هذه المقالة هي الفصل الثالث من كراسة «إقامة الجسور بين الضفتين»، وهي قراءة في نتائج دراسة مسحية أجراها مشروع حوار المتوسط للحقوق والمساواة الممول من الاتحاد الأوروبي، لمراجعة نشاط المجتمع المدني في منطقة المتوسط.

تتخبـط منطقـة المتوسـط فـي طيـف مـن التحديـات البيئيـة التـي ترشـح بمجـرد معاينـة وضـع المجتمـع المدنـي. فالمنظمـات المعنيـة بقضايـا البيئـة هـي أكثـر عـوزًا إلـى المـوارد الماليـة بالمقارنـة مـع أندادهـا مـن المنظمـات غيـر الحكومية [1]  . وقدرتها على التعاون عبر الحدود قد تصطدم بقيود شديدة على الرغم من التشابه في المشاكل البيئيــة التــي يعانــي منهــا المتوســط. ومــع تنامــي العقبــات وليــس أقلهــا الضغــط الــذي تمارســه الحكومــات القمعيـة، والجهـات الفاعلـة المحليـة المعاديـة والجهـات المانحـة المتطلبـة، يواجـه العديـد مـن المنظمـات عقبـات أكثـر مـن ذي قبـل. وبتعبيـر آخـر، يجاهـد المحافظـون ومعـدو الحمـلات لأداء عملهـم فـي خـال فتـرة حرجـة، البيئـة فيهـا أحـوج مـا تكـون إلـى المسـاعدة.

ومــن خــلال مســح نحو 30 منظمــة مجتمــع مدنــي تعنــى بقضايــا البيئــة، كــون برنامــج حــوار المتوســط صــورة عـن مشـهد بيئـي يتعـرض لاعتـداء ويجاهـد فـي سـبيل الحصـول علـى الدعـم علـى الرغـم مـن شـعبية ونشـاط غيـر مســبوقين. فالموازنــات ضئيلــة لا بــل تتقلــص فــي العديــد مــن الحالات نتيجــة الجائحــة ولكــن هــذا الشــح يقابــل بارتفـاع فـي أعـداد المتطوعيـن. يبـدو أن حجـم المنظمـات غيـر الحكوميـة المعنيـة بقضايـا البيئيـة قـد بلـغ معـدلًا قياسـَيًا يقـارن بحجـم الدمـار البيئـي. وبحسـب أحـد الناشـطين اللبنانييـن [2]  «تنامـى عـدد الأصدقاء بقـدر تنامـي عـدد الأعداء». فعبــر ضفتــي المتوســط، يشــارك منظمــو الحملات والمحافظــون قصــة خــوف وأمــل فــي المســتقبل.

إن طبيعـة المتوسـط وحـدوده تسـتوجب مزيـدًا مـن التكاتـف عبـر الحـدود والتعـاون متداخل الاختصاصـات مقارنةً مــع ســائر النظــم البيئيــة. وحيــث إن بحــر المتوســط هــو بحــر شــبه مغلــق يعيــش فيــه عــدد كبيــر مــن المواطنيــن علـى الشـاطئ وتسـتغرق فيـه الميـاه قرنـًا لتجـدد نفسـها، فهـو معـرض بشـكل كبيـر للتلـوث. وهـذا مـا ثبـت في خلال العقود المنصريمة.  تُعتبر الجسميات البلاستيكية المركزة الأسوأ في العالم مع دخول 33800 قنينة بلاستيكية البحــر فــي كل دقيقــة بحســب الصنــدوق العالمــي للحيــاة البريــة؟

فالنفايـات السـامة التـي يولدهـا بلـد ينتهـي بهـا الأمر فـي بلـد آخـر. وفـي الداخـل أيضًــا، يعانــي معظــم الــدول مــن الإجهاد الناتــج عــن المنــاخ ومــن نــدرة المــوارد وتفــكك التنــوع البيولوجــي الــذي يؤثـر علـى القاصـي والدانـي مـن الـدول الجيـران ولا يسـاعدهم. فالبيئـة لا تعـرف لهـا حـدودًا بحسـب القـول المأثـور ولا شــك فــي أن دول المتوســط هــي أســطع مثــال علــى ذلــك.

