل الملعب وخارج الملعب أيضًا. تضمن التدريب جانبًا ترفيهيًا، منع فينجر شرب الكحوليات قبل المباريات، منع تناول اللحوم الحمراء وتم استبدالها بالدجاج المسلوق، تلقى اللاعبون حقن فيتامين لزيادة قدرتهم على التحمل. أسماه لاعبوه المفتش كلوسو لصرامته فتقبل الدعابة بمرح يليق برجل حكيم.

إلا أن حتى الثورة إن تمثلت في صورة شخص، فالوقت كفيل بتحول تلك الصورة إلى نظام بائد لا يستطيع أن يميز أنه سقط في فخ العادة وضمان الاستقرار. الوقت كان كفيلًا لكي يقع فينجر في الفخ الذي كان نقطة تميزه في تفاديه المستمر لفخ التمسك بالماضي.

اثنان وعشرون عامًا كانت كفيلة تمامًا ليترك فينجر إرثًا ثقيلاً لمن سيليه، قائمة فريق منقوصة بعد أن أصبح نادي أرسنال ناديًا غير جاذب للاعبين ومتعارض مع طموحاتهم الشخصية. ركض الجميع مسرعين بخيولهم وترجل فينجر تاركًا خيله على مسافة ليست ببعيدة عن الكبار، ولكنه ترك الملايين ممن تعلقوا بالأرسنال وبلعبه الجميل وبهويته المميزة، فمن يستطيع أن يكمل مسيرة الفرنسي راضيًا طموح هؤلاء الملايين؟

الاحتمالات تتأرجح بين عدد من المدربين بينهم ما يعد مغامرة وبينهم ما يراه الجماهير حلًا مثاليًا ومضمونًا، وفيما هو قادم سنستعرض المدربين الذين يدور حولهم جدل خلافة الفرنسي الأنيق.


ماسيمليانو أليجري: الواقعية المفقودة

بدأ ماسيمليانو أليجري مهمته مع ناديه الحالي يوفنتوس الإيطالي قبل أربعة مواسم خلفًا للإيطالي الآخر كونتي مدرب تشيلسي الحالي، بدأ أليجري بذات الخطة التي اعتمدها كونتي في موسمه الأخير وهي طريقة 3-5-2، ثم بدأ تدريجيًا في اعتماد خطته المفضلة وهي 4-2-3-1، وهو أمر هام لجماهير أرسنال التي تتخوف من فكرة المدرب الجديد الذي ربما سيجد صعوبة في تغيير خطة اللعب فجأة.

أمر آخر هام يمتاز به أليجري وهو تطويع اللاعبين للخطط التي يقررها. حيث تحول ماندوزيكش من مهاجم صندوق إلى طرف أيسر قادر على صناعة اللعب والتهديف سويًا، وهو ما سينظر له جماهير الأرسنال بعين الاعتبار حيث تشمل قائمة فريقهم مهاجميْن تتضارب أدوارهما كثيرًا وهما اوباميانج ولاكازيت.

أرسنال
صورة توضح قدرة ماندوزيكش على صناعة الفرص من أماكن مختلفة متضمنة الطرف الأيسر مقارنة بلاكازيت.

أمر آخر هام يعاني منه فريق أرسنال قد ينهيه مجيء أليجري وهو التسجيل من خارج المنطقة، فبالرغم من وجود تشاكا صاحب التسديدات القوية وامتلاك أرسنال الكرة في الكثير من المباريات في مواجهة فريق أصغر حجمًا، إلا أن معدل إحراز الأهداف من خارج منطقة الجزاء قليل للغاية، حيث يحتل المركز السادس عشر في الترتيب بين أندية البريمييرليج بينما يحتل فريق اليوفنتوس صدارة الترتيب بالنسبة للأهداف المسجلة من خارج منطقة الجزاء، وهو الأمر الذي قد يعالجه أليجري بخطته التي تمنح الفرصة للاعبي الوسط للتسديد، حيث يلعب المهاجمون دورًا في الظهور والمشاركة في اللعب لا الاختفاء في ظهر المدافعين.

أرسنال
أرسنال

ربما أهم ما يمتاز به أليجري هو الواقعية الشديدة في التعامل مع المباريات، وهو أكثر ما يفتقده نادي أرسنال الذي عانى مرارًا من الهزائم الثقيلة؛ بسبب غياب تلك الواقعية وعدم تقدير الإمكانات الحقيقية للاعبين من قبل الفرنسي أرسين فينجر، ولكن يبدو أليجري خيارًا صعبًا في ظل تمسك إدارة السيدة العجوز بالمدرب المميز.


