لقد مررت بلحظات أردت عندها أن أتوقّف عن لعب كرة القدم. 
نيمار جونيور، نجم باريس سان جيرمان الفرنسي، يناير/كانون الثاني 2021. 

مثل غيره من نجوم كرة القدم العالميين، مَلَّ قائد المنتخب البرازيلي من روتين وظيفته، وعلى الرغم من صعوبة تفهُّم حقيقة الدوافع التي قد تجعل شخصًا يحظى بحياة شبه مثالية يشعر بالملل من «اللعب»، تظل الفكرة نفسها منطقية؛ عند مرحلة ما، تتحوَّل كرة القدم وضغوطها بالنسبة للاعبين من حافز لتحقيق الذات وهواية تجلب الأموال، إلى محاولات مستميتة لإرضاء الآخرين. 

عندئذٍ، يجد اللاعب نفسه أمام خيار من اثنين، إما الاستسلام للضغوطات والتحوُّل لمزحة تتناقلها الألسنة، وما أكثرها حين نتحدّث عن نيمار، أو المقاومة لأبعد نقطة ممكنة. 

من السهل تخيُّل أي طريق اختار ناشئ سانتوس البرازيلي أن يسلُك؛ فالشاب الذي كسر حاجز الثلاثين لم يعد يجد شغفه في كرة القدم منذ وقت طويل، واستبدلها بألعاب الفيديو والسهرات الصاخبة رفقة الأصدقاء. 

وفي الحقيقة، لسنا هنا لندافع عن قرارات نيمار، لكننا هنا لنطرح تساؤلًا أهم: وهو ما الذي دفع نيمار لكراهية كرة القدم التي سبق وصرّح أنّها كانت شغفه الوحيد؟ 

أكبر مهرِّج في التاريخ 

نيمار هو أكبر فشل في تاريخ كرة القدم
دانيل ريولو، صحفي «RMC» الفرنسية. 

منذ انتقاله لباريس سان جيرمان الفرنسي قادمًا من برشلونة في صيف 2017، مقابل 222 مليون يورو، بات نجم برشلونة السابق مطالبًا بأن يُثبت استحقاقه هذا الرقم الضخم، وبطبيعة الحال، حتى يتحقق ذلك، لا بد من نجاحه رفقة الفريق الفرنسي في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا. 

في الواقع، يبدو انتقاد نيمار رياضيًا مبررًا؛ لأنّه يعد نواة مشروع باريس الجديد، الذي كان من المفترض أن ينقل النادي من مجرّد فريق من المواهب لفريق يكتسح أوروبا، لكن هل كان ذلك ممكنًا من الأساس؟ 

الإجابة البديهية هي لا؛ لأن إدارة باريس الرياضية لم تفطن لحقيقة أنّ صرف المليارات لا يضمن تحقيق الألقاب أمام منافسين أكثر ذكاءً، ليصطدم الجميع بالأمر الواقع: معظم أندية النخبة في العصر الحالي لديها شيئان لا يبدو أن باريس سان جيرمان يعتبرهما مهمين؛ مدرب موثوق به ومبتكر تكتيكيًا. 

ما يحدث في ملعب كرة القدم هو شيء لا يمكن أن يفهمه سوى أولئك الذين يلعبون اللعبة وأولئك الذين لم يلعبوا أبدًا لن يفهموا أبدًا، الأمر بهذه البساطة. 
نيمار جونيور.

مع ذلك، هناك قصة لا تروى كثيرًا، وهي تأثير وجود نيمار اقتصاديًا على باريس سان جيرمان، على الرغم من عدم النجاح رياضيًا، جذب وجود قائد منتخب البرازيل مجموعة من أكبر العلامات التجارية نحو النادي الباريسي لحظيًا، بل إن عائدات النادي ارتفعت بمجرد وصوله طبقًا لمؤسسة «ديلويت» للاستشارات المالية من 486 مليون يورو إلى 635 مليون يورو، كثاني أعلى معدّل نمو للعائدات في أوروبا خلال الفترة ما بين عامي 2017 و2019.  