ولكـن التاريـخ والجغرافيـا السياسـية تآمـرا لتعقيـد التعـاون بينما يجـب الدفع باتجاهه. وصل عدد الدول المتوسـطية إلــى 22 دولــة ســاحلية، تضــاف إليهــا باقــة مــن الأطراف المهتمــة الأخرى، وبلــغ عــدد أصحــاب المصلحــة فــي المتوسـط مسـتوى غيـر مسـبوق وهـي بمعظمهـا متخاصمـة أو بالـكاد تتواصـل فـي مـا بينهـا ممـا ينعكـس بـدوره سـلبًا علـى طبيعـة العلاقـة بيـن منظمـات المجتمـع المدنـي.

وفـي ظـل التبايـن علـى مسـتوى النظـم السياسـية، ومعــدلات الازدهار والمواقــف مــن القضايــا البيئيــة فــي محيــط المتوســط، ســيتضح أن بنــاء التوافــق والعمــل الجماعــي لــن يخلــو مــن الصعوبــات. وفــي ظــل التحديــات الأخرى  ومنهــا النزاعــات الأزمات الاقتصادية وأزمــات الحكومـة وأزمـة كورونـا، يلفـت العديـد مـن منظمـات المجتمـع المدنـي المعنـي بشـؤون البيئـة إلـى أنـه سـيكون مـن الصعوبـة بمـكان تحقيـق أي تقـدم علـى الرغـم مـن المشـهد القاتـم علـى ضفتـي المتوسـط.

التقييم

تضمـن طبيعـة المنطقـة المتفاوتـة أن تعمـل منظمـات المجتمـع المدنـي فـي بيئـة سياسـية واجتماعيـة متنوعـة تتــراوح بيــن مناطــق النــزاع التــي يســتحيل فيهــا العمــل (مثــل ســوريا وليبيــا) وصــولاً إلــى الــدول المتســلطة (مثــل مصـر وتركيـا) والـدول الأوروبية وبعـض الأنظمة الديمقراطيـة. ولكـن علـى الرغـم مـن أوجـه الاختـاف الشـديدة، يجتمـع المشـهد البيئـي فـي المنطقـة حـول عـدد مـن القواسـم المشـتركة.

هــذا وتفتقــر منظمــات المجتمــع المدنــي المعنيــة بقضايــا البيئــة إلــى المــوارد الماليــة مقارنــة مــع ســواها مــن المنظمـات التـي لا تنعـم بالوفـرة هـي الأخـرى. لا تتجـاوز الموازنـة التشـغيلية المتوسـطة بيـن المنظمـات المجيبـة علــى الأسئلة البيئيــة مبلــغ 150 ألــف يــورو مقارنــة مــع معــدل وســطي يصــل إلــى 277500 يــورو. وبعــض المنظمــات يكتفــي بـ20 ألــف يــورو ســنوًيا كمــا هــي الحــال مثـلًا بالنســبة إلــى إحــدى المنظمــات التونســية غيــر الحكوميــة. ولكــن الرقــم الفعلــي قــد يكــون عمليــًا أقــل حيــث إن عشــرة مــن المنظمــات الثمانيــة والعشــرين التـي شـملها المسـح قـد رفضـت الإفصاح عـن موازناتهـا فـي الاستبيان ويبـدو أن كثيـرًا منهـا هـو مـن بيـن أكثـر المنظمــات تعثــرًا مــن الناحيــة الماليــة.

