مجتمع مزدهر

في العشرين سنة الماضية فقط، تضاعفت نسبة المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية من 0.5% إلى 1%، الأمر الذي جعل من الإسلام الدين الأسرع نموًا في الولايات المتحدة خلال العشرين سنة الأخيرة. ويعود منشأ هذه الزيادة بصورة أساسية إلى مئات الآلاف من الطلاب والباحثين الذين توافدوا على الجامعات الأمريكية قادمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا خلال العقود القليلة الماضية. كما استقر الحال بنسبة كبيرة من هؤلاء الطلاب والباحثين على الإقامة في الولايات المتحدة ليساهموا بذلك في نمو جالية مسلمة تتسع يومًا بعد يوم وتتمتع بمستوى تعليمي وازدهار اقتصادي يفوق بكثير نظيراتها من الجاليات المسلمة في أوروبا والعالم.

رويدًا رويدًا أخذت هذه الجالية في تشكيل جمعيات ومنظمات مجتمع مدني تمثلها وتنظم شؤونها الدينية والاجتماعية، وبطبيعة الحال كانت اتحادات الطلاب الجامعية -على شاكلة رابطة الطلاب المسلمين التي تأسست عام ١٩٦٣م- هي البداية التي تطورت لاحقًا إلى هيئات ومؤسسات تغطي مساحات أوسع من المجالات الاجتماعية والتطوعية وتقوم بإدارة شؤون المساجد والمجتمعات المسلمة وتتواصل مع الهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني. على رأس هذه المنظمات تأتي المنظمة الأكبر «مجلس الولايات المتحدة للمنظمات الإسلامية USCMO» والتي تأسست في 2014 لتشكل مظلة تضم تحتها أهم الهيئات الدعوية والخيرية ومنظمات المجتمع المدني الإسلامية كالجمعية الإسلامية الأمريكية «MAS» و «مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية CAIR» والتي تعد أهم المؤسسات التي تعمل في مجال الضغط السياسي للدفاع عن حقوق المسلمين والتواصل مع المنظمات والهيئات السياسية والحكومية.

بالتزامن مع هذا النمو العددي والتنظيمي تنامى الدور السياسي والمجتمعي الذي تلعبه الجاليات المسلمة في أمريكا ليصل المسلمون لأول مرة إلى مجلس النواب الأمريكي في ٢٠٠٧ عن طريق النائب كيث إليسون، ثم مرة ثانية في ٢٠٠٨ بواسطة النائب أندريه كارسون. (للمزيد اقرأ:المسلمون في أمريكا: من الهيب هوب إلى عضوية الكونجرس)


استبيان كير: ترامب يتصدر الجمهوريين وهيلاري الأكثر شعبية

الصورة توضح نتائج الاستبيانات التي أجراها (كير) مطلع الشهر الجاري

في تقريرها الذي أصدرته كير مطلع الشهر الجاري بناء على استبيانات قامت بتوزيعها على ٢٠٠٠ مسلم شاركوا في الانتخابات الرئاسية التمهيدية، تبين ان 67% من الناخبين المسلمين يدعمون الحزب الديمقراطي بينما يحظى مرشحي الحزب الجمهوري بدعم 18% فقط. وتصدرت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون نتائج الاستطلاع إذ حظيت بتأييد 46% من الناخبين المسلمين يليها منافسها الديمقراطي بيرني ساندرز الذي نال 25% من أصوات الناخبين.

الأمر الجدير بالذكر أن الاستبيان أظهر أن ساندرز هو المرشح الأكثر شعبية بين المسلمين الشباب دون سن الـ 24. إذ تصل نسبة تأييده بينهم إلى 78% بينما تتزايد شعبية هيلاري كلينتون مع التقدم في عمر المستطلعة آراؤهم. أما على الجانب الجمهوري فقد أتت المفاجأة بتصدر رجل الأعمال دونالد ترامب لقائمة المرشحين الجمهوريين بـ 11% من الأصوات يليه المرشح ذو الأصول اللاتينية ماركو روبيو بـ 4% ثم سيناتور ولاية تكساس تيد كروز بـ 2%.

بإمكاننا إرجاع هذا التقدم لترامب صاحب التصريحات العنصرية ضد المسلمين إلى ما أظهرته نتائج الاستطلاع من تصدر مسألة الاقتصاد ترتيب اهتمامات الناخب المسلم الجمهوري بينما يحل الاقتصاد في المرتبة الثانية بعد الإسلاموفوبيا على قائمة أولويات الناخبين المسلمين المؤيدين للحزب الديمقراطي والذين يشكلون أغلبية الناخبين المسلمين إجمالا.