هنا، يمكننا أن نتوصل لأول الأسباب التي قد تقود نيمار لكي يتحوَّل لنسخة مشوهة من لاعب بإمكانيات خارقة، وهي أنّه متهم بكونه السبب الأول في فشل باريس سان جيرمان، وليس مجرد فرد ضمن مجموعة من الفاشلين -إن صَح التعبير-. 

الطريق للجحيم 

قبل 10 سنوات كنت أحاول توجيه مسيرة ابني، لكن الآن هي خطة عالمية.
نيمار دا سيلفا الأب

حسب فوربس، يصل إجمالي دخل نيمار السنوي نحو 100 مليون دولار أميركي، مقسمة بين؛ المرتب والحوافز من باريس سان جيرمان (75 مليون دولار)، والشراكات التجارية (25 مليون دولار)، ولعل السبب الرئيسي في تحصيله لهذا الرقم الخرافي هو والده، نيمار دا سيلفا الأب، الذي تحمَّل على عاتقه تحويل نجله لعلامة تجارية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. 

لم تمنح كرة القدم نيمار الأب الكثير، حيث اعتزل كرة القدم دون أن يتمكّن من تأمين مستقبل أسرته، الأمر الذي جعل طفولة ابنه المبكرة صعبة، لكنّ هذه المعاناة لم تدم طويلًا، فبمجرد وصول نيمار الابن عامه الـ12، كانت خطة تسليعه قد بدأت بالفعل. 

حين كان نيمار مراهقًا كان يتقاضى 500 ألف دولار سنويًا فقط من سانتوس البرازيلي، في حين كان يمتلك اتفاقات تجارية تصل قيمتها لـ 11 مليون دولار. 
نيمار دا سيلفا الأب. 

في وثائقي «Neymar: Perfect chaos»، الذي أنتجته منصة نتفلكس الرقمية، ظهر الجانب الخفي من علاقة نيمار الأب بنجله؛ العلاقة التي بنيت على التوجيه وتلافي الأخطاء، تحولت سريعًا لمحاولات مستمرة من الأب لانتزاع كل دولار ممكن من اسم ابنه التجاري. 

يرى «نيك ميلر»، صحفي ذي أثليتيك، الذي شاهد الوثائقي أيضًا أن نيمار دا سيلفا الأب، مدير شركة «NR Sports»، التي تضم 215 موظفًا يعملون على إدارة مصالح اللاعب ليست مجرد شركة تدير علامته التجارية، بل صناعة متكاملة داخل صناعة كرة القدم مرتبطة فقط بجسد شاب يلعب كرة القدم في باريس. 

هذا الجنون، قاد نيمار ليعترف بأنّه فقد والده الذي كان بمثابة المعلم والموجه، ليصطدم بشخصٍ آخر أكثر احترافية.

في الواقع، قد تكون تصرفات الأب مبررة أيضًا، لأنّه حسب رأيه يعمل على ضمان حياة مثالية لنجله بعد الاعتزال، خاصة وأنه قد سبق له وعانى بعد اعتزاله. 

لكن إذا ما وضعنا أنفسنا مكان نيمار الابن، ربما نجد أنفسنا أكثر تفهمًا لظهوره كشخص لا يكترث بكرة القدم، أو بالأحرى شخص يريد التخلُّص من هذا الروتين الذي جعله يفقد علاقته الطبيعية بوالده. 

 كان والدي يعتني بي دائمًا ولكن تأتي لحظة لا تريد فيها ذلك وينتهي بك الأمر بفقدان والدك. 
نيمار

عن أصدقاء السوء

 من السهل جدًا أن يتحدّث الناس عن حياتك الشخصية دون أن يعرفوك جيدًا، لكن أنا، نيمار الحقيقي، معروف جيدًا لعائلتي، والأشخاص الذين يعملون معي وأصدقائي. إنهم يعرفونني، هذه هي الآراء التي أهتم بها
نيمار جونيور، تعليقًا على الانتقادات المستمرة التي توجه له. 

