لا يوجد شيء في غزة مستثنى من القصف. ليس القصف هنا قصف الطائرات الذي وصل إلى ربع قنبلة نووية إلى الآن، وناهز بضع قنابل نووية منذ بدء الصراع، بل إنه قصف الأرواح قبل البيوت، قصف الشغف قبل العمر، قصف الحياة كلها.

إذا كنت تظن أن كرة القدم بمعزل عن ذلك فأنت واهم، وهنا لا أعني الجانب التخطيطي أو الاستراتيجي لكرة القدم الفلسطينية، أو لاعبي كرة القدم في القطاع، بل إن الأمر طال الحيوات نفسها، لاعبو كرة القدم في غزة كان الاحتلال دائمًا ضاربًا في صلب حيواتهم، حتى أولئك الذين احترفوا خارج الأراضي المحتلة برمتها لم يسلموا من مغباته.

بالطرق الاعتيادية في بحثك عن ويلات ما تجرعه لاعبو كرة القدم في غزة من جراء الاحتلال لن تحصي النتائج عددًا، فإذا كتبت مثلًا في بحثك «إياد أبو غرقود» وهو لاعب دولي فلسطيني غزّاوي، ستجد شهيدًا يدعى «عماد أبو غرقود» قد قضى في قصف سابق، لم يعد أحد على «جوجل» يهتم بأن يخبرك أهو أخوه أم لا؟! فقط أنت تعلم أن أحدًا من عائلة إياد هو من مات، وهل هو أول أو آخر من يموت في كل ليلة!

الوضع مأساوي بامتياز، لكنه يشير إلى أن أولئك الذين نجحوا في خلق مسيرة كروية رغم كل ذلك، هم أبطال حقيقيون أيضًا، حتى إرضاء الشغف والذهاب وراء ما نحب، يحتاج في ظل الاحتلال أن تكون بطلًا.

محمود وادي: يركض بين الأبنية المحطمة!

ابن خان يونس في قطاع غزة، والناشط حاليًا في نادي طلائع الجيش المصري معارًا من بيراميدز، والذي يملك مسيرة جيدة للغاية في الدوري المصري، لم تكن أموره سهلة على الإطلاق.

بدأ مسيرته في نادي شباب معن، ثم اتحاد خان يونس، قبل أن يذهب إلى الضفة الغربية لتمثيل نادي أهلي الخليل، وهناك تلقى استدعاءه الدولي الأول لمنتخب فلسطين، أمر لم يرق الاحتلال الذي يعتبر من بين أهدافه توطين اللاعبين ذوي الأصول العربية في منتخب الكيان، فبدأ بالتضييق عليه، وحرمه أكثر من مرة من المشاركة مع «الفدائي».

عاد مرة أخرى إلى غزة من بوابة خان يونس، واتجه الاحتلال للتضييق عليه من خلال منعه مرات عدة من الخروج من غزة لتمثيل منتخب فلسطين في مناسبات رياضية مختلفة.

انقلبت مسيرته رأسًا على عقب، بطلب المصري البورسعيدي له وتقديمه أداء جيدًا، والآن هو من أهم مهاجمي الدوري المصري الأجانب.

الصحفي الإسرائيلي المعتدل نسبيًا يوري ليفي، قال في مقال سابق له عن وادي: «عندما تقع الأبنية من حوله هو يركض كل الطريق لتحقيق الحلم»، ولا يوجد حقًا ما هو أصدق وصفًا من ذلك.

محمد صالح: شكر من أجل حق

مدافع فلسطيني غزاوي آخر واجه مشاكل بيروقراطية مع الاحتلال بمنعه من الخروج من غزة بعد أن أبرم تعاقده مع نادي القناة المصري.

ذلك هو محمد صالح، الذي تم حل مشكلته بشكل صعب، وبدأ مشواره في مصر بعد ذلك مارًا بأندية عدة مثل الاتحاد السكندري وإيسترن كومباني.

وجه رسالة شكر لمصر في 2021 على أبسط حقوقه وهو أن يدخل البلد التي أبرم فيها عقد عمل احترافي قانوني، وشكر السلطات المصرية على تلبية متطلبات القضية الفلسطينية.

رمزي صالح: مرور المعبر برعاية عمر سليمان!

عام 2008 وفي أعقاب رحيل أسطورة الأهلي المصري عصام الحضري هربًا إلى سيون السويسري، تعاقد الأهلي مع الحارس رمزي صالح، الذي يملك في قصته الشخصية مفارقات مختلفة.

ولد رمزي صالح في مصر لكنه عاد ليكمل حياته في غزة ويقضي الأهوال بين جدرانها كأي مواطن غزاوي. تألق مع فريق شباب جباليا وجذب أنظار الأهلي الذي أعلن التعاقد معه.

لكن إدخال صالح إلى مصر كان أمرًا عسيرًا للغاية، كان معبر رفح مغلقًا من الجانبين منذ سنوات عديدة، في هذه الفترة لم يكن قد مر فلسطيني من هذه البوابة سوى نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، ورمزي صالح نفسه.

