تخيل أنك تجلس في إحدى غرف منزلك، تشاهد مباراة في دور الثمانية من دوري أبطال أفريقيا لتجد ما يزيد عن الـ 15 ألف مشجع يذكرون اسمك بشكل مفاجئ. تزيد من مستوى الصوت في تلفاز منزلك لتسمع بشكل أكثر وضوحًا، فتكتشف أنهم يسبون والدتك بأبشع الألفاظ الممكنة.

موقف لم يمر عليك قبل ذلك طيلة حياتك، وإهانة صارخة لشخص تعوّد ألا يتم ذكر اسمه دون أن يُلحق به ألفاظ كتلك «سمو، معالي، المستشار، المستثمر»، إهانة تحدث للمرة الأولى في المدرج الحقيقي وليس الافتراضي على صفحات فيسبوك وتويتر.

هذا ما شعر به تحديدًا تركي آل الشيخ منذ أيام في مباراة النادي الأهلي أمام نادي هوريا الغيني على ملعب السلام في القاهرة. سباب عنيف، علق بأذهان الجماهير بشكل غريب، ليبلغ آل الشيخ أن للعبة في مصر قواعد أخرى مختلفة عن تلك التي تعوّد عليها في الملاعب السعودية، قواعد أهمها هو صوت الجمهور في الملعب، صوت رفع لاعبين إلى السماء وهبط بآخرين تحت الأرض.

قبل أن تتهمني عزيزي القارئ بالمبالغة عليك أن تذهب بنفسك إلى الموقع الشهير «Youtube» لتبحث عن أي فيديوهات أو مقاطع سباب جماعي في الدوري السعودي. لن تجد إلا مقطعًا وحيدًا لمشجع من نادي الهلال يسب فهد المولد ويقول له: «بره يا كلب» أثناء خروجه من الملعب ليحاول الأخير الرد بحذائه قبل أن يمنعه مدربوه من ذلك. الأمر غير معتاد في الملاعب السعودية بالنسبة للاعبين، فما بالك إن كان السباب لأحد المسؤولين البارزين في الدولة؟

هذا تحديدًا ما أثار جنون تركي آل الشيخ وجعله يتخذ «قرارات/تهديدات» بسحب استثماراته من مصر وتسريح لاعبيه وإعلامييه وموظفيه في أقل من يومين بعد المباراة. مشاهد عبثية كثيرة تبعت بيانات تركي آل الشيخ وداعميه من المسؤولين في السعودية، ولكن دعنا نسلط الضوء على خمسة مشاهد هامة تشرح لنا الموقف بوضوح.


1. مدحت شلبي يرد على مدحت شلبي

منذ عام تقريبًا، استضافت الإعلامية إسعاد يونس في برنامجها صاحبة السعادة المعلق المصري الشهير «مدحت شلبي»،حكى شلبي أثناء اللقاء عن موقف تعرض فيه لسباب جماعي في إستاد بورسعيد في مباراة النادي الأهلي ضد المصري في تسعينيات القرن الماضي بسبب سخرية شلبي من حارس النادي المصري في مباراة سابقة للفريقين خسر فيها الفريق البورسعيدي بأربعة أهداف.

لم تنقطع ضحكات شلبي طوال الحكاية، بل إنه وصف السباب الجماعي ضاحكًا بـ «سمعت صوت ماما في المدرجات». ختم شلبي قصته بأن هذه هي إحدى ظواهر كرة القدم في مصر التي يعتاد عليها ولا يلقي لها بالًا، فهي لن تنتهي ويجب على الجميع أن يعلم أن هذه هي ضريبة النجومية والشهرة في أي مكان في العالم.

لكن شلبي وبعد عام واحد تغير، مثلما تغير كل فرد انضم لفريق تركي آل الشيخ في الفترة الأخيرة.خرج مدحت شلبي على الهواء لمدة 3 ساعات كاملة ليصف لنا مدى كارثية المشهد الذي حدث في مباراة الأهلي، يستضيف هذا الضيف ليؤكد أن تلك الجماهير مأجورة، ثم ينتقل لضيف آخر يؤكد ضرورة تعامل الأمن المصري مع هؤلاء الشباب.

وكأن هتاف الجماهير المُعادي لم يعد إحدى ظواهر كرة القدم في مصر، وكأن الصبر على السباب لم يعد ضريبة النجومية والشهرة في أي مكان في العالم، ولم يعد تجاهله واستقباله بالضحكات ممكنًا الآن بعد أن أصبح موجهًا لـ «أبو ناصر». مدحت شلبي استقبل سباب والدته بالضحكات ولكنه لم يتحمل سباب «أبو ناصر»!

لم ينسَ مدحت شلبي قواعد لعبة كرة القدم في مصر والتي يحكمها الجمهور ولكنه تناسى، تناسى حتى يفوز في اللعبة الأكبر في مصر الآن وهي لعبة النفوذ والتي يجيدها مدحت شلبي حتى الآن حتى وإن خسر قطاعًا عريضًا من جماهيره.


2. أين الزمالك؟

لم يختلف موقف مرتضى منصور كثيرًا عن موقف شلبي.ففي مداخلة امتدت لعشر دقائق ذكر فيها مرتضى منصور اسم الزمالك مرة واحدة فقط في أقل من 5 ثوانٍ. لم يعترض المستشار المصري على سب جماهير النادي الأهلي لناديه إلا في ثوانٍ معدودة، أما باقي المداخلة فكانت للدفاع المستميت والمدح المبالغ فيه لتركي آل الشيخ.

