في حِكَم الأولين وقصصهم صُورت لنا دروب الحياة كنفقٍ مظلم، وفي النفق على مر العصور كان وما زال هناك أبطال تقاوم من أجل أن تلقى وعدها بالنور في نهاية هذا الظلام الدَمِس.

في النفق تُروى قصص الحياة والبطولة، وفي أنفاق الملاعب تُروى قصص كرة القدم. لكن الأنفاق في كرة القدم، مثل معظم الأشياء في الحياة، لم تعد كسابقتها.

 دعنا نروي لك قصصًا من أنفاق كرة القدم؛ لنرى كيف تبدل حال اللعبة؟

دقت طبول الحرب

كان الأمر يبدو وكأننا في طريقنا إلى الحرب.
لاعب سابق في الدوري الإنجليزي الممتاز

بالكلمات أعلاه تذكرَّ أحد لاعبي الدوري الإنجليزي السابقين -رفض كشف هويته- في حواره مع موقع «ذا أثليتك»، الحال الذي كان عليه نفق ملعب «جوديسون بارك» قُبيلَ المباريات.

يتحدث أن لقاء كرة القدم كان يُعد نموذجًا مصغرًا للحرب. حرب تبدأ من النفق المؤدي لملعب المباراة، وأنه من فرط مهابة الموقف في هذا النفق، لم يكن يجرؤ جاري نيفيل قائد مانشستر يونايتد حينها أن ينظر حتى إلى أخيه فيل نيفيل قائد إيفرتون عندما يجتمعان في إحدى المباريات.

يرى «ليدم ريدجويل» المدافع الإنجليزي السابق لفريق «أستون فيلا» أن الجماهير لم تكن تتقبل حتى فكرة أن ينظر اللاعبون إلى لاعبي الخصم، وأن السير في بعض الأنفاق كانت أشبه بالسير في أحد السجون العتية، وكأن النفق يومئ لما سيحدث بعد دقائق على أرضية الميدان.

وفقًا لـ«ريدجويل»، لم يكن غريبًا أن ترى شجارًا قائمًا بين 22 لاعبًا في نفق ملعب ما قبل أو بعد أو أثناء اللقاء. من هذا المنطلق لعبت الأنفاق دورًا محوريًا في سير مجريات المباريات، بل وكان يُعد لها ضمن خطط الأجهزة الفنية.

قليل من التخويف قد يُساعد

قد يكون من المبالغة أن نخبرك أنه كان هناك اعتقاد سائد أن المباريات قد تُحسم في هذه الأنفاق، وأن القليل من بث الرهبة في قلب لاعبي الخصم قد يقوم بالمهمة.

قبل عقدٍ من الزمان وفي إحدى مباريات نصف النهائي في دورة الترقي للبريمرليج، رأى «إيدي بورثويد» مدرب فريق «نورثهامبتون» أن استغلال النفق قد يساعده في الفوز بالمباراة، وبناءً على ذلك طلب من لاعبيه أن ينقسموا إلى نصفين ويخرجوا لنفق الملعب، على أن يقف كل لاعب على أطراف أصابعه ويقفز إلى الأعلى، والهدف هو شغل أكبر قدر من مساحة النفق، وكأنه يقول للخصم نحن هنا من نمتلك، وعلى أرضية الميدان نحن من سيمتلك زمام الأمور.

كانت الأنفاق في بعض الأحيان أشبه بالسير في بيت أشباح بالنسبة للاعبي الخصم، هذا ما قاله «جيرم لو ساو» لاعب «تشيلسي» السابق لموقع «ذا أثليتك» وهو يتذكر إحدى مباريات دوري أبطال أوروبا التي جمعت «تشيلسي» بـ«غلطة سراي»عام 1999.

يتحدث «لو ساو» أن الدقائق التي انتظرها هو وزملاؤه في النفق كانت أشبه بالجحيم، وأن المشهد الذي عايشوه يومها كان استثنائيًا، من ظلمة النفق إلى صوت الجماهير ومنظر الزجاجات التي كانت تُرمى على أرضية الميدان، إلى لحظة دخولهم أرضية الميدان وسط ما شبهه بالميليشيات العسكرية.

 

يلعب الجانب النفسي قبيل المباريات دورًا مهمًا في مجريات اللقاء، يضيف «لو ساو» أن اضطراب المعدة والشعور بالقيء كانت أمورًا معتادة عند السير في أنفاق بعض الملاعب، وهو ما جعل بعض الأنفاق بالتحديد أماكن مقدسة بالنسبة له.

هناك خط رفيع بين القلق والشجاعة. الأنفاق بالنسبة لي كانت أماكن مقدسة. أسوأ شيء بالنسبة لي طوال مسيرتي هو الرحلة إلى أي ملعب. إنها أرض حرام. لا يمكنك القيام بمزيد من الاستعداد ولا يمكنك الوصول إلى منطقة الاستعداد في الملعب سريعًا؛ لأن هناك فجوة طويلة جدًا تُدعى النفق.
جيرم لو ساو لاعب تشيلسي السابق.

