يكفي أن تكون مصري الجنسية عزيزي القارئ؛ ليتأكد لدي أنك قد تابعت حالة الزخم الشعبي والحفاوة غير المسبوقة بمنتخب مصر لكرة القدم، عقب وصوله لنهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ 28 عامًا، حالة من الفرحة لم تشهدها البلاد منذ فترة طويلة والتي رآها البعض مصطنعة؛ نظرًا لما تمر به مصر من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية، بينما رآها البعض الآخر حالة طبيعية للغاية نظرًا لحاجة المصريين للسعادة بشكل مُلح، بعدما افتقدوها في الأربع سنوات الأخيرة.

وسواء كنت من مؤيدي هذا الرأي أو ذاك، ومهما اختلفنا على ماهية الفرحة لدى المصريين بعد الصعود بكأس العالم، فإننا بالطبع لن نختلف على ارتفاع أسهم حب وشعبية «محمد صلاح»، نجم ليفربول الإنجليزي، في قلوب المصريين بشكل غير مسبوق لدرجة جعلت الكثيرين يصفونه بأنه رجل اللعبة الأول في تاريخ مصر، وهو لم يتعدى الخامسة والعشرين من عمره.

مبالغات قد نقبلها من بعض الجماهير التي وقعت في حالة من البهجة الهستيرية التي لم يعيشوها في حياتهم من قبل، مبالغات نتوقعها من شباب مراهق تختلف أحاسيسه وقناعاته الكروية من مباراة لأُخرى، بهدف من أقدام هذا اللاعب أو مهارة جديدة من ذاك اللاعب الناشئ، ولكن حين تأتي هذه المبالغات من أبواق إعلامية غير متخصصة في كرة القدم ومعروف عنها قربها من نظام الحكم في مصر، فإنه لا يمكن التعامل معها باستخفاف، وحين تكون هذه المبالغات مصحوبة بالطعن والتقليل من إنجازات لاعب بحجم أسطورة كرة القدم المصرية الأشهر والأبرز محمد أبوتريكة، فيجب الانتباه إلى أن ثمة شيئًا يريده عبدالفتاح السيسي أن يترسخ في نفوس المصريين، فماهو؟!


فراعنة أم «ساجدين»؟!

لميس الحديدي في برنامج هنا العاصمة.

هكذا حاولت لميس الحديدي زوجة الإعلامي الشهير عمرو أديب في برنامجها هنا العاصمة مدح محمد صلاح وتكريمه! ربما قد تلاحظ أن محاولات الطعن في أبوتريكة هي التي طغت على المشهد لا الاحتفال بمحمد صلاح، هم حريصون على الزج باسم أبوتريكة في المشهد دون أي داعٍ، حلقة كاملة لمناقشة تأهل منتخب مصر لكأس العالم يسيطر عليها النقاش حول تاريخ أبوتريكة مع الكرة والذي لا يختلف عليه أي عاقلين، ولكن لأن المشهد الإعلامي في مصر لم يعد يحتمل أي شيء يمت للعقل بصلة صارت الحلقة عبارة عن وصلة من الهجوم العنيف على محمد أبوتريكة بسبب هاشتاج صنعه الملايين من عاشقي الأسطورة الحية في جميع أرجاء الوطن العربي، هاشتاج اعترف أبوتريكة نفسه بعدم موضوعيته، شاكرًا جمهوره على تلك المشاعر النبيلة، خاتمًا حديثه بأنه لا يسرق مجهود الآخرين.

الشاهد في تلك الحلقة لم يكن ذلك الحقد غير المبرر من أشخاص لا يتمتعون بأي قدر من الشعبية في مصر، لكنها كانت إيذانًا بإعادة تفعيل وتنشيط سلسلة من الهجوم الذي لم يتوقف منذ فترة من قِبل إعلام النظام ضد محمد أبوتريكة، فالفرصة الآن أصبحت مواتية في نظرهم للقضاء على أسطورة أبوتريكة في قلوب الجماهير لدرجة جعلت إحدى ضيفات الحلقة تصف محمد صلاح بـ«أمير القلوب الجديد» ناسية أو بالأحرى متناسية أن جزءًا من نجاح صلاح كان سببه محمد أبوتريكة بناءً على تصريحات صلاح في أكثر من مناسبة قبل ذلك، بجاحة يُحسدون عليها!


أذرع السيسي الإعلامية أم السيسي نفسه؟

لم يخجل السيسي من قبل من وصف الإعلام المصري بأذرعه الإعلامية، بل إن العديد من الإعلاميين كانوا قد اعترفوا ضمنيًا بخضوعهم المباشر لتعليمات رئيس الجمهورية وآخرهم المحامي الشهير «خالد أبوبكر»في لقائه مع «خالد صلاح» على قناة النهار والذي فُهم منه أن جلوسه في المنزل دون عمل كان بسبب غضب السيسي منه بعد هجومه عليه لجلوسه مع المديرين التنفيذيين لشركة Siemens وهو أمر من المفترض أن يقوم به وزاء الحكومة.