نصف تصريح اللاعب أعلاه يبدو مثاليًا؛ بالفعل منحت وسائل التواصل الاجتماعي الحق للجميع في انتقاد الرياضيين، والتدخُّل في حياتهم الشخصية أحيانًا، بالتالي، إذا ما أراد اللاعب الاستمرار في مستوى عالٍ، عليه تجاهل كل هذه الانتقادات، خاصة وإن لم تكن بغرض تصويب المسار، لكن لحظة! ماذا عن هؤلاء الذين يكترث نيمار لآرائهم؟ 

حقيقةً، علاقة نيمار الغريبة بوالده قد لا تكون وحدها السبب في شعوره بفقدان الشغف نحو كرة القدم؛ لأن علاقته بأصدقائه أكثر غرابة، حتى تتضح لك الصورة، دعنا نعرفك على زمرة «Los Toiss». 

في 2019، نشر موقع «Four Four Two» تقريرًا يشرح مدى تأثير مجموعة مكونة من خمسة أصدقاء مقربين لنيمار جونيور، على قراراته الشخصية. 

هذه المجموعة، التي وشم كل منهم حرف من كلمة «Amigos» على ذراعه، هم ملاذ نيمار الآمن، الذين ضمن لهم نجاح نيمار في كرة القدم وظيفة الأحلام: «صديق نيمار».

هذه الوظيفة تتضمّن طبقًا لأندرو موراي، كاتب التقرير، العيش مع نيمار في محل إقامته، السفر معه على متن طائرات خاصة، تنظيم سهرات ليلية، الضحك عندما يضحك، الرقص عندما يرقص، والمثير للسخرية تقاضيهم كذلك مقابلًا ماديًا لمجهوداتهم تلك يتم تضمينه داخل كل عقد جديد للاعب وإلا فلن يوقع نيمار على ذلك العقد.

تخيَّل الآن أنك أحد أفراد حاشية نيمار تلك! هل ستوجِّه له أي انتقاد؟ بالطبع لا. لكن الأسوأ هو أن نفس المجموعة التي تعيش حياة مترفة في نعيم البرازيلي لا تلتزم الصمت حين يتراجع مستواه، بل تذهب وتسيء لكل من يحاول انتقاده. 

في 2018، انتقد كل من اللاعب البرازيلي السابق «والتر كاسجراندي»، والصحفي «جالفانو بوينو»، ادعاءات نيمار المستمرة في التمثيل أثناء مباراة المنتخب البرازيلي ضد سويسرا، حيث أمضى نحو 13 دقيقة من عمر المباراة مستلقيًا على الأرض. 

بالطبع، كانت سلوكيات نيمار مستفزة للجماهير، لكن «Los Toiss»، كان لهم رأي آخر، حين قادوا حربًا ضد الثنائي على منصة «إنستجرام» ووصفوهما بالحثالة. 

هذه هي مشكلة التعامل مع مسيرة نيمار الحقيقية؛ وهي إنّه لا يُعامل كلاعب عادي يخطئ ويصيب، على العكس تمامًا، فهو إما الشرير الأوحد في رواية الجماهير والنقاد، أو لا يخطئ قط في رواية حاشيته. 

هذا ما قد يقوده في النهاية لأن يكره كرة القدم مفضلًا الاعتزال؛ فربما سئم لعب دور المراهق المدلل بعدما كسر حاجز الثلاثين، لأنه إن استمر في ممارسة اللعبة فعليه أن يظل داخل فقاعته البلاستيكية، بعيدًا عن الانتقادات، محاطًا بالمتملقين، دون أن تسمح له الظروف بالتفكير في حقيقة كونه موهبة استثنائية لم تحقق المرجو منها.