مساء يوم الجمعة الماضي (13 أكتوبر/تشرين الأول)، كشف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» عن استراتيجيته تجاه إيران وموقفه من الاتفاق النووي بعد 9 أشهر من التشاور مع مجلس الأمن القومي الأمريكي و لجيش والاستخبارات والكونغرس.

كان العالم يترقّب ما سيعلن عنه الرئيس الأمريكي باهتمام لأن الإتفاق النووي الإيراني لم يكن اتفاقًا ثنائيًا؛ بل كان اتفاقا دوليًا تفاوضت فيه طهران مع الدول الكبرى، وضمِن الاتفاق الحد الأدنى من مصالح جميع هذه الدول.

الخبر السعيد الذي سمعه العالم هو أن الرئيس الأمريكي لم ينسحب من الاتفاق النووي كما كان يهدد، لكنه تحدث بوضوح عن أن إيران لم تلتزم بالاتفاق الذي وقّع في 2015، و أنه سوف يتخذ إجراءات سياسية واقتصادية لدفع الإيرانيين للالتزام بالاتفاق.

أبرز الإجراءات التي أعلن عنها ترامب أنه بصدد اتخاذها، هي التعامل مع الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية (دون تصنيفه بذلك)، والعمل على تجفيف أموال الحرس واتخاذ إجراءات مالية قاسية بحقه حتى لا يستطيع تطوير القدرات الصاروخية التي يرعب بها جيرانه.

استخدم ترامب خطابًا قويًا تجاه إيران، لكنه لم يتضمن أي إجراءات حقيقية ضد إيران، أي أن الخطاب كان خطابًا تخويفيًا.

تحدّث ترامب بوضوح عن إحياء العلاقات الاستراتيجية القديمة مع أصدقائها القدامى في المنطقة، وهذا ما أطرب مسامع المملكة العربية السعودية، خصوصًا أن ترامب في لفتة ذكية استخدم تعبير «الخليج العربي» الذي يسعدها، ما يشير بوضوح إلى أنه يقصد أن العرب أصدقاؤه، والفرس أعداؤه .

تحدث ترامب بشكل واضح عن أن تمويل الإرهاب الذي تقوم به إيران يجب أن يتوقف، وأعلن أنه ينوي تقييد التأثير المزعزع للاستقرار الذي تقوم به الحكومة الإيرانية التي تبدد ثروات الشعب الإيراني في دعم الإرهاب. وأعلن أنه سيغلق كل المسارات التي تدفع إيران إلى امتلاك سلاح نووي.

بعد الخطاب خرجت بيانات تأييد له من قبل السعودية وإسرائيل والإمارات ومصر، بينما ظهر امتعاض كبير من إيران وصديقتها روسيا وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي تحدّث بوضوح عن أن أمريكا لا تستطيع لوحدها إلغاء الاتفاق دون التشاور مع شركائها الدوليين، وأن الاتفاق هو حصيلة مفاوضات استمرت 13 عامًا كاملة.

بتحليل عام لمجمل خطاب ترمب، نلاحظ أنه استخدم خطابًا قويًا تجاه إيران، لكنه لم يتضمن أي إجراءات حقيقية ضد إيران، أي أن الخطاب كان خطابًا تخويفيًا بالدرجة الأولى لطهران، ويلاحَظ أن ترامب لم يلوِّح حتى باستخدام القوة ضد إيران كما كان يفعل أوباما، بل إنه ركّز بشكل رئيسي على أنه سيستخدم الضغوط الاقتصادية والسياسية ضد إيران لكي تركع، وهذا ما سيطمئن النظام الإيراني مؤقتًا.

لكنه وضع الاتفاق النووي أمام الكونجرس ليقرر ماذا سيفعل في الاتفاق بموجب قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني الذي صدر في زمن أوباما، والذي يقضي بإصدار الإدارة تقريرًا عن التزام إيران بالاتفاق كل ثلاثة أشهر، ليبت الكونجرس في شأن العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي، أي أن ترامب وضع الكرة في ملعب الكونجرس الأمريكي، والكونجرس من صلاحياته إعادة بعض أو كل العقوبات التي تم تعليقها عندما وُقع الاتفاق النووي.

الأوربيون من جهتهم في حالة غضب شديد مما فعله ترامب الذي قرر إرضاء تل أبيب والرياض دون مراعاة مصالحهم، وهم الذين انتهزوا رفع العقوبات لتوقيع عقود مليارية مع النظام الإيراني، ويعتبرونه حليفًا موثوقًا في مكافحة الإرهاب، خصوصًا في سوريا والعراق، حيث يتواجد تنظيم داعش الذي يعتبر التهديد الرئيسي اليوم للدول الأوروبية.