الأمر لم يعد سرًا، خاصة بعد هجوم عدد من الإعلاميين المغمورين على شخص أبوتريكة في نفس الوقت الذي يمدحون فيه صلاح بنفس الآلية والأسلوب ونفس الجمل والمبررات! إعلاميون لم يتحدثوا في كرة القدم من قبل، ولكن جميعهم قرروا فجأة أن يكون امتداح فنيات صلاح مقرونًا بالتقليل من مكانة أبوتريكة! في إعلام مثل هذا عُرف في السنوات الأخيرة بسمعته السيئة لا يمكن أن نعتبر الموضوع مجرد مصادفة، خاصة بعد اختصاص السيسي لمحمد صلاح بالشكر في حفل تكريم المنتخب الوطني.

«عمرو أديب» هو الآخر والذي نجح في احتلال مكانة الإعلامي أسامة كمال ليصبح الإعلامي الأقرب لعبدالفتاح السيسي، وأن يحظى بمداخلاته الهاتفية بين الحين والآخر، قرر أن يسهم في تلك الحفلة بوصلة هجوم امتدت لعشرين دقيقة كاملة، مُدعيًا أن تريكة قد أخذ حقه من المال والشهرة مقابل ما قدمه لمصر والنادي الأهلي، وأن مثل تلك الدعوات تعبر عن التفكير العاطفي للمصريين، وأنهم لا ينظرون للأمور بموضوعية.

لكن من الواضح أن «عمرو أديب» قد نسي أنه لولا تلك النظرة العاطفية للمصريين ما صار عمرو أديب نفسه إعلاميًا على شاشات التليفزيون، ففي ظل افتقاده لأبسط أدوات الإعلام والمهنية لم يمتلك عمرو أديب غير الكاريزما، والكاريزما فقط التي أوصلته لقلوب قدر كبير من المصريين، الذين يحبون أن يروا تعليقاته الكوميدية على مجريات الامور من آنٍ لآخر.

كل يوم – تعليق #عمرو_اديب على هاشتاج تريكة فى كأس العالم OnEnt | برنامج كل يوم

Gepostet von OnEnt am Dienstag, 10. Oktober 2017


هل يوافق صلاح على هذا الاتجاه؟

يكفي القول إن الرمز الرياضي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين أتى محمد صلاح لفرمه، طبعًا فرمه، ولا يمكن النظر لهذا الأمر على أنه شان رياضي فقط؛ لأنه له بعد سياسي هام وهام جدًا

الصحافة المصرية الإلكترونية والورقية لم تدخر جهدًا هي الأُخرى في تزيين صورة محمد صلاح في عيون المصريين – وهو ليس بحاجة لهذا بالمناسبة – فتارة نرى صورة محمد صلاح بالمصحف وهو على متن الطائرة، وتارة أُخرى نجد أخبارًا تتصدر عناوين الصحف عن حسن معاملة صلاح لسارق سيارة والده، وأنه تدخل لإخلاء سبيله وتوفير فرصة عمل له، وغيرها من المواقف التي تحاول بشكل أو بآخر استغلال حالة الهياج الوطني لدى المصريين بمناسبة الصعود لكأس العالم للترويج لفكرة أن صلاح هو أمير القلوب الجديد!

أما عن صلاح فقد صرّح في أكثر من مناسبة سابقة بأن أبوتريكة هو قدوته المصرية، وأن اقتداءه بسلوكيات أبوتريكة في بداية مشواره الاحترافي كانت سببا لا يُستهان به فيما وصل إليه الآن، بل إنه كان حريصًا على دعمه على تويتر مثل أغلب رياضيي مصر عند خروجه مرغمًا من البلاد بعد الاستيلاء على أمواله ووضعه على قوائم الإرهابيين من قبل حكومة السيسي.

أما الآن، فلم يتخذ صلاح موقفًا حاسمًا من هذا الاتجاه المصري في الإعلام، يرى البعض أنه غير مطالب برد ويرى البعض الآخر أن صلاح قد آثر السلام وعدم الاصطدام مع السلطة الحالية في مصر خاصة بعد تبرعه بخمسة ملايين جنيه لصالح صندوق تحيا مصر قبل سفره للجابون في كأس الأمم الإفريقية الأخيرة، ذلك الصدام الذي قد يكلف صلاح الكثير، إذا قرر السيسي اللعب بورقة التجنيد التي قد تنهي على طموحات صلاح في مشواره الأوروبي أو معاملته مثل أبوتريكة والاستيلاء على أمواله مستقبلًا ووضعه على قائمة الإرهابيين هو الآخر.