بطبيعــة الحال، يعطــل هــذا الشــح فــي المــوارد الماليــة عمــل المنظمــات غيــر الحكوميــة. ونتيجــة هــذه الضائقــة، يوظــف العديــد مــن منظمــات المجتمــع المدنــي عــددًا مــن الموظفيــن المأجوريــن لا يتجــاوز عددهــم الأحــد عشــر موظفًـا وينيـط بهـم العمـل علـى مـا لا يقـل عـن سـبعة مشـاريع؛ وهـذه الأرقـام هـي دون المعـدل المعمـول بـه في منظمـات المجتمـع المدنـي. تحـدث المسـؤولون فـي هـذه المنظمـات عـن العديـد مـن الصعوبـات لجهـة توظيـف خبـراء فـي مجـال الحفـاظ علـى البيئـة و/أو إجـراء دراسـات بيئيـة غالبـًا مـا تكـون باهظـة الكلفـة وتسـتغرق سـنوات أو القيـام بعمليـات تنظيـف ميدانيـة علـى الرغـم مـن وجـود العديـد مـن الأسباب التخفيفيـة فـي كلتا الحالتيـن.

ومـا يعـوض عـن النقـص فـي عـدد الموظفيـن هـو تنامـي عـدد المتطوعيـن الذيـن يمثلـون علـى مـا يبـدو النسـبة الأكبر مـن قـوى العمـل فـي وسـط منظمـات المجتمـع المدنـي المعنيـة بشـؤون البيئـة مقارنـة مـع مياديـن أخـرى، فـي حيــن قــد تســتوجب المشــاريع البيئيــة وقتـًـا ومــوارد غيــر عاديــة لتحقيــق النتائــج. وبطبيعــة الحــال، ليســت الكميــة أبـدًا مرادفـة للأثـر

وعلــى الرغــم مــن الجهــود الصريحــة المبذولــة فــي ســبيل تنويــع مصــادر الدخــل، يمكــن أن تحصــل منظمــات المجتمــع المدنــي المعنيــة بشــؤون البيئــة علــى تمويــل مــن مجموعــة صغيــرة وفــي بعــض الأحيان مــن حلقــة غيــر موثوقــة مــن المانحيــن. يتلقــى 23 مــن أصــل 28 مجيــبًا الدعــم مــن مؤسســات خيريــة أو مــن جهــات مانحــة صغيــرة الحجــم يمكــن أن يتراجــع دعمهــا بســرعة شــديدة لــدى أي اختبــار أو تــردد مالــي هــذا إن لــم يقــع المجتمــع المدنـي ضمـن الأولويات المتضاربـة فـي بعـض الأحيان لإحـدى الجهـات المانحـة. تتلقـى 20 منظمـة مـن أصـل المنظمـات الثمانيـة والعشـرين المعنيـة بشـؤون البيئـة الدعـم مـن الاتحاد الأوروبي، وهـذه النسـبة تتجـاوز عتبـة 56% مــن جميــع المنظمــات غيــر الحكوميــة التــي شــملها إحصــاء حــوار المتوســط والتــي تشــكل مصــدر خــوف عرضــي.

ومــع أن تمويــل الاتحاد الأوروبي يعتبــر حيويــًا، إلا أن بعــض المنظمــات يشــعر بــأن بروكســل لا تتمتــع بفهــم كاف للتحديــات وبالتالــي لديهــا توقعــات غيــر منطقيــة حيــال القــدرة علــى تحقيــق التغييــر والملفــت أن ثماني منظمــات فقــط مــن بيــن المنظمــات التــي شــملها الاستطلاع تتلقـى مسـاعدات مـن الدولـة ممـا يعكـس تناقـص شـأن البيئـة فـي العديـد مـن دول أفريقيـا الشـمالية ودول شــرق المتوســط..

ولكـن يفيـد بعـض الأدلة بـأن التعـاون بيـن منظمـات المجتمـع المدنـي عبـر الحـدود قـد تصاعـد في خلال السـنوات المنصرمــة مــع انكشــاف المشــاغل البيئيــة. تعمــل 16 مــن أصــل 28 منظمــة شــملها الاستطلاع علــى ضفتــي المتوسـط أي بنسـبة تناهـز 49% مـن مجمـوع منظمـات المجتمـع المدنـي وهـذا تحسـن ملمـوس مقارنـة مـع مسـتويات التعـاون الماضيـة.