لويس إنريكي: معركة خط الوسط والمهارات الفردية

تتجه الأنظار أيضًا إلى الإسباني لويس إنريكي والذي لا يرتبط بنادٍ بعد رحيله عن تدريب برشلونة الإسباني مكتفيًا بفتره يراها كثر ناجحة إلى حد كبير مع النادي الكتلاني رغم بعض الإخفاقات بالطبع. تكمن صعوبة تحديد قدرة لويس إنريكي على إدارة أرسنال فنيًا أن المقارنة بفترته مع برشلونة مقارنة صعبة للغاية خاصة مع تواجد الثلاثي الخارق ميسي سواريز نيمار.

لكن يبقى التحدي الملحوظ في مسيرة إنريكي مع برشلونة هو القدرة على إيجاد شكل بديل للفريق الإسباني، فالإرث الذي تركه بيب ومن بعده فيلانوفا من خطة لعب تعتمد على الاستحواذ في المقام الأول كان بالثقل الذي فشل أن يتعامل معه تاتا مارتينو والذي خلف الاثنين ليأتي إنريكي وبعد موسم واحد يفقد تشافي الإسباني الذي لا يعوض في خط الوسط.

ليقرر إنريكي أن يعتمد في خط الوسط على إيقاع أسرع بمساعدة الكرواتي راكيتيش بجوار العملاق الآخر انيستا ومن خلفهم بوسكيتس وترك حرية الأداء للثلاثي الأمامي المبهر.

يرى جماهير أرسنال في إنريكي بديلاً جيدًا لهذا السبب تحديدًا وهو إيجاد طريقة لعب بديلة لطريقة فينجر المعتادة، كما أن تنوع لاعبي أرسنال يظهر تحديدًا في مراكز الوسط حيث يتواجد اوزيل ومختاريان ورامسي وويلشير وتشاكا والنني، فهل يستطيع إنريكي أن يجد طريقة ما ينتصر لأرسنال من خلالها في معركة الوسط؟

سبب آخر يقرب محبي أرسنال من لويس إنريكي وهو مركز الظهير سواء الأيسر أو الأيمن، يعيش الظهير الأيسر الإسباني ناتشو مونريال حالة من التوهج الموسم الحالي حتى أنه في نظر الكثيرين أفضل لاعبي أرسنال الموسم الحالي، كما أن الظهير الأيمن الإسباني أيضًا هيكتور بليرين اقترن اسمه كثيرًا بفريق برشلونة أثناء تولي إنريكي القيادة الفنية للأخير.

يجيد تمامًا إنريكي استغلال ظهيري الدفاع بفضل لعبه بطريقة 4/3/3 والتتي تتيح اللعب وتوزيع الكرات بعرض الملعب، مما يمكّن ظهيري الدفاع من التقدم وصناعة الفرص وهو ما تحقق بالفعل من خلال جوردي ألبا وداني الفيش مع فريق برشلونة تحت قيادة إنريكي.

برشلونة, أرسنال
صورة توضح مشاركة ظهيري برشلونة في صناعة اللعب عام 2014-2015 مقارنة بمشاركة ظهيري الأرسنال الموسم الحالي (مونريال خاض بعض المباريات كمدافع)

توماس توخيل: فينجر الصغير؟

بدأ الأمر عندما أعلن نادي أرسنال التوقيع مع سفين ميسلنتات كشاف مواهب نادي بروسيا دورتموند، ثم التعاقد مع مختاريان لاعب خط وسط بروسيا السابق في صفقة تبادلية مع مانشستر يونايتد ناديه الأخير. ولم ينتهِ الأمر عند ذلك بل تم التعاقد مع مهاجم بروسيا الأول بيير أوباميانج، كل ما سبق ربما يُفسر على أنه خطوات نحو تعيين الألماني توماس توخيل المدير الفني السابق للبروسيا دورتموند خاصة وسط أنباء غير مؤكدة عن انفصال فينجر عن أرسنال كان على الرغم من تمني الأخير أن يكمل عقده حتى نهايته والممتد للعام القادم.

جماهير أرسنال المحبة للكرة الجميلة ترى في توخيل خيارًا جيدًا حيث يتشابه توخيل مع فينجر في الكثير، ولكن فينجر المقصود به هنا هو فينجر الذهبي؛ فينجر في بداياته. يكره توخيل التمريرات الطويلة دون فائدة، يشاهد الكثير من الفيديوهات قبل وبعد المباريات، له آراء وخطط في تمرينات اللاعبين بالصالة الرياضية، عندما كان في ماينز قام بتغيير شكل الملعب التدريبي حيث تخلص من زوايا الملعب وأجبر لاعبيه على التمرير الدائم بشكل قطري، كأنما نتحدث عن فينجر الشاب المجدد.