قال صالح في تصريحات سابقة، إن مكالمة للاحتلال من قبل اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة المصري سابقًا، هي ما حسم الوضع برمته وأدخله إلى مصر لخوض أهم تجربة احترافية في مسيرته مع الأهلي المصري.

سليمان العبيد: أو إياد زايد!

تشابه أسماء عجيب لكن الاحتلال وممارساته تسببت في ذلك الارتباط. المهاجم المميز سليمان العبيد الذي مثل منتخب فلسطين بدءًا من عام 2007، كان على بوابة الانتقال لنادي الأمعري الفلسطيني، ولكن حينها لم يكن اسمه سليمان العبيد!

لقد كان اسمه «إياد زايد». لدى عبوره من غزة أوقفه الاحتلال وادعت المخابرات الإسرائيلية وجود محاذير أمنية تحول دون مرور صاحب هذا الاسم من القطاع، فأنكر أن هذا اسمه وقال إن اسمه الحقيقي «سليمان العبيد».

اقترن الاسم به منذ ذلك الحين، وما زاد الاقتران أكثر هو أن هناك «سليمان العبيد» آخر فجر قضية كبيرة في الأراضي المحتلة، وهو فلسطيني من مدينة رهط اتهم بقتل شابة يهودية قبل أن يطلق سراحه بعد 27 عامًا من السجن.. ولكن قضيته ظلت ملء البصر وسمعه داخل مجتمع الكيان لفترة.

البشرة السمراء لكلا «السليمانين» جعل كثيرين يعتقدون أن الشخص واحد، أو أن اللاعب سمي كذلك تيمنًا بذلك الأسير، الحق أن الأسر له دور فاعل في حياة العبيد «اللاعب» الذي اكتشفه أسير سابق لمدة 20 عامًا في سجون الاحتلال يدعى «محمد أبو مرسة» وكان أول من جعله يقدم على أولى خطواته الاحترافية في عالم كرة القدم.

صائب جندية: حملة لفضح الاحتلال

اللاعب الفلسطيني السابق صائب جندية، تحدث مرارًا عن ممارسات الاحتلال الغاشم في القطاع، لكن أبرز مجهوداته كان في معركة 2014.

لقد نظم جندية حملة عبر وسائل الإعلام العربية لفضح «ممارسات الاحتلال» على حد تعبيره، قائلًا لقناة الكأس القطرية: «الشعب الفلسطيني من حقه أن يعيش كبقية شعوب العالم، الشعب الفلسطيني مسالم ولكن الاحتلال الإسرائيلي يدمر كل شيء».

عبد اللطيف البهداري: المتظاهر النشط

لاعب منتخب فلسطين عبد اللطيف البهداري الذي مثل منتخب «الفدائي» في أكثر من 70 مباراة دولية، ولعب للوحدات الأردني وزاخو العراقي وله تجارب عديدة أخرى، من أهم اللاعبين الذين عبروا عن رأيهم مرارًا تجاه ممارسات الاحتلال.

في 2013 قاد تظاهرات للتضامن مع الأسرى، وله أكثر من موقف سابق ضد الممارسات القمعية للآلة الغاشمة.

محمود السرسك: إضراب عن الطعام ولفتة تونسية!

من أشهر اللاعبين الغزاوية ذوي النضال مع الكيان المحتل، سليل الأسرة الرياضية وأصغر من ارتدى قميص منتخب فلسطين محمود السرسك، الذي اعتقل لمدة 3 أعوام في سجون الاحتلال.

في 2009، وحين كان السرسك بعمر 22 عامًا، أوقفه جنود الاحتلال في معبر إيرز العسكري الذي كان فاتحة عمل المقاومة يوم 7 أكتوبر 2023، ومنعته من عبور القطاع إلى الضفة رغم أنه حصل على تصريح مرور من السلطات الإسرائيلية كي يعبر ويلعب لنادي شباب بلاطة في نابلس بالضفة الغربية.

مع اعتراضات السرسك تم إلقاء القبض عليه وأودع سجون الاحتلال، لم يشأ أن يظل صامتًا حتى لو صمت عن الكلام، فقد أضرب عن الطعام لمدة 96 يومًا وأعلن ذلك بالفعل، وفي 2012 تم الإفراج عنه.

سليم الرياحي رئيس الإفريقي التونسي في ذلك التوقيت أعلن تعاقده مع السرسك كي يدعمه بعد هذه التجربة المروعة.

إبراهيم وادي: عفوًا سننهي مشوارك!

تعرض لاعب نادي المكبر بالضفة الغربية إبراهيم وادي، إلى الاعتقال تعسفيًا، حين كان يرتحل من غزة إلى الضفة.

أنهى الاحتلال تجربته مع فريق المكبر بترحيله إلى قطاع غزة دون أمل في العودة إلى ناديه!

بقي أن أخبرك بمفارقة قاسية، منذ 5 أيام قتل مواطن فلسطيني يدعى إبراهيم وادي برصاص مستوطن إسرائيلي، من المؤكد أنه ليس هو، لكن هل تذكرت ما تحدثنا عنه في المقدمة؟ صدقني، الأسماء لم تعد تشرح شيئًا، فالكل معرض دومًا لثلاجة الموتى برصاص هذا الكيان الوحشي!