وعلــى صعيــد آخــر، بــرز عــدد مــن المنظمــات البيئيــة الجديــدة فــي خــلال العقــد المنصــرم ســيما علــى الضفــة الجنوبيـة مـن البحـر. ويفيـد عـدد مـن منظمـات المجتمـع المدنـي البيئيـة عـن تعرضـه لصعوبـات أقـل فـي التعـاون مـع الشـركاء الأجانب. ومـن المغـرب إلـى تونـس، يبـدو أن المنـاخ السياسـي قـد اسـتتب فـي بعـض الـدول التـي تســعى إلــى ترتيــب وضعهــا البيئــي فيمــا يرخــي دول أخــرى القواعــد المفروضــة علــى منظمــات المجتمــع المدنــي المحليــة العاملــة فــي نطاقــه.

ولكن المنظمات البيئية عبر الوطنية والحملات على المستوى الأكبر عانت في سبيل كسب الأرضية عبر المنطقة. ففي دول المتوسط الجنوبية، كان لمنظمة «السلام الأخضر في منطقة مينا» (Green Peace MENA) بالكاد بضع نشاطات، ولم يكن لها أي مكاتب باستثناء 4 دول هي: إسرائيل ولبنان وتونس والمغرب، في حين كان للصندوق العالمي للحياة البرية إنجازات قليلة على الرغم من محاولات توسيع عملها في العالم العربي.

ولكـن علـى الرغـم مـن وجـود قصـص نجـاح ملفتـة[3]، عانـت المنظمـات غيـر الحكوميـة البيئيـة وعلـى نطـاق واسـع مــن الضربــات نفســها التــي تعــرض لهــا المجتمــع المدنــي المتوســطي منــذ مــا بعــد ثــورات الربيــع العربــي وترجــم ذلــك إلى تعاونــ قاصــر أو مختنق عبــر الحــدود. رفــض نصــف المجيبيــن تقريبــًا رصــد مصــادر الضغــط خشــية تجــدد الاضطرابــات أو تصاعدهــا فــي بعــض الأحيان بحســب العديــد مــن المنظمــات التــي شــملها المســح. ومــن بيــن المنظمــات التــي أجابــت، أفــادت نســبة أقــل مــن النصــف بأنهــا تعرضــت لضغوطــات حكوميــة وأفــادت النســبة نفســها تقريبــًا عــن وجــود ردود فعــل مــن جهــات فاعلــة محليــة قويــة منهــا الأحزاب السياســية أو المؤسســات الدينيــة.

عانــى العديــد مــن النظــراء فــي أوروبــا تراجعــًا شــديدًا فــي التمويــل فــي خــلال فتــرة الركــود الأخيرة التــي يتعيــن عليهــم التعافــي منهــا. يعــرب بعــض المســؤولين عــن الحمـلات عــن أملهــم بــأن تثمــر هــذه الجهــود فــي القريـب العاجـل سـيما مـع وجـود الأزمات الماليـة المتفاقمـة الناشـئة عـن وبـاء كورونـا، والتـي قضمـت مـن مصـادر التمويــل.

الاتجاهات المستقبلية

الحركـة البيئيـة هـي حاليًا عنـد تقاطـع طـرق حـول المتوسـط. فمـن جهـة يتخـذ الاهتمام الشـعبي منحـى تصاعديًـا فــي ظــل تنامــي الوعــي حيــال الأزمات البيئيــة فــي المنطقــة. من الجديــر التنويه بأن العديد من المنظمات التي شـملها المسـح حديـث النشـأة سـيما فـي شـمال أفريقيـا، ومـع تنامـي حجـم هـذه المنظمـات ونضوجهـا والتحاقهـا  بشـبكات دوليـة ، تتنامـى القـدرة علـى تحقيـق تعـاون متفـوق عبـر المتوسط. والملفـت أن متوسـط سـن موظفـي  منظمــات المجتمــع المدنــي البيئيــة يبــدو وإلــى حــد بعيــد دون معــدل ســن العامليــن فــي منظمــات المجتمــع المدنـي. ولعـل البيئـة هـي أكثـر المجـالات حاجـة إلـى تغييـر علـى مسـتوى الأجيال لكونهـا بحاجـة إلـى مناصريـن مـن بيـن الجهـات التـي تحتـل موقـع سـلطة.