الأمر وصل بمرتضى إلى ترجّي آل الشيخ على الهواء بنسيان ما حدث والتصريح بأنه لا يريد لاعبين ولا يريد أموالاً فقط يريد بقاءه في مصر. الأمر أشبه بشاب في مقتبل العمر يصالح محبوبته ويطلب منها العفو عن خطئه؛ كوميديا سوداء!

المضحك في الأمر أن منصور طالب آل الشيخ في نهاية المداخلة بالتراجع عن قراراته لأنه «رجل دولة» ويجب أن يحافظ على استقرار العلاقات بين مصر والسعودية. هذا لو حدث يمكننا الجزم حينئذ أن ثمة نسخة أخرى من مرتضى منصور قد وُلدت في المملكة ولكنها أكثر ثراءً ونفوذًا بالطبع.


3. الخطيب وجمهور الأهلي

وجّه محمود الخطيب تلك الكلمات إلى جماهير النادي الأهلي التي حضرت مباراة هوريا الغيني بعد المباراة بيوم واحد فقط. صحيح وأن مدح الخطيب جاء صراحة بسبب تحفيزهم للاعبين بعد أول 20 دقيقة للمباراة، إلا أن البعض ربطه ضمنيًا بسعادة الخطيب بوقوف جمهور الأهلي بجانبه في هذه المعركة أمام آل الشيخ وآلته الإعلامية الضخمة.

الربط يبدو منطقيًا لأن الخطيب إن كان غاضبًا من تصرفات الجماهير ما كان ليختصهم بالشكر في كلمته التي كانت بالأساس عن لائحة النادي الأهلي الجديدة.

يدرك الخطيب جيدًا أن الاستعانة بخدمات تركي آل الشيخ هو خطأه الأكبر منذ دخوله النادي الأهلي، وأن تدارك هذا الخطأ لن يتم إلا بجمهور الأهلي. الدفاع عن جمهور الأهلي والاستماتة في حمايتهم من بطش الأمن المصري هو تحدي الخطيب الأهم هذه الفترة وطوق النجاة الوحيد لنجاح ولايته الأولى بين جدران القلعة الحمراء. المنطقة الرمادية التي اعتاد الخطيب الوقوف فيها لن تجدي نفعًا الآن!


4. الحرب الأخلاقية

حتى لا تختلط الأمور، يجب علينا الاعتراف بأن السباب الجماعي لشخص ما هو أمر خاطئ. لكن ماذا لو اتهمك أشخاص بانعدام الأخلاق وهم الذين قد ضربوا بالأخلاقيات والمبادئ عرض الحائط طوال تاريخهم؟ الأمر حينها يشبه الطفل الذي يضرب زميله في الفصل، وحين يأتي زميله ليرد له الضربة يقول له: «في حماية ربنا» فيهمّ ليركل حقيبته فيقول له: «بها كتاب دين»!

المعلق الشهير فهد العتيبي خرج علينا بتغريدة على حسابه الشخصي يخبرنا فيها بأن التفوه بألفاظ بذيئة ليس من الأخلاق، وأن الشعب السعودي لن يقبل إهانة مواطن سعودي يمثلهم جميعًا. وهل كان نقل كأس العالم في قناة سارقة لحقوق وكالة إعلامية كنت تعمل بها من قبل تحت رعاية الحكومة السعودية من الأخلاقيات؟

مجدي عبد الغني هو الآخر خرج ليدافع عن التجربة الاستثمارية المميزة مهاجمًا كل من يحاول مضايقة آل الشيخ واصفًا السباب الجماعي للجماهير بالعمل غير الأخلاقي. وأين كانت الأخلاق قبيل كأس العالم بأيام حين حدثت أزمة سرقة ملابس المنتخب والتي استُبعد على إثرها عبد الغني من رئاسة بعثة المنتخب،فيهدد رئيس الاتحاد بفضح الأمور من داخل الغرف المغلقة فيعيده مرة أخرى لرئاسة البعثة!


5. تهديدات أم قرارات؟

أود أن أشكر جمهور النادي الأهلي العظيم الذي لا أستطيع وصفه بالكلمات.

فروق ضخمة بين التهديدات والقرارات في بيان تركي آل الشيخ بسحب استثماراته في مصر.

دعنا نتناول الاحتمال الأبسط والأكثر قربًا لقلوب الجماهير في مصر وهو أن يكون الأمر قرارًا حقيقيًا سيتم تنفيذه في القريب العاجل. في هذه الحالة سيكون الجمهور قد انتصر انتصارًا كبيرًا مُعلنًا أن روابط الأولتراس لم تكن هي الأزمة في حد ذاتها. الانتصار سيكون لجمهوري الأهلي والزمالك بالمناسبة، فكلا الجمهورين قد دافع عن آل الشيخ حينما انضم لناديه وانقلب عليه باختلاف الترتيب.

جمهور الأهلي حاول في البداية وصفه بالمُحب المخلص الذي يعشق تراب النادي الأهلي، في هذه الآونة وصفه جمهور الزمالك بالكفيل الذي لم يستطع شراء النادي الملكي، قبل أن تنقلب الآية ويدافع عنه قطاع عريض من جمهور الزمالك ويصفه بالمستثمر ويتراجع جمهور الأهلي ليصفه بالخليجي الذي اشترى الزمالك بأمواله.

الحقيقة أن الأمر أكبر بكثير من المكايدة بين جمهور الفريقين؛ لأن هناك احتمالاً ثانيًا يقول إن بيان آل الشيخ مجرد تهديد لإثارة السلطات الأمنية المصرية ضد الجماهير في المدرجات للتعامل معهم بشكل أكثر حزمًا، وفي هذه الحالة لن تفرق العصا بين من يرى آل الشيخ كفيلاً الآن وبين من رآه كفيلاً قبل ذلك!