شهدت العلاقات التونسية–الإماراتية توترًا كبيرًا خلال الأيام الأخيرة. كانت البداية عندما اتخذت الخطوط الجوية الإماراتية قرارًا مفاجئًا يقضي بمنع نساء تونس من دخول مطاراتها أو المرور عبرها. أثار القرار غضب التونسيين، فاضطرت السلطات إلى تعليق كافة رحلات «الإماراتية» من وإلى تونس لحين احترامها للمعاهدات والقوانين الدولية الخاصة بقطاع النقل الجوي.

كيف نقرأ القرار الإماراتي؟ وكيف نقرأ الرد التونسي؟ وهل قرار سلطات أبو ظبي يمثل مخالفة لنهجها في التعامل مع دول المنطقة التي ترفض سياساتها؟


جذور الأزمة

بدأ التوتر في العلاقات التونسية – الإماراتية منذ اندلاع «ثورة الياسمين» مطلع عام 2011، التي كانت شرارة انطلاق ثورات الربيع العربي في المنطقة. سلطات أبو ظبي لم تخف استياءها من الثورات التي غيرت وجه المنطقة، وأتت بالإسلاميين إلى السلطة. في هذا الإطار، كان من الطبيعي أن يناصب حكام الإمارات حكومة النهضة والرئيس التونسي السابق «منصف المرزوقي» العداء.

بلغ هذا التوتر ذروته في أيلول/ سبتمبر 2013، عندما استدعت أبو ظبي سفيرها في تونس «للتشاور حول المستجدات في العلاقات بين البلدين»، على خلفية تصريحات لـ«المرزوقي»، في الأمم المتحدة، طالب فيها بإطلاق سراح الرئيس المصري المعزول «محمد مرسي». إذ رأت الإمارات في حديث المرزوقي «تدخلًا فجًا وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر، إضافة إلى أنها تشكيك في إرادة الشعب المصري»، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

مع دخول الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج، كان من المتوقع أن تحدث انفراجة في العلاقات التونسية – الإماراتية. كيف لا والرجل يمتلك علاقات جيدة للغاية مع حكام الإمارة الخليجية، الذين «أهدوه» سيارتين مصفحتين حرصًا على حياته؟ لكن «شهر العسل» التونسي – الإماراتي انتهى سريعًا، وعادت التوتر إلى العلاقات مرة أخرى.

نشرت مجلة «Jeune Afrique» الناطقة بالفرنسية، في أيلول/ سبتمبر 2015، أن دولة الإمارات أجلت استقبالها للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أكثر من مرة، وعلقت إصدار تأشيرات للتونسيين لـ«أسباب أمنية»، بسبب قيام قاض تونسي بتوجيه دعوة إلى حاكم دبي الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» للتحقيق معه في قضية فساد بالقطاع العقاري، وهو ما اعتبرته أبو ظبي إهانة كبيرة.

لكن أخبارًا تكشفت بعد ذلك تشير إلى أن التوتر بين البلدين أعمق من هذا، إذ نشر موقع «MIDDLE EAST EYE» تقريرين أواخر عام 2015 يشيران إلى وجود تهديد إماراتي بزعزعة الاستقرار في تونس بسبب رفض قياداتها تكرار السيناريو المصري في قمع المعارضة الإسلامية، وعلى رأسها حركة النهضة.

محاولات تفسير قرار الخطوط الإماراتية الأخيرة ذهبت إلى أنه كان رد فعل على قيام السلطات التونسيّة بترحيل إماراتيين تمّ إيقافهم في صحراء البلاد بصدد اصطياد طيور نادرة بشكل غير قانوني، لكن تاريخ العلاقات بين البلدين منذ ثورة 2011، يشي بخلاف ذلك. قد يكون ما فعلته تونس ذريعة تذرعت بها الإمارات لتقديم «قرصة أذن» جديدة إلى القيادة التونسية، لكن من المستبعد أن يكون هذا هو السبب الحقيقي.

على الجانب الآخر، كيف نقرأ رد الفعل التونسي؟

دأبت السلطات التونسية، ممثلة في قيادتها العليا، على نفي وجود توتر في العلاقات مع الإمارات. رئيس الجمهورية «الباجي قائد السبسي»قال بنفسه، أواخر عام 2015، تعليقًا على رفض سلطات أبو ظبي منح التونسيين تأشيرات دخول: «لا وجود لأزمة ما تكبروش الحكاية… الوضع أن كل دولة تستعمل سيادتها والوضع ليس خاصًا بالتونسيين فقط بل بعديد الدول».

رغم أن رد الفعل التونسي على قرار الإمارات الأخير كان قويًا، إلا أنه لا يمكن القول إنه جاء بإرادة سياسية خالصة بل يمكن القول إن القيادة السياسية دفعت لاتخاذه دفعًا استجابة لغضب الشارع. يدعم هذه الفرضية تصريحات المتحدثة باسم الرئاسة التونسية «سعيدة قراش» التي أبدت فيها تفهم تونس للمخاوف الإماراتية، وأن «الإجراء الإماراتي ضد المسافرات التونسيات على خطوطها، سببه مخاوف من حدوث اعتداء تنفذه نساء يحملن جوازات سفر تونسية».


عقابًا للثورة

النهج الذي انتهجته أبو ظبي في التعامل مع تونس والتونسيين لا يُعد نهجًا دخيلًا على سياستها الخارجية، بل هو صلب سياستها الخارجية في التعامل مع دول الربيع العربي. بالعودة إلى الماضي القريب فقد قامت الإمارات، بعد شهرين من إطاحة ثورة 25 يناير 2011 بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك،برفض منح العديد من المصريين الموجودين على أراضيها تأشيرات عمل، أو نقل كفالة من كفيل إلى آخر، أو تجديد الإقامة، أو تصاريح عمل، مما اضطر عددًا منهم لمغادرة البلاد.

كان التبرير الإماراتي حينها أن القرار لـ«حماية أمن البلاد وعدم السماح بتواجد أشخاص غير مرغوب فيهم، أو يمثلون تهديدًا مباشرًا أو غير مباشر لأمن واستقرار البلاد، والإصرار على محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، بالإضافة إلى التخوفات الشديدة لدى دول الخليج من التقارب المصري الإيراني». كان القرار إذًا بمثابة عقاب للشعب المصري على ثورته وامتلاكه زمام أموره، وتهديد القيادة بتسريح العمالة المصرية إذا لم تسر الأمور وفق أهواء حكام الإمارات.

أوقفت الإمارات كذلك، أكثر من مرة، منح اليمنيين تأشيرات دخول إلى أراضيها، رغم أنها سبب رئيسي في مفاقمة الأزمة الإنسانية في اليمن، عبر مشاركتها في الحرب على جماعة الحوثي. كما رفضت على مدى 6 سنوات استقبال لاجئين سوريين على أراضيها، ثم أعلنت في أيلول/سبتمبر 2016 أنها ستستقبل 15 ألف لاجئ سوري خلال الخمس سنوات المقبلة، في حين تستقبل دول عربية فقيرة كالأردن ولبنان ومصر ملايين اللاجئين السوريين.