ولعـل الأهـم هـو أن بعـض منظمـات المجتمـع المدنـي البيئيـة يتوقـع أن يترجـم الوعـي القلـق تحسـنًا فـي الظروف الماليـة يغيـر قواعـد اللعبـة. ومـع توفـر مبالـغ ماليـة أعظـم، سـوف يشـعر أربـاب الحملات بأنهـم سـيكونون قريبـًا فــي موقــع يخولهــم مســاعدة المجتمعــات المحليــة التــي لــم تقــم يومًــا أي صلــة بالحركــة البيئيــة وبالتالــي كســب أعــداد مؤيــدة كانــت لتنفــر مــن هــذه الحــركات لاعتبارها حكــرًا علــى مجموعــات نخبويــة مــن المجتمــع المدنــي. ويمكــن لضــخ مبالــغ نقديــة أكبــر أن يســمح لأصغــر المنظمــات بتوظيــف العناصــر وتخصيــص الوقــت الضــروري للعمــل الميدانــي.

وفـي الوقـت نفسـه، مـن شـأن الدعـم المحلـي أن يرخـي القبضـة الماليـة التـي نجـح بعـض الـدول السـلطوية فـي فرضهـا علـى الإخصائيين فـي مجـال البيئـة بفعـل تعويلهـم علـى المسـاعدات الأجنبيـة. ومـن الأمثلـة القاتمـة علـى ذلــك حالــة مصــر، حيــث إن تمويــل منظمــات المجتمــع المدنــي المعنيــة بشــؤون البيئــة كان يقتصــر علــى الهيئــات الأوروبية والدوليـة، فوجـدت نفسـها فـي ظـل القوانيـن التـي سـنت حديثـًا عاجـزة عـن قبـول أي هبـة مـن الخـارج[4].

وعلى النقيض من ذلك، سيسفر الاهتمام المتنامي في القضايا البيئية عن عمليات تعقب شرسة. وكانت دول سلطوية مثل تركيا تعتبر المجموعات البيئية غير مؤذية، حتى وقت قريب على الأقل، وتتعامل معها على هذا الأساس. لكن هذا الوضع تغير في ظل تنامي الفهم حيال قدرة القضايا البيئية على تعبة الحركات الشعبية وهى قناعة ترسخت على ضوء التظاهرات المتعلقة بقضايا المياه عبر المتوسط.

وبات ينظــر إلــى العديــد مــن هــذه المجموعــات علــى أنهــا ســبب لزعزعــة الاســتقرار وهــذا يعــزا إلــى أســباب كثيــرة  ليــس أقلهــا مشــاركة هــذه الحــركات فــي فعاليــات تســتنفر انتبــاه الدولــة الأمنية مثــل تشــارك المعلومــات والبيانــات عبــر الحــدود. (جديــر التنويــه بــأن العديــد مــن المجموعــات المصريــة وغيرهـا مـن المنظمـات العاملـة فـي بيئـة سياسـية معاديـة امتنـع عـن الإجابة علـى اسـتبيان المسـح.) وفـي ظـل تفاقـم أزمـة التغيـر المناخـي وتدهـور البيئـة، يفيـد منظمـو الحمـلات بـأن الاهتمام غيـر المرغـوب بـه سـوف يـزداد حــدة.

يعــرب العديــد مــن المنظمــات عــن تفــاؤل حــذر حيــال المســتقبل. وفــي مقابــلات أجريــت بشــأن العقــد المنصــرم، اقتــرح علمــاء البيئــة بــأن الظــروف المتدهــورة ســوف ترغــم فــي نهايــة المطــاف الــدول القمعيــة علــى تغييــر موقفهـا وحمـل الـدول الديمقراطيـة علـى إعطائهـا الدعـم والتمويـل الـذي تحتـاج.

