في البدء لا أخفي أنني معجب جدا بالدكتور يوسف زيدان وبعمله الدؤوب في مخطوطات التراث العربي الإسلامي، ولا أنكر أنني صدمت بمواقف الدكتور الأخلاقية التي اتخذها من متظاهري رابعة ومحاولته تبرير سفك دمائهم، وذلك بحديثه المؤلم عن انتهاكات قامت بها جيوش الخلافة العباسية أثناء ثورة الزنج دون أن تكون هناك كاميرات الجزيرة! وأن سفك الدماء في سبيل المحافظة على الدولة مبرر، ولكن نلتمس العذر للرجل ونقول ربما قال كلامه هذا من قبيل التقية السياسية لأنه كتب على صفحته في 30 يوليو 2013م: «اللهم ارحم رابعة العدوية، ومَن عندها، بألطافك الخفية».

يقول الدكتور الفاضل أن المسجد الأقصى موجود في الطائف، وليس هو المسجد الموجود في القدس، وأن أول من ابتدع أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس، عبد الملك بن مروان، مكررا مزاعم المستشرق المجري جولدتسهير التي أثارها في مطلع القرن الماضي والتي نقلها عن المؤرخ الشيعي الرافضي أبو العباس أحمد بن إسحاق اليعقوبي، ويكفي فقط أن تعلم يا دكتور أن مورد هذه الرواية هو شخص رافضي في الحديث عن بني أمية لكي تنكرها أو تشكك فيها لما بين الرافضة وبني أمية من عداوة واختلاف، وهذا من أبجديات المنهج العلمي، وحتى من منهجك أنت يا دكتور، وأنت الذي أنكرت قصة لقاء أبو يزيد البسطامي مع القسيس في الكنيسة والمناظرة التي تمت بينهما رغم أنها منتشرة في كل كتب المتصوفة وحاولت تأويلها في برنامجك الأولياء، ربما لكي لا يغضب منك شركاء الوطن.

في الحقيقة ما يهمني من هذا الموضوع هو معرفة المنهج الذي استخدمه الدكتور في تحديد موقع المسجد الأقصى، ولماذا اختار منطقة الطائف بالتحديد ولم يختر موقع المسجد في هونغ كونغ أو مسجد كوفان كما يزعم الشيعة الروافض، حيث يروي الكليني صاحب كتاب الكافي على لسان جعفر الصادق:

«ما من عبد صالح ولا نبي إلا وقد صلى في مسجد كوفان حتى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسرى الله به، قال له جبرائيل عليه السلام: تدري أين أنت يا رسول الله الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان. قال: فاستأذن لي ربي حتى آتيَهُ فأُصلّي فيه ركعتين، فاستأذن الله عز وجل فأذن له، وإنَّ ميمنته لروضة من رياض الجنّة، وإن وسطه لروضة من رياض الجنة، وإن مؤخره لروضة من رياض الجنة، وإنَّ الصلاة المكتوبة فيه لتعدل ألف صلاة، وإن النافلة فيه لتعدل خمسمائة صلاة، وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا».

هذا مع العلم أن مدينة الكوفة بناها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كمعسكر لتجمع الجنود بعد معركة القادسية بالقرب من موقع مدينة الحيرة وذلك بعد وفاة رسول الله بزمن طويل.

قلت لعل الدكتور الفاضل خلط بين قرن المنازل الميقات الذي يحرم منه حجاج نجد وبين المسجد الأقصى، ولكن لا زال الدكتور يحتاج إلى دليل، وإذا كان الإسراء فعلا إلى قرن المنازل فما هو وجه الإعجاز الذي حدث للنبي عليه الصلاة والسلام؟ يمكن للفارس المسرع أن يصل إلى هذا المكان من مكة ويعود في نفس الليلة من كان تحته فرس سريع، فالمسافة بين قرن المنازل ووسط مدينة مكة أقل من ساعتين بالباص ويمكن أن تكون بحوالي أربع ساعات بالحصان (حوالي 80 كيلو متر) فأين الإعجاز الذي يجعل الله سبحانه وتعالى يذكر هذه القصة في القرآن ولماذا اعترض المشركون عليها وكذبوها وتشكك فيها بعض الصحابة وصدقها أبو بكر قبل أن يسمعها من النبي فسمي الصديق؟ أعتقد أن هذه الأسئلة يجب أن توجه للدكتور بل وأزيد عليها هل يؤمن الدكتور يوسف زيدان بمعجزات الأنبياء أم أن له موقف من المعجزات.

لقد استخدم الدكتور يوسف زيدان علم التأويل (الهيرمونطيقا) في التفسير للآية القرآنية، وهو ما دفعه لهذا التفسير الغريب للآية القرآنية في مطلع سورة الإسراء، وأنا لدي أزمة مع مستخدمي هذا العلم من الإخوة العلمانيين، فهم يحاولون جاهدين استخراج العلمنة من النصوص التراثية عموما والنص القرآني خصوصا، وهذا يدفعهم لتأويلات غير منطقية وتأويل الدكتور لمعنى المسجد الأقصى بأنه مسجد في طريق مكة الطائف هو محاولة إن (أحسنت في تقديري لنواياه) هي محاولة لعقلنة معجزة الإسراء وهذا الأمر لا يستقيم يا دكتور، فالإسراء هو خرق لقوانين الطبيعة والكون والتي منها أنه لا يستطيع بشر أو مخلوق حي (كالحصان) أن يقطع مسافة كبرى كالتي بين مكة والقدس ويرجع في نفس الليلة وبالتالي كان الإسراء معجزة للمشركين.

في الحقيقة نحن المسلمون نحتاج لهذا العلم لا لعقلنة المعجزات كما يفعل العقل الأوربي، بل لحل إشكاليات موجودة في الفكر الإسلامي، فنحتاج للهيرمونطيقا لحل مشكلة الاسترقاق التي أثارها تنظيم داعش من جديد، ورغم أنه لا توجد آية في القرآن تتحدث عن الاسترقاق، ولكن توجد آيات كثيرة تتحدث عن تحرير الرقيق، فيمكن تأويل آيات فك الرقاب بدفع الديات أو دفع ديون الغارمين كحل لمشكلة فهم هذه الآيات، وما دام العالم اليوم اتفق على تجريم الرق؛ فينبغي على المسلمين الالتزام بذلك، فالمسلمون كذلك اكتووا بنيران الرق مثلهم مثل باقي الأمم. فخطف ملايين المسلمين من المغول شرقا وبيعوا عبيدا، وخطف ملايين البشر من الأندلسيين والمغاربة، خطفهم الإسبان والبرتغاليين والقراصنة غربا وبيعوا عبيدا، وخُطف ملايين البشر من مسلمي غرب أفريقيا وبيعوا عبيدا كما تروي رواية الجذور لأليكس هيلي، وفي أمور مثل هذه التي هي من الفروع فأنا أقبل بمنتوج هذا العلم، أما التأويل في المعجزات والنبوات ومحاولة كتابة تاريخ ديني عقلاني كما يزعمون كمهزلة كتاب حياة يسوع لجورج هيغل الذي حذف منه معجزات سيدنا عيسى بن مريم فهذا مرفوض يا أيها المشتغلون بهذا العلم.