المسلمون يواجهون وضعًا «أسوأ من ١١ سبتمبر»

«جورج بوش» يلقي خطابًا من المركز الإسلامي في واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر وعلى يساره «نهاد عوض» المدير التنفيذي لـ«كير»
«جورج بوش» يلقي خطابًا من المركز الإسلامي في واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر وعلى يساره «نهاد عوض» المدير التنفيذي لـ«كير»
«نحن نعمل في مناخ من الهستيريا والخوف.. أنا لم أر الوضع قط بهذا السوء حتى على إثر 11 سبتمبر»

إبراهيم هوبر، مسؤول التواصل في كير

«الخطاب الذي وجهه بوش الابن بعد أيام معدودة من تفجير البرجين في 2001 من المركز الإسلامي في واشنطن -محاطا بعدد من قيادات العمل الإسلامي منهم نهاد عوض المدير التنفيذي لـ (كير)- قائلا فيه: «إن وجه الرعب لا يمثل دين الإسلام .. فالإسلام هو سلام»، خطاب كهذا لو قاله بوش اليوم وكان متنافساً على ترشيح الحزب الجمهوري لسقط فورا خارج السباق» هذا ما قاله عابد أيوب المدير بلجنة الأمريكيين العرب لمكافحة التميبز، واصفًا مدى السوء الذي وصلت له حالة الإسلاموفوبيا خاصةً بين السياسيين المنتمين للحزب الجمهوري.

فبجانب التصريحات العنصرية التي واظب المرشح الجمهوري بن كارسون على الإدلاء بها، وبالإضافة إلى تعليقات تيد كروز وكبار مديري حملته المتعصبين أتت تصريحات متصدر السباق الجمهوري دونالد ترامب لتثير أكبر موجة من القلق والاستهجان بين المسلمين في أمريكا. ففي نوفمبر الماضي دعا دونالد ترامب إلى تسجيل جميع المسلمين الأمريكيين ضمن قاعدة بيانات وطنية لمتابعة كافة تصرفاتهم وتحركاتهم، كما دعا إلى منع تام لكافة المسلمين من الدخول للولايات المتحدة «إلى أن نستطيع أن نعرف حقا ما الذي يحدث».

«أمي، هل سيهاجم الجيش بيتنا في منتصف الليل ليجبرنا على الرحيل؟!»

سؤال وجهته طفلة مسلمة لأمها عقب سماعها لردود أفعال مؤيدي ترامب في التلفاز على إثر أحد خطاباته

إلى الآن يظل ماركو روبيو -الذي رفض في 2011 حضور مؤتمر يدعم الإسلاموفوبيا نظمته «حركة الشاي»- هو الاستثناء الوحيد لهذه الحالة السائدة بين المرشحين الجمهوريين. بينما في المقابل، على الجانب الديمقراطي، حرصت هيلاري كلينتون على تأكيد دعمها للمسلمين الأمريكيين مثمنة «مساهمة الملايين من المسلمين الأمريكيين الذين قدموا الكثير لجعل هذا الوطن قويًا»، والتي تستند إلى تاريخ طويل من التقارب مع الجالية المسلمة في الولايات المتحدة منذ كانت «السيدة الأولى» إبان رئاسة زوجها بيل كلينتون في التسعينات؛ ومؤخرًا أقصت من حملتها في ولاية فيرجينيا أحد السياسيين المنتمين للحزب الديمقراطي كان قد اقترح معاملة المسلمين الأمريكيين بصورة شبيهة بمعسكرات الاعتقال التي تعرض لها الأمريكيون من أصول يابانية إبان الحرب العالمية الثانية؛ تصريح لاقى استهجانًا واسعًا لدى قيادات الحزب وأدى لإقالته من حملة كلينتون رغم اعتذاره عنه. الموقف نفسه تجاه الإسلاموفوبيا يشترك فيه المرشح الديمقراطي (اليساري) بيرني ساندرز والذي وصف -في إجابته على سؤال طالبة مسلمة- خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا المتنامي في الساحة الأمريكية بـ «العنصرية التي يجب علينا جميعا أن نتوحد للقضاء عليها» مؤكداً أنه في حال وصوله لرئاسة الولايات المتحدة «فسأقود بنفسي تلك الجهود».


على الرغم من حقبة النمو والازدهار التي تشهدها الجالية المسلمة بالولايات المتحدة إلا أن طريقها يمر حاليًا عبر ممر ضيق تلاحقها فيه إشكاليات العالم الإسلامي الممزق، وتواجهها على الجهة الأخرى أزمات الأيديولوجيا والاقتصاد والديموغرافيا التي يعيشها العالم الغربي في مشهد ربما يذكرنا بحال المسلمين وهم يضعون خطواتهم الأولى على أرض الأندلس: أقدامهم على أرض جديدة، وسفنهم (أوطانهم) من خلفهم محترقة ، وليس أمامهم من سبيل للحياة والعمران وبناء الحضارة سوى مكافحة جيوش من الكراهية والعنصرية والبغض.

المراجع
  1. 1