ولكـن الجميـع تقريبـًا يشـعر بـأن مستقبل البيئة رهن بالتطور  فـي الحوكمـة أكثـر منـه التعامـل مـع التحديـات البيئيـة المحـددة. وهـذا مـا يرشـح عـن الاسـتبيان. قليلـة هـي منظمـات المجتمـع المدنـي المشـمولة فـي المسـح والتـي تـورد التعامـل مـع التحديـات البيئية علـى أنه يتصـدر أولويتهـا. أمـا المنظمـات العاملـة فـي مجـال البيئـة، فهـي تنشـط كذلـك فـي مجـالات أخـرى مـن المجتمـع المدنـي. أمـا المنظمـات التـي تعنـى بقضايـا البيئيـة، فهـي تعطـي الأولويـة لتعزيـز المسـاحة الديمقراطيـة والتأثيـر فـي المؤسسـات والتعامـل مـع حـالات انعـدام المسـاواة الاقتصادية والاجتماعيـة. فعـادة مـا يقتـرن الفشـل البيئـي بالفشـل فـي إدارة الدولـة بصـورة عامـة.

 

التوصيات

  • فـي ظـل تفشـي الجائحـة والأزمة االاقتصاديـة الناشـئة عنهـا، تتحـول الأنظار إلـى تمويـل منظمـات المجتمـع المدنــي ومنهــا المجموعــات البيئيــة عبــر المتوســط. ويعانــي العديــد مــن المنظمــات جــراء تراجــع التمويــل المحلــي والمؤسســي والوطنــي ممــا يزيــد الطيــن بلـة. وعليــه، يتعيــن علــى الأسرة الدوليــة، لا ســيما منهــا الاتحاد الأوروبي والمؤسســات الأوروبية، المواظبــة علــى دعــم هــذه المنظمــات لا بــل زيادتــه فــي فتــرات العـوز. لا تقتصـر المسـاعدة علـى الغيريـة بطبيعـة الحـال. فمـا يرمـى فـي المتوسـط أو يرسـو علـى شـواطئه يؤثــر فــي نهايــة المطــاف فــي الســاحل الشــاطئي برمتــه.
  • فــي بعــض الــدول المتوســطية الجنوبيــة، تتســول منظمــات المجتمــع المدنــي البيئيــة تمويــل القطــاع الخـاص والتمويـل المؤسسـي. ولكـن هـذا خطـأ. حيـث اسـتثمر العديـد مـن الشـركات فـي نطـاق المسـؤولية الاجتماعيـة للشـركة فـي خـلال السـنوات المنصرمـة. وعليـه، يجـب علـى المشـهد البيئـي محـاكاة النجـاح الـذي حققــته بعــض منظمــات حقــوق الإنســان لجهــة توظيــف الطاقــات.
  • ومن المهم أيضًا أن ينم عن الجهات المانحة الدولية اهتمام أكبر لجهة فهم العقبات التي تواجهها المؤسسات التي تتلقى المساعدة على الضفة الجنوبية من البحر. يرى بعض المجيبين على الاستبيان بأن الاتحاد الأوروبي كجهة مانحة هو محط ترحيب لكنه لا يخلو من العجرفة. فبحسب المنظمات لفعالية الاتحاد الأوروبي في توزيع المساعدات وإعطاء التوجيهات حدود وهى مشروطة بفهم طبيعة التحديات.
  • علــى الرغــم مــن تحســن التعــاون عبــر الحــدود فــي خـلال الســنوات المنصرمــة، بقــي العديــد مــن المنظمــات والــدول خــارج الخطــاب البيئــي عبــر المتوســط بفعــل الظــروف الماليــة المتعثــرة و/أو الضعيفــة. فــي حــال أرادت شــعوب المتوســط التمــاس الالتزام عبــر الحــدود فســوف تحتــاج الأسرة الدوليــة إلــى تيســير المزيــد مـن التعـاون الثاقـب. يمكـن أن يتخـذ ذلـك شـكل قمـم بيئيـة منتظمـة كمـا اقترحـه عـدد مـن علمـاء البيئـة مـن جنـوب المتوسـط أو خطـط «توأمـة» حيـث تعمـل منظمـات المجتمـع المدنـي مـن دولـة مـا مـع مجموعـات متشــابهة مــن حيــث الفكــر فــي دولــة أخــرى.