كارثية أم حازمة استراتيجية ترامب تجاه إيران

شائع بين الأوساط الصحفية الأمريكية وصف الرئيس الأمريكي بأنه أخرق، بل إن وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» وصف ترمب بهذا الوصف في اجتماع خاص في الصيف الماضي حسب NBC News؛ ولذلك فإن كل ما يقوم به الرئيس الأمريكي غير المتزن يجب أن يتعامل معه بحذر شديد، ومن ذلك استراتيجيته تجاه إيران لأن الخطأ في منطقة الشرق الأوسط قد يكلّف حربًا طاحنة ستكون لها تأثيرات كارثية على الاقتصاد العالمي.

من الأمور الجيدة التي قام بها ترامب، إضافته للمليشيات الإرهابية الإيرانية كحزب الله كعدو يجب استهدافه ومواجهته وقطع التمويل عنه، وكذلك استهدافه الصواريخ الباليسيتية الإيرانية، مع ملاحظة أن ترامب هدفه الرئيس من ذلك ليس الانتصار لدماء ضحايا إرهاب مليشيات إيران في العراق وسوريا واليمن، بل أمن إسرائيل، والدليل على ذلك وضعه حركة حماس، وهي حركة مقاومة، في نفس المنزلة مع حزب الله الذي تسبب في خراب سوريا واليمن، وتدريب الإرهابيين في الخليج.

بالمجمل، يبدو أن ترامب لا يملك أي استراتيجية لمواجهة إيران، وأنه يدفع المنطقة لمنزلقات حرب كارثية.

لكن ذلك يعتبر مغامرة منه، لأن خنق حزب الله ربما يدفعه للانتحار بشن حرب على اسرائيل تتسبب في تقويض أمن الصهاينة وإدخال الملايين منهم في الملاجئ, والحزب إذا خُنق، فلن يكون لديه ما يخسره، فهو محمي ومحتضَن من قبل طائفته وحلفائها من الطوائف الأخرى في لبنان.

الأمر السيئ أن إيران يمكن أن تضغط على الخليج كذلك عبر دعم الإرهابيين هناك، وقد كانت أحداث العوامية قبل أِشهر مثالا جليًا أن ثورة شيعية مسلّحة في السعودية واردة جدًا في ظل الدعم الإيراني الكبير الذي تم كشفه لخلايا «المسورة» في العوامية.

ومعلوم أن إرهابيي العوامية تدرّب أغلبهم في معسكرات حزب الله حيث يستغلون أن لبنان بلد سياحي، فيأتون كسائحين، ثم يرسَلون إلى معسكرات التدريب قبل إرجاعهم إلى بلادهم حيث ينشطون فيها متى ما جاءتهم أوامر إيران.

الأمر الكارثي هو أن ترامب يستهدف البرنامج الصاروخي الإيراني للصواريخ الباليستية التي يمكن أن تتوجه ضد إسرائيل، ويتجاهل الصواريخ متوسطة المدى التي يمكن أن تستخدم في تدمير الخليج العربي ومنشآته النفطية، والتهديدات الإيرانية بغلق مضيق هرمز بالألغام البحرية الذي تلوّح به طهران كلما ضغطتها الولايات المتحدة.

الأمر المهم أيضا أن هنالك تجاهلا تامًا للدور الإيراني التدميري في سوريا، ولم تخرج إدانة، ولو لفظية، ضد هذا الدور الذي تسبب في مأساة ملايين اللاجئين، وهم أولى بالذكر من أن يشغل ترامب العالم بمسألة حقوق الإنسان في داخل إيران، والتي هي مسألة داخلية إيرانية بحتة. فقد كان من العجيب أن يتجاهل ترامب التأثير الإيراني المدمر في سوريا ليتباكى على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

بالمجمل، يبدو أن ترامب لا يملك أي استراتيجية لمواجهة إيران، وأنه يدفع المنطقة لمنزلقات حرب كارثية يمكن أن تشنها أذرع إيران التي تضخمت كثيرًا خلال إدارة أوباما حتى باتت تسيطر على أربع عواصم عربية.

الخطأ اليوم في التعامل مع إيران يعني أن تشن إيران والدول الأربع التي احتلتها (ما مجموعه خمس دول)، حربًا على حلفاء أمريكا في المنطقة، وهم الخليجيون، وقد شاهدنا كيف أن بيدقًا إيرانيًا تافها مثل جماعة الحوثي قد تسبّب في أذى كبير للمملكة العربية السعودية ولوّح باستهداف الإمارات وتعطيل الملاحة في باب المندب.

كنت سأعتبر سياسة ترامب حازمة تجاه إيران لو أنه اتخذ مواقف قوية في سوريا ضد بشار الأسد الذي هجّر شعبه بالبراميل الحارقة. أما وقد قرّر التعامل مع الأسد وفتح صفحة جديدة معه، فهذا يعني أن ترامب كاذب وغير جاد في مواجهة إيران.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.