أنفاق مقدسة

يعد ملعب «ريد ستار بلغراد» معقل فريق الصربي أحد أكثر الملاعب التي يعتبر نفقها غير مناسب لضعاف القلوب، حيث توجد غرف تغيير الملابس خارج الملعب نفسه على بعد 240 مترًا، وهو الأطول في أوروبا على الإطلاق. كما يحتاج أي شخص أطول من 182 سم الانحناء في بعض الأماكن، حيث يوجد فقط 15 سم من الخرسانة تفصل السقف عن الألتراس في المدرجات فوقه، كما أنه توجد شرطة مكافحة الشغب على طول الطريق مثير للقلق.

يقول «ليدم ريدجويل» لاعب خط وسط أستون فيلا وسندرلاند السابق عن نفق ملعب «راجكو ميتيتش»:

« إنه نفق طويل ومظلم، ويجب عليك عبور مضمار ألعاب القوى أيضًا عند الخروج منه. كانت هناك شرطة مكافحة الشغب في الأعلى، وكانوا مصطفين أيضًا في النفق. إنهم يحاولون تخويفك».

 

نفق ملعب «أنفيلد» معقل ليفربول و«جوديسون بارك» معقل إيفرتون كانا يُعدان ضمن هذه الأنفاق المقدسة أيضًا، حيث الممرات الضيقة القصيرة ومن فوقها تدق طبول المشجعين وكأن الحرب على وشك البداية، يقول «لو ساو» إن هذين النفقين بالتحديد كانا يُصيبانه بفرط التفكير في ما سيحدث بعد دقائق على أرضية الميدان، كما أنه يعتقد أنهما لعبا مرات كثيرة لحسم مباريات وربما بطولات لفرقهما

يمتلك «مانشستر يونايتد» و«أرسنال» كثيرًا من التاريخ في هذا المجال. معركة «البوفيه»-كما أطلقت عليها الصحافة- في ملعب أولد ترافورد موسم 2004-2005 ، احتلت المركز الأول بلا منازع.

كان اليونايتد قد حصل على ركلة جزاء مثيرة للجدل في الشوط الثاني، وغضبًا من انتهاء مسيرة أرسنال الخالية من الهزائم في الدوري الإنجليزي، التي استمرت 49 مباراة، قام «سيسك فابريجاس» بإلقاء شريحة من البيتزا، والتي ضربت مدرب يونايتد السير أليكس فيرجسون، من بين الجميع، وهو ما أشعل خلافًا بين أرسين فنجر مدرب أسنال والسير أليكس امتدَّ لشهور.

البرتغالي جوزيه مورينيو كان يعشق استغلال تلك المواقف التي تدور داخل الأنفاق لصالحه، يتذكر ليدم ريدجويل مدافع ويست برومتش السابق، عام 2013 في المباراة التي كانت تجمع فريقه بفريق تشلسي الذي كان يدربه مورينيو حينها، وكانت تشير النتيجة إلى تقدم فريقه ، فقرر مورينيو أن يتوجه لهم دون سابق إنذار بين شوطي اللقاء في النفق ويصفهم بنادي ميكي ماوس، ليقعوا جميعًا في شجاره، ويخرجوا عن تركيزهم، لتنقلب نتيجة المباراة في الشوط الثاني لصالح تشلسي.

كانت الأنفاق عبارة عن نقطة شجار في الأساس، إما بين اللاعبين وبعضهم أو المدربين وحتى الحكام، لكن الأمر لم يعد كذلك الآن، تغيرت كرة القدم ككل شيء في الحياة، وتغير معها شكل وطابع الأنفاق.

زجاج بدلاً من الكتل الخرسانية

أصبحت الملاعب الحديثة أكثر اتساعًا، وتم إعادة تصميم الأنفاق المؤدية باللاعبين من غرف الملابس لملعب المباراة، تبدلت الكتل الخرسانية بالزجاج، وأصبحت الأنفاق أكثر اتساعًا، وتغيرَّ معها سلوك اللاعبين أيضًا.

وفقًا لمحللي «ذا أثليتك»، لم يعد من الغريب رؤية اللاعبين يسألون خصومهم عن أحوالهم الشخصية قبيل لحظات من المباراة، كم أنه أصبحت الأنفاق كملاعب المباريات تعج باللوحات الإعلانية، بل إنه بات هناك كاميرات خاصة تتبع نجوم بعينهم لتوثيق هذه اللحظات في مادة فيلمية بعد ذلك.

نهايةً، يمكننا القول إن أنفاق كرة القدم لم تعد طريقًا للحرب كما كانت، فهل نحن في طريقنا أن تنفصل لعبة الشعوب عن الشعوب انفصالاً تامًا؟