  • فــي الأماكن التــي يواجــه فيهــا علمــاء البيئــة القمــع، باســتطاعة المؤسســات الأوروبية ويجــب عليهــا فــرض ضغـوط أكبـر للتخفيـف مـن الـوزر الملقـى علـى عاتقهـا. وفـي معـرض تعقـب هـذه المنظمـات، تجـد الـدول المتسـلطة نفسـها تزيـد مـن حجـم التدهـور البيئـي علـى المسـتوى الوطنـي كمـا علـى صعيـد المتوسـط الـذي يجـد نفسـه فـي حالـة حرجـة. وحيـث إن دول الاتحاد الأوروبي والـدول الأعضاء هـي مـن بيـن الجهـات المانحـة الأكبر للحكومـات المذنبـة، فهـي تتمتـع بالنفـوذ لا بـل بالواجـب للتدخـل. وبالنظـر إلـى الصعوبـة الناشـئة عـن انتهـاكات حقـوق الإنسان والظـروف الخانقـة الناشـئة عنهـا، فمـن شـأن التعامـل مـع البيئـة علـى أنهـا ميـدان «أكثـر مرونـة» أن يهـدئ مـن مهمـة واضعـي السياسـات؛
  • والأهم مـن ذلـك أن الجهـات الفاعلـة الأوروبية بحاجـة إلـى التأكيـد لنظرائهـا مـن المتوسـط– وللعامليـن فـي مؤسســاتها –علــى أهميــة البيئــة وإدراجهــا ضمــن أولويــات العمــل. فكلمــا تنصلــت الحكومــات مــن مهامهــا تنامـى حجـم العـبء الملقـى علـى كاهـل المنظمـات غيـر الحكوميـة؛ ولكـن مهمـا عظـم حجـم التمويـل والدعــم، وباعتــراف معظــم المنظمــات، لا يمكــن أن تكــون مســؤولية الأخيرة مطلقــة. فــإن مجتمعــا مدنيًــا حسـن العمـل يسـتوجب وجـود شـركاء حكومييـن قادريـن وذوي إرادة صلبـة. فمـن إثـارة الشـؤون البيئيـة داخـل الحــوار السياســي عبــر المتوســط إلــى المســاعدة علــى تدابيــر التخفيــف والتلطيــف مــن المنــاخ علــى الحــدود الجنوبيــة للمتوســط، يتعيــن علــى الأسرة الدوليــة إعطــاء البيئــة الأهمية التــي تنســجم مــع الوضــع.

[1] تقييم ناشئ عن البحث المسحي لبرنامج حوار المتوسط وعن لقاء العديد من المنظمات غير الحكوميّة المعنيّة بالبيئة على مدى سنوات.

[2] خضعت جميع المقابلات التي أجريت في إطار هذا الفصل لموجب السريّة.

[3] تشــكل المبــادرة المتوســطية للتعليــم جــول البيئــة والاســتدامة MEdIES وهــي مبــادرة مــن توقيــع المكتب الإعلامي المتوســطي للبيئــة والثقافــة والتنميــة المســتدامة MIO-ECSDE والـذي يتـم توصيفـه فيمـا بعـد علـى أنّـه مـن بـين الممارسات الحميـدة، والحملـة السـنويّة Up the Med Clean التـي روجـت لهـا منظمـة Legambiente التـي عملـت عــام 2020 مــع مئــة منظمــة أو مجموعــة مــن 17 بلــدًا في عمليّــات تنظيــف للشــاطئ، مثالــين عــن مبــادرات عــبر الوطنيّــة تحــاولان ربــط المجموعــات البيئيــة خــارج الحــدود.

[4] المرجع One Old the as Draconian As: Law NGO” New “s’Egypt – Sheet Fact “POMED ،.”