لقراءة الحلقات السابقة


الكيس الذي وضعته منذ يومين قد اختفى بمالي الذي يمثل معظم ثروتي. لقد وقعت في الفخ، مثل ضحايا النصابين الذين نقرأ عنهم في الصحف .. لكني كنت أحسبني أكثر ذكاء من ذلك. مدبر هذا الأمر ذكي حقًا أنفق القليل ليجني الكثير.

جلست على الأرض أحك رأسي .. صورة ناطقة بالعجز والحيرة. صوت الكلاب تنبح من بعيد وصرصور الحقل يغازل أنثاه .. لا مخرج أمامي .. لا يوجد من أتهمه حتى لو طلبت الشرطة .. المشكلة مشكلتي ويجب أن أجد حلاً لها.

بدأت تمشيط التربة المحيطة بالقبر بحثًا عن آثار أقدام سارقي.. لم تكن هناك أي آثار وهذا غريب. ثم لاحظت أن هناك أقدامًا مخلبية شبيهة بأقدام الكلاب.. هذه الأقدام تنحدر من شاهد القبر نحو .. نحو الفتحة الموجودة على اليمين في مستوى الأرض وهي الفتحة التي يدخلون الجثة منها. أثار دهشتي أن الفتحة لم تعد مسدودة بالملاط كما كانت .. إنها مفتوحة كأنها جحر ثعلب.

ثعلب أو بنت آوى .. لا أدري .. لكن من المستحيل أن يسرق مالي. الحيوانات أذكى من أن تهتم بأوراق كريهة المذاق مثلنا معشر البشر. ما أعرفه يقينًا هو أن هذا الجحر يحوي لغزًا. كنت أحمل مطواة صغيرة من النوع الذي يُطوى فأخرجتها ورحت بنصلها أحاول أن أوسع الفتحة أكثر فأكثر ..

كانت التربة هشة .. وسرعان ما نجحت في صنع فتحة تكفي لدخول رجل بالغ. رميت بضوء الكشاف داخل القبر وحاولت أن أرى شيئًا .. هنا خطر لي أن هذا القبر أوسع وأكبر مما تخيلت بكثير.

لا تضايقني أرجوك .. قصتي موشكة على الانتهاء. قلت لك إنني تسللت إلى داخل المقبرة وأضأت الكشاف .كانت المقبرة واسعة بحجم غرفة .. أكثر مما تخيلت بكثير.

أدركت أن هناك عددًا من الأنفاق الجانبية في الجدران .. نحو أربعة أنفاق لا أعرف أهميتها ولا قيمتها، ولم أفهم كيف لا تتداعى التربة لتسد هذه الأنفاق. رحت أبحث على ضوء الكشاف عن مالي .. بالفعل وجدت الكيس الذي دفنته .. بيد مرتجفة وعلى ضوء الكشاف فتحته فوجدت نقودي كما هي .. لم تزدد ولم تنقص. السؤال هو: من جاء بها هنا؟

قررت أن الوقت قد حان لكي أعود .. بعد كل شيء أنا في مقبرة تحت الأرض في منتصف الليل. لست من الطراز قوي الأعصاب إلى هذا الحد. لقد استرددت مالي وفيما بعد سأقضي الساعات محاولاً فهم ما حدث: جان .. شياطين .. ثعالب .. شخص يمزح .. أي شيء..

لكني اكتشفت أن الفتحة التي مررت منها قد انسدت .. كيف ومتى؟ لا بأس .. يمكن أن أحفر واحدة أخرى فالتربة هشة هنا. فجأة تحول كل شيء إلى هلاوس مخيفة .. لست واثقًا مما رأيت ولربما أثر المناخ علي. لقد رأيت الجدران تذوب وتتحول إلى كتل من لهب .. كانت أجسادًا مشتعلة تخرج من اللهب وترقص حولي. الجان خلقوا من مارج من نار، فهل هؤلاء جان؟

كانت الأرض تذوب بدورها، وتتحول إلى حمم لكنها غير حارقة .. لم تحترق قدماي. وأمامي رأيت الجدار ينصهر .. ينصهر كاشفًا عن فجوة أقرب لمحراب في الصخر، وعندما دققت النظر أكثر أدركت ان هذه مومياء جالسة .. مومياء رجل فارع الطول مدثر في كفن أبيض. عرفت على الفور من هو.. هذه مومياء عزت الدرهيبي. نفس الرجل الذي كان يطاردني في المنام.

سمعت صوتًا قادمًا من لا مكان يردد:

«عد إلى الدرهيبي .. أنت تعرف الجواب»

ثم أردف ذلك الصوت القادم من لا مكان:

«كنت أنتظر نحو مئة عام حتى يتجاسر أحدهم ويدخل هنا. لقد سئمت الحياة أو بمعنى أصح سئمت الموت.. أن تطاردك لعنة أبدية تحرمك الراحة إلى يوم الدين. تقتات بالجيران الذين تجدهم في القبور وتسرقهم من الأنفاق .. كانت الشياطين تلعب مع الفانين لعبة مضاعفة المال، وخطر لي أن أحدهم سيستبد به الفضول ويدخل هاهنا . أنت أول من تجاسر ودخل، وقد حقت لي الراحة .. حق لي أن أتحلل. انتهت حياتي كغول وبدأت حياتك!»

ورأيت وأنا موشك على فقدان الوعي المومياء تذوب بدورها .. ملامحها تضمحل وتتلاشى … كأنها قطعة فحم مشتعلة تتلاشى جذوتها.. ومن حولي دارت رقصة الشياطين .. وسمعت أغنية مخيفة لم أفهم حرفًا من كلماتها ..وسرعان ما تداعيت وغبت عن العالم.

عندما أفقت كنت خارج المقبرة .. وكان الفجر دانيًا..

عدت لداري وعرفت ما يجب علي القيام به .. عزت كان ميتًا لهذا كان يقتات على الجيف، أما أنا فمن حقي أن أجرب لحمًا طازجًا نضرًا .. لقد تغيرت حياتي بالكامل.

الآن أنت تعرف القصة يا سامي، وتعرف لماذا اصطحبتك للمقبرة ليلاً، وتعرف لماذا أنت مقيد ومكمم الفم جوارها الآن .. لقد انتهت قصتي وحان وقت العمل. لا تحاول الصراخ فلن يسمعك أحد .. سأحاول أن تمر اللحظات القادمة بسرعة.

تمت