أكثر ما ينتظر جماهير أرسنال مع توخيل هو الشراسة التي يتميز بها في خط الوسط وهو ما لا يتوافر بالطبع لدى لاعبين مثل رامزي وويلشير واوزيل ومختاريان وايوبي. فهل يستطيع أن يغير من مواصفات هؤلاء؟

يعتمد توخيل على مهام مركبة للاعبي خط الوسط، الكثير من الركض والضغط والالتحام، التمرير المباشر للأمام والربط مع ظهيري الدفاع وكل ذلك يحتاج إلى لاعبين من نوعية جندوجان وفيجل وهو ما يعني نظرة أخرى إلى مركز تشاكا والنني وانتدابات جديدة، إلا أن أهم ما في ذلك هو إعطاء فرصة للاعب خط الوسط المتقدم في صناعة الأهداف حيث ينصب تركيزه أكثر على الأداء الهجومي.

صورة توضح الفارق بين موسمي مختاريان من حيث صناعة الأهداف تحت قيادة توخيل على اليسار عام 2015/2016 و تحت قيادة مورينيو على اليمين 2016/2017.


فييرا: اختيار الإدارة والحديث عن الهوية

الحديث يمتد ليشمل الفرنسي باتريك فييرا، أحد أهم انتدابيات فينجر في ميدان الوسط واللاعب الذي حمل شارة القيادة لنادي أرسنال في القديم. بدأ مشواره التدريبي كمدرب نادي مانشستر سيتي للشباب، ثم في نوفمبر 2015 تولى الإدارة الفنية لنادي نيو يورك سيتي الأمريكي، والحديث هنا له علاقة بمخاطرة من جانب واستمرار للحفاظ على هوية النادي على الجانب الآخر، فالرجل يعرف جيدًا النادي، قيمة النادي وأصوله، حجم إنفاق النادي وطموحه وهو ما سيجنب الإدارة صدمات تشبه تلك الدائرة بين الإيطالي كونتي وتشيلسي الإنجليزي.

ولن تكون المرة الأولى لأندية أوروبا في هذا الصدد، فالميلان يدربه جاتوزو ودربه من قبل سييدورف وتم تقديم الاثنين كتجربة شابة غير مضمونة العواقب، وهو الأمر الذي عادة ما يتعامل معه الجماهير بترقب حذر لكن دون رفض تام، وربما هذا ما تستغله الإدارة كفترة غير مستقرة بعد رحيل الفرنسي الذي قبع على كرسيه 22 عامًا، ربما يصلح فييرا كمرحلة انتقالية لن تقلق الجماهير في البداية وربما تنجح التجربة مع فرنسي آخر.


مايكل أرتيتا: شيء من ملامح جوارديولا

قيادة مورينيو
قيادة مورينيو

تصادف نهاية مشوار الإسباني مايكل أرتيتا مع نادي أرسنال، بعد خمس سنوات مع الفريق، قدوم الأسباني الأكثر موهبة بين المدربين بيب جوارديولا لتدريب نادي مانشستر سيتي. وقرر جوارديولا الاستعانة بأرتيتا كمدرب مساعد في الجهاز الخاص بتدريب السيتي نظرًا لما يعرفه عن تفاصيل الدوري الإنجليزي.

تري جماهير الأرسنال في مايكل أرتيتا مغامرة شابة بكل ما تحمله المغامرة من تخوف وأمل ونشوة، الرجل يعرف الكثير عن طريقة لعب أرسنال وهو ما يهم الكثير من الجماهير والآن هو مساعد لبيب جوارديولا أفضل من قدّم كرة قدم خلال الدوري الإنجليزي هذا العام، ولربما يحمل في مغامرته شيئًا من ملامح جوارديولا.

بالطبع القائمة الفنية مختلفة تمامًا وقد شاهد الجميع كيف عانى بيب نفسه مع قائمة سابقة في الدوري الإنجليزي، ولكن الأمور تتحسن فالانتدابات أصبحت أفضل نوعًا ما ومبرر الإدارة المتمثل في فينجر قد رحل، فلماذا لا يحلم الجميع بكرة قدم تشبه كرة جوارديولا حتى وإن نضجت التجربة مع الوقت؟ فالنتيجة تستحق الصبر.